كيف تُستخدم القصة القصيرة في التعليم؟

من مظاهر التقدم التي يعيشها عالمنا اليوم الاهتمام الكبير بالتربية والتعليم؛ إذ أصبحت المدرسة المؤسسة المجتمعية الأولى المرتبط بها تحقيق النمو السليم للفرد من جميع النواحي؛ لذا كان لزاماً عليها البحث عن أساليب تدريس تحقق من خلالها أهدافها بإتقان، ولعلَّ من أفضل أساليب التدريس التي لجأت إلى استخدامها هو أسلوب التدريس باستخدام القصة.



فيكفي أن يقول المعلم للطالب: "اليوم سوف أحكي لكم قصة" حتى يترك كل ما يشغل باله وينجذب للمعلم بكافة حواسه لسماع تلك القصة.

القصة من الأساليب الهامة التي ينجذب إليها الكبار والصغار، وتثير الدافعية للتعلم، وتكسبه الكثير من المعلومات والمعارف سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، وتعمل على توسيع مداركه وتوفر فرصة للتفاعل الصفي والتعبير الشفوي والكتابي.

إنَّها تستطيع نشر القيم والاتجاهات وأنماط السلوك المرغوبة لدى المتعلم، وبالنتيجة نصل إلى نتائج مُرضية في التربية والتعليم؛ لذا قام علماء التربية خلال العصر الحديث بالدراسات الاستقصائية لأنواع القصة من حيث شكلها والمضمون الذي تقدمه وتناسبه مع المرحلة العمرية للمتعلم ومتطلباتها؛ لكي تؤدي وظيفتها التربوية والتعليمية على الوجه الأمثل.

انطلاقاً من الحكمة الهندية التي تقول: "أخبرني حقيقة ثابتة لكي أتعلم، وأخبرني حقيقة صادقة لكي أؤمن، لكن أخبرني قصة لتعيش في قلبي مدى الحياة"، سوف نتحدث من خلال هذا المقال عن دور القصة في التعليم وكيف يجب استخدامها.

تعريف القصة:

القصة ظاهرة بشرية موغلة في التاريخ، استخدمها القدماء ومن كافة المجتمعات البدائية والمتحضرة لغرس القيم التي يريدونها في أبنائهم، فهي الوعاء المناسب الذي يمكن من خلاله تقديم الأفكار والمعارف والقيم لمختلف المتعلمين ومن كافة الأعمار ليربوا التربية الصحيحة والسليمة.

لقد برزت القصة اليوم بوصفها طريقة تربوية تعليمية ترفيهية لأسلوبها الجذاب المميز في بناء وتكوين شخصية الطالب، وتهذيب سلوكه، وتنمية اتجاهاته، ودفعه باتجاه الابتكار والإبداع والتفكير الناقد؛ وذلك عبر تعريضه لكمٍّ أكبر من الخبرات والطرائق المختلفة في التفكير وأساليب حياتية متباينة.

القصة هي عبارة عن أسلوب سرد قصصي مستمد من الخيال أو الواقع أو الأدب أو التاريخ أو الخبرة الشخصية للمعلم، وتتكون من شخصية أو مجموعة من الشخصيات التي تجمعها مجموعة من الأحداث التي ترتبط مع بعضها بعضاً، وقد تنتهي القصة بحل وقد لا تنتهي، ويُترَك للمتعلم اقتراح الحلول لها.

يقول "الحديدي": إنَّ القصة هي "سلسلة من الأحداث المترابطة التي تدور حول فكرة رئيسة، وتضم عدداً من الأزمات تنتهي بحل، علماً بأنَّ الحبكات الحديثة للقصص تحطم هذه القواعد التقليدية، فالقصة قد تبدأ من الذروة وقد لا تنتهي بحل فيما يسمى النهاية المفتوحة المتروكة لخيال القارئ، وتتناول جوانب الحياة المختلفة منها ما هو واقعي ومنها ما هو تمثيلي تستوحي جوانب العمل الأدبي ومقاوماته، من فكرة رئيسة وبناء حبكة وبيئة زمنية ومكانية وشخصيات ولغة وأسلوب، وتتميز بالقدرة على جذب الانتباه والتشويق".

أما رواية القصة فهي عملية تفاعلية بين المعلم الذي يروي قصة وجمهور المتعلمين الذين يستمعون لها، فهي عملية مشاركة واتصال تدفع إلى تنمية التصورات الذهنية والخيال عند المتعلم وعلى الراوي - أي المعلم - أن يكون على وعي بفنون القصة اللفظية والحركية والتعبيرية، ومتمكناً من أدواته لا يشعر بالقلق أو التوتر، وهذا لا يكون إلا من خلال الفهم الجيد للقصة، وقراءتها أكثر من مرة، والتدرب عليها ليكون أقدر على تكيف أحداثها وأفكارها وفقاً للموقف التعليمي.

تأتي أهمية استخدام أسلوب القصة في التعليم من أنَّ سر عشق المتعلمين سواء الأطفال منهم أم الكبار هو المتعة التي يجدونها ليس فقط بالقصة التي يستمعون لها ويكونون في حالة ترقب وتشوق لكشف مجرياتها وسلوكات شخصياتها؛ بل أيضاً في شخصية المعلم التي يقوم بقصها ويتحول بصوته وبحركاته ليقترب من المتعلمين أكثر.

شاهد بالفديو: 6 فوائد لقراءة القصص للأطفال

أنواع القصص التربوية:

من حيث الحجم:

تُصنَّف القصص التربوية من حيث الحجم إلى أنواع عدة منها:

1. الرواية:

تأخذ وقتاً طويلاً من الزمن في سردها، وتتضمن مجموعة كبيرة من الحوادث.

2. القصة:

ذات الحجم المتوسط التي تقع ما بين الرواية والقصة القصيرة.

3. القصة القصيرة:

تعالج موقفاً واحداً محدداً في زمن محدد أيضاً.

4. الأقصوصة:

هي أقصر أنواع القصص حجماً، وتتضمن شخصية واحدة.

5. الحكاية:

التي تعتمد النقل عن الآخرين أو التراث، ولا تعتمد الأسلوب الفني؛ بل يستطيع الراوي سردها وفق ما يختاره.

من حيث المضمون:

1. القصص الدينية:

هي عبارة عن قصص واقعية غير قابلة للتحريف أو الحذف والإضافة، وهي مستمدة من الكتب السماوية، ولها أهداف سامية تميز بين الخير والشر، وتُستخدم في إكساب الفرد القيم والمفاهيم الدينية الصحيحة.

2. القصص التاريخية:

تتناول سير الشخصيات والأحداث التاريخية والحروب والمعارك، وتهدف إلى تعزيز شعور المتعلم بالانتماء والولاء للوطن.

3. قصص المغامرات:

يقوم هذا النوع على العمل المستمر والنضال والصراع الشديد ومواجهة المخاطر ومفاجآت الرحلات وذكر المواقف التي تحرض المتعلم لفعل الخير، ومن ثمَّ غرس القيم النبيلة فيهم من خلالها.

4. قصص الحيوانات:

هي القصص التي تمثل فيها الحيوانات شخصيات القصة.

5. القصص الخيالية:

هي القصص التي تدور حول الإنسان أو الكائنات الخرافية أو الغريبة أو عالم السحر أو الأبطال الخارقين والقوى الاستثنائية، ويُستخدم هذا النوع استخداماً كبيراً لا سيما مع الأطفال في مراحل التعليم الأولى.

6. القصص العلمية:

التي تدور حول اختراع ما أو موضوع علمي، وتُستخدم بهدف تبسيط الحقائق، ويتفرع عن هذا النوع قصص الخيال العلمي التي تهدف إلى نقل المعلومات وإشباع خيال المتعلم بوقت واحد.

إقرأ أيضاً: طريقة استخدام سرد القصص في التدريب

عناصر القصة:

1. الحبكة:

أي الأحداث الجزئية المرتبطة مع بعضها، ومن شروط الحبكة الجيدة أن ترتبط أحداث القصة مع بعضها لتكون كلاً واحداً، وأن تكون متناسبة مع شخصيات القصة وتحمل مخططاً واضحاً لمجريات الأحداث المختارة بعناية والمقنعة للسامع والقابلة للتصديق وغير المتشابكة مع بعضها بحيث يصعب على المتعلم فهمها حتى نصل إلى عقدة القصة؛ إذ يوجد الحل مع ضرورة التأكيد على عدم الحياد عن الحدث الرئيس في القصة والاهتمام بالأحداث الجانبية فيها.

2. البيئة الزمانية والمكانية:

يجب أن تدور القصة في زمان ومكان محددين، وأن يسرد المعلم ما يدل على هذا الزمان من عادات وتقاليد موجودة، أو على المكان من وصف للأشياء الموجودة فيه.

3. الموضوع:

هو الفكرة الرئيسة التي تدور حولها القصة وما يريد الكاتب التعبير عنه، ويُفضَّل دائماً أن يكون الموضوع ذا قيمة ومفيداً ويعكس موعظة وحكمة.

4. الأسلوب السردي لأحداث القصة:

الذي يجب أن يكون بسيطاً وواضحاً وأنيقاً بمفردات منتقاة بعناية بعيدة عن الألفاظ الشاذة في اللغة حتى تتوافق مع مفردات المتعلم، مع الاحتفاظ ببعض التلميحات في أثناء السرد التي تفتح المجال أمام المتعلم لإطلاق العنان لخياله، فإذا كانت القصة بسيطة وواضحة بشكل مفرط بعثت على الملل في نفس المتعلم وتشتِّت انتباهه، ويُفضَّل استخدام الجمل الموسيقية التي تحتوي على الإيقاع اللغوي فهي جذابة جداً، وكذلك يُفضَّل استخدام الصور البيانية كالتشابيه والاستعارات لا سيما مع المتعلمين الذين يتجاوز عمرهم الـ 12.

5. الشخصيات:

يجب أن يكون التعبير عن الشخصيات قريباً للواقع قدر الإمكان، ويجب أن تتفق أفعال الشخصيات مع أحداث القصة.

كيف تستخدم أسلوب القصة في التدريس؟

ثمة مجموعة من الخطوات التي يجب أن يتبعها كل معلم يرغب في استخدام هذا الأسلوب لإغناء درسه، وتشمل هذه الخطوات ما يأتي:

  1. قيام المعلم بإعداد القصة جيداً: يجب عليه قراءة القصة أكثر من مرة لفهمها واستيعاب شخصياتها ومعرفة الهدف الذي ينبغي أن تصل إليه في النهاية.
  2. قيام المعلم بطرح الأسئلة على المتعلمين قبل البدء بسرد القصة لإثارة تشويقهم وجذب انتباههم.
  3. قيام المعلم بسرد القصة مع ما يلزمها من حركات وتعابير وجه واختلاف في حدة الصوت.
  4. قيام المعلم بمناقشة القصة وأحداثها مع المتعلمين.
  5. قيام المعلم بتكليف المتعلمين بكتابة ملخص للقصة وإبداء رأيه بالأحداث وبالنهاية، وأن يعطي حلاً أو مقترحاً لها إن كانت نهاية القصة مفتوحة.

شاهد بالفديو: 6 وسائل لتنمية حس الخيال عند الأطفال

 

فوائد استخدام أسلوب القصة في التعليم:

  1. تنمية مهارة الاستماع لدى المتعلم وزيادة ثروته اللغوية وتنمية مهارات الحديث وتشجيعه على التعبير والقول الجيد.
  2. تشجيع المتعلم على القراءة وحب المطالعة.
  3. إمداد المتعلم بالمعلومات التي تساعده على حل الكثير من المشكلات.
  4. إكساب المتعلم القيم الكريمة والسلوكات المرغوبة والمراد تحقيقها.
  5. تحسين العملية التعليمية وتقوية العلاقة بين المعلم والمتعلم وكسر جو الجمود الموجود في الفصل الدراسي ودفع المتعلم لحب المدرسة والتعلق بها.
  6. تحسين مهارات التفكير والرقي بمشاعر المتعلم وأحاسيسه وتنمية خياله وإثارته ليسافر عبر الزمن نحو الماضي أو المستقبل.
إقرأ أيضاً: 6 طرق فعّالة لتطوير مهارات التفكير عند الطلاب

في الختام:

القصة فن من الفنون التي عرفها الإنسان منذ القدم، فالتراث مليء بالقصص التي ما زالت الأجيال تتناقلها فيما بينها، والأسلوب القصصي في التدريس لم يوضع ضمن خطوات معروفة ومحددة تلزم المعلم باستخدامه؛ وإنَّما يتم استخدامه من قِبل بعض المعلمين بصورة عرضية أحياناً وبوصفه أسلوباً مكملاً للأساليب الأخرى المعتمدة أكاديمياً.

القصة تطلق العنان لخيال المتعلم ويشعر بمتعة أحداثها وبذات الوقت يستفيد منها، فالمتعلم لا سيما في الصغر هو أرض خصبة تطاوع من يقوم بزراعتها وتثمر بما نريد غرسه، كما أنَّ استخدام القصة ليس بالأسلوب الصعب ولا يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد؛ لذا فهي تُعَدُّ من أفضل أساليب التدريس التي يمكن للمعلم اللجوء إليها.

المصادر:

  • شيماء محمد حسن صلاح، أثر استخدام القصة والانشطة العلمية في التحصيل العلمي والاتجاهات لدى طالبات الصف الخامس الأساسي في مدارس محافظة جنين، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، فلسطين، 2016.
  • مترك بن مطحس بن بادي الدوسري، فاعلية الأسلوب القصصي في تدريس مقرر الحديث عن تنمية القيم الأخلاقية الفردية لدى طلاب الصف الاول متوسط بمحافظة وادي الدواسر، مجلة البحث العلمي، العدد الثامن لسنة 2017.
  • ميرفت موسى محمد الشريف، أثر استخدام القصة في تدريس الرياضيات في تحصيل طلبة الصف الخامس الأساسي واتجاهاتهم نحو الرياضيات، جامعة القدس، فلسطين،2009.



مقالات مرتبطة