كيف تفكر كمحقق؟

يُعَدُّ التحقيق الجنائي أمراً معقداً، وذا أوجه عديدة، وعلى المحققين اتخاذ قرارات حاسمة باستمرار حول قضايا حياة أو موت، بناءً على معلومات قليلة ضمن بيئة من الأحداث النشطة التي ما تزال تتغير؛ إذ إنَّ المحققين مسؤولون ومخولون باسم القانون لإصدار أحكام قد تغير حياة الأشخاص المعنيين بالأمر جذرياً. فلا يوجد مجال للخطأ.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "إيفار فاهسينغ" (Ivar Fahsing)، ويُحدِّثنا فيه عن كيفية التفكير كمحقق.

يُصوَّر المحقق عادة كشخص بغيض ذي عقل مدبر، ويبدو كأنَّه يمتلك قدرات خارقة يحلم بامتلاكها الشخص العادي. أعتذر لإحباطك، لكنَّ هذا ليس صحيحاً بالمجمل، فلا يمتلك جميع المحققين عقولاً مدبرة، وليس عليك أن تكون محققاً كي تفكر مثله. هناك بعض الطرائق والأدوات التي يمكن أن تعزز المحقق الذي يكمن داخلك، وتساعد على اكتشاف الحقائق، والمعرفة لفهم العلاقة أكثر بينهما.

في حين أنَّ معظمنا، سواء كنا أصحاب تعليم أكاديمي عالٍ أم لا، لم نتعلم كيف نفكر ونطلق أحكاماً تحت الضغط. ومع ذلك، التفكير الجيد هام لكل جانب في الحياة. فتعلُّم التفكير كمحقق خبير يساعد في تعزيز قدراتك وجانبك الإبداعي، ويجعلك أقل حكماً ومصغياً أفضل، ويمكن أن يساعد صقل مهارات التفكير البوليسي لديك في حل المشكلات اليومية في حياتك، مثل التخطيط لعطلة مثالية، أو اختيار المرشح الأفضل للعمل.

أنا أكاديمي جامعي، ومحقق حقيقي؛ إذ عملتُ على أسوأ الجرائم في النرويج لمدة 30 عاماً. وفي هذه الأيام، أمضي معظم وقتي في تعليم محققي الشرطة وغيرهم من المحققين على اتخاذ قرارات صحيحة في أكثر المواقف صعوبة وتعقيداً، وسأشارك بعضاً من المبادئ معك في هذا الدليل.

في بداياتي عندما كنت رئيس شرطة، لم يكن أحد من زملائي المحققين، قادراً أو أظهر اهتماماً في تعليمي وسائل عملية للتفكير كمحقق. وبدلاً من ذلك، تحدثوا عن الأسلوب والموهبة والخبرة. في المجمل أحبُّوا التحدث عن قضايا قاموا بحلها. وليس عن القضايا التي فشلوا في حلها أو عن التحدي التالي.

إنَّ الأداة الأكثر أهمية لأي محقق - وهي مهارات التفكير الحاد - لم تُذكَر أيضاً. كنا جميعاً حريصين على صياغة ملامح ذهنية للمجرمين، ومع ذلك كان من الغريب تصنيف محقق كمحقق فعال، وبدا الأمر كما لو أنَّ القدرة على التفكير كمحقق خبير قد عُدَّ أمراً مفروغاً منه.

في الواقع، ما قد يبدو للوهلة الأولى أقرب إلى موهبة خارقة للطبيعة، هو في الغالب مهارة ما وراء معرفية؛ وهذا يعني القدرة على التفكير في التفكير.

تخيل ما يحدث عندما تلتقي بشخص جديد، عادةً ما يستغرق الأمر أقل من ثانية لتكوين انطباع عن شخص غريب تماماً. على الفور، نقرر ما إن كان عطوفاً ومهذباً، أم مهيمناً وعدوانياً، وما إذا كنا نحبه أم لا. علاوةً على ذلك، نقوم بكل هذا بناءً على الشعور الغريزي والمعلومات الناقصة مثل ملامح الوجه، وطريقة ارتداء الملابس، والطريقة التي يتحدث بها.

عندما نتخذ قراراتنا اليومية، غالباً ما تأخذ أذهاننا المعلومات الأولية في الحسبان أولاً، بغض النظر عن نوعيتها أو كميتها، فإنَّ الشيء الوحيد الذي يحاول فعله بالمعلومات هو صياغة قصة متكاملة. لا يجب أن تكون القصة دقيقة أو متكاملة أو موثوقة؛ بل يجب أن يكون الأمر متكاملاً في ذهننا فقط كي نشعر بالثقة في حكمنا.

يُعَدُّ اتخاذ القرارات بهذا الشكل أمراً سهلاً، ومريحاً وبديهياً، ولكنَّه للأسف يغذي مشاعر الثقة الزائدة بالنفس والكفاءة المبالغ بها أيضاً. بغض النظر عن طبقتنا الاجتماعية، فنحن جميعاً بطبيعتنا لدينا ميل لحل المشكلات بطريقة سطحية وبلا مجهود بدلاً من طرائق أكثر تطوراً وجهداً. فإذا لم يتم التعامل مع هذه الثقة عن عمد، والفجوة بين الأفكار الأولية والواقع، فيمكن أن تؤدي حتى إلى ضلال أكثر الخبراء الموثوقين.

بصفتي محققاً في جرائم القتل، بدأت ألاحظ كيف أنَّ زملائي الأكثر مهارة مختلفون عن الآخرين. لم يكن الأمر واضحاً في البداية، فلم يتحدثوا بصوت عالٍ ولم يستهجنوا وضوح الأمور، ولم يعبِّروا عن رأيهم أكثر من غيرهم ولم يعطوا استنتاجات سريعة. وبدلاً من هذا، راقبوا، وطرحوا الأسئلة، وواصلوا البحث بهدوء. هذه القدرة على مواصلة البحث هي السمات الرئيسة التي تميز المحققين الخبراء عن بقية الناس.

ومن ثم، عدم اتخاذ القرار هو أفضل قرار يتخذه المحقق الجيد. بالنسبة إلى بعض منا، سيكون الأمر صعباً، وقد يتطلب الأمر قليلاً من التدريب. يبدو الأمر غير منطقي عند الابتعاد عن مشكلة تريد حلها. إنَّ إجبار عقلك على التراجع ليس بالأمر السهل.

ومع ذلك، عندما تعتاد على طريقة التفكير هذه، ستجدها مفيدة في كثير من المواقف والمشكلات اليومية، كبيرة كانت أم صغيرة. على سبيل المثال، تساعدك على أن تخفف إصدار الأحكام في الأوساط الاجتماعية، وأن تتحلى بالصبر للحصول على المزيد من المعلومات، وينتهي بك الأمر بفهم وقراءة أفضل للناس.

سيشجعك التفكير كمحقق على تحليل أي مشكلة باستمرار حتى يحين الوقت المناسب لبدء حلها. وعند القيام بالأمر بشكل صحيح، مع مرور الوقت، سيعطيك صبرك مصداقية ونزاهة.

في الواقع، سأذهب إلى حد القول إنَّه عند اتخاذ أي قرارات هامة في الحياة؛ إذ سيكون من الخطر التوصل إلى استنتاجات سريعة - على سبيل المثال، عند شراء منزل جديد، أو تعيين موظف جديد أو التخطيط لحركة مهنية - من الحكمة تبنِّي نهج الصبر نفسه الذي يستعمله المحققون الخبراء.

ضع في حسبانك أنَّ عقلك سيحاول دائماً إقناعك بأنَّ انطباعك الأول صحيح؛ لذلك، لتنشيط المحقق الداخلي الخاص بك، سيتعين عليك بذل جهد واعٍ للتعمق في جميع المعلومات المتاحة، ومحاولة إجراء تحليل أكثر منهجية وشمولاً لنقاط القوة والضعف في الاستنتاجات المختلفة قبل اتخاذ قرارك. في القسم التالي، سأوضح لك الخطوات العملية المتبعة في تطبيق عملية المحقق على أي أمر في حياتك.

ماذا يجب عليك أن تفعل؟

1. لا تفترض شيئاً، واكتشف ما تعرفه بحق:

لكي تفكر مثل محقق خبير، عليك أن تتبنى ما يسمى عقلية التحقيق. يجب أن تكون المصطلحات "ربما" و"يمكن" كلمات السر الخاصة بك كما هي في كل تحقيق واقعي في كل مسرح جريمة.

يسمى هذا في كتيبات التحقيق، مبادئ الـ "إي بي سي" (ABC)؛ وهو اختصار في اللغة الإنجليزية جمعت حروفه أوائل الجمل الآتية:

  • لا تفترض شيئاً (Assume nothing).
  • لا تصدق شيئاً (Believe nothing).
  • تحدَّ، وتحقق من كل شيء (Challenge and check everything).

لا ينبغي أن يؤخذ أي شيء كأمر مسلم به. يتبع المحققون نهجاً مشككاً تجاه أي معلومات أو أدلة. فكل القصص ممكنة، حتى يُثبَت أنَّها ليست كذلك، اسأل نفسك دائماً: "ماذا أعرف؟" و"ما الذي لا أعرفه؟".

إنَّ القيام بهذا قد يكون صعباً جداً في بعض الأحيان، ولكن حتى مجرد محاولة إبطاء عقلك بدلاً من التوصل إلى استنتاجات سريعة سيكون مفيداً. استمر في تذكير نفسك: الارتباط لا يعني وجود علاقة سببية. ومن ثم، فإنَّ الطريقة الأكثر أماناً لاختبار أي نظرية هي محاولة دحضها. افترض أنَّك تظن أنَّ مفاتيح منزلك أو سيارتك قد فُقِدَت أو سُرِقَت. في هذه الحالة، من الجيد إعادة التحقق من جميع الخيارات الأخرى وإزالتها قبل أن تقرر تغيير أقفالك.

إقرأ أيضاً: ما هي أدوات التفكير الإبداعي للقادة؟

2. حدد جميع التفسيرات الممكنة:

لا يتمثل النهج المنطقي المفضل لـ "هولمز" (Holmes) في سلسلة روايات "شيرلوك هولمز" (Sherlock Holmes) في الاستنتاج، وهو الاستنتاج على أساس الحقائق المعروفة؛ بل على ما يُعرَف بمنطق الاستقراء، وهو العملية المعرفية لتحديد أفضل تفسير ممكن لمجموعة معينة من الملاحظات. يُعرَف منطق الاستقراء على نطاق واسع كآلية قوية للتفكير الافتراضي في غياب المعرفة الكاملة. يُفهَم عموماً على أنَّه الاستدلال من التأثيرات إلى الأسباب.

التطبيق المألوف والنموذجي للاستدلال الاستقرائي هو عندما يقوم الطبيب بتشخيص طبي: بالنظر إلى مجموعة من الأعراض، ما هو التشخيص الأفضل لتفسير معظمها؟ كقاعدة عامة - وبسبب دماغنا المحب للاستنتاجات - سيكون هناك دائماً تفسيرات بديلة أكثر مما أدركته في البداية. لن يقوم الطبيب الحكيم بإجراء التشخيص الأول الذي يتبادر إلى الذهن، ولكنَّه سيأخذ في الحسبان العديد من البدائل لمعرفة أيها يطابق المعطيات.

وبالمثل، فإنَّ التحقيقات الجنائية استقرائية وليست استنتاجية. في معظم الحالات، لا تجد الشرطة صورة واضحة تماماً ولا جدال فيها للمشتبه به في أثناء ارتكاب جريمة. عادة ما تكون لدينا صورة ضبابية رمادية اللون لشخص يغادر أو يدخل زقاقاً مظلماً قبل أو بعد ارتكاب الجريمة مباشرة.

قد يخبرنا تفسيرنا الأولي للصورة أنَّ هذا الجاني المحتمل هو رجل طويل القامة نسبياً في الأربعينيات من عمره يرتدي سترة قصيرة داكنة وبنطال جينز أسود أو أزرق. يمكن أن يناسب الوصف، في جوهره، نصف سكان المدينة. ومن ثم، لتحديد المشتبه به، عليك أن تأتي بجميع التفسيرات الممكنة، ثم تتحقق من صورتك غير الواضحة مع عدد من مصادر المعلومات الأخرى مثل إفادات الشهود أو الدوافع أو بصمات الأصابع أو نشاط الهاتف المحمول، للعثور على المشتبه به واستبعاد المرشحين المحتملين الآخرين.

وبالمثل، يجب عليك دائماً إنشاء مخطط موجز لجميع التفسيرات البديلة الممكنة التي يمكنك التفكير فيها للموقف الذي تحاول حله. بناءً على بدائلك، فإنَّ خطوتك الهامة التالية هي وضع خطة للمعلومات التي تحتاجها لاختبار التفسيرات المختلفة، بما في ذلك كيفية حصولك على المعلومات المطلوبة. وستكون هذه خطة التحقيق الخاصة بك.

إقرأ أيضاً: ما هي معوقات التفكير الإبداعي؟

3. تحقق من التفسيرات البديلة وضيِّق دائرة التحقيق:

حان الوقت الآن لبدء التحقيق الحقيقي. احذف أكبر عدد ممكن من التفسيرات. تماماً كما هو الحال في العلم، لا يمكن اختبار النظريات حقاً إلا من خلال الدحض. لتكون قادراً على تتبع جميع التفسيرات البديلة واحتياجات المعلومات، ستحتاج إلى اتباع طريقة منهجية. من دونها، هناك مخاطرة كبيرة بأن تتمسك بفكرتك الأولى والأفضل. صممت أنا وزملائي نموذجاً للمساعدة. إنَّها ليست مثالية بأي حال من الأحوال، لكنَّها على الأرجح أفضل بكثير من عدم وجود نموذج على الإطلاق.

  • جمع المعلومات المتوفرة والتحقق من الحقائق.
  • ربط المعلومات ببعضها.
  • اكتشاف ما لا تعرفه.
  • وضع كل الحلول والفرضيات الممكنة.
  • تحديد المعلومات التي تحتاجها أكثر من غيرها لاختبار فرضياتك المتبقية.
  • قبل تنفيذ خطتك، استشر شخصاً ما تثق به دائماً، للمساعدة في تضييق نطاق التحقيق الخاص بك عن طريق تكرار هذه العملية من الخطوة الأولى.

شاهد بالفيديو: 8 طرق تفكير ستضعك على طريق النجاح

دعنا نطبق هذا على مثال خيالي يعتمد على عالم فيلم الرسوم المتحركة "زوتوبيا" (Zootopia): تم استدعاء الضابط "جودي" (Judy) إلى دار البلدية بعد أنَّ تم العثور على رئيس البلدية "ليونهارت" (Lionheart) ميتاً على الأرض مصاباً بجرح عميق في رأسه، وبجانبه شمعدان كبير مغطى بالدم عليه بصمات الأصابع.

تلتقط الضابط "جودي" الصور وتأخذ الشمعدان، لكتشف بعد فترة وجيزة أنَّ الدم من "ليونهارت"؛ وأنَّ بصمات الأصابع تخص مساعد العمدة "دون بيلويذر" (Dawn Bellwether). يتم استدعاء "بيلويذر" للتحقيق معه، لكنَّه ينفي أي معرفة بالحادث أو التورط فيه.

الآن، تخيل أنَّك تساعد الضابط "جودي" في هذه القضية: ما هي فكرتك أو شكوكك الأولى؟ اكتب ذلك. فربما تشتبه في أنَّ "بيلويذر" قام بهجوم متعمد أو حتى محاولة قتل رئيس البلدية "ليونهارت" بضربه على رأسه بشمعدان ثقيل. للتفكير كمحقق، فإنَّ الهام في هذه المرحلة ليس التوصل إلى استنتاجات بسرعة؛ بل البدء بالبحث.

هذه هي الخطوة الأولى؛ لا تفترض شيئاً، بل اسأل نفسك ما الذي لا تعرفه؟ وما هي مصادر المعلومات الأخرى المتوفرة؟ وما هي التفسيرات البديلة التي قد تناسب الأدلة؟

أولاً، بافتراض أنَّ بصمات الأصابع مرتبطة بالحدث، ربما يكون "بيلويذر" قد أصاب العمدة عن طريق الخطأ. ثانياً، ربما كان "ليونهارت" هو الذي هاجم "بيلويذر"، وضربته في فعل مشروع من أفعال الدفاع عن النفس (يجب بالتأكيد التحقيق في هذه البدائل). ثالثاً، ربما وجد "بيلويذر" العمدة على الأرض بعد أن هاجمه شخص آخر ولمس وحرك الشمعدان الملطخ بالدماء.

يجب أيضاً إضافة هذه الفرضية إلى خطة التحقيق الخاصة بك. رابعاً، على الرغم من أنَّه قد يبدو غير مرجح، ربما كان "بيلويذر" و"ليونهارت" متورطين في حادثة سابقة؛ إذ جرح العمدة نفسه، في أثناء الطهي أو التزيين، وقام "بيلويذر" بعد ذلك بتحريك حامل الشمعة بدمه.

علاوة على ذلك، لا يمكننا استبعاد أن يحاول شخص ما توريط بيلويذر من خلال العبث بمسرح الجريمة؛ فهل يمكن أن يكون لديه أي أعداء؟ إذا كانت الإجابة "نعم"، فلديك فرضية أخرى يجب معالجتها. نظراً لأنَّ تحقيقنا يعتمد فقط على استنتاج خبير بصمات الأصابع، يجب علينا أيضاً التحقق مرة أخرى مما إذا كان خبير مستقل آخر سيتوصل إلى النتيجة نفسها.

للأسف، في الحياة الواقعية، هناك الكثير من الأمثلة عن أدلة الطب الشرعي الفاشلة التي تؤدي إلى إدانات خاطئة. أخيراً، يجب أن نتحقق مما إذا كان "بيلويذر" قد أصاب العمدة "ليونهارت"، ولكنَّه بطريقة ما لم يكن في إدراكه الكامل في أثناء قيامه بذلك، وعدم تذكُّره للحادث بعد ذلك.

كما ترى، هناك خيارات بديلة أكثر مما كنت قد فكرت به في البداية. لمساعدة أنفسنا، نحتاج إلى أساليب عملية وأدوات لمعالجة المعلومات لتتبع تحقيقاتنا. سيساعد ذلك عقلك على أن يكون أكثر دقة، ويقلل من خطر التوصل إلى استنتاجات مبكرة؛ لذلك يجب عليك تتبع تحقيقك باستعمال مصفوفة أو "خريطة ذهنية" تسرد المصادر لمزيد من المعلومات مقابل جميع التفسيرات البديلة لمسرح الجريمة.

سيؤدي هذا أيضاً إلى خلق الشفافية؛ وهذا يسمح برأي ثانٍ حول أفكارك وأحكامك، وسترى تدريجياً ما إذا كانت المعلومات الواردة من مصادر مختلفة تضيق نطاق تحقيقك.

عندما يتم الحصول على كمية جديدة من المعلومات، حدد ما تعنيه لكل من التفسيرات أو الفرضيات المحتملة المختلفة. يجب أن يوثق تحقيقك جميع الفرضيات ذات الصلة المحددة في القضية، ويجب أن يسعى التحقيق إلى دحض كل منها.

ربما تكون الفرضية الأخيرة المتبقية هي أقوى نظرية، ولكن بصفتك محققاً حقيقياً، يجب أن تترك الأمر للآخرين لاتخاذ الحكم النهائي.

كل هذا الفحص الدقيق هو ما يبدو عليه "البحث العميق"؛ إذ ستخبرك نظرة سريعة على عدد الفرضيات ونطاقها ما إذا كنت قد اتسعت ببحثك بما يكفي لكشف الحل المحتمل الحقيقي، وستخبرك إجراءاتك الاستقصائية ما إذا كنت قد بحثت عميقاً بما يكفي للعثور على الحقائق لإثبات أو دحض الفرضيات المختلفة؛ بعبارة أخرى، عليك التفكير في اتساع وعمق استفسارك.

كقاعدة عامة، في أي تحقيق سيكون هناك دائماً شيء ما نسيته أو لا تعرف كل شيء عنه؛ هذا هو السبب في أنَّ الصديق المنفتح والناقد، لا غنى عنه. لا يتمثل دوره في حل القضية؛ بل أن يكون متشككاً وأن يشير إلى أشياء ربما تكون قد أغفلتها أو أسأت فهمها.

تذكر أنَّه يمكن العثور على أدلة أو وجهات نظر جديدة أو رؤى في أمكنة لا تتوقعها؛ لهذا السبب يجب على جميع المحققين الخبراء إظهار التعاطف والتواضع وطرح الأسئلة، وتطوير مهارات الإصغاء لديهم. يتم إجراء جلسات التحقيق عن طريق التراجع بلطف عن رأيك، وطرح أسئلة ذات إجابات مفتوحة، واستعمال تقنيات الصمت والإصغاء النشط مثل الإيماء والهمهمة.

يُعَدُّ تقبل الآراء البديلة مهارة هامة ليس فقط للمحققين، ولكن لأي صانع قرار في العصر الحديث. في عالم يزداد فيه التعقيد باستمرار، لا يوجد مكان للأشخاص المنعزلين.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة