لمحة عن زراعة الأعضاء البشرية

تزامناً مع التطور الحاصل في مجال الطب وتدخُّل التكنولوجيا في مجالات الحياة كافة، وفي مجال الطب خاصة، أصبح في الإمكان زراعة ونقل الأعضاء ضمن الجسد الواحد، وكذلك بين شخصين مختلفين (متبرع ومصاب)؛ كما وأصبحت من العمليات الشائعة نتيجة تكرار إجرائها من قِبل الأطباء المتخصصين.



سنتحدث في مقالنا هذا عن زراعة الأعضاء وتعريفها تعريفاً دقيقاً، وعن تاريخها وفوائدها ومخاطرها وأنواعها وشروطها؛ كما وسنتطرق إلى موقف الشريعة الإسلامية منها.

عملية زراعة الأعضاء:

تُعرَّف زراعة الأعضاء بأنَّها عملية نقل عضو من جسم إلى آخر بهدف استبدال العضو التالف أو المصاب في جسد المتلقي، أو نقل جزء من منطقة إلى أخرى مصابة في الجسد نفسه.

يسمح مجال طب التجديد الناشئ للعلماء ومتخصصي الهندسة الوراثية بتكوين أعضاء من الخلايا الجذعية للمريض نفسه، ويُطلَق على عملية الزرع هذه مسمى "الطعم الذاتي"، في حين تُسمَّى عمليات زراعة الأعضاء التي تُجرَى بين كائنين من الجنس نفسه عمليات الطعم المغاير.

تاريخ زراعة الأعضاء:

تُعدُّ عملية الجراح الهندي "سوشروتا" لزراعة جلد باستخدام الطعم الذاتي في جراحة لتجميل الأنف من أول عمليات الزرع، غير أنَّه لم يُوثَّق نجاح أو فشل هذه العملية؛ وبعد مضي عدة قرون، أجرى الجراح الإيطالي "جاسبارو تاجلياكوزي" عمليات ناجحة لزراعة الجلد بطريقة التطعيم الذاتي، لكنَّه فشل في الوقت نفسه في عمليات الطعم المغاير، وتعدُّ هذه أول حالة في التاريخ لرفض الجسم للعضو المزروع، والتي رجَّح سببها إلى "القوة والسلطة الفردية"، وذكر ذلك في عام 1596 في كتابه "De Curtorum Chirurgia per Insitionem".

أُجرِيت فيما بعد أول عملية ناجحة لزراعة قرنية في عام 1837 لغزال، ثم أجرى "إدوارد زيرم" أول عملية ناجحة لزراعة قرنية عين لدى الإنسان في عام 1905، والتي أُطلِق عليها مصطلح "ترقيع القرنية"؛ وكان لكلٍّ من الجراح الفرنسي "ألكيسيس كاريل" و"تشارلز جوثري" الفضل في ابتكار التقنية الجراحية لزراعة الأعضاء من خلال عمليات زراعة الشرايين والأوردة في بدايات القرن العشرين، والتي أدى نجاحها إلى جانب تقنيات الخياطة الجراحية الحديثة إلى تمهيد الطريق لجراحات زراعة الأعضاء التي أُجرِيت لاحقاً، وأسهم ذلك في حصول كاريل في عام 1912 على جائزة نوبل في الطب، بعد أن بدأ من عام 1902 إجراء عمليات تجريبية لزراعة الأعضاء على الكلاب؛ ولعلَّ الجدير بالذكر أنَّ كاريل كان من أوائل من انتبهوا إلى مشكلة رفض الجسم للعضو المزروع في عمليات نقل الكلى والقلب والطحال جراحياً، والتي لا تزال مستعصية على الحل منذ عقود.

لقد أُجرِيت أول محاولة لزراعة أعضاء من أحد المتبرعين المتوفين على يد الجراح الأوكراني "يو يو فورونوي" في ثلاثينيات القرن العشرين، لكن أدى رفضُ جسد المتلقي العضوَ المنقول إلى فشل العملية برمتها؛ وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ أول عملية ناجحة لزراعة عضو كانت على يد كلٍّ من الجراحين "جوزيف موراي" و"جي هارتويل هاريسون" في عام 1954، والتي كانت عملية زراعة كلى بين توأمين متماثلين، ويرجع نجاح هذه العملية إلى عدم الحاجة إلى تثبيط المناعة في حالات التوائم المتطابقة وراثياً.

لقد كان ظهور السيكلوسبورين بمثابة ثورة نقلت زراعة الأعضاء من مصافي الجراحات البحثية إلى أساليب العلاج التي تؤدي إلى إنقاذ حياة البشر، وقد أجرى رائد جراحات زراعة الأعضاء "دنتون كولي" في عام 1968 (17) عملية زراعة أعضاء، والتي أسفرت عن وفاة أربعة عشر من مرضاه في غضون ستة أشهر من إجراء العملية؛ لكن بحلول عام 1984، كان ثلث من يجرون عمليات زراعة القلب يعيشون لمدة خمس سنوات فأكثر.

مع انتشار عمليات زراعة الأعضاء، ورغم ندرة المتبرعين، انتقل الجراحون إلى زراعة عدة أعضاء في الجسم البشري، والبحث حول إمكانية إجراء جراحات زراعة المخ في الحيوانات؛ وفي 9 مارس 1981، أُجرِيت أول عملية ناجحة لزراعة قلب ورئة معا في مستشفى جامعة ستانفورد، وقد رجح رئيس الفريق الجراحي بروس ريتز تعافي المريض إلى استخدام دواء السيكلوسبورين.

إقرأ أيضاً: الآمال المستقبلية لطب الألفية الثالثة

فوائد زراعة الأعضاء:

ظهرت زراعة الأعضاء نتيجة الحاجة الماسة والضرورية إلى تخفيف معاناة المصابين بتلف العضو المصاب، وكان لها عدة فوائد على المتلقي، والتي منها:

  • حسَّنت صحة المرضى المتلقين بنسبة كبيرة.
  • منحت الحياة للكثير من الأشخاص الذين تعدُّ حالتهم حرجة وميؤوساً منها.

مخاطر زراعة الأعضاء:

لزراعة الأعضاء مخاطر كثيرة أهمها:

  1. حدوث مضاعفات.
  2. الإصابة بالعدوى.
  3. سرعة الانتكاسة.
  4. رفض العضو المزروع.
  5. تصلب الشرايين.

شروط زراعة الأعضاء:

لزراعة الأعضاء شروط صحية يجب أن تتوفر لكي تُجرَى عملية الزرع، وأهمها:

  1. التطابق في الأنسجة وزمرة الدم.
  2. فحوصات عامة للمتبرع.
  3. فحوصات عامة للمتلقي (المريض).
  4. أن تكون نسبة نجاح النقل مرتفعة.

أمَّا فيما يخص الشروط القانونية، فهي تختلف من بلد الى آخر، ولكنَّ أغلب البلدان متفقون على ما يأتي:

  1. أن يكون عمر المتبرع أقل من 50 سنة.
  2. أن يكون المتبرع بكامل الأهلية.
  3. أن يكتب المتبرع تصريحاً خطياً بالموافقة.
  4. ألَّا يكون المتبرع مجبراً على ذلك.
إقرأ أيضاً: مصطلحات التحاليل الطبية بالإنجليزية

أنواع زراعة الأعضاء:

توجد أنواع كثيرة لزراعة الأعضاء، وأهمها:

1. زراعة العظم:

تعدُّ من أنواع الزراعات التي تحدث عند كسر وتلف العظم لدى المريض، والتي يمكن أن يحدث فيها نقل العظام من وإلى الجسد نفسه، ومن جسد إلى آخر.

2. زراعة القرنية:

تعدُّ القرنية من الأعضاء التي يمكن زراعتها، وذلك من خلال أخذ قرنية سليمة لشخص متوفى وزرعها بدل القرنية التالفة.

3. زراعة الوجه:

تعدُّ من العمليات التي يلجأ إليها الأطباء عند حدوث تشوه في وجه المريض نتيجة حادث ما، حيث يضطرون إلى الأخذ من أنسجة الجسم نفسه التي يمكن أن تتجدد وزراعتها مكان الإصابة.

4. زراعة الرأس:

تعدُّ من أصعب عمليات الزرع وأكثرها خطورة لقلة نجاحها، والتي يجري فيها نقل الرأس لجسم آخر من خلال ربط الخلايا والأوتار ببعضها.

5. زراعة اليد:

يحدث زرع يد جديدة في حالات كثيرة، كإصابة اليد بمرض خطير من المحتمل أن ينتقل إلى بقية الجسد، حيث يلجأ الأطباء حينها إلى بتر اليد من أجل الحد من انتشار المرض إلى الجسد كله، وزراعة يد جديدة متوافقة.

6. زراعة القلب:

تعدُّ من أهم عمليات زرع الأعضاء، ويحدث فيها نقل القلب من جسد المتوفى إلى جسد المريض بعد التأكد من تطابق الأنسجة وعدم رفض الجسم للقلب.

7. زراعة الدماغ:

قد يُصاب الدماغ بالتلف نتيجة مرض ما؛ لذا يلجأ الأطباء إلى نقل خلايا الدماغ من شخص متوفى إلى المريض.

8. زراعة الرئة:

يمتلك الإنسان رئتين، ويمكنه الاستغناء عن واحدة والتبرع بها لشخص قد تلفت رئتاه الاثنتان.

9. زراعة الكلى:

يمتلك الإنسان كليتين، ويستطيع أن يستمر في الحياة بالاعتماد على كلية واحدة والتبرع بالأخرى لشخص فقد كلتا كليتيه.

10. زراعة الكبد:

تعدُّ من أشهر عمليات زراعة الأعضاء، حيث يلجأ الأطباء إلى إزالة العضو التالف لدى المريض وزراعة عضو آخر من متبرع بعد توافق الأنسجة، وتحدث بنقل جزء من كبد أو أنسجة المتبرع إلى جسد المريض. 

11. زراعة الرحم:

تحدث مشكلات كثيرة في رحم المرأة، وقد يؤدي بعضها إلى العقم وعدم قدرتها على الإنجاب، ويمكن لزراعة الرحم أن تزيد فرصة تعافيها من ذلك.

موقف الشريعة الإسلامية من زراعة الأعضاء:

اختلف الكثير من العلماء حول جواز زراعة الأعضاء من عدمه، لكن يرى العلماء جواز زراعة الأعضاء في الحالات التالية:

  1. أن ينقل الشخص عضواً أو جزءاً منه من مكان في جسمه إلى مكان آخر منه، والنقل في هذه الصورة جائز بثلاثة قيود:
    • وجود حاجة ماسة إلى هذا.
    • عدم حدوث خطر على الحياة خلال استئصال العضو أو نقله.
    • ارتفاع نسبة نجاح زراعة الأعضاء هذه.
  2. أن ينقل العضو من شخص إلى آخر، ولها حالتان:
    • الحالة الأولى: أن يكون الشخص الذي أُخِذ منه العضو ميتاً، وجواز النقل هنا مقيد بما إذا كانت حياة الشخص المتلقي في خطر إن لم يُنقَل إليه، بالإضافة إلى غلبة الظن على نجاح العملية، وأن يوصي الميت بذلك أو يأذن الورثة بنقل العضو المراد زراعته.
    • الحالة الثانية: أن يتبرع الإنسان الحي بعضو منه أو جزئه إلى شخص مضطر إلى ذلك، وهذا جائز بشرط غلبة الظن بنجاح عملية الزرع وعدم حصول ضرر على الشخص المتبرع؛ وليس له أن يتبرع بعضو تتوقف عليه الحياة كالقلب، أو عضو يترتب على فقدانه زوال وظيفة أساسية في حياته كنقل قرنية العين؛ ذلك لأنَّ الضرر لا يزال بمثله.

كما توجد عدة أمور عامة لا بد من مراعاتها في عملية نقل وزرع الأعضاء، وهي:

  1. لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان إلى البيع.
  2. لا يجوز نقل الأعضاء التناسلية -كالخصيتين أو المبيضين- من إنسان إلى آخر؛ لكيلا تنتقل الصفات الوراثية للشخص المتبرع إلى أبناء الشخص المتلقي.
  3. لا يجوز نقل الأعضاء أو التصرف بجسد المريض ما لم ينقطع نفسه، ويتوقف قلبه، وتظهر عليه علامات الوفاة الشرعية.
  4. يُشترَط في المتبرع أن يكون أهلاً للتبرع.
  5. تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استُؤصِل لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة