كيف يمكن للتمسك بالسلبية أن يهدد سلامتك النفسية؟

هل تستسلم إلى المشاعر السلبية عندما يزعجك شيءٌ ما (أو شخصٌ ما) أو تقض أشياء تافهة مضجعك أو تندم على أمورٍ قد حصلت سابقاً؟ أم أنَّ لحظات الغضب وما تعانيه من تفاقماتٍ طفيفة خلال حياتك اليومية تتبدد قبل أن تغرقك بعض الأمور السلبية الصغيرة في مزاجٍ سيء؟



تشير الأبحاث الحديثة إلى أنَّ الأشخاص في منتصف العمر الذين يتمتعون بالقدرة على تقبل المشاعر السلبية وعدم أخذها على محمل الجد، يشهدون تحسناً مستمراً في الصحة النفسية طويلة الأمد (PWB)، وذلك من خلال كسر دورة ثبات اللوزة الدماغية (amygdala persistence)، والتي يبدو أنَّها مرتبطة بالإسهاب في السلبية.

وفقاً للباحثين، الطريقة التي يُقيمّ بها الدماغ - خاصة منطقة اللوزة اليسرى - المحفزات السلبية العابرة -إما من خلال التمسك بالسلبية أو التخلي عنها- ربما لديها تأثير دائم على الصحة النفسية طويلة الأمد (PWB). نُشرت هذه الدراسة التي أجرتها الباحثة في علم النفس نيكي بوتشيتي وآخرون (Puccetti et al) في الثاني والعشرين من آذار في مجلة علم الأعصاب (Journal of Neuroscience).

أولاً: أجرت نيكي بوتشيتي (Nikki Puccetti) وكبير الباحثين آرون هيلير (Aaron Heller) من جامعة ميامي ( University of Miami) هذا البحث مع زملاء من جامعة ويسكونسن، مركز ماديسون للعقول السليمة (the University of Wisconsin-Madison's Center for Healthy Minds)، وجامعة كورنيل في ولاية بين (Cornell University, Penn State)، وجامعة ريدنج (University of Reading)، بالإضافة إلى كونه أستاذاً مساعداً في علم النفس في جامعة ميامي (UMiami)، هيلير (Heller) هو طبيب نفسي سريري وعالم أعصاب مؤثر وباحث رئيسي في مختبر ماناتي (Manatee Lab).

وقال هيلر في بيانٍ صحفي: "تنظر غالبية أبحاث علم الأعصاب البشري إلى كيفية ردة فعل الدماغ تجاه المحفزات السلبية، وليس إلى المدى الذي يستمر به الدماغ بالاحتفاظ بتلك المحفزات. لقد نظرنا في أمر طيف العواطف التي تنتابنا خلال حدثٍ ما، والذي يمتد إلى أشياء أخرى تحدث أيضاً".

وكانت الخطوة الأولى لهذه الدراسة متعددة المجالات، هي تحليل البيانات المستندة إلى الاستبيانات التي جُمِعَت من اثنين وخمسين شخصاً من آلاف الأشخاص المشاركين في دراسة مطولة عن الأشخاص في منتصف العمر في الولايات المتحدة الأميركية (Midlife in the United States)، والتي بدأت في منتصف التسعينات.

ثانياً: طلب الباحثون، خلال المكالمات الهاتفية الليلية التي أجروها على مدار ثمانية أيام متتالية، من كل واحد من هؤلاء المشاركين في الدراسة البالغ عددهم اثنين وخمسين شخصاً، الإبلاغ عن أحداثٍ مرهقة محددة - مثل: حركة ازدحام المرور أو سكب القهوة أو مشكلات الكمبيوتر - التي عانوا منها في ذلك اليوم، إلى جانب شدة مشاعرهم الإيجابية أو السلبية بشكلٍ عام على مدى اليوم.

ثالثاً: بعد حوالي أسبوع من هذه المكالمات الليلية، خضعت كل دراسة إلى مسح دماغي بالرنين المغناطيسي (MRI) الذي قاس ورسم مخططات لنشاطهم الدماغي؛ كما عاينوا وقيَّموا ستين صورة إيجابية وستين صورة سلبية، متداخلةً مع ستين صورة من تعابير الوجه المحايدة.

أخيراً: قارن الباحثون جميع البيانات المستقاة من استبيانات كل مشارك في الدراسة، والصور العصبية المأخوذة من عمليات مسح الدماغ بالرنين المغناطيسي (FMRI). يتنبأ ثبات اللوزة اليسرى في الدماغ الذي يتبع الصور السلبية بالسلامة النفسية، من خلال التأثير الإيجابي اليومي.

إقرأ أيضاً: 12 نصيحة بسيطة للحفاظ على الصحة النفسية

وتشير نتائج الأبحاث مجتمعة إلى أنَّ "الأشخاص ذوي منطقة اللوزة اليسرى التي تتمسك بالحوافز السلبية لثوانٍ أقل، من الأرجح أن يبلِّغوا عن مشاعر أكثر إيجابية وأقل سلبية في حياتهم اليومية، الأمر الذي امتد ليحقق سلامة أكثر استدامة مع مرور الوقت".

وقالت بوتشيتي (Puccetti) في بيان صحفي: "توجد طريقة واحدة للتفكير في الأمر، وهي أنَّه كلما طالت مدة تمسك دماغك بحدثٍ سلبي، زادت احتمالية شعورك بالتعاسة. في الأساس، وجدنا أنَّ استمرار دماغ الشخص في التمسك بالحافز السلبي هو ما يتنبأ بتجارب عاطفية يومية أكثر سلبية وأقل إيجابية؛ وهذا بدوره، يتوقع مدى حسن ظنهم بحياتهم".

ويوضح المؤلفون أنَّ "الأفراد الذين تُظهر اللوزة اليسرى لديهم نشاطاً أقل ثباتاً للمحفزات السلبية، أبلغوا عن تأثير إيجابي أكثر تواتراً وسلبي أقل تواتراً في الحياة اليومية"، علاوةً على ذلك، إنَّ التأثير اليومي الإيجابي (PA) كان بمثابة رابط غير مباشر بين ثبات اللوزة اليسرى في الدماغ وبين السلامة النفسية. توضح هذه النتائج الصلات الهامة بين الاختلافات الفردية في وظائف الدماغ والتجارب اليومية للتأثير، وبين السلامة والعافية.

في الختام، "لا تدع الأشياء الصغيرة تحبطك":

يعتقد المؤلفون أنَّه "قد يكون من الممكن بالنسبة إلى الأفراد الذين لديهم قدراً أكبر من الثبات في اللوزة الدماغية، أن تصبح اللحظات السلبية أشد وأكثر استدامةً عبر إضافة لحظات سلبية غير ذات صلة؛ حيث يربط هذا السلوك الدماغي بين ثبات اللوزة الدماغية اليسرى والتأثير اليومي، الأمر الذي يمكن أن يُغني فهمنا لتقييمات أكثر ديمومة وطويلة الأجل عن السلامة والعافية".

إنَّ قلة ثبات اللوزة اليسرى في الدماغ التي تتبع الأحداث السلبية في الحياة اليومية، يمكن أن يتنبأ بوجود المزيد من التفاؤل بأن يكون لها تأثير إيجابي في الحياة اليومية، والتي، مع الوقت، من الممكن أن تؤدي إلى تحسن مستمر في السلامة النفسية على الأمد الطويل.

ويخلص المؤلفون إلى أنَّ: "التجارب اليومية ذات التأثير الإيجابي تشمل خطوة واعدة تربط الاختلافات الفردية في الديناميات العصبية بالأحكام المعقدة للسلامة النفسية".

المصدر




مقالات مرتبطة