كيف تشعر بالاسترخاء عندما لا تملك الأجوبة؟

في المرة الأولى التي اقترح فيها أحدهم أن أتوقف عن محاولة التفكير في حل للموقف الذي كنت أحاول أن أحله بيأس، بدا الأمر وكأنَّه فكرة جميلة؛ لكنَّ الحقيقة هي أنَّه لم تكن لدي أيَّة فكرة عن كيفية تنفيذ هذه النصيحة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المعالِجة النفسية "نانسي كوليير" (Nancy Colier)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها مع الشعور بالاسترخاء.

إنَّ اتخاذ القرار، بالنسبة إليَّ، كان يعني دائماً فهم ما الذي كان يحدث وما الذي يعنيه، والأهم من ذلك كله، معرفة ما الذي يجب فعله حيال ذلك، فكان اتخاذ القرار دائماً ينطوي على التفكير المفرط والهوس.

إذا كنتُ لا أريد أن أعيش في حالة من القلق وأشعر بأنَّني غير محاصرة على الإطلاق، كان عليَّ أن أحل الأسئلة التي لا تزال دون حل؛ إذ كان ينبغي أن أفكر أكثر - وليس أقل - في الصعوبات التي أواجهها، كما كان العيش بسلام وعدم الحصول على الأجوبة أمرين غير متوافقين، وكنت بحاجة إلى وضع خطة وطريقة تمكِّنني من الخروج من الموقف، وليس الاستمرار فيه.

لكن مع مرور الوقت، أدركت أنَّه مع كل الأفكار التي يمكن أن تراود المرء، كانت هناك أسئلة هامة في حياتي لم أستطع معرفتها، ولا يمكنني الإجابة عنها حتى الآن على أي حال.

إنَّ هذا الأمر حقيقة لا مفر منها ولا يمكن دحضها؛ إذ كان عليَّ أن أعترف وأقبل أنَّه مع كل معرفتي الزائفة وكل الحلول التي اقترحتُها وجربتُها، لم أكن حتى الآن أفضل حالاً، وإنَّ أيَّة معلومة كنت قد فكرت فيها كانت مجرد وهم، وكلما حاولت أن أعرف أكثر، شعرتُ أنَّني لا أعرف، ولكن على الجانب الآخر من هذا الاعتراف والقبول، وجدت شيئاً غير متوقع، ألا وهو الراحة المطلقة.

نحن نعيش في عصر المنطق والعلم؛ فنقدِّس المعلومات والأبحاث والمنطق لدرجة أنَّنا أطلقنا على عصرنا اسم "عصر المعلومات"، كما إنَّ المنطق هو التفكير واستخدام التفكير المنطقي لفهم عالمنا، ومع مرور الوقت، فكرنا في المزيد والمزيد من الأمور، وراهنَّا على التفكير في إنقاذ الموقف؛ فمن المفترض أن يمهد العقل الذي يفكر الطريق إلى الخلاص.

في هذه اللحظة من التاريخ، فقدنا الاهتمام، وإلى حد ما، فقدنا الاحترام لجميع الطرائق الأخرى للمعرفة الجسدية والبديهية والتجريبية، وما إلى ذلك، وكل الطرائق التي يمكننا معرفتها بخلاف التفكير والمنطق.

عندما أقدِّم أيَّة مادة بصفتي متحدثة عامة، مع ثلاثة عقود من الخبرة المهنية في التعامل مع البشر ومع أفكارهم وعواطفهم، فإنَّ السؤال الذي دائماً أتلقاه هو عن الدراسات، أو أبحاث التصوير بالرنين المغناطيسي التي يمكنني تقديمها لدعم ملاحظاتي عن السلوك البشري.

لقد صُنِّف العقل والدليل العلمي على أنَّهما أسمى ما نملك؛ إذ نعتقد أنَّ التفكير سيحل كل التساؤلات والتحديات التي تطرحها الحياة؛ ومع الثورة التكنولوجية، فإنَّ تقديسنا للتفكير يزداد فقط.

شاهد بالفديو: 6 طرق لتصفية ذهنك

العيش في حالة من التساؤلات:

قال سقراط: "الحكمة الحقيقية الوحيدة هي معرفة أنَّنا لا نعرف شيئاً"، لقد تغيَّر الكثير في غضون 2500 عام منذ أن نطق "سقراط" بهذه الكلمات، فاليوم، لم يستطع سوى قلة من الناس أن يفهموا معنى تلك الكلمات، وفي الوقت نفسه، فإنَّ حاجتنا المستمرة لمعرفة الإجابات، بالإضافة إلى عدم رغبتنا في تقبُّل المجهول، تولِّد سيلاً من التفكير المفرط والقلق.

إنَّ الغموض في مجتمعنا ليس بالشيء الحقيقي، إنَّه شيء غير مستقر أو مذهل، ولقد تعلَّمنا منذ صغرنا أنَّنا جيدون ونستحق التقدير إذا تمكنَّا من الإجابة، ونشعر بالخزي وعدم الكفاءة عندما لا تكون لدينا الإجابات، فالجهل هو شكل من أشكال الفشل؛ إذ إنَّه يسبب الشعور بالضعف والعيوب والضياع.

في الوقت نفسه، فإنَّ المعرفة تشعرك بالأمان وتشعرك وكأنَّك تسيطر على الأمور، ومع وجود الإجابات في مكانها الصحيح، لا يتعين علينا مواجهة عدم الثبات الذي تقوم عليه حياتنا؛ أي حقيقة أنَّ كل شيء يتغير باستمرار، شئنا أم أبينا.

لا يتعين علينا أن نشعر بمقدار خروجنا عن السيطرة بصفتنا بشراً في هذه الرحلة الفانية والغامضة؛ ونتيجة لذلك، نقوم بالكثير من التحريف عندما يتعلق الأمر بالمعرفة، وفي الوقت نفسه، نسارع في البحث عن إجابات غير صحيحة أو غير مستدامة؛ إذ إنَّنا سنفعل أي شيء، حتى لا نبقى في المجهول.

ولكن مع الاعتقادات التي رُبِّينا على الإيمان بها، فإنَّ الحياة تضعنا دائماً في مواقف لا نملك فيها الإجابات التي نريدها، فنحن لا نعرف الطريق إلى الأمام، ناهيك عن أنَّ عدم المعرفة الأكبر - ما نقوم به جميعاً هنا - موجود في المقام الأول، ونظراً لأنَّنا كثيراً ما نفتقر إلى كل الإجابات، سيكون من الحكمة أن نتعلم كيف نعيش في هذا النقص بالمعرفة بشعور من القبول والاسترخاء بدلاً من الحكم والخوف.

قد يبدو من غير المألوف وغير الحكيم البقاء في موقف صعب لم يُحل، مع أنَّه قد يكون أمراً غير مريح، إلا أنَّه يتعين علينا أن نتعلم كيف لا نعرف، وأن نشعر بما عليه الحال في أثناء عدم المعرفة، وإنَّ الحكمة تكمن في تعلُّم انتظار المزيد من الوضوح ووصول المسار من خلاله.

إنَّ العيش في حالة من التساؤلات، إذا كان في إمكاننا إعطاء حكمنا بشأنه، يمكن أن يصبح مكانه المناسب، فمع الممارسة، يمكننا أن نتعلم الاسترخاء في الواقع مع عدم وجود الإجابة.

عندما نمنح أنفسنا الإذن بعدم المعرفة، فإنَّنا نسمح للحياة أن تكشف عما تريد الكشف عنه، في وقتها الخاص دون إجبارها، ومن اللافت للنظر أنَّ الأسئلة تتحول إلى وجهاتها الخاصة، علاوة على ذلك، نجد أنَّ عدم المعرفة هو المكان الذي - إذا كانت لدينا الشجاعة للثقة به - يمكنه تقديم حلول أعمق وأكثر حكمة، وحلول حقيقية، ومسارات إلى الأمام تكون أكثر موثوقية من أي شيء يمكننا أن نفكر فيه في طريقنا إلى المعرفة.

الاستسلام للعيش في حالة من التساؤلات يبدو كأنَّه سقوطٌ في الهاوية، وفجأة، نجد أنفسنا في اللحظة الحالية لدينا الإذن بأن نكون هنا، لنختبر مباشرةً ما هي الحياة، ولدينا الإذن للاهتمام بتجربة هذا الواقع والسماح للأجوبة بالكشف عن نفسها في الجدول الزمني الخاص بها.

إقرأ أيضاً: 10 أمور مذهلة تحدث للجسم عند الاسترخاء

إنَّ الاسترخاء حيال الأسئلة يسمح لنا دون توقُّع بالانضمام إلى عملية أكبر منَّا، وهي عملية أكبر من أنفسنا، ولحسن الحظ، لا نضطر إلى التحكم بها عند كل منعطف، وأخيراً، الأمر لا يعود لنا وحدنا؛ إذ إنَّ العيش في حالة من التساؤلات، بصرف النظر عن عدم الراحة الذي قد تشعر به، هو العيش في الحقيقة، التي عندما نتعود عليها، فإنَّها تحتوي على السَّلامة والموثوقية.

ومع ذلك، فإنَّ الأمان الذي نشعر به حيال الحقيقة ليس لأنَّنا نملك جميع الإجابات، أو لأنَّ الحقيقة مريحة - وهي من علامات الأمان المعتادة - ولكن بالأحرى لأنَّ الحقيقة لا جدال فيها؛ فالاستسلام لعدم المعرفة يعني أن نبدأ باتِّخاذ الإجراءات وقبول أنَّنا في عملية دون نتيجة معروفة، وأنَّ العملية هي الوجهة، في الوقت الحالي.

المصدر




مقالات مرتبطة