ما هو الفحم؟ وكيف يتشكل؟ وهل هو مصدر طاقة متجدد؟

في عام 1698م عندما تم اختراع المحرك البخاري لأول مرةٍ، كان الفحم هو الذي يغذيه؛ إذ كان الفحم مصدراً رئيساً للوقود للبشرية منذ مئات وآلاف السنين، هذا الوقود الأحفوري الأساسي الغني بالكربون قد دعم الحضارة الإنسانية منذ الوقت الذي كانت معروفة فيه، وقبل المضي قدماً، يجب أن نحاول تحديد ماهية الفحم وكيف تم تكوينه في المقام الأول، وسنكتشف أيضاً كيف يتم تحويل هذا الوقود الأحفوري إلى كهرباء، وإن كان الفحم مورداً متجدداً.



نحن جميعاً على درايةٍ بالمواد الشبيهة بالصخور السوداء التي تم استخراجها من المناجم، وغالباً ما يُرى في الأفلام الوثائقية والأفلام أنَّ هذا يُستخدم لتزويد المحركات البخارية بالوقود، إذن ما هذه الصخرة السوداء؟ إنَّها الفحم، وفي مقالنا الآتي سنتعرف أكثر إليه وإلى تكوينه، فتابعوا معنا.

ما هو الفحم؟

الفحم هو تلك الصخور الرسوبية الطبقية الغنية بالكربون ذات اللون الأسود والبني التي تُستخدم بوصفها مصدراً أساسياً للوقود الأحفوري لأنَّها قابلة للاحتراق، فيمكن تعريف الفحم أيضاً على أنَّه صخرٌ يحتوي على 70% أو أكثر من حيث الحجم (أو 50% أو أكثر من حيث الوزن) مادة كربونية تكونت عن طريق ضغط بقايا نباتاتٍ مختلفةٍ مع مرور الوقت تحت الأرض.

توجد أنواعٌ مختلفةٌ من الفحم تعتمد على ثلاثة عوامل رئيسة:

  1. نوع المادة النباتية التي يتكون منها الفحم، وهذا ما يحدد نوع الفحم.
  2. درجة النقاوة، وهذا يحدد رتبة الفحم.
  3. نسبة الشوائب الموجودة فيه، وهذا يحدد درجة الفحم.

يمكن ذكر حقيقةٍ واحدةٍ مثيرةٍ للاهتمام هنا، وهي أنَّ الماس الذي نراه يلمع على الخواتم والقلائد والجرافيت الذي يملأ أقلامنا كلها أشكالٌ مختلفةٌ من الفحم. نعم، لقد قرأتها بشكلٍ صحيح.

اعتماداً على الضغط وبعض العوامل الأخرى مثل الرطوبة وما إلى ذلك يتغير الفحم الأسود إلى الجرافيت وأيضاً إلى الماس اللامع والثمين، ومع وضع كل هذا في الحسبان، يمكن القول بسهولةٍ إنَّ الفحم متعدد الاستخدامات إلى حدٍّ ما، وفي القسم التالي سوف نتعرف بالتفصيل إلى كيفية تكوين الفحم واستخدامه.

كيف تشكَّل الفحم؟

قبل البدء، يجب أن نتذكر أنَّ عمر الأرض يبلغ 4.5 مليار سنةٍ تقريباً، واحتياطها من الفحم تشكَّل على مدى ملايين السنين؛ إذ دُفنت بقايا النباتات تحت الأرض وتعرضت لضغطٍ وحرارةٍ هائلين على مر السنين قبل أن تتحول أخيراً إلى صخورٍ، ويمكن استخدام هذه الصخور عند حصادها بصفتها وقوداً لإشعال الحرائق، وهذا ملخصٌّ موجزٌ للعملية، والآن دعونا ننظر إلى العملية بمزيدٍ من التفصيل.

إذا نظرنا إلى ملايين السنين التي مضت، فسنرى سطح الأرض مغطىً بالغابات والمستنقعات وغيرها من النباتات، ومع مرور الوقت تساقطت الأوراق من النباتات، بينما ماتت بعض النباتات وسقطت على الأرض، وبعدها بدأت بالتآكل، وعلى مر السنين أضيفت عليها طبقاتٌ جديدةٌ من التربة، طبقة بعد طبقة تدريجياً؛ ونتيجةً لذلك تم دفع بقايا النبات المتحللة تحت الأرض، وبسبب بقائها تحت الأرض، تعرضت جميع المواد المتحللة لضغطٍ هائلٍ من جميع طبقات التربة فوقها؛ ونتيجةً لهذا الضغط بدأ النبات المتحلل بإطلاق الرطوبة.

يجب أن نضع في حسباننا أيضاً أنَّه نظراً لزيادة الضغط، فإنَّ درجة الحرارة تحت الأرض ترتفع أيضاً، وهذا عامل إضافيٌ إلى عملية تشكيل الفحم، وهكذا طوال ملايين السنين تشكلت أخيراً أنواعٌ مختلفةٌ من الفحم وأصبحت جاهزةً للتعدين، والآن يجب أن نفهم أنَّه ليست كل أنواع الفحم متشابهةً، واعتماداً على كمية محتوى الكربون في الفحم توجد ثلاثة أنواعٍ رئيسةٍ من الفحم، وهي:

1. الفحم البني:

هذا هو أدنى رتبةٍ من الفحم، لونه بني/ أسود، ويتم استخدامه لتوليد الكهرباء، كما أنَّه الأكثر ضرراً للبيئة.

2. الفحم القاري (الإسفلتي):

هو نوعٌ جيد التكوين من الفحم، وغالباً ما يكون أسود اللون، لكن في بعض الأحيان، قد يكون أيضاً بنياً مسودَّاً، ولديه خطوطٌ داكنةٌ وباهتةٌ جيدة التكوين، ويتم استخدامه لتوليد الكهرباء البخارية وتشكيل فحم الكوك.

3. الفحم الصلب (الأنثراسايت):

وهو أعلى درجةٍ معروفةٍ من الفحم، وهذا النوع أسودٌ لامعٌ للغاية، وهو الأقل ضرراً للبيئة، ويُستخدم في الغالب لتدفئة المساحات المنزلية والتجارية على حدٍّ سواء.

بصرف النظر عن هذه الفئات الرئيسة، توجد أنواعٌ أخرى معينةٌ من الفحم أيضاً، وهي:

  1. فحم الخث.
  2. فحم الليجنيت.
  3. الفحم شبه القاري.
  4. الجرافيت.
  5. فحم كانيل (الحجري).

كل نوعٍ من أنواع الفحم له مجموعةٌ مميزةٌ من الخصائص، ولكل نوعٍ استخداماته الخاصة، كما لا يوجد نوعٌ من الفحم ما يزال غير مستخدمٍ أو يمكن عَدُّه غير مفيدٍ للبشرية، والآن أحد أهم استخدامات الفحم هو توليد الكهرباء، وفي القسم التالي سوف نتعلم كيف يتم تحويل الفحم الذي يتم الحصول عليه عن طريق التعدين إلى كهرباء جوهرية.

كيف يتم تحويل الفحم إلى كهرباء؟

دون كهرباء، الحضارة الحديثة لا معنى لها، ودون الفحم، يكون توليد الكهرباء ضعيفاً إلى حدٍّ ما؛ لذلك يمكننا القول إنَّ الفحم في الأساس هو الذي دعم ليس فقط الحضارات السابقة التي كانت تعمل بالفحم بالكامل، ولكنَّه أيضاً دعم حضارتنا الحديثة إلى حدٍّ معين، في حين أنَّ توليد الكهرباء لا يعتمد كلياً على الفحم في هذه الأيام، يمكننا القول إنَّه يشكل مصدراً رئيساً لتوليدها؛ إذ تعتمد نحو 38% من الكهرباء المولَّدة عالمياً على الفحم.

هنا يظهر سؤالٌ واحدٌ في أذهاننا "كيف يتم بالضبط تحويل الفحم إلى كهرباء؟" دعونا نلقي نظرةً فاحصةً على الخطوات الآتية:

  1. يُستخدم البخار أو الفحم الحراري لغرض توليد الكهرباء في محطات توليد الطاقة، فيتم تحويله أولاً إلى مسحوقٍ ناعم؛ وذلك لزيادة مساحة السطح، وهذا يسمح للفحم بالاحتراق بسهولةٍ أكبر.
  2. في الـ (PCC)؛ أي أنظمة احتراق الفحم المسحوق، يتم نفخ هذا المسحوق الناعم في غرفة الاحتراق داخل المرجل، وفي هذه الغرفة يحترق الفحم في درجات حرارةٍ عاليةٍ جداً.
  3. توجد أنابيبٌ مملوءةٌ بالماء حول الغلاية، وتحوِّل الحرارة الناتجة عن عملية الاحتراق هذه الماء إلى بخارٍ، وهذا البخار له ضغطٌ مرتفعٌ للغاية، ثم يتم تمرير هذا البخار من خلال التوربينات ذات الشفرات المتعددة؛ ونتيجةً لذلك تدور هذه الشفرات بسرعةٍ عاليةٍ.
  4. يتم وضع مولِّدٍ بسلكٍ ملفوفٍ بإحكامٍ في أحد طرفي التوربينات، عندها تنتج الكهرباء من خلال توليد مجالٍ مغناطيسي، ثم يتم تكثيف البخار وإعادة استخدامه في الغلاية.
  5. يتم بعد ذلك زيادة جهد الكهرباء المتولِّدة (نحو 400000 فولت) بمساعدة المحولات، ثم يتم نقلها عبر شبكات خطوط الطاقة، وبالقرب من مكان الاستهلاك، يتم خفض الجهد بمساعدة محولات خفض الجهد إلى 100-250 فولت للاستهلاك الآمن في المنازل والمكاتب.

هل الفحم مورد متجدد؟

الجواب البسيط عن هذا السؤال هو "لا"، مع الأخذ في الحسبان حقيقة أنَّ احتياطات الفحم تحتاج إلى ملايين عدة من السنوات لتكوينها، فمن الأفضل القول إنَّ الفحم هو مصدرٌ غير متجددٍ للطاقة؛ إذ يستغرق ما يقرب من 100 مليون إلى 400 مليون سنةٍ لتكوين الفحم من الموتى وبقايا النباتات المتحللة.

الفحم هو أحد أهم أنواع الوقود الأحفوري المعروف للبشرية، فمنذ اكتشاف النار كان للفحم دورٌ فعالٌ في بناء العديد من الحضارات البشرية، لكن نظراً لأنَّ الفحم موردٌ غير متجددٍ وتعتمد عليه البشرية جمعاء، فمن المستحسن أن نستخدمه بعدلٍ، وعندها فقط سنتمكن نحن وأجيالنا القادمة من عيش حياةٍ مريحةٍ.

استخدامات الفحم المتنوعة:

فيما يأتي بعض من استخدامات الفحم المتنوعة:

  1. يُستخدم الفحم في توليد الطاقة الكهربائية.
  2. يُستخدم في الصناعات المختلفة، كصناعة الإسمنت والصناعات الدوائية وصناعة الورق والزجاج وغيرها.
  3. يمكن تحويله إلى غازٍ أو سائلٍ بالحرارة لاستخدامه بالصناعات التحويلية، كصناعات الصابون والأصباغ والنايلون والمواد المنزلية وغيرها.
  4. يُستخدم في صناعة الفولاذ.
  5. يُستخدم منزلياً بوصفه وقوداً للطهي أو للتدفئة.

مزايا استخدام طاقة الفحم:

للفحم مزايا عديدة سنذكر منها ما يأتي:

  1. الفحم أرخص من أنواع الوقود الأحفوري الأخرى.
  2. سهل التخزين.
  3. القدرة على تحويله إلى أشكالٍ مختلفة؛ إذ يمكن استخدامه بشكله الخام أو تحويله إلى أشكالٍ غازيةٍ أو سائلةٍ تُستخدم في صناعاتٍ مختلفة.
  4. تخليف الحد الأدنى من النفايات.
  5. تأمين الوظائف، فكل صناعةٍ تحتاج إلى موظفين.
  6. عملية اشتعاله بسيطةٌ وغير خطرةٍ كباقي الوقود الأحفوري.
إقرأ أيضاً: وسائل التّدفئة... أضرارها وطرق الوقاية منها

مساوئ استخدام طاقة الفحم:

مثلما لديه مزايا كذلك لديه مساوئٌ كثيرةٌ، وفيما يأتي سنذكر بعضها:

  1. ليس طاقةً متجددةً.
  2. ضارٌ جداً بالصحة ومميتٌ للناس الذين هم على تعرُّضٍ دائمٍ له.
  3. التسبب بتلوث الضوضاء عند التنقيب عنه نتيجة الآلات المستخدَمة في أثناء التنقيب عنه.
  4. الإضرار بالمواطن الطبيعية والبيئة وكائناتها.
  5. ينتج عنه مستويات عالية من الإشعاع، فعلى الرغم من أنَّ احتراق الفحم ينتج غاز أحادي أوكسيد الكربون، إلا أنَّ رماده الناتج عن الاحتراق ينتج مستويات عالية من الإشعاع الخارجي الضار بالصحة والمسرطن.
  6. إنتاج انبعاثات كربونٍ عالية المستوى.
  7. تشريد مستوطنات البشر، فاستخدام الفحم بشكلٍ دائمٍ يخرِّب البيئة المحيطة بالبشر ويلوِّث الهواء والماء والتربة ويجعلها غير صالحةٍ للسكن وضارةً بصحة قاطنيها.
إقرأ أيضاً: الطاقة البديلة... مستقبل واعد وفوائد عظيمة

 في الختام:

كان وما زال الفحم مفيداً للجنس البشري منذ الأزل، وجميع أنواع الفحم لها نفس القدر من الأهمية، والشيء الوحيد الذي يجب أن نضعه في الحسبان هو أنَّه موردٌ غير متجددٍ، ومن ثمَّ يجب أن نستخدمه بحكمةٍ، ويجب ألَّا ننسى خطورته على البيئة والصحة؛ لذا من الهام البحث عن بدائلَ أقل ضرراً أو اعتماد تدابير جديدةٍ لجعله أكثر أماناً لأنفسنا وبيئتنا.

المصادر: 1،2




مقالات مرتبطة