كيف تقود فريقاً ناجحاً؟

لا يمكن إنكار هاجس النجاح في ثقافتنا، وربما يكون نابليون هيل (Napoleon Hill)، مؤلف كتاب "فكِّر لتصبح غنياً" (Think and Grow Rich)، هو صاحب فكرة التعلُّم من أولئك الذين ينجحون في الحياة والأعمال وضرورة تطبيق استراتيجياتهم، فلم يصبح كتابه أحد الركائز الأساسية لمجال مساعدة الذات فحسب؛ بل أصبح نوعاً جديداً من أنواع الصحافة التي تضم مئات العناوين وكلها تستند إلى فكرة واحدة اقترحها هيل؛ لكي تكون ناجحاً، عليك أن تتعلم من الأشخاص الناجحين.



مع ذلك، رفض خبيرو الإحصاء هذه الاستراتيجية، فعلى عكس الاعتقاد الشائع، يمكن لقصص الفشل أن تُعلِّم قرَّاءك أكثر من قصص النجاح.

إذا كنت نشطاً على الإنترنت في العام الماضي، فأنت تعلم أنَّ المصداقية هي الموضوع الرائج الجديد على منصة "إنستغرام" (Instagram)، ولقد بدأنا ندرك أنَّ صورة المرء على الإنترنت لا يمكن أن تكون مجرد صورة جذابة ومتألقة.

يعرِّف قاموس "أوربان ديكشنري" (Urban Dictionary) كلمة المصداقية بأنَّها تتمحور حول إظهار الأمور على حقيقتها، فنحن نتبنى شيئاً فشيئاً فكرة مشاركة إخفاقاتنا كما نشارك نجاحاتنا؛ حيث تشير الأبحاث إلى أنَّ الناس يحبونك أكثر - حرفياً - إذا كنت تشارك الفشل كما تشارك النجاح، ولكنَّ الأمر يتعلق بأكثر من مجرد كونك محبوباً، فإذا كنت قائداً في مهمة لنشر رسالتك، فعليك مساعدة الآخرين على إيجاد أقصر طريق ينقلهم من وضعهم الحالي إلى حيث يريدون أن يكونوا، وقد يكون تحديد أخطائهم والتعلم منها لا يقدَّر بثمن بالنسبة إليهم، وإليك الطريقة التي يمكنك مساعدتهم عبرها.

إنَّ اتباع الناجحين هو مغالطة منطقية:

أثبت خبير الإحصاء "أبراهام والد" (Abraham Wald) ذلك خلال الحرب العالمية الثانية؛ حيث تم تكليف مجموعة بحثية في جامعة كولومبيا (Columbia University) بدراسة حالة الطائرات التي عادت من مهمة وتحليل أي جزء من الطائرة تعرَّض لأكبر قدر من الضرر، ووجدت المجموعة أنَّ معظم الطائرات التي عادت من معركة تعرضت لأضرار في أجنحتها وجسم الطائرة والمثبتات، ثم افترض العلماء أنَّ تلك كانت الأجزاء الأكثر ضعفاً في الطائرة التي كانت تحتاج إلى تقويم.

تمكَّن "والد" من قلب هذه الفكرة، وأشار إلى أنَّ الدراسة استندت إلى تلك الطائرات التي عادت إلى القاعدة، ونجت من الأضرار التي لحقت بها، وأشار إلى أنَّ "الطائرات الناجية" أبرزت الأجزاء التي إذا تضررت، فلن تتسبب في إسقاط الطائرة، وافترض أنَّ الطائرات التي لم تَعُدْ من المعركة تعرضت لأضرار أكبر، مثل الأضرار التي قد تلحق بالمحرك ونظام الوقود وقمرة القيادة. وبخلاف الاقتراحات الأولية التي قدمتها المجموعة، اقترح "والد" إجراء تعزيزات في الأجزاء التي لم تتضرر عند عودة الطائرات.

تسمى هذه الظاهرة "انحياز البقاء" (survivor bias)؛ وهي قابلة للتطبيق على نطاق أوسع بكثير من المجال العسكري.

نريد أن نعرف كيف وصل عمالقة الصناعة إلى ما هم عليه اليوم، ومع ذلك، فإنَّ نجاحهم يعني ببساطة أنَّهم اتخذوا جميع الإجراءات الصحيحة، وبعض الإجراءات الخاطئة، إلا أنَّ جميع تلك الإجراءات الخاطئة التي اتخذوها لم تكن فادحة؛ فعلى عكس أولئك الذين فشلوا، لا يدركون فداحة بعض الأخطاء، التي قد تعني نهاية العمل، ولكن عند بدء عمل تجاري، فأنت ستود أن تعرف الأشياء التي يمكن أن تنهي المشروع، أليس كذلك؟

إقرأ أيضاً: 5 انحيازات معرفية تمنعك من تحقيق كامل إمكاناتك

تكمن القيادة الحقيقية في مشاركة دروس الفشل:

نحن نحاول إضفاء المصداقية على علاقاتنا العامة بعد التخلص من مشكلاتنا؛ إذ قد يخبرك شخص ما عن الصعوبات التي واجهها، ولكن فقط عندما يكونون قد تخطوا المشكلة، وما إن يجدوا مساراً جديداً للنجاح، والذي يجب عليك بالتأكيد اتِّباعه الآن، بعد أن تعرَّفت إلى مفهوم "انحياز البقاء"، ما الذي سيفيد قُرَّاءك أكثر برأيك؟ الوقت الذي نجحت فيه أم الوقت الذي فشلت فيه، وحللت أسباب حدوث ذلك؟

يتعرض روَّاد الأعمال إلى الكثير من الإخفاقات، فيمكن أن تجد كوتشاً، وتتأمل منه أن يساعدك، لتكتشف في نهاية المطاف أنَّه مخادع، أو قد تفقد عضواً هاماً في الفريق بسبب قلة خبرتك في إدارة فريق عبر الإنترنت.

في حين أنَّ هناك الكثير من المعلومات المتاحة عبر الإنترنت حول كل من هذه الموضوعات، لكن لا يوجد شيء يضاهي قصة شخصية لشخص يسبقك بالقليل من الخبرة؛ حيث يشاركك تحدياته علانية فور حدوثها، وليس بعد سنوات قليلة، عندما يكون قد عثر على الحل، وكل شيء على ما يرام.

إقرأ أيضاً: 10 دروس يمكن أن نتعلمها من الفشل

إعادة النظر في الإخفاقات:

إذا كنت نشطاً على الإنترنت لجذب العملاء أو الترويج لمنتجك، فإنَّ المصداقية هي عنصر حاسم في الإبقاء على نشاطك التجاري قائماً، فقد يبدو أنَّك تخاطر بإفساد صورتك المثالية التي تروِّج لها عبر الإنترنت عندما تشارك الأوقات التي لم تكن فيها في ذروة نجاحك في العمل؛ ومن أجل التصدي لهذا التحدي، يجب أن نعتمد على العلم.

يعمل العلماء على فرضيات؛ والتي يتم اختبارها ويمكن العثور عليها في بداية كل دراسة علمية، ويقوم العلماء بعد ذلك بإجراء بعض التجارب للتأكد مما إذا كانت الفرضية صحيحة أم لا، ويدرك العلماء قيمة التجارب الفاشلة، وأنَّ الفرضية التي تم إثبات خطأها من خلال دراسة معينة تعني أنَّه لا يتعين على شخص آخر تضييع الوقت في اختبار الفرضية ذاتها، ويمكن للجميع بأكمله المضي قدماً؛ حيث يُعدُّ الفشل خطوة إلى الأمام.

تختلف قواعد التفاعلات في مجتمع الأعمال إلى حد ما عن تلك الموجودة في المجتمع العلمي؛ ربما لأنَّ النجاح غالباً ما يُنظر إليه على أنَّه أمر فردي في مجال ريادة الأعمال، أو على الأقل، اعتاد أن يكون الأمر كذلك؛ حيث يرى القادة الناشئون الآن الأعمال كوسيلة لتحقيق أهدافهم والتي يمكن أن تتمثل في مشاركة المعرفة الجديدة، ومساعدة البشرية على التطور، واتخاذ خطوة إلى الأمام.

المصدر




مقالات مرتبطة