كيف يمكننا الثقة ببعضنا مجدداً؟

كيف نتعلم الثقة ببعضنا بعضاً مجدداً؟ يتردد السؤال هذا إلى ذهني كثيراً مؤخراً، وربما يراودك أيضاً؛ فقد ألحقَت الظروف التي مررنا بها في عام 2020 الكثير من الضرر بنسيج مجتمعنا، ويصعب تخيُّل كيف سنعيد توحيده مجدداً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذة عن المدوِّن "سكوت مات" (Scott Mann)، ويُحدِّثنا فيه عن الثقة ببعضنا مجدداً.

يتعارض جزء من التوتر الاجتماعي بيننا وبين أي شخص آخر مع غايتنا وهدفنا الأسمى المتمثِّل في الحفاظ على مجتمع يَعُمُّه الرخاء ويعيش الأفراد فيه أحراراً؛ فالأمر شديد الوضوح والانتشار حالياً، ومن الممكن أن يشتد حِدَّة.

هناك ثلاثة مكونات لهذا التوتر: التشتيت وغياب المشاركة وانعدام الثقة، ويُعَدُّ انعدام الثقة أسوأها. لقد رأيتُ ذلك يتجلى في جميع أنحاء العالم بصفتي فرداً من أفراد القبعات الخضراء (Green Beret)، أعمل في مجتمعات نسبة ثقة الناس فيها ببعضهم منخفضة، وقد اكتسبتُ عقلية ومنظوراً محدداً للغاية عن هذا الأمر أود مشاركته معك.

إقرأ أيضاً: 3 دروس لبناء الثقة

في أفغانستان عام 2010، كان فريق من القوات الخاصة يعمل على تمكين السكان المحليين من الدفاع عن أنفسهم، لقد كان هناك انقسام بين قبيلتين من القبائل في هذه القرية؛ إذ كانت القبيلة الكبرى، التي تُدعى "أليكوزاي" (Alikozai)، تمتلك الكثير من الأراضي والثروات، بينما كان سكان القبيلة الصغرى، التي تُدعى "كاكار" (Kakar)، مزارعين عاشوا في ضواحي المدينة، ولم يمتلكوا أي أراضٍ.

لقد انتشرت حالة من الازدراء وانعدام الثقة الشديدين بين هاتين القبيلتين؛ إذ كان يعلم أصحاب القبعات الخضراء، الذين عملوا مع هذه القبائل، أنَّه سيتعين عليهم التغلب على هذا التوتر؛ فقد كان على هاتين القبيلتين تعلُّم كيفية الوثوق ببعضهما بعضاً، والتغلب على الكراهية العميقة هذه، التي كانت شعوراً بدائياً ينبع من ندرة الموارد والخلافات المستمرة التي أثارتها القضايا المتعلقة بالمكانة والشرف والانتقام، التي تعود إلى مئات السنين.

عمل أصحاب القبعات الخضراء فردياً مع كل قبيلة، وركزوا على إنشاء رؤية وهدف أكبر من أيَّة قبيلة بعينها؛ فقد كانت تلك الرؤية والهدف في هذه الحالة هي توفُّر المياه والأراضي الصالحة للزراعة.

تمكَّن أصحاب القبعات الخضراء من تخفيف حِدَّة النزاعات العاطفية، وجمع الناس معاً لتحقيق تلك الرؤية؛ إذ ساعدت الأهداف المشتركة القبيلتين على تجاوز المظالم الراسخة والبدء باستعادة الثقة ببعضهم، وفي أقل من عام، كانت تلك القبائل تعمل معاً في مشروع مياه لا يزال قائماً حتى يومنا هذا.

أُشبِّه ما كان يحدث في تلك القرية بما يحدث في بلادنا الآن؛ إذ يكتب المؤلف "سيباستيان جانغر" (Sebastian Junger) في كتابه "القبيلة" (Tribe): "يتحدث الناس بازدراء شديد - وفقاً لآرائهم - عن الأغنياء والفقراء والمتعلمين والمنتمين إلى أعراق وطوائف مختلفة عن أصولهم؛ فهو مستوى من الازدراء الذي عادة ما نوجهه على الأعداء في زمن الحروب، إلا أنَّ أبناء البلد الواحد يوجهونه الآن على بعضهم بعضاً".

إنَّها درجة الازدراء ذاتها التي شهدتُها بين قبيلتَي "أليكوزاي" و"كاكار"، فقد وقعنا الآن في شركها أيضاً؛ لذا نفقد مجتمعنا القائم على الثقة، ورأس المال الاجتماعي الذي يقدِّر الوفرة والفرد؛ فبتنا لا نثق سوى بالأشخاص ضمن نطاق دائرتنا الاجتماعية؛ أي الناس الذين يشبهوننا، وهو مسار خطير للغاية نمضي تجاهه.

يُكمل "جانغر" ما كتبه قائلاً: "إنَّ الازدراء -على عكس النقد- سام؛ لا سيما أنَّ المتحدث يفترض تفوُّقه على الآخر أخلاقياً؛ فهو يوجَّه غالباً إلى الأشخاص الذين استُبعِدوا من مجموعة، أو أُعلِن أنَّهم غير جديرين بخيراتها، فلن يظلَّ الناس الذين يتحدثون بازدراء لبعضهم بعضاً مُتَّحدين لفترة طويلة".

هل تُبدي ازدراءً لمَن يرتدي الكمامات أو لا يرتديها؟ أو هل تُظهر الازدراء في حديثك عن أشخاص ينتمون لحزب سياسي أو آخر بصرف النظر عن اعتقادك بأنَّ كرهك مبرَّر؟ وإذا كنت تحتقر الطرف الآخر، فأنت تسير في طريق خطير لا ينتهي على خير، ويؤدي إلى خلافات وصراعات عقيمة؛ ومن ثمَّ يصبح من المستحيل بناء الثقة بين الأفراد وعيش حياة تتسم بالوفرة.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي وأهميته في العلاقات مع الآخرين

3 نصائح لتطوير عقلية بناء الثقة:

فيما يأتي ثلاث نصائح يمكنك اتباعها لتطوير عقلية بناء الثقة، وتغيير هذا العالم إلى الأفضل:

  • اتخذ قراراً واعياً للتواصل مع المجموعات الأخرى، وارتقِ فوق غرائزك البدائية، واخرج من قوقعة مجموعتك وتجاوزها.
  • أصغِ كما لو أنَّ ذلك أهم ما في حياتك، واطرح أسئلة مدروسة ومفتوحة على أشخاص يختلفون عنك، وافسح لهم مجالاً للرد عليك وإخبارك عن رحلتهم، وحاول إيجاد أرضية مشتركة بين قصتهم وقصتك.
  • كن فضولياً واستمر في الاستكشاف؛ فمع أنَّ الأمر يبدو غير مضمون، ولكنَّ التعامل مع هذه الأمور الحساسة بفضول وانفتاح هو أحد أقوى الأشياء التي يمكنك القيام بها، ولا يكلفك ذلك أي شيء.

اكتشف فريق القبعات الخضراء هذا الأمر، وساعدوا قرية قسَّمَتها الخلافات على تطوير هدف مشترك؛ إذ أصبح الناس الذين كانوا خصوماً في السابق يكنون الاحترام لبعضهم بعضاً؛ وهذا أدى إلى حُسن المعاملة بينهم، ومنح فرصة للطرف الآخر دون معرفة ما سيحدث بعد ذلك، فهؤلاء هم القادة الذين نحتاج إليهم في هذا العالم؛ وذلك لأنَّ الأمر يبدأ بتعلُّم اكتساب الثقة مجدداً.

المصدر




مقالات مرتبطة