كيف تريح بالك في أثناء التضخم الاقتصادي؟

2022 هو عام التضخم الاقتصادي؛ فقد بدأ هذا التضخم في عام 2021 بسبب الاضطراب الهائل الذي تسببت به جائحة كورونا في العالم وأثَّر في الجميع، فمن الصعب أن تنعم براحة البال خلال فترة التضخم الاقتصادي المرتفع، فلم نشهد هذا في العالم المتقدم منذ عقود، وهو أمر مزعج للغاية إذا كانت أسعار كل شيء ترتفع كل شهر.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن كيفية إراحة بالك في أثناء التضخم الاقتصادي.

ربَّما تسمع عن المشكلات الاقتصادية الحالية كل يوم، ممَّا يزيد الأمر سوءاً، فالأخبار تنتشر في جميع وسائل الإعلام بأنَّ التضخم الاقتصادي ما يزال في ارتفاع، وأسعار الأسهم تنخفض، والموظفون يُطرَدون من وظائفهم، وتوقفت الشركات عن توظيف أي أحد.

في الأسبوع الماضي أخبرني أحد الأصدقاء أنَّه شاهد إعلانات استثمارية منذ فترة؛ فقد تزعم الإعلانات أنَّ لديها استراتيجيات استثمار لتوليد عوائد مذهلة خلال التضخم، وفي الوقت نفسه فإنَّ أشهر صناديق التحوط مثل "تايغر غلوبال" (Tiger Global) التي يعمل لديها بعض من أذكى العقول في مجال التمويل انخفضت بنسبة 60%، فإذا كان هؤلاء الخبراء يجنون كثيراً من المال حقاً من الاستثمار لن يضيعوا وقتهم في عرض الإعلانات.

يوجد دائماً أشخاص يحاولون الاستفادة من الخوف والجشع فلا تنخدع بهم.

أهمية النظر إلى الصورة الكبيرة للأمور:

عندما حدثت الاستقالة العُظمي (Great Resignation) العام الماضي كان الناس يستقيلون بأعداد هائلة ويحصلون على وظائف ذات رواتب أفضل، أمَّا الآن فتقول وسائل الإعلام إنَّ هذه الأزمة انتهت، ويدعي الاقتصاديون أنَّ التضخم سيظل مرتفعاً لفترة من الوقت، فعندما نواجه مشكلات اقتصادية أو أي مشكلة توجد طريقتان لرؤية الأمور:

1. من منظور ضيق:

النظر إلى التضخم، وأسعار الفائدة، والديون، وإنفاق المستهلكين، والبطالة، وما إلى ذلك.

2. منظور واسع:

النظر في الاتجاهات بعيدة الأمد، والأحداث التي كرَّرها التاريخ.

يمكن أن يصبح منظورك ضيقاً خلال فترات التوتر الشديد؛ لذلك أقترحُ دائماً الرجوع خطوةً إلى الوراء؛ من أجل رؤية أوسع، فما حدث في الماضي يمكن أن يعلمنا ما يحدث الآن؛ فقد كانت ثمة فترات من النمو المرتفع والنمو المنخفض، مثل كيف انتقل العالم من فترة العشرينيات الهادرة إلى فترة الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن الماضي.

يقول الفيلسوف "مارك توين" (Mark Twain): "التاريخ لا يعيد نفسه؛ لكنَّه يتشابه"، وتحدَّث "هوارد ماركس" (Howard Marks) المستثمر الكبير عن هذا المفهوم في كتابه "إتقان دورة السوق" (Mastering The Market Cycle) وهو أفضل كتاب قرأته عن كيفية عمل سوق الأسهم على مدى فترات أطول؛ إذ يتحدث ماركس عن كيفية نمو الاقتصاد​ بوتيرة ثابتة.

فعلى سبيل المثال عندما يتعزز الاقتصاد - كما هو الحال في عام 2020 - يتحمس الناس أكثر ويتخذون المزيد من المخاطر ويبدؤون في استهلاك المزيد، وغالباً ما تسبب هذه الفترة من النمو المرتفع التضخم الاقتصادي، ومن ثمَّ تتباطأ الأمور مرة أخرى لاحقاً.

دائماً ما يكون الاقتصاد ليس له وضع مستقر، فاقتصادنا وأسواقنا المالية في أقصى الحدود دائماً، وحالات الركود والتباطؤ أمر طبيعي على الرَّغم ممَّا تراه في وسائل الإعلام أو الإعلانات المالية المشبوهة.

فما عليك سوى إلقاء نظرة إلى مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" (Standard & Poor's 500)؛ فمنذ بدايته عام 1957 واجهتنا حالاتٌ عديدة من الركود والحروب، وما زال يحقق متوسط ​​نمو سنوي بنسبة 10%، لكن كانت هناك أيضاً سنوات من الانخفاضات بنسبة 30% تقريباً، وأيضاً ارتفاعات بنسبة 30%، فعندما تستثمر على الأمد الطويل فإنَّ هذه التقلبات لا تؤذيك، وتصبح الأمور إشكالية فقط عندما تتخذ قرارات استثمارية سيئة خلال فترات النمو المرتفع، فمثلا:

  1. أن تكون اشتريت منازل دون دخل في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
  2. أن تكون اشتريت الأسهم والعملات المشفرة بأموال اقترضتها خلال العام الماضي.

هذا ما عليك تجنبه، فعندما تسير الأمور على ما يرام والاقتصاد مزدهر حاول ألَّا تخاطر كثيراً، وتجنَّب شراء أشياء لا تفهمها، وافعل ذلك وستكون في الغالب محمياً من الآثار السيئة للنمو الاقتصادي المنخفض.

شاهد: 10 طرق لتخفيض نفقات شركتك في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية

ركز على المعرفة واليقظة الذهنية:

يتأثر الاقتصاد بعوامل مختلفة وهذه العوامل في الغالب خارج سيطرتنا؛ لذلك يمكننا فقط النظر إلى أنفسنا والأشياء التي يمكننا التحكم بها، ولا يجب أن نتأثر بالأحاسيس المندفعة، فعندما تتعرف إلى الأنماط التي تحدَّثنا عنها أعلاه ستعرف أنَّ التوجهات الاقتصادية الحالية طبيعية؛ بل متوقعة، وهنا يأتي دور المعرفة واليقظة.

المعرفة:

لستَ بحاجة إلى شهادة دكتوراه لفهم أساسيات التمويل؛ بل ببساطة ركز على الأشياء العملية، فما عليك سوى معرفة المزيد عن كيفية عمل الاقتصاد والأسهم، وعندما تكون لديك معرفة أفضل بتاريخ التمويل ستشعر براحة أكبر؛ فليست أي من التحديات التي نواجهها جديدة.

لنأخذ كسب المال - على سبيل المثال - يحبُّ معظم الناس الاستثمارات غير المنطقية، وهذه هي الطريقة التي يخسر بها الناس المال في التداول اليومي؛ لذا بدلاً من ذلك افهم ما ستستثمر فيه أولاً، وأسهل طريقة للقيام بذلك هي قراءة الكتب المتعلقة بالتمويل الشخصي وبناء الثروات التي صمدت عبر الزمن؛ فإنَّ فهم أساسيات كيفية عمل الاستثمار هو حقاً مفتاح بناء ثروة مستدامة.

اليقظة الذهنية:

لكن المعرفة المتعلقة بالتمويل وحده لن تمنحك راحة البال الكاملة؛ بل عليك ممارسة شكل من أشكال اليقظة الذهنية؛ لفصل نفسك عن ضغوطات المال، فغالباً ما نضيع كثيراً من التفكير والقلق بشأن المستقبل في أوقات الضغوطات المالية، فترانا نفكر:

  1. "ماذا لو استمرت الأسعار في الارتفاع؟".
  2. "ماذا لو انهار سوق الأسهم ولم يتحسن أبداً؟".
  3. "ماذا لو نفد مني المال؟".

أول سؤالين ليسا منطقيين؛ ففي العالم المتقدم ينحسر التضخم دائماً من تلقاء نفسه، وسوق الأسهم ما يزال موجوداً، أمَّا عن السؤال الأخير، فهو يتحقق إذا أنفقت أكثر ممَّا تكسب؛ ممَّا سيؤدي إلى نفاد أموالك؛ لذا فإنَّ الهدف من اليقظة هو تجاهل المخاوف المالية وفصل الأفكار غير المفيدة عن الأفكار المفيدة.

فإذا كنت تفكر أنَّ عليك أن تنفق أقل فأمورك بخير، لكن إذا كنت تفكر أنَّ العالم سينتهي، فأنت تبالغ؛ قد تساعدك ممارسة اليقظة على فصل الأفكار المفيدة عن الأفكار الخاطئة.

إقرأ أيضاً: التضخم المالي: مفهومه، وأنواعه، وطرق مكافحته

في الختام:

أنشأنا أنا وأبي الشركة التكنولوجية الخاصة بنا خلال الأزمة المالية عام 2008 وقد استمرت وقتاً أطول في أوروبا (Europe) مقارنة بالولايات المتحدة (United States)، وربَّما كان الاقتصاد سيئاً؛ لكنَّ الناس استمروا في التقدم.

إقرأ أيضاً: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد (اقتصاد الفرد) وطرق مواجهتها

بالتأكيد أصبحت الشركات والأفراد ينفقون أقل، وكان العمل شاقاً وتأثرت الشركات وتراجعت المخزونات، لكنَّ شركتنا ما تزال تعمل، ربَّما لم ننمُ بسرعة مثل الآخرين، لكن ليس لدينا كثير من الديون، وهذا يجعل إدارة العمل أكثر سلاسة؛ فعندما ينهار الاقتصاد من السهل أن تدع عواطفك تسيطر على تفكيرك؛ فالحياة صعبة ومعقدة، لكن علينا أيضاً أن نكون صادقين، فمشكلاتنا الحالية ليست سيئة مثل ما مر به الناس في الماضي، والحياة ليست سهلة ولن تكون سهلة، والشيء الهام هو الاعتراف بذلك والاستمرار في المضي قدماً.




مقالات مرتبطة