كيف نصل إلى حالة السلام في خضم الظروف القاسية؟

تتهافت علينا المشكلات من كلِّ صوب، حتَّى نغدو مُسلِّمين بمقولة "لا تأتي المشكلات فُرادى"، فعوضاً عن تبيان وتدبُّر الأسباب التي أدَّت إلى تعاظم المشكلات، والسعي إلى تجاوزها؛ نلجأ إلى الشكوى باعتبارها سلاحنا الوحيد للتعامل مع تفاقم الأحداث، فنبدأ الحديث السلبي عن كلِّ شيء، مُلقِين اللوم على أشخاصٍ أو أحداثٍ خارجيَّة، مُعوِّلين على تغييرٍ جذريٍّ في موازين الأحداث والبلدان، غير واعين قوَّة موازيننا الشخصية.



هكذا حتَّى نغدو أسرى الظروف، فنحزن عند وجود ظرفٍ سلبيّ، ونَسعد لوجود آخر إيجابي؛ ويبقى السؤال هنا: "هل يعدُّ التعويل على الأحداث الخارجية في حلِّ المشكلات حالةً صحية؟ أم أنَّه دليلٌ على ضعف التقدير الذاتي لوجودنا وطاقاتنا؟ وكيف ينجح أشخاصٌ يعيشون معنا ذات التفاصيل والأحداث التي نقول عنها أنَّها "سلبيَّة" في تحقيق أهدافهم، والاستمتاع بالحياة؟ فهل هم من كوكبٍ آخر؟ أم أنَّهم اكتشفوا سرَّ التعامل الصحيح مع تفاقم الأحداث؟

دعونا من خلال هذا المقال، نبحث في الأدوات التي تساعد في التعامل مع المشكلات المحيطة بنا، بحيث نبقى في حالةٍ من السلام والتماسك الإيجابي، مُركِّزين على أهدافنا، سعيدين في إنجازاتنا.

1. هل حالة السلام هامَّة؟

يعدُّ الوصول إلى حالة السلام مطلباً حقيقيّاً اليوم، ففي وسطٍ يُضخُّ فيه الكمُّ الكبير من المشاعر السلبية، وحالاتٍ خطيرةٍ من سوء الظن بالآخر وبالغد، بالإضافة إلى أحاديث الشكوى الماصة للطاقة، والأحكام الظالمة على الآخرين وعلى الأشياء؛ غدا الوصول إلى السلام من أهمِّ التحديات الإنسانية، فأصبحنا في أمسِّ الحاجة إلى الهدوء والتقبل والرّضا، وإلى حالةٍ من التحكم الإيجابي في تدفق الأفكار السلبية، والقدرة على فتح باب الاستقبال الإيجابي الواعي لكلِّ أمر، والنظر إلى الأمور من زوايا مختلفة.  

2. ماذا لو أنَّ طاقتك سبب مشكلاتك؟

في وسط هجومٍ قويٍّ على علم الطاقة وقانون الجذب، واعتبار كلٍّ منهما وسيلةً غير منطقيةٍ وغير مجديةٍ في تحقيق النتائج الإيجابية؛ تأتي الآية الكريمة لتنسف اللغط الحاصل، حيث يقول تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، دلالةً صارخةً على أنَّ التغيير الحقيقي يبدأ من داخل الإنسان، وأنَّ واقعك لن يتغيَّر إلَّا من خلال تغيير طاقتك وأفكارك الداخلية. لذا، لا تنتظر حدوث حدثٍ خارجيٍ لكي تتغيَّر حياتك، بل ركِّز على ذاتك وتطويرها، واسعى إلى عملك بنيةٍ صادقة، وستجد كيف ستتغيَّر حياتك.

هل لك أن تتخيل لو أنَّ الشّعب كاملاً تبنَّى هذا المبدأ، وبدأ من ذاته، وراقب سلوكاته وأفكاره؛ كيف سيصبح شكل البلاد حينها؟ وأيُّ نهضةٍ ستُزيِّن مفاصل البلاد برمَّتها؟

اسأل نفسك عن الطريق الذي تسلكه لتحقيق أهدافك، فقد يكون طريقك سبب تشتتك وضيقك النفسي؛ فغالباً ما تكون الغاية واحدة، ولكنَّ الوسيلة من أجل تحقيقها مختلفة، فمثلاً: لدى السارق والتاجر الغاية ذاتها، والمتمثِّلة في اكتساب المال والشعور بالراحة والسعادة؛ ولكنَّ طريق كلٍّ منهما مختلفٌ عن الآخر، فالأول طريقه خاطئ، بينما يسلك الأخير طريقاً صحيحاً.

إقرأ أيضاً: كيف تحصل على السعادة والسلام الداخلي

3. أنتَ لستَ من كوكب آخر!

إن كنتَ تستمد أفكارك وطاقتك من أهدافك وثقتك باللّه وبنفسك، وتبقى متفائلاً وهادئاً على الرغم من كلِّ الأحداث القاسية المحيطة بك؛ فلا يعني هذا أنَّك من كوكبٍ آخر، فأنتَ تحزن حزناً فطرياً على كلِّ حدثٍ سلبيٍّ يتعرَّض إليه بلدك أو الأشخاص من حولك، لكنَّك لا تبني طاقتك على هذه الأحداث؛ لأنَّك حينها ستتحوَّل إلى شخصٍ متشائمٍ وسلبيٍّ يستمد طاقته من الأحداث المحيطة به.

تأكَّد أنَّ الشخص المتفائل هو مَن يصل إلى أهدافه بيسرٍ وسهولة، مهما كانت الظروف المحيطة به قاسية.

4. بداية كلِّ نجاح هي الإيمان:

  • أكَّدت كلُّ دراسات علم النفس على أنَّ الإيمان وشدَّة الاعتقاد الجذرُ الأساسيُّ لكلِّ النّجاحات في حياة الإنسان؛ وسيحصل الشيء الذي تُؤمن به لا محالة.
  • تعدُّ الفكرة من أقوى الطاقات على الإطلاق؛ لذلك راقب أفكارك ومشاعرك نحوها. إن كنتَ تؤمن أنَّ البلاد آتيةٌ على خراب، فأنتَ تستمدُّ أفكارك من الأحداث السلبية، وسيكون لك ما آمنتَ به من أفكار؛ بينما إن كنتَ تؤمن أنَّ البلاد قادمةٌ على خيرٍ وسعادة، فعندها أيضاً سيكون لكَ ما آمنتَ به من أفكار. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أهميَّة "العقل الجمعي"، فكلَّما زاد عدد الأشخاص الذين يؤمنون بأفكارٍ إيجابيةٍ خلَّاقة، زاد وضع البلاد الإيجابي، وكانت سرعة تنفيذ الأفكار على أرض الواقع أقوى بكثير. قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، دلالة على أنَّ الكون كلَّه مسخَّر لتنفيذ أفكارك؛ لذلك انتبه إلى الأفكار التي تؤمن بها؛ لأنَّ الكون سيفعل المستحيل لكي يُنفِّذها.
  • كما توجد دلالاتٌ على أهمية الإيمان في حياة الإنسان؛ إذ يقول الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ"، "وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.
  • الشخص المؤمن بأفكاره بشدَّةٍ هو مَن سينتصر، وذلك بغضِّ النظر عن نوعية أفكاره؛ ويُفسِّر هذا الأمر نصرة العديد من الأشخاص السيئين على غيرهم من الطيبين، حيث أنَّ نصرتهم دلالةٌ على ضعف إيمان الطيبين وقلَّة ثقتهم بنفسهم وباللَّه؛ إذ يستجيب الكون لطاقة الإيمان الأقوى والأشد.
  • اسأل نفسك: هل لديك الثقة التامة أنَّ اللَّه معك دوماً، وأنَّه الخير المطلق، والرِّزق المطلق، وأنَّه سينصرك حتماً لأنَّك صادق الإيمان بأفكارك، وثقتك به ثقةٌ ثابتةٌ وغير خاضعةٍ لأهواء الأحداث وتقلُّباتها؟ قال تعالى: {االَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
  • عِش حياتك وأنتَ ممتلئٌ ثقةً باللَّه وبعظمته وحكمته وعدله، واعمل ما بوسعك بحبٍّ وإيجابية؛ عندها سيختفي الخوف من حياتك، فلا يجتمع الخوف والإيمان الحقيقي معاً. فمَن يثق باللَّه ثقةً مطلقة، لن يخاف من أحدٍ أو من حدث؛ لأنَّه يَعِي أنَّ اللَّه سينصره ويحميه من أيِّ مكرٍ أو حدثٍ سلبي. لذا ابقَ صادقاً وخلوقاً، وتمنَّ الخير لك ولغيرك؛ فاللَّه كبيرٌ وعادلٌ، وسيَجزي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه.
  • ورد في القرآن الكريم: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}، {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}، {اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً}.
إقرأ أيضاً: الإيمان بالله منبع السعادة والنجاح

5. بهذه الطريقة لن يؤذيك أحدٌ في العالم:

معنى "المكر": التدبير في الخفاء، ويوجد مكرٌ إيجابيٌّ وآخر سلبي، ومكر اللّه دوماً إيجابي، قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

فلا تخف من أيِّ ماكرٍ سلبيٍّ في حياتك؛ لأنَّ اللَّه سيتكفَّل بهم، وكلُّ ما عليك هو الإيمان المطلق، والطاقة والأفكار الإيجابية، والسعي الصادق، وعدم القلق من الفشل؛ فالفشل هو السبب الأساسي لأيِّ نجاح، والدافع الحقيقي للسؤال والبحث والتحسين والتطوير.

  • استفد من تجارب السابقين لك، فمن الذكاء والمرونة الاطلاع على تجارب الآخرين، والتمعن في نتائجها وتفاصيلها، والوصول إلى استنتاجاتٍ تزيد من جودة الحياة وبهجتها. قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ ۚ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ}.
  • تأكَّد أنَّ هناك الكثير من الطرائق للتعلم، فهناك دوراتٌ تدريبيةٌ الآن في كلِّ مجال؛ لذلك تستطيع تنمية مهاراتك وقدراتك، والوصول إلى أهدافك بيُسر. من جهةٍ أخرى، اقرأ كثيراً، فمَن يقرأ، يصل إلى مُراده بشكلٍ أسرع وأصلب من غيره.
  • الفشل الحقيقي هو الاستسلام، فمهما كانت جراحك ومشكلاتك، تأكَّد أنَّ لها وجهاً إيجابياً، وأنَّها موجودةٌ لكي تُعلِّمك درساً ما؛ لذلك انهض وانطلق من جديد في مسيرة الحياة، واجعل تركيزك على الهدف، بدلاً من صبِّ كلِّ طاقتك وتفكيرك على الجراح والعراقيل.
  • استثمر خيالك في بناء صورٍ ذهنيَّةٍ إيجابيةٍ عمَّا تريد أن تكون عليه، لأنَّ طاقة الخيال من أقوى الطاقات، فهو بمثابة "دعاء"، والمشاعر المترافقة مع حالة الخيال بمثابة "آمين"؛ لذلك ارفع مهارة التخيُّل لديك، واقرنها بحالةٍ شعوريةٍ إيجابية، وستجد الفارق الكبير في حياتك وواقعك.
  • اعلم أنَّ الخوف والإيمان لا يجتمعان، لذلك حافظ على حسن الظن باللَّه، وعلى الثقة التامة بعدله وعظمته. قال تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.

الخلاصة:

حياتك نتيجةٌ لأفكارك وطاقتك وإيمانك، وتكمن البداية بعلاقتك مع اللَّه، فعندما تثق أنَّ اللّه سخَّر لنا الكون لخدمتنا، وأنَّه مدَّنا بكلِّ الأدوات لنصل إلى أيِّ هدفٍ نريده، وأنَّ المشكلات ما هي إلَّا رسائل تُنبِّهنا عن وجود خطأٍ ما في أفكارنا؛ ستبتعد كلياً عن الشكوى والأحكام والتذمر والتشاؤم، وتنطلق في الحياة هادئاً ومطمئناً وراضياً.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة