لماذا تخسر الشركات أفضل موظفيها، وكيف توقف ذلك؟

بداية لنتعرف على معدل دوران العمالة: هو ظاهرة التغيُّر في عدد العاملين نتيجة الالتحاق بالعمل أو الخروج منه، وهو مقياس هام لكفاءة المؤسسة. ولكن ما يربكنا حقيقةً هو الإجابة عن أسئلة مثل: "لماذا يغادر الموظفون؟"، إذ إنَّه أمر يستدعي منا التوقف قليلاً للبحث في الأسباب الكامنة وراءه.



من الصعب توقُّع الأسباب أو تخمينها دون الخوض عميقاً للوصول إلى نتائج مثمرة، فالكثير منا يعتقد أنَّ الموظفين يغادرون وظائفهم بسبب مديريهم، لكن عندما نتعمق أكثر، نكتشف أنَّه ليس السبب الحقيقي أو الوحيد.

لقد أُجريَت واحدة من أكبر الدراسات حول معدل دوران العمالة، بهدف الإجابة عن هذا السؤال، وتوصَّلَت إلى النتائج التالية:

  • عندما يتعلق الأمر بالمديرين، فإنَّ الانسجام والاندماج في بيئة العمل هما العاملان الأكثر أهمية.
  • من المرجح أن يكون الموظفون الذين ترغب في الاحتفاظ بهم لا يشعرون بالرضا.
  • إذا كنت تريد معرفة مَن سيغادر، عليك فقط أن تسألهم.

لإتمام هذه الدراسة، حُلِّلَت الإجابات التي قُدِّمَت في استطلاعٍ لأكثر من 300000 موظف غادروا طواعية خلال الـ 15 شهراً التي سبقت بدء انتشار جائحة كوفيد19، وقُورنَت في هذه الدراسة الردود التي قدَّمها الموظفون في استطلاعاتٍ أجروها قبل مغادرة وظائفهم مع أجوبةِ استطلاعاتٍ أُجريَت حول الحماسة قبل المغادرة.

ثم أضافوا إلى ذلك خصائص أخرى عرفوا أنَّ كل فردٍ يتميز بها، مثل مدة خدمتهم، ومرتبة المدير، وما إذا كان فريق شؤون الموظفين يَعُدُّ خروجهم أمراً مؤسفاً؛ وبالنتيجة دحضت الدراسة بعض الخرافات الراسخة ووصلوا إلى نتائج لم يتطرق إليها أحد من قبل، إذ اكتشفوا أنَّ الموظفين لا يغادرون العمل بسبب مديريهم، ومن أجل التعمق أكثر في الموضوع تابع معنا قراءة المقال.

شاهد بالفيديو: 7 أسباب تجعل الموظّف يكره عمله

هناك 3 أسباب شائعة لمغادرة الموظفين:

عند مقارنة أولئك الذين غادروا بمَن بقي، نجد ثلاثة أسباب رئيسة لمغادرتهم:

  1. التطور الوظيفي: حينما سُئِل الموظفون "لماذا غادرتم أعمالكم السابقة؟"، كانوا أقل ميلاً إلى الإجابة: "أعتقد أنَّ هناك فرص عمل جيدة لي في الشركة". أضِف إلى ذلك، كان عدم التطور الوظيفي (سواء في حياتهم المهنية أم فرص التطوير) موجوداً في إجابات 1 من كل 3 موظفين كسبب رئيس للمغادرة.
  2. الآمال المنشودة من العمل: ومن غير المستغرب، أنَّهم أيضاً لم يعبِّروا عن رضاهم عند سؤالهم "هل أنتم سعيدون بمواصفات الأدوار التي تؤدُّونها؟".
  3. الانسجام والاندماج بالعمل: أولئك الذين غادروا كانوا أكثر عرضة للشعور بأنَّهم لا ينتمون إلى المؤسسة التي يعملون بها وغير منسجمين فيها.

وسطيَّاً، كانت درجة الإجابات التي قدَّمها أولئك الذين غادروا أعمالهم تَقِلُّ بمقدار 7 نقاط عن أولئك الذين بقوا فيها.

إليكم مخطط بياني يوضِّح نتائج ما يفضِّله الموظفون:

مخطط بياني يوضِّح نتائج ما يفضِّله الموظفون

ملاحظة إضافية: من المحتمل ألا يغادر موظفوك بسبب مديرهم؛ بل لأنَّهم يشعرون بأنَّهم لا يتطورون في هذا المنصب الوظيفي، أو لأنَّهم ليسوا في المكان المناسب، أو لأنَّهم لا يشعرون بالانتماء في الشركة.

إقرأ أيضاً: لأصحاب العمل: سر الاحتفاظ بالعمال المنتجين عن بُعد يكمن في اهتمامك بهم

أبرز الموظفين الذين يودُّ أرباب العمل الاحتفاظ بهم يذكرون الأسباب نفسها:

في حين أنَّ استبدال الموظفين أمر صعب للغاية، لكنَّنا ندرك أنَّ جميع الموظفين ليسوا متساوين في الكفاءة. لذلك ركَّزنا على ثلاث سمات رئيسة، وهي:

  • مدة العمل.
  • مرتبة المدير.
  • ما إذا كانت مغادرتهم مؤسفة؛ لتحديد الموظفين الذين لديهم التأثير الأكبر عند مغادرتهم.

وقد وضع جميع الموظفين في بداية اعتباراتهم لمغادرة العمل الأسئلة الثلاثة المذكورة أعلاه، مع بعض الاختلافات الملحوظة.

التطور الوظيفي كان هاماً بغض النظر عن مدة العمل أو الخدمة:

عندما يغادر الموظفون القدامى لديك، فإنَّهم يأخذون سنوات من الخبرة معهم، مما يجعل مغادرتهم صعبة للغاية، وقد يفترض بعض الأشخاص أنَّ سبب ذلك هو الحاجة إلى التطور والنمو خلال فترة عمل الموظف، ولكن من خلال النظر إلى السبب الذي ذكره الموظفون وقت مغادرتهم، وجدنا أنَّ التطور والنمو كانا السبب الأول في استمرار الموظفين في العمل.

كان هذا صحيحاً لمَن تركوا العمل في وقت مبكر (أولئك الذين غادروا في أقل من عام واحد)، والأشخاص الذين ظلوا لمدة أطول (أولئك الذين مكثوا لأكثر من 4 سنوات)، وما بينها. لقد عنى ذلك أنَّ التطور الوظيفي هامٌّ جدَّاً، وليس فقط مدى تقدُّم الدور الوظيفي الرسمي في العمل.

وفي النهاية عبَّرَ العديد من الموظفين عن رغبتهم في الحصول على فرص للتعلُّم والتطور والعمل بمشروعات على نطاق أوسع.

نصيحة: للحفاظ على موظفيك -بغض النظر عن مدة عملهم لديك- حدِّد من البداية معنى التطور والنمو بالنسبة إلى كل شخص منهم.

للحفاظ على المديرين، تأكد من أنَّهم يشعرون بالانتماء إلى بيئة العمل:

عندما يغادر مدير، يمكن لفريقه أن يتفكك، وقد يستغرق إيجاد بديل وقتاً أطول مما قد يستغرقه إيجاد موظف عادي؛ فقد وجد أنَّه بالنسبة إلى المديرين، كان جانب الانسجام في العمل أكثر أهمية، فالمديرون الذين غادروا:

  • كانت نتيجة تقييمهم لمدى نَيل آرائهم التقدير حينما يطرحونها تَقِلُّ بمقدار 9 نقاط مقارنةً مع المديرين الذين بقوا.
  • كانت نتيجة تقييمهم لمدى أخذ وجهات نظرهم في الحسبان عند اتخاذ القرار تَقِلُّ بمقدار 11 نقطة مقارنةً مع المديرين الذين بقوا.

ربما يكون هذا بسبب التناقض في الفكرة التي يطرحها عادةً أعضاء الإدارة الوسطى والتي تقول إنَّه يجب على المديرين أن يكونوا قادةً وأتباعاً، وإذا لم يشعروا أنَّهم مُمَثَّلين تمثيلاً جيداً، أو أنَّهم يُعامَلون بطريقةٍ جدية في أثناء قيادتهم لفريقهم، فإنَّهم يختارون المغادرة.

نصيحة: من أجل منع المديرين من ترك أعمالهم؛ تأكَّد من سؤالهم (وجميع الموظفين) عما إذا كانوا يشعرون أنَّ أصواتهم تلقى آذاناً صاغية وأنَّهم يشاركون في صنع القرار.

الموظفون الذين كانت مغادرتهم أمراً مؤسفاً كانوا صادقين فيما يخص عدم رضاهم في العمل:

بالنسبة إلى حوالي 10000 موظف، أشار قسم شؤون الموظفين إلى خروجهم بأنَّه "مؤسف"، ويختلف هذا التعريف باختلاف الشركة ولكنَّه يعني عموماً أنَّ الفرد كان عالي الأداء وترغب الشركة في الاحتفاظ به، والمثير للدهشة أنَّنا وجدنا أنَّ هؤلاء الموظفين كانوا أكثر صدقاً (بمقدار 10 نقاط كاملة) في عدم رضاهم من أولئك الذين غادروا ولم تكن مغادرتهم مؤسفة.

في الجدول أدناه (في المخطط)، يمكنك رؤية هذا النمط في ثلاثةٍ من العوامل الرئيسة التي أدَّت إلى انسحاب الموظفين، لقد كانت الدرجات المتوقعة للموظفين الذين عُدَّ تركهم للعمل أمراً مؤسفاً ضئيلةً إلى الحد الذي جعلها تحتل المرتبة العاشرة مقارنةً مع البيانات العالمية.

ثلاثةٍ من العوامل الرئيسة التي أدَّت إلى انسحاب الموظفين

نصيحة: يُسهِّل عليك انخفاض النتائج في استطلاع التفاعل معرفة مَن هم الأشخاص غير الراضين عن أدوارهم الوظيفية، ومن ثم يشير هذا المخطط إلى أنَّهم قد يكونون أكثر الموظفين الذين ترغب في الاحتفاظ بهم.

إقرأ أيضاً: لماذا يبقى الناس في وظائفهم رغم شعورهم بالتعاسة؟!

أفضل طريقة لمعرفة مَن سيغادر من موظفيك هي أن تسألهم عن ذلك:

بعد جميع الأسئلة التي تطرقنا إليها، وجدنا أن العنصر الأكثر قدرةً على التوقع حتى الآن هو بند الالتزام المستقبلي: "أرى نفسي ما زلت أعمل في الشركة في غضون عامين":

  • أولئك الذين رفضوا بشدة كانوا أكثر ميلاً بمقدار 2.7 مرة للمغادرة من أولئك الذين اختاروا إجابات أخرى، كان هذا العامل ذو تأثير أقوى بمرتين بالنسبة إلى الحالات التي تُعَدُّ مغادرة الموظفين فيها أمراً مؤسفاً؛ وذلك لأنَّهم أكثر صدقاً في نواياهم.
  • أولئك الذين لم يوافقوا كانوا أكثر ميلاً بمقدار مرتين للمغادرة من أولئك الذين كانوا محايدين أو موافقين.
  • وحتى أولئك الذين كانوا محايدين كانوا أكثر عرضة بنسبة 50٪ إلى المغادرة من أولئك الذين وافقوا.

تتوافق هذه النتيجة مع هذه النتائج التي تعود إلى عام 2017.

أفضل طريقة لمعرفة مَن سيغادر من موظفيك هي أن تسألهم عن ذلك

ملاحظة إضافية: إنَّ سؤال موظفيك عما إذا كانوا ينوون البقاء في الشركة هو أفضل طريقة للتنبؤ بمَن سيغادر العمل، كما يمكنك استخدام النسب أعلاه لتوقُّع نتائج تقريبية.

سيخبرك الموظفون لماذا يخططون للمغادرة:

يُسأل الموظفون في الاستطلاعات التي تُجرى معهم عندما يغادرون أعمالهم عن السبب الرئيس الذي دفعهم إلى المغادرة، وقد تبيَّن أن السبب الذي دفعهم إلى المغادرة قد ذُكِر في استطلاعات قياس الحماسة التي أُجريت معهم قبل أشهر:

  • الموظفون الذين تُعَدُّ مغادرتهم أمراً مؤسفاً والذين اختاروا "المدير" كسبب رئيس لمغادرتهم تبيَّن عند إجراء استطلاع التفاعل معهم أنَّ نِسَب التفاعل لديهم ليست ضمن النسب الخمس الأعلى. كان هذا أقل بـ 29 نقطة كاملة من الموظفين الذين تُعَدُّ مغادرتهم أمراً مؤسفاً والذين لم يذكروا مديرهم كسبب للمغادرة.
  • وبالمثل، فإنَّ الموظفين الذين اختاروا "القيادة" كسبب رئيس لمغادرتهم لم يكن عامل الإدارة لديهم ضمن النسب الخمس الأعلى في عامل "القيادة".
  • عُثِر على حالات مشابهة عند السؤال عن الأَجْر: "أعتقد أنَّ راتبي الإجمالي عادل، مقارنة بأدوار أخرى في شركات مماثلة".

سيخبرك الموظفون لماذا يخططون للمغادرة

نصيحة: إذا كان الموظفون يتحدثون بصوت عالٍ عن عدم رضاهم عن موضوعات معينة ولم تُعالَج المشكلة، فمن المؤكد أنَّهم سوف يغادرون بسببها.

إقرأ أيضاً: 4 طرق يدعم بها القادة الرقميين موظفيهم

بادر بالخطوة الأولى:

بناءً على البحث، يمكنك أن تكون واثقاً مما يلي:

  • سيخبرك موظفوك إذا كانوا يخططون للمغادرة.
  • سيعلمونك لماذا يخططون للمغادرة.
  • الموظفون الذين ترغب في الاحتفاظ بهم (مغادرتهم للعمل مؤسفة) أكثر صدقاً عند التعبير عن آرائهم وملاحظاتهم في العمل.

ومع ذلك، يعد هذا البحث سهلاً على اعتبار أنَّ مغادرة الموظفين عُدَّت أمراً مؤسفاً من قِبل قسم شؤون الموظفين.

لكن لسوء الحظ، هذا يحدث بعد مغادرة الموظف، إذاً لنتعمق أكثر بالمنحنى البياني:

  1. ضَمِّن تصنيف الأداء كعامل تصفية في نتائج استطلاع الحماسة في العمل حتى تتمكن من معرفة كيف يمكن أن تختلف تجارب الموظفين ذوي الأداء العالي.
  2. تأكد من طرح الأسئلة الأكثر قدرةً على التوقع، من خلال طرح السؤال مباشرة، "أرى نفسي ما زلت أعمل في الشركة في غضون عامين"، وبشكل غير مباشر من خلال تغطية التطور الوظيفي والتوقعات المرجوة من الوظيفة والانسجام في بيئة العمل.

إذا قمت بذلك، فقد تتمكن من إيقاف موظفيك ذوي الأداء العالي قبل أن يتَّخذوا هذا القرار المفصلي.

في الختام، قمنا بالخوض في هذا البحث الشاق ليصبح من السهل عليك تحديد مخاطر ترك الموظفين أعمالهم وتحسين تجربتهم قبل فوات الأوان.

 

المصدر




مقالات مرتبطة