كيف تقلل الضغوط في حياتك؟

مما لا شك فيه أنّك قد تتعرّض لبعض الضغوطات في حياتك، وقد تمرّ بصدمات غير متوقعة، وأيضاً لبعض المواقف الصعبة، وللأسف قد لا تعلم كيف يمكنك تجاوز تلك المواقف.

في هذا المقال سنتعلم كيف يمكننا تقليل الضغوطات في حياتنا، سواء كانت هذه الضغوطات في البيت أو العمل أو غيره...



فمن خلال خبرتي في مجال تقييم الذكاء العاطفي، توصلت إلى نتائج مذهلة، و هو أن أغلب الناس تجد صعوبة بالتحكم في الضغوطات.

لذلك سنتناول 3 أفكار جوهرية لتقليل الضغوط في حياتنا:

  1. وراء كل سلوك قصد إيجابي.
  2. هل كل شيء يحدث معك يحدث لصالحك؟
  3. هل التوقعات أمر جيد أم سيء؟

فلنبدأ بالنتعرف على أهم الأسرار الخطيرة لتقليل الضغوطات.

أولاً: وراء كل سلوك قصد إيجابي

قصة الأمير مع الصقر:

قرأتُ قصة في إحدى الكتب، يحكى أنّه كان هناك أمير ولديه صقر، وهو عزيزٌ عليه كثيراً، ذات يوم قرّر الأمير الخروج للصيد وحده من دون حاشيته، وأخذَ معه صقره المفضل، وخلال رحلته تاهَ الأمير عن الطريق، فبلغ منه العطش مبلغه، فأخذ يبحث عن مصدر للماء فوجد صخرة في أعلى جبلٍ يكاد يقطر منها الماء، فأخذ يبحث عن شيء يجمع فيه الماء فلم يجد، فأخذ حذائه ليجمع به قطرات الماء لعله يرتوى، وعندما يصل إلى قدر معين من الماء فَيهَمّ بشُربه فإذا بالصقر يَفردُ جناحيه بقصد سكب الماء، فيغضب الأمير ولكنه يتمالك أعصابه، وثم يأخذ حذائه مرة أخرى ليجمع قطرات الماء، فعندما يهُم الأمير بشرب الماء فإذا بالصقر يفرد جناحيه مرة اخرى فيسكب الماء مرة أخرى، فيغضب الأمير غضباً شديداً ولكنه أيضاً يتمالك نفسه، ومن ثم أخذ الحذاء مرة ثالثة ليجمع به قطرات الماء، فعندما يهم بشرب الماء فإذا بالصقر يفرد جناحيه، فيسكب الماء، ففي هذه المرة يغضب الأمير غضباً شديداً فلم يستطيع الأمير تمالك أعصابه فقتل الصقر. حيث أنه تبين له أن الصقر يريد يموته عطشاً، ومن ثم قرر الأمير أن يصعد إلى الجبل ليصل إلى ينبوع الماء، لقد وصل ولكن المفاجئة عندما وجد ثعبان ميت ويسيل من فمه السم الذي اختلط مع الماء،لاوأن الماء الذي أراد أن يشرب منه ما هو إلا سّم مخلوط بالماء، فعندها علم الأمير إن ما أراده الصقر هو إنقاذ حياته، فعلم أن وراء سلوك الصقر نيه إيجابية، ولكنه ادرك ذلك متأخرأ.

فهذه القصة الرمزية توضح لنا المواقف التي قد نمر بها في حياتنا، فكم من موقف في ظاهرة السوء ولكن باطنه نوايا جميلة نحتاج لفهمها.

وكذلك أنت، ألم تمرّ بك بعض المواقف مع أشخاص وقد كان وراء سلوكهم قصد إيجابي، ولكنك أدركت ذلك متأخراً؟

أغلب سلوكيات البشر وراءها نوايا إيجابية، فعندما تقوم الأم بضرب ولدها لأي سبب كان غالباً تكون نيتها إيجابية، فهي تريد أن يكون ابنها أفضل الناس، فنحن هنا لا نبرر سلوك الضرب هو سلوك غير مقبول ولا يأتي بنتائج، ولكن حديثنا الآن هو عن النوايا القلبية، ومن المؤكد أنك قد مررت أو سمعت لقصص مشابهة.

وهناك أشخاص قد يغتابون -من الغيبة- الناس ويتكلمون عنهم بسوء في كل مجلس، ولو بحثت عن السبب الحقيقي للغيبة، لماذا يلجأ بعض الناس أن يكون محور حديثهم في كل جلسة عن مساوئ الآخرين؟! ، لهذا السلوك عدة أسباب، قد تكون برمجة المجتمع، ومن الممكن يرغب هذا الشخص أن يظهر نفسه أنه الأفضل، وغيرها من الأسباب. المهم من الموضوع هو أن ندرك أنه لاتوجد لديه نوايا خبيثة. ولنأخذ مثال آخر فلو قام مدير بإهانة موظف أمام زملائه في العمل لأنه قصر في عمله، وسألت المدير عن حقيقة هذا السلوك فقد يقول لك أريد أن يكون هذا الموظف عبره لغيره من الموظفين، حتى لا يتجرأ أحد على تكرار هذا السلوك.

مواقف الحياة كثير ومن الممكن أن تكون أكبر من ذلك، ماذا سيحدث لو أننا آمنا بهذه النظرية، ونظرنا إلى أي سلوك لم يعجبنا إلى النوايا منه، كيف ستكون نظرتنا للأمور أو للأحداث أو للأشخاص الذين قاموا بالسلوك. وهنا ان لا أقصد أن لا يُعاقب المرجم والمخطأ على سلوكهم، بل أقصد لو رأينا لنواياهم كيف ستكون نظرتنا لهم؟! هل ستختلف! هل سأنظر إليه بعين الرحمة! أم ماذا! فلو سألت أي شخص قام بسلوك سيء وسألته ماهي نيتك من وراء ذلك السلوك، ستكتشف أن نيته إيجابية أو جيدة من ذلك السلوك...

لو بقينا نعدد ونبحث عن كل المشاكل والجرائم اللي حدثت في العالم، لوجدت أن ورائها قصد إيجابي.

الشاهد من هذا الكلام أن وراء كل سلوك نية إيجابية، سواء هذا السلوك سلبي أو إيجابي.

فيا ترى ماذا ستخسر إذا تعاملت مع الناس بناءً على سلوكهم دون النظر إلى نواياهم؟

دعنا نرى بعض السلوكيات التي قد تمر بها أو من حولك، إذ قام إبنك ذو الأربعة أعوام بسكب الماء على الأرض بشكل متكرر، على الأغلب ماذا ستكون ردة فعلك، إما بالصراخ أو الضرب أو العقاب وغيرها، فلنرى موقف مختلف ماذا لو قام شريك حياتك برفع صوته عليك وكلمك بحده بدون سبب، ماذا ستكون ردة فعلك على الأغلب إما أن تبادلهُ بالصراغ دون فهم السبب أو تغضب أو تقوم بردة فعل على مشابهة، ولنرى موقف آخر ماذا لو قام صديقك الصدوق الذي تعودت على التواصل معه هاتفياً بشكل يومي، وفجأة دون سابق إنذار لم يتواصل معك ولم يرد على مكالماتك، ولا تعلم عنه أي شيء لمدة أسبوعين. يا ترى ماذا ستكون ردة فعلك!؟" هل ستترك العلاقة لأنه لا يهتم لأمرك، أم لن تعود له كما كنت، أم ستعامله بالمثل ولن ترد علي إي من مكالماته!

يا ترى كيف ستكون علاقتك مع هؤلاء الأشخاص؟ هل من الممكن ستبنى حواجز بينكم، وهل من الممكن أنك قد تخسر بعض العلاقات؟ وهل سيحدث سوء فهم بينكم!؟ وهل من الممكن أن يصل الموضوع إلى أن تكره الطرف الآخر، للأسف هناك الكثير من الاحتمالات في هذه المواقف، إن لم نفهم الوراء من حدوثها او نواياها.

فيا ترى لو رأينا الموضوع ومن زاوية أخرى هل من الممكن أن يختلف شيء؟!، يا تُرى ماذا ستربح إذا تعاملت مع هذه المواقف بمبدأ "أن وراء كل سلوك قصد إيجابي" كيف ستكون ردود أفعالك! هل ستبقى كما هي أم ستتغير!

ماذا لو رأينا المواقف السابقة بنوايا إيجابية، لنعود للوقف الأول: إذا قام ولدك بسكب الماء على الأرض بشكل متكرر، وقررت بكل هدوء معرفة السبب وراء ذلك السلوك فقمت بسُأل ابنك بشكل هادئ ولطيف، لماذا يا ابني تفعل هذا السلوك؟ لأجابك مباشرة أريد أن ألعب أو أُريدك يابابا أن تلعب معي، أو أريد أن أصنع مسبح، وغيرها من الأسباب الخاصة بالطفل، فهو لا يتعمد إحداث فوضى في المنزل. يا ترى هل ستكون ردة فعلك كما لو لم تدرك النية الإيجابية.

ننتقل للموقف الأخطر منه وهو أنه إذا قام شريك حياتك برفع صوته عليك وكلمك بحدة، وبعدها قررت أن تفهم ما وراء السلوك بدلاً من الانفعال فقُمت بسُأل شريك حياتك ماذا بك؟، وما الذي حدث معك؟، فعندها انصدمت بأن هذا اليوم هو آخر يوم له في العمل، يا ترى كيف ستكون ردة فعلك!؟ بعدما علمت أن سلوكه كان تنفيس عن غضبه.

وننتقل الآن للموقف الآخير والمؤلم أحياناً، وهو أن صديقك الصدوق لا يرد على مكالماتك منذ أسبوعين، وبعد سؤال عدد من أقرابه تبين لك أنه توفى ولده وسافر على عجل إلى أهله، ولم يكن في وعيه، وبقى هاتفه مغلقاً إلى أن عاد، هل مازلت تفكر في ترك هذه العلاقة أم مازلت غاضباً منه، بالتأكيد ردود أفعالنا تجاه المواقف عند إدراك "إن لكل سلوك قصد إيجابي" تختلف عن عدم إدراك ذلك.

إقرأ أيضاً: لماذا يقلل الحكم على الآخرين من جودة حياتك وكيف تمنع حدوث ذلك؟

فيا ترى أين هي مرابحك، هل عندما تحكم على السلوك من غير فهم النية من ورائه، أم عندما تدرك أن وراء كل سلوك قصد ونيّة إيجابية.

فالخيار لك، إما أن تحكم على الناس بناءً على سلوكم، أو أن تحكم على الناس بناءً على نواياهم.

شاهد بالفديو: 8 تقنيات للتخلص من الضغط اليومي بسرعة

ثانياً: كل شيء يحدث لسبب وقصد ويعمل دوماً لصالحك

هل تعتقد أن عطل سيارتك المفاجئ يحدث لصالحك؟ وعندما يمرض ابنك، هل تعتقد أن ذلك يحدث لصالحك؟ وحين تتأخر عن العمل بسبب ظروف خارجة عن إرادتك، هل تفكر في أنَّ ذلك قد يكون لصالحك؟ وإذا علمت أنّك مريض، هل تعتقد أن ذلك يحدث لصالحك؟

ربما لا نفكِّر بهذا النهج في حياتنا اليومية، ولكن ماذا لو نظرنا إلى الأحداث السلبية بنظرة إيجابية؟ كيف ستكون حياتنا؟

ياترى هل هناك أشخاص على هذا الكوكب يرون أن الأحداث السيئة التي تحدث في حياتهم هي الأفضل لهم! وهل صادفت أشخاص مرّوا بعدة مِحن في حياتهم ولا يزالون أقوياء ومتقبلين ما يحدث لهم! ياتُرى ما الذي يجعل هؤلاء بهذه القوة؟

السرّ يكمن في نقطتين رئيسيتين: الأولى وهي الأهم، وهي الحل لأغلب المشاكل التي قد يواجهها الإنسان في حياته، وهي التقبل فهو سيد العلاج النفسي والجسدي والصحي والاجتماعي، أي أن يتقبل ويرضى الشخص بما يحدث له، فعندما ترفض ما يحدث لك، تزداد المشاكل النفسية كالقلق والتوتر وغيرها.

والنقطة الثانية وهي الأخطر؛ البحث عن الخير فيما يحدث، فنحن لا نعلم الغيب، ولكن عندما أؤمن بأن هناك خير لما يحدث معي، حتى لو لم أعلم ما هو الخير، فسأشعر بالراحة والرضا أكثر.

يا ترى ماذا ستربح لو إنك آمنت بأن جميع الأحداث التي تحدث مع هي لمصلحتك؟ وما الذي ستخسر لو إنك لم تؤمن بأن كل شيء يحدث لصالحك؟

السؤال الأهم من ذلك كله هو ما هي مشاعرك عندما ترى أنّ كل الأحداث السيئة في نظرك ليست لصالحك!، قد تكون مشاعر حزن، ضيقه، قهر، غضب، ما هي الفائدة التي جنيتها من هذه المشاعر، فكر بينك وبين نفسك ،على الأغلب نتائج سلبية على صحتك النفسية والجسدية.

دعنا نتخيل قليلاً، ونفكر بطريقة مختلفة (لو أن كل شي يحدث معاك يعمل لصالحك) يعني إذا مرض ابنك وقلت الحمد لله أنه مريض ولم تقطع رجله، وفي اليوم الذي ضاع مفتاح السيارة قلت الحمد لله أنها لم تتعطل، ويوم تعطلت السيارة قلت الحمد لله ما إنها لم تنفجر، وفي اليوم الذي خصموا من راتبك قلت الحمد لله لم أطرد من العمل “ياترى ما هي مشاعرك إذا كان تفكيرك بهذه الطريقة، اعتقد بأنك تشعر بالراحة والطمأنينة والرضى لما يحدث معك.

يا ترى في أي موقف ستكون مرتاح أكثر هل هو الأول عندما ترى أن كل شيء سيء يحدث معك ليس لمصلحتك، أو الموقف الثاني عندما تؤمن بأن كل شيء يحدث لمصلحتك؛ على الأغلب الموقف الثاني.

والعجيب في الموضوع أن الأحداث في حياتك ستحدث سواء أردت ذلك أو لم ترد، فإما أن تتقبلها وترضي بها وترى منها الجانب المشرق أو ترفضها وتعيش في صراع داخلي مع نفسك.

أنا أعلم أن الأمور ليست بهذه البساطة، فهي فقط تحتاج إلى مراقبة يومي لما يحدث في حياتك من أحداث بسيطة فتقبلها، ومع مرور الوقت ترتفع لديك هذه القيمة.

فإذا كنت تريد تكون مرتاح وراضي في حياتك، ركز على الجانب الجيد من كل موقف، وآمن أن كل شيء يحدث لصالحك.

إقرأ أيضاً: 3 خطوات لتعزيز النظرة الإيجابية إلى الحياة

ثالثاً: هل التوقعات أمر جيد أم سيء؟

ما هي المشاعر التي تنتابك عندما تحدث الأمور كما توقعت؟ هل تشعر بالسعادة والفرح عندما تتحقق توقعاتك، مثل الحصول على الترقية أو نجاح ابنك في الثانوية العامة؟ وكيف تتغير مشاعرك عندما يحدث العكس؟ هل ينجرف قلبك نحو الغضب والحزن عندما لا تتحقق التوقعات؟

التوقعات هي أداةٌ مزدوجة الحافة، حيث قد تكون محفزةٌ إيجابياً عندما تتحقق، ولكنها قد تؤدي أيضاً إلى خيبة الأمل عندما لا تتحقق. وقد يكون من المفيد تقليل سقف التوقعات لتحقيق توازنٍ أفضل بين الأمل والواقع.

في المواقف التي تتسارع فيها المشاعر، يمكن أن تكون فعالية إدارة التوقعات هي السبيل لتحسين رفاهيتنا العاطفية. فعلى سبيل المثال، إذا توقعنا الترقية في العمل ولم تحدث، يمكننا أن ننظر إلى ذلك كفرصة للتعلم والتطور المستقبلي، بدلاً من أن تكون مصدراً للإحباط.

باختصار، التوقعات قد تكون جيّدة إذا استخدمناها بحذر، وإذا قللنا من توقعاتنا قليلاً، قد نجد أنفسنا أكثر قدرةً على التكيف مع التغيرات والمحن التي قد تطرأ على حياتنا.

إقرأ أيضاً: فعالية التوقعات الإيجابية

في الختام:

يظهر أن فهمنا للحياة من خلال عدسة النّيات الإيجابية، والتفكير بفائدة الأحداث حتى في ظلّ التحديات، ومراجعة توقعاتنا بشكلٍ إيجابي، فيمكن أن يكون مفتاحاً للتعايش الإيجابي مع الحياة والتغلب على التحديات بروح منفتحة ومتفائلة.

إن الإيمان بأنّ وراء كل سلوك هناك نيةٌ إيجابية يوفّر لنا فرصةً للتفاهم والتعاطف مع الآخرين. وبالتفكير بأنّ كل ما يحدث لنا قد يكون لصالحنا، فنبني جسراً لفهم أعمق وتقبُّل الظروف بروحٍ من التفاؤل.

فعندما نقلل سقف توقعاتنا نجد الراحة في يومنا.

  • فالخيار لك إما أن تحكم على الناس بناءً على سلوكهم، أو أن تحكم على الناس بناءً على نواياهم.
  • فإذا كنت تريد تكون مرتاح في حياتك، ركز على الجانب الجيد من كل موقف، وآمن أن كل شيء يحدث لصالحك.
  • إذا كنت تريد تعيش حياتك مرتاح فقلل سقف التوقعات.

أخيراً، مع مراجعة توقعاتنا بشكلٍ إيجابي، نحقق توازناً أفضل بين الأمل والواقع، مما يمكِّننا من الاستمتاع بحياةٍ أكثر سعادةً وتفاؤلاً وتوازناً.




مقالات مرتبطة