كيفية تحقيق أقصى استفادة من الحدس

الحدس هو عملية لا شعورية، توفِّر بسرعة معلوماتٍ عن المواقف التي نجد أنفسنا فيها، فقد تعلَّم الباحثون كثيراً عنه في العقود القليلة الماضية، كما أكد العلماء هذه الظاهرة في عام 2016.



توجد معلومات كثيرة عما هو حدس (وما هو ليس كذلك)، ومتى يمكنك الوثوق به، وكيف يمكنك تحسينه، فقد تتفاجأ بمدى قدرتك على الاستفادة من شعورك الغريزي عندما تعرف كيفية استخدامه استخداماً صحيحاً.

ما هو الحدس؟

يحتوي الحدس على ثلاث ميزات رئيسة، وهي:

  1. لا شعوري؛ أي يعمل دون وعي.
  2. تلقائي؛ أي لا يمكننا التحكم بالوقت الذي يمنحنا فيه المعلومات.
  3. سريع جداً؛ أي يوفر المعلومات على شكل مشاعر وعواطف.

غالباً ما يوصف الحدس على أنَّه يطابق نمطاً ما؛ فهو يرى شيئاً معيناً، ويجد شيئاً قريباً ومشابهاً لذلك الشيء، ويعيد إلينا الانطباع ذاته دون أي حقائق أخرى؛ إذ إنَّ هذه هي قوته وخطورته، فهو سريع جداً؛ لكنَّه لا يقدِّم لنا تحليلاً مفصلاً أو تفسيراً، والأهم من ذلك، لا يتطلب الحدس تفكيراً واعياً، ولا يعد أيُّ تبرير أو قراءة لمشاعرك الداخلية حدساً أيضاً.

كيف تطور الحدس؟

قد يكون بعضٌ من حدسنا فطري، ومع ذلك، فإنَّ الطريقة الأساسية التي يتطور بها حدسنا هي من خلال التعرض للمواقف؛ فعندما يقع حدث له عواقب ملموسة - وخاصة العاطفية منها - فإنَّ أدمغتنا وأجسادنا تتعلم منها تعلماً طبيعياً.

يعتقد الخبيران البارزان دانيال كانيمان (Daniel Kahneman) وغاري كلين (Gary Klein) أنَّ الحدس المفيد يتطور تطوراً أفضل من خلال الممارسة في البيئات المنتظمة، وفي هذا السياق، تعني كلمة "ممارسة" التعرض المتكرر لأنماط أساسية بدقة خلال فترة زمنية كافية، والبيئات المنتظمة هي عبارة عن أحداث تنتج فيها الأنماط المتشابهة نتائج متشابهة.

إقرأ أيضاً: الاستجابات الأربع للأخبار الجيّدة حسب غابل Gabel

متى يجب أن تستخدم الحدس، ومتى يجب ألا تستخدمه؟

يلاحظ الباحثون أنَّ الخبراء المختلفين لديهم معدلات نجاح متفاوتة عند الاعتماد على حدسهم؛ إذ وجد دانيال أنَّه لا يمكن الاعتماد على تنبؤات تجار الأسهم وعلماء السياسة، في حين وجد غاري أنَّ رجال الإطفاء والممرضات يؤدون أداءً جيداً من هذه الناحية باستمرار.

الفرق هو أنَّ رجال الإطفاء والممرضات لديهم ممارسة واسعة في البيئات المنتظمة، بينما تجار الأسهم وعلماء السياسة، بصرف النظر عن مدى خبرتهم، فلا يمكن الاعتماد عليهم لأنَّ بيئاتهم ليست منتظمة.

إذا كان الموقف لا يعطي نتائج ثابتة عند اتخاذ الإجراءات نفسها، فلا يمكن للدماغ أن يتعلم أنماطاً يمكن الاعتماد عليها، ولسوء الحظ، تستمر أدمغتنا على الرَّغم من ذلك في تعلم الأنماط، والأسوأ من ذلك أنَّها لن تكف عن تقديم التنبؤات من خلال الحدس، وستظل تشعر بأنَّ المعلومات التي تتوصل إليها مُلحَّة ومنطقية، كما لو أنَّ الحدس يبني روابط منطقية.

قد تسوء الأمور أيضاً عندما لا تكون لديك ممارسة كافية لمعرفة الأنماط المفيدة الموجودة؛ إذ تحتوي بعض البيئات على اختلافات دقيقة في الأنماط أكثر من غيرها، وتتطلب مزيداً من الممارسة.

يمكنك الاعتماد على الحدس إذا كنت في موقف مررت به مرات عديدة من قبل؛ إذ تؤدي الجهود المستمرة إلى نتائج ثابتة، أنت تستطيع على الأرجح الاعتماد على حدسك، أو تستطيع تطويره بحيث تستطيع مستقبلاً الاعتماد عليه.

إذا كانت لديك نتائج سلبية طفيفة لسوء حدسك، فقد يكون من الأفضل الإصغاء إليه، وإن كنت مخطئاً، فأنت تقدِّم لنفسك فرصة للتعلم والتأثير في حدسك، وهذا الأمر صحيح خاصةً في البيئات الخطرة؛ فقد يؤدي تجاهل الشعور بالقلق إلى ضرر جسيم.

يمكن أن يكون الحدس مفيداً للغاية أيضاً عندما يكون لديك القليل من الوقت لاتخاذ القرارات، فعندما لا يكون التحليل ممكناً، فقد يكون استخدام حدسك هو أفضل ما يمكنك فعله.

شاهد بالفيديو: 10 حقائق قد لاتعرفها عن العقل البشري

كيف يمكنني تقوية حدسي بطريقة أفضل؟ وهل هو مفيد وإن لم أثق به؟

يوجد تمرين بسيط يمكنك استخدامه للاستفادة من الحدس وتحسينه في أي موقف، حتى عندما لا تثق به:

  1. عندما يقدم لك حدسك المعلومات، حاول أن تقوم بعصف ذهني لاكتشاف سبب المشاعر التي تُحِس بها، ولا تقلق بشأن كونك مخطئاً، فالهدف هو أن تبدأ من مكان ما.
  2. بمجرد أن يكون لديك مجموعة من التفسيرات المنطقية، اختبرها، فإذا كنت تفكر في سبب استجابة شخص ما بطريقة معينة، على سبيل المثال، يمكنك طرح الأسئلة عليه لتحديد ما إذا كنت قد خمنت تخميناً صحيحاً، أمَّا في البيئة المهنية، فعليك جمع المزيد من الحقائق أو البيانات لدعم (أو رفض) المعلومات التي يقدمها حدسك.
  3. تكرار الأمر كلَّما أُتيحت لك الفرصة.

لن يساعدك هذا التمرين على تطوير حدسك في كل موقف تمارسه فحسب؛ بل سيساعدك أيضاً على تحديد البيئات المنتظمة ومقدار الممارسة التي قد يتطلبها كلٌّ منها.

إقرأ أيضاً: ما بين التَقبُّل وتحييد المشاعر: كيف نتحكم بمشاعرنا؟

في الختام:

إذا كنت تواجه صعوبةً في معرفة متى يجب أن تثق في حدسك أو تفهم ما يخبرك به، ففكر في زيارة طبيب نفسي؛ فلن يساعدك التحدُّث عن المواقف على معالجة ما حدث فحسب؛ بل سيزودك بتقييم موضوعي عما إذا كنت تتعلم الأنماط والنتائج المناسبة، ويستفيد الأشخاص الذين يمرون بظروف نفسية جيدة من هذه العملية بقدر أولئك الذين يعانون مشكلات في صحتهم العقلية.

سواء كنت تعتقد أنَّك شخص حَدَسي بالفطرة أم كنت لا تثق فيما يقوله حدسك، فإنَّ تعلُّم استخدام حدسك استخداماً مناسباً يمكن أن يكون له فوائد عديدة في جميع مجالات حياتك، وقد لا يكون حدسنا مفيد جداً؛ لكنَّه ضروري لعافيتنا، ويمكن تحسينه تحسيناً كبيراً بجهد بسيط.




مقالات مرتبطة