لمَ يجب على القادة أن يُعطوا أكثر مِمَّا يأخذوا

عليّ أن أعترف بهذا: عندما بدأت رحلتي في تطوير نفسي منذ حوالي خمسة عقود، كانت دوافعي أنانيَّة. أردتُ أن أتطوَّر لكي أكونَ ناجحاً. ربما يكون ذلك هو السَّبب نفسه الذي من أجله تقرأ أنت هذه المقالة الآن. إذ يوجد هناك أهداف تريد تحقيقها ومعالم رئيسية تريد الوصول إليها، ولكنَّك تعلم أنَّه لتحقيق تلك الغايات، عليكَ تطوير نفسك أولاً. لقد شعرتُ بالمثل، كان تطوير الذّات هو مفتاح الوصول إلى أهدافي.



ولكن إليك السَّبب في أنَّني أشرح تجربتي في تنمية الذَّات على أنَّها رحلة: بمرور الوقت، كانت دوافعي قد تغيَّرت. لقد وجدتُ أنَّه كلَّما أحرزت تقدماً، كلما زاد تأثيري على الناس. لكن ذلك التَّأثير لم يكن لمصلحتي الخاصة، فقد خلق فُرَصَاً لي للإسهام في تنمية الآخرين. وذلك التقدم لم يقدني إلى تحقيق النجاح فقط، بل إلى أن أصبحَ ذا أهميَّةٍ أيضاً. إذ وجدت في تطوير الآخرين أعظم فرحة ومكافأة في حياتي. وعند النَّظر إلى ما حدثَ سابقاً، لا يُصبح من المستغرب بالنسبة لي أنَّ هذا التَّحول دفعني صوب تحقيق نجاح أكبر.

ولكن هناك وجهان لكل عُملة، لذا اسمحوا لي أن أقوم بوصفِهِمَا لكم هنا.

ضع الآخرين في المقام الأول

كقائدٍ شاب، بدأتُ هذا الأمر معتقداً أنَّ رؤيتي تأتي في المقام الأوَّل. اعتقدت أنَّ أهمَّ مسؤولياتي هي حملُ النَّاسِ على الاستثمار بي؛ سواءً أَكانَ أين أتجه، أو ما كنت أفعل، أو ما كنت أطلب. لكن كلَّ شيء تغيَّر بالنسبة لي عندما أدركت أنَّ النَّاس لم يسمحوا لي بأن أصبح قائداً عليهم، إلَّا عندما أدركوا أنَّ دوافعي كانت صحيحة، وهي أنَّني أضعهم في صدارة اهتماماتي.

يُريد الناس أن يعرفوا أنَّهم يتمتّعون بالأهميَّة بالنسبة للشخص الذي يقودهم، لا يرغب الأشخاص الذين يعملون معك أو من أجلك، أن يكونوا أتباعاً أو تُروسَاً قابلةً للاستبدال في آلة تبنيها. إنَّهم يريدون أن يكونوا شركاء، والشُّركاء يبذلون جهداً إضافياً تجاه بعضهم البعض.

كقائد، عندما بذلت جهداً إضافيَّاً تجاه النَّاس، كانوا سعداء بالقيام بالشيء نفسه من أجلي. لقد غمرني العائد الذي تلقيته من استثماري في الآخرين بمشاعر جديدة من الإحساس بالأهميّة. فالأشياء في هذا العالم مؤقتة؛ والنَّاس هُمْ ما يَهم. فحياتك المهنية وهواياتك وغيرها من المصالح سوف تموت معك، ويبقى النَّاس. وما تقدمه لمساعدة الآخرين يُخوّلهم مساعدة الآخرين في المقابل، إنَّها دورةٌ يمكن أنْ تستمر لفترة طويلة بعدَ موتك ورحيلك.


اقرأ أيضاً:
9 نصائح لتكون مصدر سعادة للآخرين

 

غالباً ما يُقالُ في المؤسسات بأنَّ الأشخاص هم الأصول الأكثر أهميَّة، لكنَّ العديد من القادة لا يتصرّفون كما لو كان ذلك صحيحاً. إذا كنت قائداً، فإنَّ مقياس النَّجاح ليس عدد الأشخاص الذين يخدمونك، ولكن عدد الأشخاص الذين تخدمهم. من المهم وضع الأشخاص في المقام الأوَّل، لأنَّ أفعالك تؤثر على الكثير من الأشخاص الآخرين. بالإضافة إلى أنَّ معاملتنا الحسنة للآخرين تساعدنا على خوض غمار الحياة بصورةٍ أفضل، وَتضعنا في المكانٍ الذي يُمكننا من خلاله التَّعلم منهم.

عندما يكون النَّاس أولويةً في حياتك، فإنَّ إضافة قيمة لهم يُصبح أمراً طبيعياً، وتقوم بذلك عندئذٍ كما لو أنَّه أسلوب حياتك. فأنتَ تضيف قيمةً للناس لأنَّك تُقَدِّرهم وتعتقد أنَّ لديهم قيمة. لكن... هنا يأتي الجَّانب المهم الآخر للعملة التي ذكرناها.

لا تَدَع الآخرين يتحكّمون بك

عندما كنت أنا وزوجتي مارغريت متزوجين حديثاً وبدأت حياتي المهنية كَواعظ، كان لدينا القليل من الموارد. باختصار، كُنَّا بالكاد نتدبّر قوت يومنا. في ذلك الوقت، أصبحنا أصدقاء مع زوجين كانا في وضعٍ ماليٍّ جيد. وكل ليلة جمعة، كان يدعونا جاك وهيلين إلى مطعم راقٍ ويدفعون الحساب. كان ذلك الأمر الحدث الأبرز كل أسبوع، حيث لم نقدر أنا ومارجريت على تناول الطَّعام هناك. خلال فترة عامين، تلقينا العديد من الفوائد الرَّائعة لتلك الصداقة، وكنَّا ممتنين للغاية.

بعد ثلاث سنوات في ذاك المنصب، تلقيت عرضاً لأُصبح قائداً لِكنيسةٍ أكبر. كانت فرصةً هائلةً مع إمكاناتٍ رائعة على الصَّعيد المهني، لكن عندما أعلنت أنَّه يجب عليَّ أن أنتقل لأحصل عليها، لم يكن جاك سعيداً.

لن أنسى كلماته أبداً: "جون، كيف يمكنك أن تغادر بعد كل ما فعلتُهُ مِنْ أجلك؟" لقد كانت تلك اللحظة هي اللحظة التي أدركت فيها أنَّ جاك؛ بدأ يمتلكني تدريجيَّاً. كان يحسب كُلَّ شيءٍ فعله من أجلي، ولم يكن لديَّ أيُّ فكرة! لقد كانت تلك اللحظة بمثابة نداءً للصحوة.

شاهد أيضاً: 7 طرق لتحسين مهارة اتخاذ القرار

وكان ذلك هو اليوم الذي اخترت فيه خياراً هامَّاً: سأحاول دائماً تقديم أكثر مما أتلقاه في علاقاتي مع الآخرين، ولن أمُنَّ بذلك عليهم.

ومنذ ذلك اليوم، وأنا لم أسمح أبداً لأحد من قادتي بدفع الحساب عوضاً عنِّي في المطعم، منذ ذلك اليوم وأنا أُصِرُّ على أن أكون على الجانب المانح في الحياة كلّما أمكنني ذلك.

من الواضح، أنَّني ما زلت أتلقى المساعدة من الآخرين. وأنا ممتنّ بشكلٍ يفوق الوصف لما يفعله الآخرون لي، لكنني وفي نفس الوقت، لا أريد أن أتخلَّى عن حياتي. أريد أن أكون قادراً على تقييم الأشخاص بدون أي قيد أو شرط. إنَّ حياة العطاء يجب أن تخلق الحرية لنفسك ولمن تساعدهم. وبصفتك قائداً، يجب أن تحرص على عدم امتلاك أيِّ شخصٍ لك، وذلك عبر منح الآخرين أكثر مما تتلقى منهم. يمكنك القيام بتلك الحسبة بسرعة، كل ما عليك فعله هو إعداد قائمة بالأشخاص الأساسيين في حياتك. والآن فكِّر بِكل علاقة، وحدِّد ما إذا كنت في الغالب الشَّخص المانح فيها أم لا، وفيما إذا كانت العلاقة متكافئةً أم لا.

إذا كنت الشَّخص المتلقي في أغلب الأحيان، فعليك إجراء بعض التَّعديلات. كيف تقوم بذلك؟ عن طريق بذل جهدك لتتفوق في عطائك للنَّاس الموجودين في حياتك، من دون أن تَمُنَّ بذلك العطاء عليهم. يمكنك القيام بذلك ليس فقط مع عائلتك وأصدقائك، ولكن حتى مع رب العمل. ابذل جهدك للقيام بمزيدٍ من العمل، أكثر مما تدفعه لك مؤسستك في المقابل. ولن يقوم الأشخاص الذين تعمل من أجلهم أو تعمل معهم بتقديرك أكثر وحسب، بل ستضيف لهم المزيد من القيمة أيضاً. وإذا كانت لديك فرصة جديدة للانتقال إلى أشياء أكبر وأفضل، فستكون قادراً على فعل ذلك مع علمك أنَّك قدَّمت أفضل ما لديك دوماً.

المصدر




مقالات مرتبطة