كيف تهتم بموظفيك؟

قد يبدو "كيف نعزز تفاعل الموظفين؟" سؤالاً سهلاً؛ بيد أنَّ النسخة الطويلة من هذا السؤال قد تكون: "لدينا لجنة مسؤولة عن إثارة تفاعل الموظفين، ولجنة الترفيه، ونقوم بعمل اجتماعات عامة مع رئيس اللجنة، ونستجيب لشكاوى الموظفين وطلباتهم، وما زلنا لا نرى الالتزام والتحفيز اللذَين نرغب فيهما، ومعدل دوران العمالة أعلى من المقبول، فماذا يمكن أن نفعل أيضاً؟".



إذا بدا هذا النحيب مألوفاً، فإنَّ أسهل حلٍّ غير مكلف هو أن يتدرب جميع المديرين على الانتباه والملاحظة وتقدير شخصية كل موظف وخياراته ومواهبه وتحدياته ومساهماته وإمكاناته.

نعمة الاهتمام:

تقول الروائية "ماريا بوبوفا" (Maria Popova) في روايتها "شراكة أكبر من الزواج: رسائل الحب بين خليل جبران وماري هاسكل" (A Partnership Larger Than Marriage: The Stunning Love Letters of Kahlil Gibran and Mary Haskell): "صوَّر "جبران" في إحدى أُولى رسائله لـ "هاسكل" ما هو على الأرجح أكبر نعمة في الحب، أياً كانت طبيعة هذا الحب؛ وهي نعمة أن يهتم بك الطرف الآخر لشخصك".

يذكِّرنا هذا المقطع بمقولة عالِم النفس الأمريكي "جيمس هيلمان" (James Hillman) الشهيرة من كتاب "شيفرة الروح: بحثاً عن الروح والنداء" (The Soul’s Code: In Search of Character and Calling): الفهم يمنح البركة، ويعني وجودك أن تكون مميَّزاً قبل كل شيء، ويفتح الاهتمام أبواب البركة؛ لذلك نبحث عن أحباء ومخلصين يمكن أن يهتموا بنا ويمنحونا البركة.

بينما يركز "هيلمان" على فكرة السماح لنفسك أن تكون ضعيفاً كفايةً وشفافاً بما يكفي لتتميز والشعور بنعمة أنَّ شخصاً "يفهمك"، سنركز في هذا المقال على الجانب الآخر من التفاعل.

عندما نحظى بما يكفي من الاهتمام، وعندما نهتم بما يكفي لرعاية الآخرين وفهم شخصياتهم الحقيقية، بكل نقاط ضعفهم، ومواهبهم، وما يفرحهم؛ فإنَّنا نهبهم نعمة لن يهبها لهم سوى قليل من الناس طوال حياتهم، فنحن نهبهم نعمة الاهتمام.

لذا فكر في تجاربك الشخصية مع هذه الهبة النادرة، وإذا شعرت أنَّ شريكك أو أحد أفراد أسرتك أو صديقك يهتم بك، فأنت تعلم كيف تكون تلك النعمة؛ إنَّه شعور يشبه شعور العودة إلى الوطن، ويشبه أن تأوي إلى مكان للجوء والراحة، وإنَّه توازن سلمي في مقابل الارتباك وسوء الفهم والشروخ التي لا تُردَم، التي في أغلب الأحيان تصاحب التفاعلات اليومية مع البشر الآخرين.

إقرأ أيضاً: 6 طرق تُحفّز الموظفين على العمل

أن تحظى بالاهتمام يعني أن تتفاعل:

إذاً؛ ما هي علاقة نَيل الاهتمام بمشاركة الموظفين وكونك مديراً عظيماً يعرف كيف يُظهِر أفضل ما لدى موظفيه؟ فكر في التجارب التي خضتَها خلال حياتك المهنية، ألم يزد اهتمامك بالمديرين والوظائف عندما شعرتَ أنَّ مديرك مهتم بك؟ ألم تصبح شغوفاً جداً بإتقان عملك، وأكثر ولاءً وثباتاً عند مواجهة التحديات عندما شعرتَ بأنَّ مديرك يراك ويقدِّرك ويدرك قيمة ما تقوم به؟

مقاييس مؤسسة "غالوب" للمشاركة:

إذا كنت تريد دليلاً على أهمية الاهتمام بالموظفين وتقديرهم والاهتمام بهم بصفتهم أفراداً بدلاً من عدِّهم مجرد آلات تؤدي وظيفة، فيوجد بحثٌ عن المشاركة أجرته مؤسسة "غالوب" (Gallup) شمل 12 سؤالاً عن العوامل القوية التي تدفع الموظفين للتفاعل مع عملهم، أربعة منها تتعلق بالشعور بالتقدير والاهتمام والاحترام هي:

  1. في الأيام السبعة الماضية، هل تلقيتُ تقديراً أو مدحاً لقيامي بعمل جيد؟
  2. هل يبدو أنَّ مشرفي أو أي شخص في العمل يهتم بي بصفتي فرداً؟
  3. في العمل، هل يبدو أنَّ آرائي تُسمَع؟
  4. في الأشهر الستة الماضية، هل تحدَّث معي شخص ما في العمل عن التقدم الذي أحرزتُه؟

لا يرى الموظفون هذه الأمور الأربعة من المديرين الذين لا يهتمون بما يكفي لرؤيتهم بوصفهم أفراداً لديهم رغبات وتطلعات وتحديات شخصية ومواهب فريدة.

الاستجابة الفعَّالة والبنَّاءة:

لنعرض وجهة نظر بحثية أخرى؛ إذ أظهر بحث رائع عن "الاستجابة الفعالة والبنَّاءة"، وهو نموذج أنشأته الدكتورة "شيلي جابل" (Shelly Gable)، أنَّ نمط التواصل هذا، كان أكبر مؤشر لصحة العلاقة وطول العمر.

تشير الاستجابة الفعالة والبنَّاءة، إلى طريقة معينة للاستجابة للأمور الجيدة من قِبل شخص آخر، وإنَّ استجابة المرء لشيء إيجابي حدث لشريكه يكون من المؤشرات الكبيرة على مقدار سعادة واستمرارية العلاقة.

شاهد بالفديو: 6 طرق مبتكرة لرفع معنويات الموظفين

إظهار الاهتمام عندما تسير الأمور على ما يرام:

أظهر بحث "جابل" ثلاثة ردود فعل مدمِّرة للعلاقة، وواحداً يعززها؛ إذ سمَّتها الاستجابة الفعَّالة والبنَّاءة؛ وذلك عندما نستجيب استجابة بنَّاءة بالاعتراف بأنَّنا نعي و"نفهم" أهمية ما يخبروننا به، نُظهِر أنَّنا مهتمون بذلك الشخص وما يحصل، ونجسِّد تلك الاستجابة عندما نُظهِر الحماسة، ونطرح أسئلة تأتي من الاهتمام الصادق، ونحتفي معهم بالتوفيق الذي حالفهم.

من المفاجئ حقيقة أنَّ بحث "جابل" قد أظهر أنَّ استجابة الناس لأحداث الحياة الإيجابية التي تحدث لزملائهم، كانت مؤشراً قوياً على جودة العلاقة وديمومتها أكثر من الوقوف بجانبهم عندما يواجهون الصعوبات.

ما الذي يعنيه الاهتمام بالموظفين بالنسبة إلى المديرين؟

إذاً؛ ما هي علاقة كل ما ذكرناه بالمديرين الذين يُشعِرون موظفيهم أنَّهم يحظون بالاهتمام؟ لا يمكن أن نُظهِر استجابة فعالة وإيجابية إن لم نكن حاضرين بما يكفي؛ إذ إنَّنا إن لم نمنح الآخرين اهتماماً كافياً ونفهم ما يشاركنا به الشخص، فلا يمكن أن نشعر بالحماسة بصدق للشخص الآخر ونقدِّر ما يعنيه الوضع بالنسبة إليه إن لم نهتم سوى بما يشغلنا.

وبهذا، فإنَّ كونك حاضراً ومنتبهاً يزوِّدك بالأساس الذي يجب أن تبني عليه أكثر مهارة فعَّالة في بناء العلاقات؛ وهي الاستجابة الفعَّالة والبنَّاءة.

ما الذي يجب فعله لإظهار الاهتمام بالآخرين؟

  1. ضع ملاحظة كُتب عليها: "أعِر انتباهك، ولاحظ، وقدِّر، واعترف"، وما إلى ذلك في مكان بارز كي تراها كل يوم.
  2. لاحظ عندما تكون مع شخص ما إن كنت تنصت بحق، أم تتظاهر بأنَّك تنصت، وإن كنت تفعل الأمر الثاني، فركِّز على ما يقوله ذلك الشخص.
  3. كن أكثر وعياً بإظهار أنَّك مهتم بما يقوله الشخص الآخر من خلال تعابير وجهك، وكلماتك، وما تطرحه من أسئلة.
  4. ابحث عن الفرص التي تجعل الآخرين يعلمون أنَّك ترى خصالهم الإيجابية، ومواهبهم، ومساهماتهم، وتفضيلاتهم الشخصية، واهتماماتهم، ولستَ مضطراً إلى أن تأتي منها بنتائج عظيمة، فكلما كانت تلك العبارات أكثر تفهُّماً وتشجيعاً، كانت أكثر فاعلية.
  5. اهتم بما شاركه معك الآخرون؛ إذ يُقدِّر الناس كثيراً أن يُظهِر لهم شخص - وبالأخص المدير - أنَّه يُنصِت إليهم ويقدِّر ما شاركوه إياه من خلال قول شيء مثل: "كنت أفكر فيما قلتَه سابقاً"، أو "كما قلتَ الأسبوع الماضي".
إقرأ أيضاً: 4 عناصر تعزز حماسة الموظفين وتزيد نسبة الاحتفاظ بهم

لذا، إن أردت أن يهتم الموظفون جداً بما تقوله بصفتك مديراً، وإن أردتهم أن يكونوا ملهِمين ومتحفِّزين ومشارِكين، فأعرهم انتباهك، وملاحظتك وتقديرك، وقدِّر الصفات الشخصية التي تُميِّز كل موظف، وتفضيلاته، ومواهبه، وتحدياته، ومساهماته، ومقدراته.

المصدر




مقالات مرتبطة