كيف تنشئ مساحة مقدسة للإبداع؟

يحتاج الكُتَّاب والفنانون إلى الخصوصية والعزلة حتى يتمكنوا من الإبداع، فالإبداع ليس دائماً بالأمر بالسهل، وقد يصبح أكثر صعوبة إذا اضطر المرء إلى الإبداع في بيئة غير مُلهِمة أو إذا كان محاطاً بالضوضاء وبأشخاص غير مرغوب فيهم، وقبل البدء بالكتابة من الجيِّد أن تجد الوقت والمكان الذي يُمكِنُك أن تبقى فيه وحدك لفترةٍ زمنية طويلة دون أن يقاطعك أحد، فيجب أن يكون مكاناً تشعر فيه بالراحة والأمان.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "ديانا راب" (Diana Raab)، وتُحدِّثُنا فيه عن ضرورة إنشاء الفرد لمساحة خاصة للإبداع.

تحدَّثَت الكاتبة فيرجينيا وولف (Virginia Woolf) عن أهمية وجود "غرفة خاصة بك" (a room of one’s own) في كتابها الذي يحمل هذا العنوان، وبالطبع كان تعبيرها مجازياً وأعمق من مجرَّد مساحة فعلية، فقد كانت تؤمن بأنَّ النساء وجميع الكتَّاب يحتاجون إلى مكان يذهبون إليه للكتابة ويشعرون فيه بالأمان والراحة، مكان يقدِّم لهم الدعم بينما يكون مصدر إلهام أيضاً.

استخدام غرفة من المنزل:

قد تكون مساحتك الإبداعية غرفة في منزلك أو حتى جزءاً من غرفة، أو قد تكون حتى في مكان عام تشعر فيه بالراحة، وإذا اخترتَ جعل المساحة في منزلك، فقد ترغب في إضافة عناصر خاصة تلهمك وتُشعرك بالسعادة، وربما تكون بعض القطع الأثرية من رحلات لا تُنسى أو إرثاً عائلياً يعيد الذكريات عن أوقات معينة في حياتك.

شاهد بالفيديو: أسرار الإبداع والنجاح في العمل والحياة

تجهيز الغرفة:

إنَّ الغرفة التي أكتبُ فيها تحتوي على شموع وزيوت عطرية ومسبَحات وصور لعائلتي، كما أنَّني محاطة بمجموعة من الآلات الكاتبة؛ كتذكير بأنَّ كتابي الأول الذي كتبته في الثمانينيات بعنوان "الحمل والحفاظ على الحمل: دليل لحالات الحمل عالية الخطورة" (Getting Pregnant and Staying Pregnant: A Guide to High-Risk Pregnancies) قد كُتِبَ على إحدى هذه الآلات.

قبل سنوات قرأتُ أنَّ بعض الشركات الكبرى وضعت الشموع المعطَّرة بالقهوة في مكاتبها بوصفها وسيلة لزيادة الإنتاجية، ولديَّ واحدة من تلك الشموع على مكتبي الآن، وأجدُ أنَّ عطرها ينبِّه حواسي ويزيد حماستي، ربما كما أشعرُ بعدَ شربِ فنجانٍ من القهوة، وخلف مكتبي تُوجَدُ خزانة كتب تحتوي على جميع كتبي المفضَّلة، وبالقرب منها كرسي أمارس عليه التأمُّل يومياً، وتحتوي غرفتي أيضاً على كرسي للقراءة وأريكة تطلُّ على حديقتي، لم أنعم في بعض الأوقات بمثل هذا المكان الخاص؛ إمَّا لأنَّني كنتُ مسافرة أو لم يتَّسِع منزلي لمكانٍ كهذا.

إقرأ أيضاً: كيف يمكنك تملك ملكات الإبداع في أي وقت تشاء؟

فيما يأتي بعض النصائح لإنشاء مساحة إبداعية أينما كنت:

  • خُذْ راحتك.
  • أَغمِض عينيك وافرد ساقيك وخُذْ نفساً عميقاً، وتنفَّس من أنفك وأَخرِج الهواء من فمك، واستمع إلى أنفاسك وركز فيها.
  • تخيَّل نفسك تدخل غرفة ذات أهمية كبيرة في حياتك، وإذا لم تكُن لديك واحدة وأردتَ تصوُّر غرفة خيالية، فلا بأس بذلك.
  • حاوِلْ أن تتخيَّل الغرفة بكل تفاصيلها، وعندما تكون جاهزاً افتَحْ عينيك.
  • تناوَل قلمك واكتب عن هذه المساحة وصِفها بتفصيل كبير إذا كنت كاتباً، وإذا كنتَ فناناً، فحاوِل رسمها، وركِّزْ في اللحظة وحاول الإبداع دون البحث، ماذا ترى في مساحتك؟ بمَ تشعر في جسدك عندما تكون في هذه المساحة؟ وبمَ تشعر في قلبك عندما تكون في هذه المساحة؟

تحدَّثَ عالِمُ الأساطير جوزيف كامبل (Joseph Campbell) أيضاً عن أهمية هذه المساحة المقدسَّة كونها ضرورية للجميع، فأنت بحاجة إلى مكان دون تواصل مع الآخرين أو العالَم من حولك، مكان يُمكِنُك ببساطة أن تنعزل فيه مع نفسك وتكون على طبيعتك، أو على الأقل كما تريد أن تكون يوماً، ويُمكِنُ أن تَعُدَّ هذا المكان مساحة للتفكير الإبداعي، وعلى الرغم من أنَّ الإبداع لن يتولَّد على الفور عندما تكون في هذا الفضاء الخاص، ولكنَّ مجرد وجوده يشعل الإلهام في كل واحد منا.

إقرأ أيضاً: 23 نصيحة تحفزك على الإبداع

أهمية التنويع في أماكن الإبداع:

في بعض الأحيان من الجيِّد أن تنوِّع أماكن إبداعك، فالعمل أو الكتابة في مكان مختلف يضفي على إبداعك منظوراً مختلفاً، فلقد زرتُ عدداً كبيراً من المكتبات، وأمضيت كثيراً من الوقت في المقاهي، ولقد ألَّفتُ أفضل كتاباتي هناك ربما كنتيجة للضوضاء المحيطة ورائحة القهوة وكوني محاطة بالكتب.

أما في المنزل فأحياناً تساعدني الموسيقى الكلاسيكية على التركيز، ومع ذلك قد يكون الاستماع إلى الموسيقى مع كلماتها أمراً صعباً في أثناء الكتابة، على الرغم من أنَّ الكلمات التي كتبها بعض الموسيقيين - مثل ليونارد كوهين (Leonard Cohen) أو بوب ديلان (Bob Dylan) - مُلهِمة جداً لبعض الناس.

خلال فترة مراهقتي علَّمني جدي فنَّ مراقبة الناس في المقاهي الباريسية، فقد كنَّا نجلس لساعات نراقب الناس ونتحدَّث عنهم، وما زالت ضجة المقاهي مصدر إلهام لي، وبعد وفاة جدِّي واصلتُ هذه الممارسة ثم توسَّعت لتشمل المقاهي في المكتبات.

كنتُ أكتب في دفتر يومياتي عمَّا رأيته عندما لا أعمل على مشاريعي، وكتبتُ عن الأشخاص المارين متسائلةً ماذا كانوا يفعلون، وقد وثَّقتُ المحادثات في بعض الأحيان، وكانت ممارسة ممتعة، ولتغيير آخر في المكان أحبُّ أن أكتب في الحديقةِ إذا كان الطقس جميلاً، فهي مكان رائع آخر لمشاهدة الناس، وإذا كنتَ فناناً، فإنَّ الجلوس بالقرب من المقاهي أو في الحديقة يمكن أن يكون أيضاً وسيلة مُلهِمَة لإنشاء مساحتك الإبداعية المقدَّسة.




مقالات مرتبطة