كيف ينجح القائد في حل المشكلات؟

في عالم اليوم؛ لا تقتصر مسؤوليات وأدوار القائد على تفويض المهام وإدارة الموظفين وتنفيذ الاستراتيجية المؤسسية، فعندما يتعلق الأمر بالقيادة الفعَّالة، فإنَّ حل المشكلات ليس فقط مهارة هامة؛ بل يلعب دوراً حازماً يجب على القادة القيام به بمهنية واحترف.



يتبنَّى العديد من القادة فكراً قيادياً مختلفاً في مواجهة تحديات أكثر تعقيداً في مجال الأعمال - ما قد يسميه بعض المنظرين مناهضاً للقيادة النموذجية التقليدية - فبدلاً من التركيز على إدارة الموظفين ومتابعة أدائهم، يقوم هؤلاء القادة بتركيز انتباههم على المشكلات المطروحة، ويقودون الموظفين المتحمسين نحو الحلول التي يسعون إلى تحقيقها.

وقد وصفت مؤسسة مركز القيادة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT Leadership Center) "ديبورا أنكونا" والمدير التنفيذي "هال جريجرسن" هذا النمط القيادي بالقيادة التي تُقاد بالمشكلات (problem-led leadership)، مؤكدين على تزايد هذا النمط من القيادة.

يعد حل المشكلات مكوِّناً هاماً للقادة لإزالة الحواجز والتحديات التي يمكن أن تعيق تقدُّم الأفراد أو أعمالهم، وهي مَهمَّة حيوية للقادة لا يمكن إغفالها؛ ففي دراسة أجرتها (Harvard Business Review) حول المهارات التي تؤثر في نجاح القائد، احتلت مهارة "حل المشكلات" المرتبة الثالثة من أصل 16 مهارة يحتاجها القادة؛ فهي جوهر عمل القادة.

بدايةً؛ تغلَّب على المشكلات فور حدوثها:

يهدف القادة إلى التقليل من حدوث المشكلات في المقام الأول؛ مما يعني أنَّه يجب على القادة التحلي بالشجاعة الكافية لمعالجة المشكلات ومجابهتها فوراً وقبل أن تتفاقم وتصبح عسيرة الحل، فمن واجب القادة التحلي بالمرونة سعياً لخلق واستدامة الزخم والأداء العالي للمؤسسة والأفراد.

هل ينجح ذلك دائماً؟

داخلياً في واقع بيئات العمل يتعامل القادة مع أشخاص يسعون إلى تعقيد الأمور من خلال: وضع سياسات وإجراءات مؤسسية، والترويج للذات، واستخدام أدوات القوة والنفوذ، وهذه الممارسات تُظهر مساوئ النفس الإنسانية: مثل الحسد والحقد والضغينة، إضافة إلى تحديات معتادة في بيئات العمل مثل نقص الميزانيات والموارد، والعديد من الأعمال أو الظروف العشوائية الأخرى التي تجعل من الصعب على الناس أن يكونوا منتجين وفعَّالين.

خارجياً: يخلُق المنافسون أيضاً مشكلات غير متوقعة عندما يقومون بكسب عميل طويل الأمد وصاحب ولاء لجانبهم أو إنشاء علاقة شراكة جديدة مع منافسين أو إطلاق منتج جديد أو علامة تجارية أو استراتيجية طموحة.

إضافة إلى أنَّ عمليات الاندماج والاستحواذ تبقينا على أهبة الاستعداد وتشتت انتباهنا أكثر عن حل المشكلات الحالية من خلال إنشاء مشكلات جديدة، إذن تجنُّب المشكلات أو تقليلها والتعامل معها منذ البداية واحدة من أهم أدوار القادة والتي قد لا تتيسر دائماً.

كما قال "كارل بوبر" (Karl Popper) ، أحد أكثر فلاسفة العلم تأثيراً في القرن العشرين، ذات مرة ببلاغة: "الحياة كلها حل المشكلات" لقد أكدت في كثير من الأحيان أنَّ أفضل القادة هم أفضل من يحل المشكلات؛ فلديهم الصبر للتأني ورؤية المشكلة التي بين أيديهم من خلال المراقبة الموسعة؛ رؤية بانورامية شاملة (360 درجة)؛ حيث إنَّهم يرون حول وتحت وما وراء المشكلات، إنَّهم يرون ما هو أبعد مما هو واضح ويتعاملون مع المشكلات من منظور الفرص.

بينما القادة الذين يفتقرون إلى هذه الحكمة يتعاملون مع المشكلات برؤية خطية - ومن ثم لا يرون سوى المشكلة التي أمامهم مباشرة دون رؤية الصورة الكبيرة.

عندما يبدأ القادة برؤية المشكلات بنظرة شاملة؛ يدركون أنَّها قد تكون عاملاً هاماً جداً للتحسين وتطبيق أفضل الممارسات (Best Practice) وفرصة رائعة لمراجعة إجراءات التشغيل الحالية مما يفتح آفاقاً للنمو والمنافسة في السوق؛ إنَّهم يدركون أنَّه في النهاية، كل المشكلات متشابهة - فقط مغلفة بشكل مختلف - وكل ما هنالك أنَّنا نحتاج إلى رؤيتها بحكمة وشمولية.

يجب ألا ينظر القائد أبداً إلى المشكلة على أنَّها تشتيت للانتباه؛ بل على أنَّها عامل تمكين استراتيجي (Strategic Empowerment) للتحسين المستمر ورؤية الفرص التي لم تكن موجودة من قبل.

متى تكون المشكلات أكثر وضوحاً للقادة؟

بكلمات أخرى؛ متى تحدث المشكلات؟ وهل للقادة أن يتوقعوها؟ هل يمكن تهيئة بيئة مناسبة لها؟

الإجابة الواحدة الواضحة -والصحيحة- عن هذا السؤال هي: "طوال الوقت"، ولكن في الواقع تكون بعض الأوقات أكثر احتمالية من غيرها، فعندما يكون أداء الشركة جيداً والظروف المالية مواتية ورؤية الشركة واضحة للجميع؛ لا ينتبه أحدٌ لما يفعله القائد ولما يبذله من جهد؛ بينما تصبح القيادة تحدٍ عندما يتغير الوضع أو عندما تحدث حالة من عدم الاستقرار في المؤسسات، وتحدث هذه الحالات من عدم الاستقرار غالباً علناً وبوضوح وتَبرز من خلالها مهارات القائد للعيان.

الأوقات التي قد تظهر فيها التحديات:

1. البدايات:

عندما يكون هناك شيء جديد على وشك البدء؛ عندما تبدأ تدخلاً جديداً، أو تجرب شيئاً مختلفاً في برنامج قيد التشغيل لفترة من الوقت، أو تنتقل إلى مرحلة أخرى في مبادرتك، أو توظِّف قائداً جديداً، ففي هذه البدايات لا أحد يستطيع أن يخمِّن ماذا سيحدث.

2. النهايات:

عندما يكون هناك شيء على وشك الانتهاء؛ في كثير من الأحيان في نهاية مشروع أو مبادرة معينة، أو انتهاء فترة تدريب والانتقال إلى التنفيذ، أو عندما يقترب عملٌ ما من نهايته؛ فلو توقفنا قليلاً عند هذا التغيير؛ فهو بحكم التعريف، على وشك التغيير والانتقال إلى مرحلة جديدة وضبابية.

في هذه المرحلة؛ غالباً ما يتطلب الأمر مهارات قيادية للتأكد من أنَّ المشروع سينتهي بنجاح، وينتقل الجميع إلى المرحلة التالية بأمان.

3. المنعطفات:

عندما تكون الأوقات عصيبة؛ إذا لم يكن هناك تمويل كافٍ، أو تعرَّضَت منظمة أو مجموعة لانتقادات علنية؛ ففي هذا النوع من المشكلات، يتعين على القائد محاولة حل المشكلة بطريقة ما، مثل: إيجاد تمويل، وتقليل النفقات، ونزع فتيل الانتقادات.

4. في أثناء الانتقالات:

هناك العديد من الأسباب التي تجعل المؤسسة تمر بمرحلة انتقالية حرجة:

  1. فقد تنتقل المؤسسة – بسبب ظروف اقتصادية أو متطلبات قانونية أو تغييرات في بيئة الأعمال - من منظمة غير محكمة التنظيم إلى منظمة أكثر تنظيماً من الناحية الرسمية.
  2. تمرُّ المؤسسة في فترة نمو متسارعة وتتطلب تغييرات كبيرة وإعادة هيكلة.
  3. فقدان بعض الأشخاص الفاعلين (Key people) أو تغيُّر في المناصب القيادية، وغيرها من الانتقالات.

من أصعب المهام التي يواجهها القائد محاولة الحفاظ على استقرار المؤسسة خلال فترة التغيير والحفاظ على الروح المعنوية العالية، فالقاعدة هنا: "تُختبَر القادة اختباراً حقيقياً عندما تكون الأوقات صعبة".

هل هذا ممكن الحدوث؟ دعونا نعيش مثالاً واقعياً حقيقياً: "فقد واجهت منظمة مجتمعية واحدة كل الظروف المذكورة أعلاه في وقت واحد، لقد انتقلت المنظمة من ثلاثة موظفين - المؤسسين - إلى عشرة موظفين في أقل من عام، نتيجة للتوسع الكبير في عملياتها، وخلال العام نفسه غيَّرت المنظمة هيكلها التنظيمي، من شركة مملوكة من قِبل المؤسسين الثلاثة إلى شركة مملوكة لمجلس إدارة.

وفي نهاية العام، أُصيْبَ المخرج -أحد المخرجين الثلاثة الأصليين- بمرض شديد واستقال، وتولَّى أحد المؤسسين منصب المدير؛ لذا كان عليه أن يجمع الموظفين معاً، ويتعلَّم كيفية العمل في النظام الجديد، وإدارة ميزانية أكبر وأكثر تعقيداً، والتعامل مع مشاعر الجميع بشأن فقدان أحد المؤسسين، وفي الوقت نفسه إثبات نفسه كقائد للمنظمة.

إقرأ أيضاً: مقاومة التغيير في المؤسسة: كيف يتعامل معها القائد؟

تحديات القيادة مستمرة وتحدث يومياً، ومع ذلك فإنَّ معرفة الوقت المحتمل لظهور أكبر التحديات يمكن أن يجهِّزك لمواجهتها بنجاح.

دور القادة من منظورَين مهمَّين؛ المنظور الأول: المنظور الإنساني، والمنظور الثاني: العملي التحليلي.

دعونا نرى دور القادة في حل المشكلات من منظورين مهمَّين؛ المنظور الأول: المنظور الإنساني، والمنظور الثاني: العملي التحليلي.

المنظور الأول، المنظور الإنساني:

سواء كنت قائداً لشركة كبيرة أم صاحب شركة صغيرة، فإليك الطرائق الأربع الأكثر فاعلية لفهم المشكلات قبل البدء بالحل:

1. التواصل بشفافية:

يتطلب حل المشكلات التواصل بشفافية؛ والسماح بالتعبير عن اهتمامات ووجهات نظر الموظفين بحرية؛ فالشفافية هي مفتاح الوصول إلى الحقائق.

لقد رأيت مرات عديدة مدى صعوبة الوصول إلى جذر المسألة في الوقت المناسب عندما لا يتحدث الناس بوضوح؛ فالتواصل ضرورة أساسية في حل المشكلات، وعندما يرفض المتورطون في المشكلة التعبير عن أنفسهم - خوفاً من أن يفقدوا وظائفهم أو أن تُكشَف أخطاؤهم - تصبح عملية حل المشكلة بمثابة البحث عن الكنز المفقود في جزيرة نائية.

يتحقق التواصل الفعَّال والشفافية عندما يملك القائد القدرة على إدارة حوار مفتوح بين الأشخاص الذين يثقون في قيادته ويشعرون أنَّهم في بيئة آمنة لمشاركة آرائهم ومعتقداتهم حول المشكلات، فعندما يتحقق ذلك؛ فإنَّ القائد مع فريقه قادرون على رسم مسار حقيقي نحو حلول قابلة للتطبيق وبطريقة مستدامة.

هل الموضوع بهذه البساطة؟ بقدر ما قد يبدو التواصل أمراً سلساً، لا ينبغي للقائد أن يفترض أنَّ الناس سيرتاحون لمشاركة ما يفكرون به حقاً بدون خوف أو تردد، فالنفس البشرية أكثر تعقيداً مما تبدو؛ لذا يحتاج القائد هنا لخطوات أخرى.

2. هدم الحواجز الوهمية:

يتطلب التواصل الشفاف هدم الحواجز وتمكين المنظمة من التركيز على ثقافتها المنفتحة من أجل توفير بيئة عمل صحية، ففي كثير من الأحيان تستدعي الحواجز الوهمية أجندة خفية للأفراد بدلاً من الترحيب بالتعاون الفعَّال من أجل حل المشكلات.

تُشكِّل الحواجز الوهمية أرضية خصبة لعزلة تنظيمية والتي قد تكون سبباً جذرياً لمعظم مشكلات العمل وهي أيضاً السبب في عدم القدرة على حل الكثير منها، لهذا السبب يجب أن تحتضن بيئات العمل اليوم روح "ريادة الأعمال" بحيث يتم التخلي عن الحواجز الوهمية التي تنتشر في المؤسسات وتسمح للموظفين بالتنقل بحرية خارج أقسامهم تمهيداً للتعاون المتبادل فيما بينهم وتبادل المعلومات بشفافية وصولاً إلى حل للمشكلات.

بروح "ريادة الأعمال" يمكن لأي شخص أن يكون مستكشفاً شغوفاً يعرف نطاق عمله الخاص به ويدرك مدى تقاطعه مع الأقسام الأخرى، فروح "ريادة الأعمال" تتيح لك معرفة مدى تأثير كل شخص في بيئة العمل ودوره الهام، وتعزِّز من إحساس الأفراد بمدى تأثيرهم على المشكلات إيجاباً أو سلباً، ولن يتحقق ذلك عندما يعمل الأفراد في صوامع معزولة غير مدركين تأثير ذلك في العمل وعمق الشرخ الذي يسبِّبونه.

يصبح حل المشكلات من أصعب المهام في مكان العمل المليء بالحواجز، فالذاتية المفرطة هي الطاغية، بدلاً من روح فريق العمل، وعندها يصبح حل المشكلات مَهمة محبطة أو شبه مستحيلة، فالعمل في بيئة منعزلة تحث على الفردية والذاتية، إذ يريد الجميع أن يكون نجماً بارزاً فيها؛ مما يخلق صعوبةً في مساعدة الآخرين على تحسين عملهم أو مد يد العون لهم.

عندما يهدم القائد الحواجز فإنَّه يساهم في إشراك الموظفين من مختلف المشارب والخلفيات، ويجعلهم أكثر انغماساً في حل المشكلات، ويدفعهم إلى التفكير تفكيراً جماعياً وتشاركياً للخروج من المأزق.

3. بناء فريق عمل منفتح:

عندما تنكسر الحواجز ويتحقق التواصل بشفافية يصبح الفريق أكثر انفتحاً وتفاعلاً، وفي النهاية ينجح الفريق في حل المشكلات عندما يعمل أفراده معاً لجعل المنظمة مكاناً أفضل للعمل؛ لذلك إذا كنت عالقاً مع فريق عمل منغلق، فإنَّ حل المشكلات يصبح طريقاً طويلاً مليئاً بالأشواك.

المتسكعون والمنفتحون: هناك العديد من الأشخاص في مكان العمل الذين يستمتعون بخلق فوضى في بيئة العمل حتى لا يُكشَف عن أوجه القصور لديهم، وهذه النوعية من الأشخاص يُطلق عليهم "المتسكعين"، فالمتسكعون يجعلون من الصعب حل المشكلات، ويلعبون دوراً محورياً في إبطاء عملية البحث عن حلول؛ ويسعون إلى البروز والظهور على أقرانهم في محاولة منهم لإجبار القائد على الرجوع إليهم والاعتماد عليهم.

على الطرف الآخر؛ ينظر الأشخاص المنفتحون إلى ما هو أبعد من التفاصيل الواضحة ويرون أنَّ المخاطرة هي أفضل صديق لهم، ويتعاملون مع المشكلات وجهاً لوجه ويواصلون جهودهم في دفع النمو والابتكار في مؤسساتهم، فعندما يسعى القائد للبحث عن هؤلاء داخل منظمته، سيدرك أهمية الانفتاح الذهني وكيف يؤدي ذلك في النهاية إلى مزيد من الابتكار والمبادرة وتوفير حلول سريعة وفعالة للمشكلات.

4. استراتيجية تأسيسية متينة:

بدون استراتيجية واضحة المعالِم للتعامل مع المشكلات، يصبح "حل المشكلات" مجرد مُسكِّن مؤقت وليس حلاً جذرياً؛ لذا يجب تنفيذ استراتيجية قوية لحل أي مشكلة، ولتحقيق ذلك يعرف القادة الحقيقيون كيفية جمع الأشخاص المناسبين، والموارد الضرورية، والمعرفة العميقة (know-how)، والاستلهام من التجارب السابقة لحل المشكلات، ويلهمون الناس ويرفعون من وتيرة حماسهم من خلال جعل عملية "حل المشكلات" تعاونية وممتعة للغاية؛ فهم يرون المشكلات فرصة للتقريب بين الناس وجعلهم يعملون معاً؛ لذا تذكَّر أيُّها القائد " أنَّك لا تعرف الإمكانات الحقيقية للشخص وقدراته حتى ترى الطريقة التي يحل بها المشكلات".

ماذا نقصد بالاستراتيجية؟

يمتلك القادة القدرة الفذة على ربط الأجزاء المتناثرة من الحوادث معاً وإيجاد علاقات بينها ووضع خطة عمل واقعية بناء على ذلك، ويمتلكون استراتيجية واضحة لكيفية التعامل مع المشكلات وإدارتها؛ إنَّهم يتوقعون ما هو غير متوقع ويوظِّفون نقاط القوة لدى أفرادهم للتأكد من أنَّ الاستراتيجية ستؤدي إلى حل مستدام، ولا يستعجلون في إطلاق الأحكام والقفز إلى الحلول، ويتجنبون التخمين ويأخذون وقتاً كافياً للمراجعة وتقييم الموقف ودراسة التحديات والفرص التي تمثِّلها كل مشكلة، فبهذه الاستراتيجية؛ تصبح عملية حل المشكلات أكثر كفاءة وتميزاً وقابلية للتطبيق.

فالمشكلات -في كثير من الأحيان- تكشف لنا مدى امتلاكنا لقيادة واعية في مؤسساتنا؛ وعندها لن تصبح عملية "حل المشكلات" سلسة فقط؛ بل فرصة رائعة لتمكين الأفراد والمنظمة من النمو والتحسن، وغني عن القول؛ إذا أدى ظهور المشكلات في المؤسسة إلى حدوث فوضى، فهذا مؤشر خطير بأنَّ لدينا ضعف واضح في القيادة.

إقرأ أيضاً: طرق حل النزاع في مكان العمل بفاعلية

المنظور الثاني، العملي التحليلي:

حل المشكلات هو فرصة للنمو واقتناص الفرص؛ وهو السر في المقولة: "إنَّ الفشل هو أعظم درس في العمل وفي الحياة"؛ لذا كن القائد الذي يتصرف بحكمة ونضج مهني، ويتصرف بشجاعة في تلك المواقف.

يمكن أن يساعدك تطبيق كل هذه الدروس في أن تصبح محترفاً في حل المشكلات، فكل تجربة تعلِّمنا أشياء جديدة؛ لذا احتضن حل المشكلات وتأمل في الكنوز غير المرئية التي يمثلها، فمن خلال المنظور العملي سيتملك القائد أدوات عملية لحل المشكلات بدقة وفعالية؛ والتي يمكن تلخيصها في خطوات بسيطة وعملية.

1. تحديد وتعريف المشكلة:

في كثير من الأحيان؛ تطبيق حلول سريعة تطبيقاً مبكراً لا يقود إلى معالجة المشكلة بالكامل، فيحتاج القائد إلى استثمار وقت أطول في فهم وتحديد نطاق وطبيعة المشكلة، واقتراح العديد من الحلول الجيدة ومناقشتها قبل اتخاذ الإجراءات؛ فهي فرصة لرؤية ما تحت الرماد.

لذا لا تخلط بين التسمية العامة للمشكلة (على سبيل المثال: ضعف مبيعات محلات التجزئة) مع التعريف الحقيقي للمشكلة والذي قد يكون (ضعف التسويق للمنتجات الجديدة)، ولتحديد المشكلة تحديداً دقيقاً ستحتاج إلى معرفة حجم المبيعات مقارنة مع المصروفات التسويقية وإيجاد علاقة تناسبية بينهما بدقة.

2. تحليل المشكلة بدقة والبحث في آثارها:

ستحتاج أيضاً إلى تقييم الدرجة التي أثرت بها المشكلة في باقي الأقسام والإدارات، ففي المثال أعلاه، ربما أثر ضعف المبيعات في محلات التجزئة إلى تكدس البضائع في مخازن الشركة أيضاً.

ابحث عن الأنماط العامة واطرح أسئلة حول من وماذا ومتى وأين ولماذا وكيف، لفهم حجم التأثير، فالهدف هو العثور على السبب الجذري للمشكلة (Root Cause) للسماح لك بتنفيذ حل دائم بدلاً من الإصلاح المؤقت.

3. استخدام البيانات:

تقدِّم البيانات منظوراً قائماً على الحقائق حول مشكلة ما ويمكن أن تساعدك في تحديد المشكلة بدقة؛ لذا تعرَّف إلى أنواع البيانات المتاحة لك وكيفية تفسير مجموعات البيانات، وتأكد من ترجمة نتائجك بطرائق واضحة وذات مغزى لأصحاب المصلحة الذين يمكنهم دعم قراراتك، فمن الحكمة وجود قاعدة بيانات واضحة وقوية في متناول اليد.

4. التواصل مع أصحاب المصلحة وأصحاب القرار:

ستحتاج إلى تنمية مهارات تواصل جيدة، للسماح لك بشرح المشكلة شرحاً واضحاً وفعَّالاً إلى أصحاب المصلحة الرئيسين، وبعد ذلك ستحتاج أيضاً إلى إبقاء الآخرين على تواصل معك ومع التطورات المستمرة حول المشكلة حتى تُحل؛ لذا دع الشركاء على اطلاع دائم بالمستجدات والحلول التي تم التوصل إليها، فالكثير من الحلول تحتاج إلى دعم أصحاب المصلحة وموافقتهم المالية والإدارية.

5. امتلاك عقلية منفتحة:

لا يمكن حل المشكلات حلاً فعَّالاً ونهائياً إذا كان القادة يتجنبون المخاطرة، ويسيئون الظن بالآخرين، ويضمرون لهم السوء مسبقاً، فهذه العقلية تؤدي بأعضاء الفريق إلى إخفاء أوجه القصور ودفن الأدلة والشواهد.

يحتاج القائد إلى القدرة على تقييم المشكلات بعقلية منفتحة على المخاطرة، وقادرة على العثور على نهج أفضل لحل المشكلات، وأكثر ابتكاراً باستمرار، وتُحلُّ المشكلات على أفضل وجه عندما يتمكن الأشخاص من المساهمة بأفضل أفكارهم ومهاراتهم، ويتطلب ذلك التحلي بعقل متفتح ورغبة صادقة للاستماع إلى أفضل المواهب والأفكار عبر المؤسسة.

لا ينبغي للقائد القفز مباشرة إلى الحلول السطحية؛ فغالباً ما ترشدك المشكلات إلى مكامن الخطر؛ فتعلَّم منها.

6. تطوير الحلول:

بمجرد تحديد المشكلة وتحليلها والقيام بالعصف الذهني للحلول يجد القائد نفسه أمام عدد كبير من الحلول؛ لذا يحتاج إلى تحديد الأنسب منها قبل البدء بتطويرها تطويراً متكاملاً من خلال قائمة مختصرة للحلول.

قد يؤدي تقديم كل الحلول التي نتجت عن عملية "العصف الذهني" إلى أصحاب المصلحة أو العملاء إلى إعاقة اتخاذ القرارات، ولكن باستخدام القائمة المختصرة يمكنك تصميم حل واحد أو حلين مناسبين وإقناع أصحاب المصلحة بذلك؛ مع الأخذ في الحسبان الوقت والتكلفة والتكنولوجيا المطلوبة لدعم الحل؛ لذا ينبغي على القائد أن يتأكد من الحلول التي تُعالج جذر المشكلة وليس ظاهرها.

7. التعلم من الأخطاء:

الأخطاء هي جزء طبيعي من النمو والتطور، ومن المحتمل أن يترتب على تنفيذ التوصيات السابقة في مهارات حل المشكلات بعض الأخطاء؛ لذا تذكَّر أنَّ الأخطاء يمكن أن توفِّر فرصاً للتعلُّم وتحسن العمليات وتطوِّر استراتيجية متينة لحل المشكلات طالما أنَّ القائد يراها فرصة للتعلُّم.

وأخيراً؛ تعد تنمية مهارات حل المشكلات القوية أمراً بالغ الأهمية للقادة في أي مستوى وفي أي مرحلة مهنية؛ لذا ابدأ من الآن خوض غمار المشكلات بعقل متفتح، وتأكد أنَّك سوف تكون قادراً على إتقان هذه المهارة مع مرور الوقت، وتذكَّر أنَّ القيادة - في ذاتها - مجموعة من التحديات، وتأتي في ثلاث فئات:

  1. خارجية (من الناس والمواقف).
  2. داخلية (من داخل القائد).
  3. نابعة من ظروف القيادة.

غالباً ما تنشأ مهارة حل المشكلات في فترات عدم الاستقرار أو التغيير، عندما يبدأ البرنامج أو فترة العمل أو تنتهي، أو عندما تكون مجموعة أو منظمة في مرحلة انتقالية، وبعضها ملموس ومحدود - على سبيل المثال التعامل مع موقف معين - لكنَّ الكثير منها أكثر تجريدية واستمرارية، مثل إبقاء مجموعتك مركزة على رؤيتها على الأمد الطويل.

 

المراجع: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة