ما هو الخوف؟ وكيف تحوّله إلى حافز يدفعك للأمام؟

إنَّ الخوف هو ذلك الشعور المزعج الذي ينشأ حينما نكون في حالة ضعف، إنُّه يغرس جذوره عميقاً، ويروي قصصاً تبدو حقيقية لمن يشعر به؛ لدرجة تجعل الجسم يستجيب كما لو كانت تلك القصص حقيقية فعلاً. وقد يتحول إلى شعورٍ غريزي بالغ السوء بحيث تُفَضّل في بعض الأحيان الرضوخَ إليه بدلاً من تَحَدِّيه. إنَّه لمن المُسَلَّم به أنَّ الخوف هو جزءٌ من الطَّبيعة البشرية، ولكن من أين ينبع هذا الخوف؟ ولماذا يُسيطر في بعض الأحيان على حياتنا؟ وكيف يمرُّ البعض من خلال الخوف ويخرجون من الطرف الآخر ليس فقط سالمين، بل وأكثر سعادةً أيضاً؟



من الممكن أن تتواجد أفضل الأشياء في الحياة على الجانب الآخر من الخوف، ولعلَّك لست بحاجة إلى أن تخشى الخوف بحدِّ ذاته، وإنَّما كيف تتصرّف حين تشعر بالخوف. إذ لطالما كان الخوف -وسيظل- جزءاً لا يتجزأ من حياتنا؛ لكن ليس من الضروري أن يكون حجر عثرة في طريقنا. ولا أن يكون جزءاً من عقليتنا. فماذا لو استطعنا تحويل الخوف إلى حافز؟ هل تدرك كم ستكون حياتنا مختلفة؟

أولاً: ما هو الخوف؟

إليك اختصار (Acronym) يُظهر لك الخوف على حقيقته:

  • خاطئ (False).
  • أدلة (Evidence).
  • تبدو (Appearing).
  • حقيقة (Real).

فإن جمعت هذه الكلمات الإنكليزية في جملة واحدة، تصبح كالآتي: Fear: False Evidence Appearing Real. وسيكون معنى الجملة في اللغة العربية كالآتي: "الخوف: هو مجموعة أدلة خاطئة تبدو وكأنَّها حقيقيَّة".

قد تكون مخاوفك لا تعد ولا تحصى، وقد تكون متجذِّرة بعمقٍ ويصعب التغلب عليها. وغالباً ما تكمن في أفكارك اللاعقلانية، والتي تدفعك إلى أن تُصدِّق أشياء تحول بينك وبين عيشِ حياتك إلى أقصى درجة.

هذا لا ينفي حقيقة أنَّ ما قد تشعر به ليس بذلك الأمر الذي يمكن التخلص منه بسهولة. فمخاوفك تبدو حقيقية بالنسبة إليك. وجسدك ينبهك إلى وجود أمرٍ خاطئ لا يمكن تجاهله. ليصبح التحدي هو تَعَلُّم كيفية "تحديد" نوع الخوف الذي تواجهه. ونقصد بكلمة "تحديد" ضمن هذا السياق، أن تواجه الخوف وتتعرف عليه.

يمكن تصنيف الخوف في أبسط مستوياته، إلى نوعين اثنين:

  • خوفٌ وجودي (Survival fear).
  • خوفٌ لاعقلاني (Irrational fear).

الخوف الوجودي هو أي شيء تشعر به حين تخاف على حياتك، مثل الشعور الذي ينتابك أثناء وقوفك على حافة جرف، أو حين تواجه حيواناً مفترساً. أمَّا أكبر مثالٍ عن الخوف اللاعقلاني فهو حين تتعرقل أحلامك في أن تصبح فناناً أو كاتباً أو معلماً بسبب الشعور بخطر داهم. والذي بمجرد تحديده، تستطيع اتخاذ الخطوات المناسبة من أجل التغلب عليه.

إقرأ أيضاً: تعرّف على أنواع الخوف وأهم طرق السيطرة عليه

ثانياً: تاريخ الخوف

ليست كل حالات الخوف سيئة. فالقدرة على الإحساس بالخوف لها جذورٌ بدائية. إذ يوجد في جسم الإنسان نظام استجابة تلقائية مدمج، وظيفته التعامل مع الخطر. وهو ما ساعد أسلافنا الأوائل في البقاء على قيد الحياة.

حين نواجه مفترساً ما، يُرسل مركز الخوف -وهو جزء من دماغك يعرف باسم اللَّوزة الدِّماغية (Amygdala)- إشارة استغاثة، مما يؤدي إلى إطلاق هرمونات التَّوتر المسببة للتغيرات الفيزيولوجية؛ مثل زيادة معدل نبضات القلب والتعرق وتسريع عملية التنفس وزيادة توتر العضلات. يطلق على هذه العملية في الأوساط العلمية اسم استجابة "الكَرِّ أو الفَرّْ - fight-or-flight response". وهو ما يعني أنَّه علينا أن نقرر إما أن نحارب المفترس، أو أن نلوذ بالفرار.

كادت طريقة الحياة هذه -والتي يسودها الصيد والبحث عن الطعام والبقاء على قيد الحياة- أن تطغى على حياة أسلافنا فيما مضى.

ثالثاً: الخوف اليوم

يختلف عالمنا المعاصر عن العالم الذي عاش فيه أسلافنا، وتختلف معه المخاطر والتحديات التي تواجهنا. فلم يعد مصدر الخطر الآن حيوانات مفترسة كالأسود والنمور، وأصبح الحصول على الغذاء والمأوى أسهل. لكن وعلى الرغم من ذلك، نحن نواجه مخاطر أخرى، وفقاً لما تدركه أدمغتنا على أقل تقدير.

فنحن نتعامل روتينياً مع المواقف العصيبة التي قد تكون:

  • عوامل خارجية؛ مثل الخوف من خسارة وظائفنا الحالية.
  • عوامل داخلية؛ مثل القلق بشأن شيءٍ حدث معنا في الماضي.

وفي حين أننا نعلم أنَّ هذه الظروف لا تُشكل خطراً على حياتنا؛ إلا أنَّ اللوزة الدماغيَّة المسؤولة عن دق ناقوس الخطر لا تُميِّزُ الخطر الوجودي عن سواه. تقوم هذه اللوزة وبقية جسمك بعملها جيداً؛ إذ يستعد جسمك للقتال أو الفرار من المكان. وسواءً أكان سبب ذلك خطراً داهماً أم سبباً آخر يدفعك لأن تشعر بالتوتر، فالأمر سيان بالنسبة إلى جسدك.

يعيش البعض في حالة "كرٍّ وفرٍ" دائمة؛ ولك أن تتخيل ما يتسبب به ذلك إلى عقولهم وأجسامهم بمرور الوقت. إذ وُجدَ ردُّ الفعل البدائي هذا كي يعمل كاستجابةٍ مؤقتة لخطرٍ ما؛ وليس كحالة شعوريَّةٍ دائمة.

يمثل الإجهاد المزمن (Chronic Stress) مشكلة كبيرة؛ وهو مقدمة تمهد للإصابة بالعديد من الأمراض العقلية والجسدية، بما في ذلك الإدمان. فالعالم مكانٌ مرهق، ونحن نتحمل الكثير من الضغوطات من أجل الاضطلاع (الاتقان) بمهامنا والنجاح فيها. وغالباً ما يصاحب تلك الضغوطات شعور مألوف بالخوف من الفشل أو الرفض وما شابههما من أمور.

يعمل الخوف على تقييدك بكافة السُّبُل الممكنة؛ فحين تشعر بتشنجٍ وتوترٍ في جسدك، يحدث ذات الشيء في عقلك. ويصعب عليك رؤية ما هو أبعد من الإمكانات الأخرى، وتحصر كامل اهتمامك وطاقتك فيما تجده أمامك فقط.

غالباً ما تكون على دراية بالحوار الذي يدور في عقلك مراراً وتكراراً حين تشعر بالخوف من أمرٍ ما. وتدرك ماهية المشاعر التي تصاحب تلك الأفكار. لذا يجب أن تعلم يقيناً بأنَّ مشاعر الخوف تلك لا تُعبر عن شخصيتك الحقيقية. كما قد تحتاج أحياناً إلى الحصول على مساعدة أحد المحترفين من أجل التصدي إلى بعض المخاوف.

رابعاً: ابدأ في التَّعرف على مخاوفك

من أجل أن تساعد نفسك في التعرف على مخاوفك، سجل تلك المخاوف على ورقة، وضع بجانب كل مخافةٍ منها الوصف المناسب؛ إما وجودية، أو لاعقلانية. وستجد أنَّ معظم مخاوفك هي مخاوف لاعقلانية.

لنفترض مثلاً أنَّك تريد متابعة دراستك، بيد أنَّك تخشى أن تكون قد كبرت في السِّن ولن تتمكن من الاستمرار في ذلك الأمر. وبدلاً من متابعة دراستك، تُقحم نفسك في دوامة من الافتراضات القائمة على "ماذا لو حدث كذا وكذا". وتمرُّ السُّنون ولا يحدث شيء. لذا تعرف على مخاوفك، واعلم ما هي بواعثها.

إقرأ أيضاً: الخوف الزائد: أسبابه وطرق التغلب عليه

خامساً: كيف تحوّل خوفك إلى دافع؟

ما إن تنشئ قائمة بمخاوفك، راجع تلك المخاوف. وانظر كم يوجد من إمكاناتٍ غير مستغلة تساعدك في تحقيق حياة مرضية. إذ يوجد مقابل كُلِّ خوف وهمي، إمكانيةُ بهجةٍ حقيقية. لديك لحسن الحظ، الأدوات التي تساعدك على التعامل مع الخوف وتسخيره في تحفيزك، بدلاً من السماح له بمنعك من عيش الحياة التي تريدها، حتى وإن بدا الأمر مخيفاً في البداية. حين تشعر بالرهبة وعدم الارتياح، جرّب ما يأتي كي تبدأ علاقةً جديدة بالخوف؛ علاقةٌ مليئة بإمكانيات السعادة:

1. تنفس بعمق:

إنَّه لمن السهل أن تتوه في أفكارك. ولا يوجد وقت أفضل من الوقت الراهن من أجل عيش الحياة على أكمل وجه. لذا استخدم أنفاسك للمساعدة على تهدئة عقلك وجسمك. خذ نفساً لمدة أربع ثوانٍ، واحبسه لأربع ثوانٍ، ومن ثم ازفره في أربع ثوانٍ. إذ يعمل التنفس كأداة تحدُّ من التوتر.

2. انتبه إلى أفكارك وعواطفك:

يجب التعرف على المشاعر إذا ما أُرِيدَ علاجها، ولعلك تكون قد اعتدت على تجاهل أو إقصاء بعض مشاعرك وأفكارك. لذا حاول أن تُجبر نفسك على أن تقول بصوت عالٍ: "أشعر بالحزن" أو "أشعر بالخوف" أو "أنا منهك". ولا بأس في إخبار شخص مقرب عن مخاوفك. فحين تدفن أفكارك ومشاعرك المخيفة، فقد تستنفذك تلك المخاوف. لذا من الأفضل أن تعبر عنهم، حتى وإن كان ذلك لنفسك فقط.

3. أعد صياغة مخاوفك:

إنَّه لمن المفيد أن تتذكر أنَّ الخوف يأتي كردِّ فعلٍ تلقائيٍّ لحمايتك من الخطر. لذا حاول إعادة صياغة مخاوفك. واسأل نفسك الأسئلة التالية، وانتبه إلى الإجابات:

  • هل أنا في خطر؟ (عادة ما تكون الإجابة: لا).
  • ماذا يحاول خوفي أن يخبرني؟
  • ما هي النتائج الإيجابية التي قد تنتج عن خوفي هذا؟

إذا لم تكن الإجابات يسيرةً بالنسبة إليك، فلا بأس بذلك. فقد تأتي الرُّدودُ على شكلِ أحاسيس جسدية في البداية. لكن ومع ذلك، يمكنك أن تبدأ إعادة صياغة مخاوفك من خلال الشعور بالامتنان تجاه تلك المخاوف؛ كأن تقول مثلاً: "شكراً لكم على حمايتي، ولكنِّي بخير" أو "شكراً لكم على جعلي أبذل قصارى جهدي". إذ يتطلب الأمر بعض الممارسة من أجل تعلم كيفية التواصل مع نفسك. فأهمُّ شيءٍ هو أن تبني علاقة مع الخوف، بدلاً من أن تهرب منه.

4. اسمح للخوف أن يكون مستشارك:

أنت غالباً ما تسترشد بمشاعرك، فهي يمكن أن تخدمك جيداً إن استمعت إليها. لكن ومع ذلك، ستواجه الكثير من الالتباس حين قيامك بهذا الأمر؛ وهو ما قد يكون مخيفاً. حين تشعر بالخوف، يحاول خوفك إرسال رسالة إليك. لذا اسأل نفسك هذه الاسئلة من أجل إدراك مغزى تلك الرسالة:

  • ما الذي يعيقني؟
  • ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث؟
  • إذا بقيت الأمور كما هي، كيف سأشعر؟
  • كيف سأشعر بعد ذلك إذا قمت بالإجراء أو حين أجري تلك المحادثة التي أخشاها؟

بمرور الوقت، سيبدأ الخوف في أن يصبح صديقك ومستشارك. فهو أولاً وأخيراً، يعرف أعمق رغباتك.

إقرأ أيضاً: كيف تتغلب على خوفك من المجهول؟

5. اتّخذ الإجراءات المناسبة:

ما إن تُكَوِّن لنفسك فكرةً واضحة عن مصدر خوفك، حتى يحين وقت اتخاذ الإجراءات المناسبة. والتي وإن تكُن أصعب خطوة، بيد أنَّها الأكثرُ أهمية أيضاً. وفي حين يكون من الضروري التفكير فيما يجب القيام به؛ إلا أنَّ التَّغيير النَّاجع لا يحدث إلا عند اتخاذ الخطوة الأولى. فما إن تبدأ، حتى يتزايد الزخم وينتهي بك الأمر في الأماكن والظُّروفِ التي لم تكُن تعتقد بأنَّها ممكنة.

أنت تستحق أن تعيشَ حياة رضا وسعادة؛ وهو ما قد يستوجب أن تواجه أكثر شيءٍ تخشاه. وذلك مع علمك المسبق بأنَّ ذلك الأمر بالتحديد، هو ما يجب عليك القيام به.

دائماً ما ستكون هناك تحديات في الحياة. واستخدام الخوف كدليل بدلاً من التَّعامل معه كعدو؛ سيغير من طريقة تعاملك مع هذه التحديات. وكما يقول عبقريُّ الفيزياء ألبرت أينشتاين: "لا يمكنك حلُّ المشكلات باستخدام نفس التفكير الذي استخدمته حين تسببتَ بحدوثها".

لا يمكنك التغلّب على الخوف من موقع الخوف. لذا تعرف عليه بدلاً من ذلك، ثمَّ اتخذ الإجراءات التي تقودك صوب الرضا والنَّجاح.

 

 المصدر




مقالات مرتبطة