ما هو الوقت الذي تحتاجه لتكوين عادة جديدة؟

لا بدَّ أنَّك قد ترغب يوماً ما في تغيير شيء ما في حياتك، وربَّما تودُّ الابتعاد عن التدخين أو بدء نظام تمرين جديد أو تناول مزيد من الخضار، لكن ما الوقت اللازم حتى يصبح هذا التغيير عادةً دائمةً؟



اعتقد الناس تاريخياً أنَّهم كانوا يستغرقون لتكوين عادة جديدة أو تغيير عادة موجودة أصلاً 21 يوماً، إلَّا أنَّ الادعاءات الأخيرة رفعت هذا الرقم إلى 66 يوماً، لكن في الواقع، تُظهر أهم الدراسات الحديثة أنَّ تكوين عادة جديدة قد يستغرق ما بين 18 و254 يوماً، والتي يبلغ متوسطها نحو 66 يوماً.

يسلط هذا المقال الضوء على بعض المتغيرات التي تؤثر في موقعك في هذا المجال، ومن ذلك العوامل الرئيسة التي تساعدك على نجاح هذه العادات الجديدة أو فشلها، ويذكر أيضاً بعض الآثار المترتبة على هذه المعلومات الجديدة، التي تخبرك أنَّه ربما تستغرق وقتاً أطول مما كنت تظنه في السابق لتكوين هذه العادات.

لكن يجب أن تُلقي أولاً نظرةً على سبب اعتقاد الناس في البداية أنَّ الأمر سيستغرق 21 يوماً فقط لتأسيس عادة جديدة.

هل يستغرق الأمر 21 يوماً فقط لتكوين عادة؟

تعود جذور هذه المعلومة إلى عام 1960، عندما كتب الدكتور ماكسويل مالتز (Dr. Maxwell Maltz) كتابه "علم التحكم النفسي" (Psycho-Cybernetics)؛ إذ كان الدكتور مالتز في ذلك الوقت جرَّاحاً تجميلياً وكان ذا شغف في مساعدة الآخرين على تحسين صورتهم الذاتية، وهو أيضاً أحد أوائل المؤلفين المعترف بهم في هذا النوع من كتب المساعدة الذاتية.

لقد شارك الدكتور مالتز في كتابه ملاحظاته التي وجدت أنَّ الأمر استغرق ما لا يقل عن ثلاثة أسابيع وسطياً، لمرضاه الخاضعين للعمليات الجراحية للتخلي عن تصوراتهم عن أنفسهم ما قبل الجراحة والاعتياد على مظهرهم الجديد، لكن يبدو أنَّ الناس أخذوا بكلامه دون تدقيق وتمحيص، فمنذ ذلك الحين، قام كثير من المتحدثين والمؤلفين وغيرهم ممن يركزون على تحسين الذات بنقل هذه الرسالة؛ لكنَّهم نقلوها بصورة غير دقيقة إلى حدٍّ ما.

لقد قال الدكتور مالتز: إنَّ الأمر استغرق 21 يوماً على الأقل حتى يتقبَّل مرضاه مظهرهم الجديد، ليس على الأكثر أو بالضبط، وتحدَّث عن ذلك بناءً على ملاحظاته الخاصة وليس بناءً على الحقائق أو البحث العلمي.

يسهل علينا الوصول إلى سبب وكيفية انتشار هذه الخرافة؛ إذ من السهل تذكُّر هذا الإطار الزمني، فهو مختصر بما يكفي ليجعل الأشخاص مؤمنين بقدرتهم على تجاوزه؛ لكنَّه ما يزال طويلاً بما يكفي ليبدو معقولاً؛ إذ إنَّ جميع الناس يرغبون في إحداث تغيير كبير في حياتهم في أقل من شهر.

إذاً ما هو الوقت الذي تستغرقه لتكوين العادات؟

في الدراسة المذكورة أعلاه، تعمقت الباحثة فيليبا لالي (Philippa Lally) في هذا السؤال بالتعاون مع ثلاثة باحثين آخرين، وفيما يأتي بعض النقاط الرئيسة عن دراستهم لعملية تكوين العادات اليومية:

  • اختار 96 متطوعاً سلوكاً معيناً للقيام به يومياً في نفس الظروف لمدة 12 أسبوعاً، على سبيل المثال، بعد وجبة الفطور.
  • أكمل المتطوعون ورقة عمل لمؤشر العادات التي أُبلغ عنها ذاتياً كل يوم؛ من أجل تسجيل ما إذا كانوا قد نفذوا السلوك الذي اختاروه أم لا.
  • أدَّى 39 من بين 96 متطوعاً عادتهم بدرجة مناسبة من الاستمرارية؛ من أجل التأهل للدخول في نتائج الدراسة؛ أي أولئك الذين استمروا في السلوك مرة واحدة فقط في الأسبوع تمَّ استبعادهم من الدراسة.
  • استغرق الأمر من المشاركين ما بين 18 و254 يوماً حتى أصبح سلوكهم تلقائياً يكفي لأدائه دون التفكير فيه.
  • تُظهر هذه النتائج أنَّه يوجد تباين كبير في المدة التي قد تستغرقها لتكوين عادة جديدة.
  • صحيح أنَّ هذه الدراسة استمرت لمدة 84 يوماً فقط، لكنَّ الباحثين استخدموا البيانات التي جمعوها لإعداد تقرير إحصائي مُستنير فيما يتعلق بالجداول الزمنية الأطول - 254 يوماً - لدمج عادات جديدة في حياة الإنسان، وتذكَّر أنَّ العدد الدقيق للأيام يعتمد على عوامل كثيرة، وهو ليس هاماً بقدر النتائج العامة لهذه الدراسة، التي تنص على أنَّك قد تستغرق وقتاً طويلاً لتلتزم بالعادات الجديدة.

شاهد بالفيديو: كيف يمكن تكوين وترسيخ عادات جديدة في حياتك؟

كيف تنطبق عليك هذه المعلومات؟

إنَّ مفهوم أن يصبح السلوك تلقائياً، والذي يُعرف علمياً باسم التلقائية، هو عنصر حاسم في تكوين العادات؛ إذ أحياناً ما تُعرف هذه العادة على أنَّها "نمط سلوك مكتسب أصبح لا إرادياً جزئياً أو كلياً"، وعلى أرض الواقع، ليس الإطار الزمني البالغ ثلاثة أسابيع كافياً، بل من المرجَّح أن يستغرق الأمر ما بين شهرين إلى ثمانية أشهر لتكوين هذا الشعور بالتلقائية، لكنَّ النطاق الذي يمتد من 18 إلى 254 يوماً، يُظهر أنَّه لا يوجد رقم قياسي واحد يمكن للجميع الاعتماد عليه.

توجد عدة عوامل تؤدي دوراً في هذه المدة، بما في ذلك حقيقة أنَّ بعض العادات أسهل بناءً من غيرها، على سبيل المثال، يمكنك أن تتخيل أنَّ الالتزام بتكوين عادة لشرب مزيد من الماء على مدار اليوم هو على الأرجح أسهل بكثير من الذهاب إلى النادي الرياضي كل يوم قبل الذهاب إلى العمل.

يجد بعض الأشخاص أكثر من غيرهم أنَّه من الأسهل التمسك بالسلوكات الجديدة، ويوضح الدكتور إليوت بيركمان (Dr. Elliot Berkman)، مدير مختبر علم الأعصاب الاجتماعي والوجداني في قسم علم النفس بجامعة أوريغون (University of Oregon)، أنَّ هناك ثلاثة عوامل رئيسة يمكن أن تؤثر في مقدار الوقت المستغرق لتغيير عادة لدى كل فرد، هي:

أولاً:

أحياناً ينطوي كسر عادة ما على تكوين عادة جديدة، أو إنشاء استجابة جديدة لمحفز ما، فالمفتاح هنا هو أن يكون لديك عادة بديلة متاحة حتى تتمكن من ممارسة نشاط جديد، بدلاً من التركيز على مقاومة سلوكك السابق فقط.

على سبيل المثال، أحياناً ما يحقق هؤلاء الذين يحاولون الابتعاد عن التدخين نجاحاً أكبر إذا استخدموا وسائل مساعدة مثل العلكة أو نوعاً من السلوك البديل، بدلاً من استخدام نهج أكثر سلبيةً مثل لصاقة النيكوتين.

ثانياً:

هو مقدار ما تمتلكه من حافز يدفعك للتغيير، أولئك الذين يرغبون في تكوين عادة جديدة، تسمح لهم بالعيش بصورة أكثر انسجاماً مع قيمهم الشخصية، فهم أكثر قابليةً لتعديل سلوكاتهم بصورة أسرع من الذين تأتي دوافعهم من قوى خارجية، مثل الضغط المجتمعي أو الأُسري.

ثالثاً:

تؤدي القدرة العقلية والجسدية للفرد إلى تكوين عادة جديدة؛ إذ إنَّ العادات التي كانت جزءاً من حياة المرء طوال حياته هي غالباً متأصلة على المستوى العصبي، مما يجعلها محددات قوية للسلوك.

على سبيل المثال، إذا كنت تتناول المشروبات الغازية مع وجبة العشاء كل ليلة منذ طفولتك؛ فإنَّ استبدالها بأمر صحي سيُشكل تحدياً كبيراً، بينما إذا لم تكن قد جربت التأمل من قبل وتريد البدء بالتمرين لبضع دقائق كل ليلة قبل النوم، فسيكون هذا التغيير أسهل بكثير.

تذكَّر أنَّ تكوين عادات جديدة لا يُلغي العادات القديمة تماماً، لكن يجب أن تصبح عاداتك الجديدة أكثر تأثيراً في سلوكك، على سبيل المثال، إذا كان هدفك هو تناول مزيد من الخضار، يُمكنك الوصول إلى هذا الهدف دون التخلي عن حفلة الآيس كريم المسائية التي تُجريها كل يوم بعد العشاء.

في مثل هذه الحالات، يجب عليك التفكير في الهدف النهائي الذي تُساهم به عادتك الجديدة، ومن ثمَّ عليك تعديل نمط حياتك بمقدار مناسب للتأكد من أنَّ عادتك الجديدة تحدث فرقاً هاماً في حياتك.

أحد المفاهيم الخاطئة الشائعة لدى الناس عن تغيير العادات، هو أنَّك إذا أهملت يوماً، فقد دمرت فرصك في النجاح تماماً؛ لكنَّ الدراسة وجدت أنَّ ذلك ليس صحيحاً؛ إذ وجد الباحثون أنَّ إهمال فرصة واحدة لمتابعة السلوك المرغوب، لم يؤثر فيما إذا كانت العادة قد تشكلت في النهاية أم لا، ويوضح ذلك أنَّه لا بأس إذا تقاعست بين الحين والآخر؛ لأنَّ تكوين العادات ليس عمليةً غير مرنة تماماً، بل تتعلق أكثر بالاستمرارية على الأمد الطويل.

هذه أخبار رائعة لك إذا كنت تعتقد أنَّ إهمال يوم واحد فقط يعني أنَّ كل التقدم الذي أحرزته قد ذهب سدى، ولا يتطلب تكوين السلوكات الجديدة التي تقوم بها في النهاية بصورة تلقائيَّة إتقاناً لممارستك، بل يتطلب بسهولة المحاولة الأفضل والأكثر استمراريةً على مدى فترة زمنية طويلة.

لكي تُثابر على عملك الجيد، يجب أن يكون لديك شعور بالدافع الجوهري لبدء ممارسة السلوك، وعليك أن تستمتع بعملية الوصول إلى هدفك بدلاً من مجرد التفكير في تلك اللحظة الأخيرة التي سيتحقق فيها هدفك، فلا بد أنَّك سمعت مقولة المطرب جون لينون (John Lennon) الشهيرة، التي تقول: "إنَّ الحياة هي ما يحدث لك بينما تكون مشغولاً في وضع خطط أخرى"؛ إذ تنطبق الفكرة ذاتها تماماً على عملية تحقيق أهدافك، فلا تُهمل أهمية رحلتك.

شاهد بالفيديو: كيف تتعلم العادات الإيجابية؟

كيف تبقى متحمساً طوال فترة تكوين عادة جديدة؟

من الواضح أنَّ بداية رحلتك نحو تكوين عادة جديدة ستكون أكثر صعوبةً من الأسابيع التي تليها؛ لأنَّ سلوكك الجديد سيُصبح أكثر تلقائيةً مع مرور الوقت، بصرف النظر عن ماهيته، كل ذلك يعني أنَّ هذه الدراسة التي تُوضح أنَّ الأمر قد يستغرق أكثر من ثلاثة أسابيع لتكوين سلوك جديد لا ينبغي أن تكون رادعاً لك عن إجراء تغيير في حياتك.

لست الوحيد الذي يواجه صعوبة في اكتساب عادات جديدة؛ لأنَّ العادات صعبة التغيير، ولهذا السبب؛ فإنَّ تكوين سلوك إيجابي يستحق الوقت والطاقة اللازمين للقيام بذلك.

على سبيل المثال، مجرد أن تعتاد على تنظيف أسنانك بالخيط كل ليلة، أو ممارسة رياضة الجري كل صباح، لن تضطر إلى ضبط نفسك ضبطاً صارماً لمواصلة ذلك، لكن كلتا العادتين ستحسن صحتك باستمرار، ومن الهام جداً أن تضع في ذهنك أنَّ الناس قادرون دائماً على تغيير سلوك ما بمجرد تحديد عادة يرغبون في تغييرها ويملكون الدافع الكافي للقيام بذلك.

إقرأ أيضاً: العادات: تعريفها، وطريقة تشكلها، وكيفية التعرف على العادات الخفية

لكن لكي تبقى متحمساً، يجب عليك معرفة الحافز الذي يدفعك لإجراء التغيير في المقام الأول، فعندما تفكر في دوافعك، اسأل نفسك:

  • ما الذي تريده من الحياة؟
  • ماذا تريد أن تُصبح يوماً ما؟
  • هل تتوافق عاداتك الحالية مع قيمك الشخصية؟
  • هل تُساعدك عاداتك الحالية على تحقيق أهدافك؟

إنَّ طرح هذه الأسئلة على نفسك سيساعدك على تحديد الأسباب التي تدفعك إلى إجراء نوع من التغيير في حياتك وتجعلك تشعر بالإلهام لتحقيق ذلك.

من الهام أيضاً عدم التفكير في مقدار الوقت الذي قد يستغرقه تكوين عادة جديدة، بل التفكير في التغييرات الصغيرة التي تُجريها خلال هذه العملية؛ إذ يجب عليك أن تثق برحلتك وتُقدِّر الإنجازات الصغيرة التي تُحققها؛ لأنَّ ذلك سيساعدك على رؤية الهدف النهائي على أنَّه أكثر قابليةً للتحقيق.

إقرأ أيضاً: الدليل الكامل لتكوين عادات راسخة

في الختام:

إنَّ فهم عملية تكوين العادات ومقدار الوقت الذي قد تستغرقه لتحقيق النجاح سيؤهلك بنفسه للنجاح، فلا حرج في أن تستغرق أكثر من ثلاثة أشهر لتكوين عادة، أو حتى أربعة أو خمسة أشهر، ما يُهم هو أنَّك تعمل باستمرار على تحسين سلوكك العام وعاداتك اليومية؛ لأنَّها تؤدي دوراً هاماً في تكوين سلوك يومي إيجابي وتحقيق أهدافك في النهاية.

يعتمد جزء كبير من نجاحك في تكوين عادات جديدة على قدرتك على بذل قصارى جهدك، وتتبُّع تقدمك، وإجراء تعديلات وفقاً لذلك، وتذكر أنَّك لن تصل إلى اليوم 254 إذا لم تبدأ باليوم الأول، فبدء العملية هو أفضل شيء يمكنك القيام به.

المصدر




مقالات مرتبطة