كيف يمكن لشعورك بالذنب أن يدمر علاقاتك العاطفية؟

هل شعرتَ يوماً بالسوء حيال قضية ما لم يكن لك بها أيَّة علاقة؟ وهل شعرتَ في طفولتك أنَّك تحمِّل في نفسك أعباء أكبر من عمرك؟ وهل كان يصيبك الذعر حين ينادي شخص ما باسمك وكأنَّك قد ارتكبتَ جريمة وتحاول التستر عليها، في حين أنَّك لم تقترف أي ذنب في الواقع



ما هو الشعور بالذنب؟

الشعور بالذنب هو عاطفة قوية تتضمن إثارة مشاعر الخزي والذعر وفقدان الثقة بالنفس بصرف النظر عن العمر، وغالباً ما يكون ناجماً عن أحداث معينة جرت في مرحلة الطفولة، ويتم استخدام هذا الشعور من قِبل الوالدين للتحكم بسلوك الطفل، لكنَّ استخدام هذا الأسلوب قد يؤدي إلى تشوش في عمليات تفكير الطفل، وقد يسبب نوبات من الاكتئاب عندما يصبح هذا الطفل إنساناً بالغاً.

فإذا شعرت يوماً بالذنب حيال أي شيء، فأنت تدرك تماماً أنَّه ليس شعوراً جيداً، فبعض الناس لديهم القدرة على التعامل مع تلك المشاعر والمضي قدماً بخلاف بعضهم الآخر الذين سيجترون تلك الحالات التي شعروا فيها بالذنب مراراً وتكراراً في أذهانهم، وهذا قد يجعلهم يعتقدون أنَّهم أشخاص سيئون، ويؤدي هذا في النهاية إلى الاكتئاب.

هل يؤدي الشعور بالذنب إلى تغيُّرات في بنية الدماغ؟

أظهرت الأبحاث أنَّ الأطفال الذين عانوا من مستويات عالية من الشعور بالذنب تكون النواة الأمامية لديهم أقل حجماً، وهو ما ينبئ بحدوث الاكتئاب لاحقاً، وقد يؤدي الشعور بالذنب بوصفه أسلوباً أبوياً إلى غضب الطفل ومفاقمة مشكلاته.

لقد أجرى الباحثون فحوصات لأدمغة 145 طفلاً في سن المدرسة، كما طلبوا من الأهل تحديد ما إذا كان أطفالهم قد أظهروا أيَّة أعراض للشعور المفرط بالذنب، مثل الاعتذار المستمر عن سوء السلوك البسيط أو الشعور بالذنب بشأن الأشياء التي حدثت منذ فترة طويلة، ووجد الباحثون أنَّ الشعور بالذنب الشديد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنواة الأمامية في الدماغ.

تقول الباحثة "جوان لوبي": "حتى الأطفال الذين لم يكونوا مكتئبين بالضرورة، كان لديهم حجم أصغر للنواة الأمامية، وهذا ينبئ بحدوث اكتئاب لاحقاً"، ويشير هذا البحث إلى أنَّ تجارب الطفولة المبكرة تؤثر في طريقة تطور الدماغ.

"كيف أكافح الشعور بالذنب؟"

الشعور بالذنب قوي للغاية بحيث يمكنه تجاوز الوقت والبقاء معك، وهذا يجعلك تشعر أنَّك لست جيداً بما يكفي، ومن الهام أن تتذكر دائماً أنَّك جيد بما فيه الكفاية.

هل توجد علاقة بين الشعور بالذنب في مرحلة الطفولة والإصابة بالأمراض النفسية والعقلية؟

يعتقد بعض العلماء أنَّ مشاعر الذنب الشديدة لدى الأطفال قد تكون علامة منذرة للإصابة بالاضطرابات العقلية مثل الاكتئاب والقلق واضطراب الوسواس القهري (OCD) والاضطراب ثنائي القطب في وقت لاحق في الحياة، وربطت الأبحاث منذ فترة طويلة الشعور المفرط بالذنب بالاضطرابات العقلية لدى البالغين؛ إذ يُعَدُّ الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-V) والشعور بالذنب المفرط عرضاً من أعراض الاكتئاب.

لكنَّ الباحثين في جامعة "واشنطن" في "سانت لويس" وجدوا أنَّ الشعور المفرط بالذنب لدى الأطفال قد يكون مرتبطاً بإحداث تغييرات كيميائية في جزء من الدماغ، وهذا يؤدي إلى حدوث الاضطرابات العقلية المختلفة.

تقدم الأبحاث المزيد من الأدلة على ما بدأ الباحثون يشتبهون به حول التأثير السلبي للشعور بالذنب في مرحلة الطفولة المبكرة في الأطفال، وقد يتسبب في اكتئاب وقلق فيما بعد، وفي دراسة نُشرت من قِبل علماء في جامعة (Jyväskylä) في "فنلندا"، وجد الباحثون أنَّ أساليب الأبوة والأمومة التي خلقت مشاعر الذنب لدى الأطفال جعلت الأطفال يشعرون بزيادة الضيق والغضب لأيام عدة.

في دراسة أخرى، وجد العلماء أنَّ الأطفال الذين استخدم آباؤهم أساليب تحريض على الذنب كانوا أكثر ميلاً إلى استيعاب مشكلاتهم لكن بشكل مؤقت، فقد كانت هذه المشكلات تعاود الظهور على هيئة اضطراب عاطفي متنوع.

شاهد بالفديو: 7 أخطاء تدمر الطفولة

لماذا يشعر الناس بالذنب؟

يشعر معظم الناس بالذنب من وقت إلى آخر، فقد تشعر بالذنب لأنَّك فعلت شيئاً خاطئاً، أو قد تشعر بالذنب لوجود فكرة، أو عندما لا تتوافق أفكارك وسلوكاتك مع توقعات عائلتك أو ثقافتك، وقد تختلف الطرائق التي نشعر بها بالذنب ونستجيب لها ونتفاعل معها تفاعلاً كبيراً، فلا يتعامل الجميع مع مشاعرهم بالطريقة نفسها.

كيف نعيد تشكيل نظرتنا إزاء الشعور بالذنب؟

مهما كانت ارتباطاتك بمشاعر الذنب سلبية قد يكون الغرض منها إيجابياً تماماً، فانظر إلى الأمر بهذه الطريقة "إذا تسبب لك فعل ما في الشعور بمشاعر سلبية أو كانت له عواقب سلبية، فمن المحتمل أن تشعر بالذنب فيما بعد"، فهذه هي طريقة عقلك لإعلامك بأنَّ ما فعلته كان "خطأ" على الأقل وفقاً لمعاييرك الخاصة، وفي الأساس يؤدي الشعور بالذنب دوراً هاماً في مساعدتك على اتخاذ قرارات سليمة من الناحية الأخلاقية.

لسوء الحظ يمكن أن يصبح الشعور بالذنب زائداً عن حده ويسبب مجموعة متنوعة من الميول الوسواسية أو الاكتئابية التي يمكن أن تضر برفاهيتك العامة وعلاقاتك الاجتماعية والمهنية، فإذا كنت تشعر بالذنب المفرط باستمرار، فقد ترغب في البدء بفهم أسباب ذلك وابتكار طرائق جديدة للتكيف، ولحسن الحظ توجد العديد من الطرائق التي يمكنك من خلالها تقليل آثار الشعور بالذنب.

كيف يمكن أن يكون الشعور بالذنب منطقياً؟

يمكن أن يتسلل الشعور بالذنب إليك لمجموعة كاملة من الأسباب بعضها منطقي تماماً، وبعضها الآخر ليس كذلك؛ إذ ينشأ الشعور بالذنب المنطقي عندما تشعر بأنَّك قد ارتكبت خطأً؛ أي إنَّك خالفت مبادئك وقيمك الخاصة وأنَّك تناقض بوصلتك الأخلاقية، على سبيل المثال، قد تشعر بالذنب في حال:

  • إيذاء شخص ما.
  • خداعه.
  • الكذب عليه.
إقرأ أيضاً: كيف توفر على نفسك رحلة ذنب أخرى لا طائل منها؟

هل توجد فوائد للشعور بالذنب؟

يساعدك هذا النوع من الشعور بالذنب على تحسين سلوكك الاجتماعي وإبقائك على المسار الصحيح من أجل تحقيق أهدافك، ومع ذلك حتى الشعور بالذنب العقلاني قد ينال منك، خاصة إذا كنت تكافح في سبيل تغيير سلوكاتك.

متى يكون شعورك بالذنب غير منطقي؟

على سبيل المثال، قد تشعر بالذنب غير المنطقي بسبب:

  • تحمُّل المسؤولية عن مشاعر وسلوكات الآخرين عن طريق الخطأ.
  • الشعور وكأنَّك عبء على أحبائك.
  • الشعور بأنَّك لم تفعل ما يكفي لإسعاد الناس.
  • الشعور بأنَّك لا تفعل أي شيء ذي معنى في حياتك.

قد تشعر بالذنب لمجموعة متنوعة من الأسباب المختلفة، ومع ذلك بصرف النظر عن السبب قد يؤثر الشعور غير المنطقي بالذنب في مزاجك ويقلل من إنتاجيتك وتركيزك ويضر بعلاقاتك وسلوكاتك بطرائق عديدة.

هل يمكن أن يتحول الشعور غير المنطقي بالذنب إلى شعور منطقي أو عقلاني؟

الشيء الصعب في الشعور بالذنب غير المنطقي هو أنَّه يستطيع التنكر بسهولة بزي الذنب العقلاني، لكن من يقول إنَّه من غير المنطقي الشعور بالذنب لعدم قضاء وقتٍ كافٍ مع عائلتك؟ أو أن تشعر بالذنب لأنَّك لا تأخذ ما يكفي من الفرص في حياتك بسبب الكسل؟

ينشأ هذا النوع من التفكير من القلق أو الأفكار الكامنة التي استوردتها دون تفكير، وإذا تركتَ هذه الأفكار تتمكن منك، فإنَّ الشعور بالذنب غير المنطقي سيبقى ملازماً لك بصرف النظر عما تفعله؛ بمعنى آخر فإنَّه يميل إلى أن يصبح عقلانياً مع مرور الوقت.

ما هي علامات الشعور بالذنب؟

قد يؤدي الشعور بالذنب إلى مجموعة متنوعة من الأعراض الجسدية والاجتماعية والعاطفية التي تؤثر في أفعالك اليومية، وقد يشمل بعضها ما يأتي:

  • اضطرابات النوم.
  • مشكلات في المعدة والهضم.
  • شد عضلي.
  • زيادة الحساسية لتأثيرات قراراتك.
  • الشعور بالإرهاق من اتخاذ القرار.
  • نزعة شديدة لوضع احتياجات الآخرين قبل احتياجاتك.
  • ضعف احترام الذات.
  • الميل المستمر لتجنب المشاعر غير المريحة.
إقرأ أيضاً: كيف تهرب من فخ الذنب الذي يتبع السعادة؟

كيف يمكن للشعور بالذنب أن يدمِّر العلاقات العاطفية؟

قد يكون للشعور المفرط بالذنب تأثير ضار في علاقاتك العاطفية، فاسأل نفسك كم عدد الأشياء في حياتك التي تفعلها بدافع الشعور بالذنب والالتزام؟ أو خوفاً من فقدان شريك حياتك؟ فقد تتماشى مع ما يريده شريكك - أو ما تعتقد أنَّه يريده - لأنَّك تخشى أن يجد شخصاً أفضل، أو قد تخشى أن يتم الحكم عليك من قِبل عائلة وأصدقاء شريكك.

كما نرى غالباً ما يسير الشعور بالذنب والخوف جنباً إلى جنب، كما يتسببان معاً في الشعور بعدم الارتياح في العلاقة ويسببان مشاعر الاستياء، فقم بتقييم الطرائق التي تستجيب بها لمشاعر الذنب التي قد تجد أنَّها تتحكم بحياتك أكثر بكثير مما كنت تعتقد، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الحميمة.

شاهد بالفديو: 7 علامات عن العلاقة العاطفية التعيسة تجعلك تشعر أنك محاصر

كيف تتعامل مع الشعور بالذنب في العلاقة؟

قد يكون من الصعب جداً التخلي عن العلاقات طويلة الأمد، خاصةً عندما يغذيها الشعور بالذنب، ومع ذلك يمكنك تعلُّم كيفية التعامل مع الشعور بالذنب المفرط والتغلب على آثاره، وفيما يأتي بعض الإرشادات:

  • طور مهاراتك الذاتية باستمرار واتخذ إجراءات إذا شعرت أنَّ ذنبك له ما يبرره.
  • مارِس اليقظة والتأمل لوضع شعورك بالذنب في قاعة المحاكمة العقلية.
  • لا تقسُ على نفسك وتعلَّم المغفرة.
  • تعلَّم من شعورك بالذنب ومن أخطائك.
  • تذكَّر أنَّ وجهة نظرك قد تنحرف بسبب توقعاتك العالية.
  • تحدَّث مع طبيبك وناقش شعورك بالذنب بعمق لاكتساب رؤية جديدة.

في الختام:

تذكَّر جيداً أنَّ تعاملك مع طفلك يجب أن يكون في غاية الحذر، ومن الهام أن تقرأ بعض الكتب التي تُعنى بتربية الطفل قبل ولادة أطفالك؛ وذلك لأنَّ أي خطأ قد يكلف طفلك الكثير في المستقبل.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة