كيف تقدم نفسك في بيئة العمل بشكل احترافي؟

يترك اللقاء الأول في ذهنك دائماً صورة يصعب نسيانها، قد تختلف باختلاف دقة الملاحظة أو الهدف من اللقاء، ولكن بشكل عام يقول علم النفس: إنَّ الثانية كافية لتكوين انطباع أول، وكلما زاد الوقت تكونت صورة أوضح، والانطباعات الأولى تدوم مهما عشنا بعدها من مواقف مختلفة، قد لا يكون هذا الكلام هاماً أحياناً، ولكنَّه هام جداً لمن يريد لفت انتباه شريك عاطفي، أو كسب ثقة شخص، أو إظهار الاحترافية في بيئة العمل؛ لأنَّ كيفية تقديم الشخص لنفسه في بيئة العمل أمر يشغل بال الكثيرين.



رحلة بحث الإنسان عن وظيفة أحلامه طويلة وشاقة، وقد تستغرق سنوات يسبقها الاجتهاد والجد للحصول على الشهادات اللازمة، ولكنَّ حصولك على الوظيفة المناسبة لطموحك ليس نهاية الرحلة؛ بل ذلك يعني أنَّك اجتزتَ نصف الطريق، أما النصف الثاني فيكمن في تقديم نفسك بالطريقة الصحيحة أمام المدير والزملاء، ولا يقتصر ذلك على عرض شهاداتك ومؤهلاتك والتحدث عن مواهبك؛ إنَّما يكمن بكيفية تكوين صورة جيدة وشاملة، تُظهر التميز والاحترافية في العمل، ويبدأ ذلك منذ دخولك إلى بيئة العمل؛ فالانطباع الأول هام كما تحدثنا سابقاً، وبالرغم من ذلك على الإنسان الاستمرار بمحاولة إثبات نفسه، وفي مقالنا سنوضح لك كيفية ذلك.

كيف تقدِّم نفسك في بيئة العمل بشكل احترافي؟

توجد عدة طرائق ونصائح تساعدك على تقديم نفسك بشكل احترافي لتتمكن من بناء حياة مهنية ناجحة ومميزة، أبرزها ما يأتي:

أولاً: نقاط يجب الانتباه لها عند التقدم للوظيفة

1. تجميع معلومات عن الشركة المتقدم لها:

قبل أن تقرر بأنَّها الوظيفة التي تطمح للحصول عليها، حاول أن تجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الشركة، وطبيعة عملها بدقة، وطريقة تعاملها مع الموظفين، والمسؤوليات التي يتحملها كل منصب في الشركة إن أمكن؛ فمن خلال معرفة ذلك يمكنك معرفة مدى ملاءمتك للوظيفة التي تسعى إليها، ويمكن توقع الأسئلة التي ستُطرَح عليك في مقابلة العمل، ومن الأفضل محاولة معرفة مكانة الشخص الذي يُجري المقابلات، فمعرفة خبرة الإنسان تعطي فكرة عن طبيعة الحوار معه.

2. احترام المواعيد:

لا ترغب أي شركة تهتم بمستقبلها أن تعمل مع شخص لا يحترم الموعد؛ فلا يمكنك كسب ثقة أصحاب القرار في الشركة، أو حتى ثقة الزملاء في العمل، إن لم تصل في موعدك المحدد، وفي حال وصلتَ مبكراً يمكنك الانتظار في مكان قريب من الشركة قليلاً، ثم الدخول في الوقت المناسب.

3. التعامل باحترام مع الجميع:

يخطئ من يتعامل باحترام وأدب مع أصحاب القرار في العمل، ويتعامل عكس ذلك مع الآخرين من موظفين وعمال أقل درجة منه، فما الذي سيحصل إن علم رؤساء العمل بذلك؟ يتبع هذا الأسلوب معظم أصحاب العمل، فعند انتهاء المقابلة يسأل العمال والموظفين ممن التقوا بالمتقدم للوظيفة، لأخذ فكرة واضحة عنه، فانتبه جيداً لذلك.

4. الانتباه إلى لغة الجسد:

لا تعد لغة الجسد أمراً هاماً عند التقدم عن طريق البريد الإلكتروني وما شابه، ولكن تصبح من أهم الأمور التي تُظهر شخصيتك عند المقابلة الشخصية؛ لذلك احرص على الهدوء والتحدث بلغة ونبرة واضحة، واستخدام التواصل البصري في أثناء الحديث، مع وجود ابتسامة خفيفة ومظهر أنيق ونظيف.

احرص على إظهار الاهتمام بالطرف الآخر من خلال الاستماع الجيد وعدم مقاطعته، والتركيز في أسئلته وإظهار التوافق مع آرائه، وعدم التحدث المتواصل عن خطتك وأحلامك؛ بل إعطاء الأهمية للمصالح المشتركة، ولا تنس إنَّ إظهار الثقة بالنفس يساعد على كسب ثقة الآخر؛ فتدرَّب جيداً على إظهار ثقتك بنفسك.

شاهد بالفديو: 9 طرق تجعلك متألقًا في مقابلات التوظيف

ثانياً: تقديم نفسك في بيئة العمل بعد اكتساب الوظيفة

1. فرِّق بين المهام العاجلة والهامة:

بعد الدخول إلى مكانك المخصص وقبل أن تبدأ بمباشرة عملك صباحاً، حاول ترتيب الأولويات في العمل والذي يستغرق عدة دقائق منك في بداية اليوم ولكنَّه يحدد كيفية سير يوم عملك سلباً أو إيجاباً، فجميع الوظائف تشمل مهاماً عاجلة يجب أن يتم إنجازها أولاً دون النظر لأهميتها، وتوجد مهام ليست عاجلة بالرغم من أهميتها يمكن إنجازها لاحقاً؛ فابدأ بإنجاز العاجل دائماً وليكن ترتيب الأولويات أول عمل تقوم به يومياً.

2. تعلَّم شيئاً جديداً كل يوم:

لا تعتقد أنَّ حصولك على وظيفة الأحلام يعني التوقف عن التعلم والسعي إلى الحصول على شهادات وخبرات جديدة؛ بل يجب أن يكون حافزك للاستمرار بالتعلم؛ لذلك اجعل خطتك اليومية هي أن تتعلم أمراً جديداً يزيد خبرتك بشيء ما، حتى وإن بدت تلك الأشياء الجديدة بسيطة بنظرك فكل منها يضيف لخبرتك القليل، وينعكس ذلك إيجاباً على أسلوبك وطريقتك في العمل والتعامل مع أصحاب العمل والزملاء.

يمكنك فعل ذلك إما من خلال كسب الخبرات من بيئة العمل، كأن تتعلم من زميلك صاحب الخبرة الأطول، أو بالانتباه إلى ملاحظات وإرشادات الرؤساء في العمل سواء الملاحظات التي تخص عملك أم عمل زميلك في قسم آخر، فكل ما تسمعه هام، أو من خلال وسائل أخرى كالإنترنت أو اتباع دورات متنوعة إن توَفَّرَ الوقت لذلك.

3. شارِك الآخرين خبراتك:

لتتمكن من تحقيق النقطة آنفة الذكر عليك مشاركة الآخرين بالمعلومات والخبرات التي تمتلكها، فلا يمكن لزملاء العمل أو الأصدقاء منحك معلومات جديدة، وخبرات خاصة في الوقت الذي تحرص به على معلوماتك، وتمتنع عن تقديم الفائدة للآخرين؛ لذلك عندما تحدث محادثة جماعية لا تستمع وتصمت؛ بل شارك في الحوار وعبِّر عن رأيك، واشرح معلوماتك الجديدة، وتحدَّث عن خبرتك بأمر معين لمن لديه استفسار عنه؛ لتعود بالنفع على الآخرين.

ينعكس تطور بيئة العمل إيجاباً على الجميع، وكما يقول "جوزيف باداركو" (أستاذ في هارفارد لإدارة الأعمال): في بيئات العمل المعاصرة يؤدي ادِّخار المعلومات إلى تآكل تركيزك وقوتك، فتذكر أنَّ تنمية المهارات وصقلها، وتعميق المعارف والخبرات يكون بمشاركتها مع الآخرين.

4. اشعر بالانتماء واستمتع في بيئة العمل:

لا يجب أن تنظر إلى الشركة والمكتب أو مكان العمل على أنَّ وجودك فيه واجب فقط؛ بل يجب أن تشعر بالانتماء، وكأنَّه منزلك الثاني؛ فينعكس ذلك على عملك إيجاباً ويظهر للآخرين حبك لعملك، ويتم ذلك بأن تضفي شخصيتك على مكان وجودك، مثلاً بوضع بعض الزهور يومياً على مكتبك، أو بوضع لوحة، أو نبتة، أو ساعة مميزة، أو صورة شخصية، أو حوض سمك صغير.

لا تنسَ الاهتمام بالتفاصيل الصحية؛ كالجلوس بطريقة صحيحة، والتنفس بعمق من وقت لآخر، وشرب الماء، وتناول طعام صحي في أثناء الاستراحة ليزداد تركيزك، فأصحاب العمل ينظرون بإعجاب لمن يجعل مكان العمل بيئته الخاصة، وتظهر شخصيته في مكان وجوده.

إقرأ أيضاً: قيمة الاستمتاع في العمل

5. تقبَّل الآراء المخالفة والتقييم لعملك:

لا تعتقد بأنَّ الآخرين يعطون رأياً مخالفاً أو تقييماً لعملك بهدف مضايقتك أو التقليل من أهميته أو الإساءة لك، فالإنسان غير المبالي لأمرك سيتركك تخفق، ولن يرشدك للطريق الصحيح، أو يخبرك بكيفية تصحيح الخطأ، كما أنَّ إعطاء تقييم لشخص ما هو أمر صعب جداً؛ فمن يقوم بالتقييم أكثر توتراً ممن يتلقاه؛ لأنَّه حريص على تقديمه بواقعية ودون جرح الآخر، لذلك عندما يقيم عملك زميلك أو رئيسك، تقبَّل رأيه المخالف، وحاول النظر إلى الأمور من زاوية أخرى فضع نفسك مكانه لتتأكد من تطابق الرؤى، وتذكَّر أنَّك دون التقييم لن تتمكن من تطوير نفسك.

6. ابنِ علاقات إنسانية جيدة:

العلاقات الإنسانية في بيئة العمل أمراً هام جداً؛ فالعلاقات الاجتماعية تفتح كثيراً من الأبواب أمام الإنسان، لذلك احرص على تنظيم اجتماعات ولقاءات ونشاطات خارج الشركة مع الزملاء ضمن قسمك أو الأقسام الأخرى والمديرين التنفيذيين ورؤساء الأقسام وغيرهم؛ لتتحول بيئة العمل الجافة إلى فريق عمل متضامن ومتحاب ومتعاون.

7. أعط نفسك قسطاً من الراحة:

احرص على إيجاد وقت مخصص لراحتك النفسية، وراحة عقلك؛ فالإنسان الناجح والمحترف في عمله، هو الإنسان البعيد عن الضغط والتوتر؛ لذلك لا تصطحب العمل معك إلى المنزل حتى عند تراكمه، لأنَّه يستنزف طاقتك، فلن تستطيع القيام بمهامك بالمستوى المطلوب في اليوم التالي، فبمجرد انتهاء وقت العمل، عد إلى منزلك وخصص وقتاً للاسترخاء بسماع الموسيقى مثلاً، أو ممارسة التأمل، أو الرياضة، أو الخروج مع الأصدقاء؛ فتتخلص من روتين الحياة وتستعيد نشاطك، وتعود للعمل بتركيز مرتفع بعيداً عن الحياة الشخصية وظروفها.

إقرأ أيضاً: كيف تنال قسطاً من الراحة وتستعيد قدرتك على الإنتاج؟

8. خصص ملابس مناسبة للعمل:

يؤكد علم النفس والخبراء أنَّ الملابس تمتلك تأثيراً كبيراً في مزاجك وتركيزك وثقتك بنفسك؛ لذلك عليك إظهار مواهبك وخبراتك، والحرص على اختيار ملابس أنيقة ومريحة ومناسبة لشخصيتك في الوقت نفسه، وابتعد عن ارتداء كل ما يشعرك بسوء فوراً.

شاهد بالفديو: كيف تترقى في السلم الوظيفي في شركتك؟

في الختام:

نحلم جميعاً بالحصول على الوظيفة التي درسنا واجتهدنا لأجلها سنوات طويلة؛ ولكن عند التقدم لوظيفة ما لا تكفي الشهادات الأكاديمية والمهنية؛ بل يجب تقديم النفس بطريقة احترافية منذ اللقاء الأول؛ لأنَّ الانطباع الأول لا يمكن نسيانه؛ لذلك اجمع معلومات كافية عن الشركة، والتزم بالموعد المحدد، وانتبه للغة جسدك جيداً.

بعد البدء في العمل حاول إظهار نفسك بطريقة احترافية من خلال ترتيب الأولويات، وإظهار الانتماء لبيئة العمل، وتكوين علاقات إنسانية متينة مع الزملاء، ومشاركة المعارف والخبرات معهم، وتعلم أشياء جديدة دائماً، وتقبَّل تقييم الزملاء والرؤساء لعملك؛ لتتمكن من تطوير نفسك باستمرار.




مقالات مرتبطة