كيف تخلق بيئة عمل مثالية؟

بعد أن تغيَّرَت الأدوات وطبيعة العلاقات، وظهرَت حلول بديلة ومفاهيم جديدة في عالم العمل بعد انتشار فيروس كورونا، أصبح من الصعب على المنظمات فتح مكاتبها مرة أخرى لتعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل الجائحة. تحتاج المنظمات إلى التفكير في كيفية جعل مكاتب العمل الجديدة جذابةً وممتعة كي يرغب الموظفون في العودة إليها؛ حيث يكمن السر لتحقيق ذلك في التجربة.



تماماً مثلما تكون تجربة الزبائن الجيدة في المتاجر أمراً أساسياً لجذب العملاء وإشراكهم والحفاظ عليهم، فإنَّ تجربة الموظف الإيجابية في المكتب ستكون مفتاحاً للترحيب بالعاملين في المكاتب بعد الجائحة وتشجيعهم على العودة.

إذاً كيف سيكون الحال عندما يحين وقت الترحيب بعودة فريقك إلى المكتب؟ لقد حان الوقت لتغيير الفكرة التي عهدناها عن مكان العمل.

العمل في المكاتب بين الماضي والحاضر:

لم تتطور مخططات ومعدات المكاتب مع التكنولوجيا الجديدة فحسب، ولكن مع احتياجات العمل أيضاً؛ إذ شهد أوائل القرن العشرين تطوُّر المكاتب المفتوحة لزيادة التعاون، ومع ذلك فإنَّ تصميمها المتمثل بصفوف من المكاتب كان لا يزال شبيهاً بتصاميم المكاتب في المصانع.

وفي منتصف القرن العشرين، ظهر نظام المكاتب المتموضعة على شكل مجموعة من أجل تعزيز مشاركة الفرد في الفريق، وأُنشِئَت "مكاتب الإجراءات" التي طُوِّرَت في الستينيات، وقد صُمِّمَت فيها مكاتب المديرين وغرف الاجتماعات حول مساحة المكاتب الرئيسة.

ظهرَت المقصورات في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي؛ مما أضاف الخصوصية إلى مجموعات المكاتب، ولكن بمجرد أن تطوَّرَت تكنولوجيا الهاتف المحمول، ولم يَعُد العمال بحاجة إلى أن يكونوا مُحاصَرين بمنطقة مكتبية ضيقة، وأصبح في إمكانهم اختيار البيئة التي يعملون فيها، وبدأ العمل عن بُعْد في الازدياد، وأصبحَت السلامة والصحة في العمل المكتبي جزءاً من مبادرات العمل أيضاً، مع أخذِ التصميم المريح والمباني الصديقة للبيئة بالحسبان، وبدأَت المكاتب أيضاً بتوفير وسائل الراحة الأخرى مثل المقاهي وصالات الألعاب الرياضية ومساحات التأمل وغير ذلك؛ مما يوفر للموظفين تجربة عمل أكثر شمولاً.

لكن أجبرَ الإغلاق بسبب الجائحة المكاتب على تغيير عملياتها التجارية بين عشية وضحاها، وأثَّرَت في تجربة العمل عن بُعْد تأثيراً كاملاً، وستعود معظم المؤسسات إلى العمل في المكاتب بنسبة معيَّنة؛ حيث يرى 87% من الموظفين أنَّ المكتب ذو قيمة لإنشاء علاقاتٍ مع أعضاء الفريق الآخرين والتعاون معهم، فما سنراه في المستقبل هو على الأرجح مزيج من العمل في المكاتب والعمل عن بُعْد، أو ترتيبات عمل مرنة، وفي نهاية المطاف، ستفوِّت المؤسسات فرصةً هائلة إذا لم تتعلم من تجربة العام الماضي وتبحث عن طرائق لإنشاء تجارب هادفة للموظفين داخل المكاتب من أجل التقدم؛ وتعني "تجارب الموظفين" إنشاء بيئةٍ في المكاتب تُشعِر الموظفين بالحماسة والدعم والأمان للقيام بعملهم.

إقرأ أيضاً: كيف تدمر المكاتب المفتوحة إنتاجيتنا؟

1. الحماسة:

كيف تعزز حماسة الموظفين الذين عملوا من المنزل لمدة عام - واستمتعوا بالتجربة - للعودة إلى مكان عملهم؟ يكمن الجواب في التركيز على المشاركة؛ حيث يجد الموظفون قيمةً في العودة إلى المكاتب من خلال الشعور بأنَّهم جزء من رسالة الشركة، والقدرة على العمل في مشاريع جديدة ومثيرة للاهتمام ورؤية زملائهم في العمل مرةً أخرى، كما تشير تقارير شركة "كوالتركس" (Qualtrics) إلى أنَّ الشعور بالانتماء هو الحافز الأكبر للمشاركة، وهو أكثر أهميةً حتى من القيادة الجديرة بالثقة والنمو الوظيفي، فشعور الموظفين بالحماسة للعودة إلى المكتب يعني أيضاً الشعور بأنَّ احتياجاتهم هامة، وأنَّ منظمتهم تهتم بهم، كالسماح للعمال بالحصول على جدول عمل مرن، ولن يضرَّ الحصول على القليل من المرح وإضافة بعض الألعاب لأهداف تتعلق بالإنتاجية.

2. الدعم:

مع احتمال تحوُّل العديد من أماكن العمل إلى بيئات هجينة، سيعمل بعض الموظفين في المكتب وسيعمل بعضهم عن بُعْد، أو سيتناوب الموظفون على العمل داخل المكتب أو خارجه، ولهذا السبب، ستكون مواكبة تطوُّرات العمل والحفاظ على الإنتاجية عالية من أكبر المشكلات التي يجب حلها.

بالإضافة إلى ذلك، يتوقع 85% من الموظفين أنَّ مكان عملهم سيوفر لهم الأدوات المناسبة لمواكبة تطورات العمل، ويمكن القيام بذلك من خلال الاستثمار في التكنولوجيا لضمان استمرار المواكبة والتعاون، مثل استخدام خدمات مؤتمرات الفيديو أو منصات الدردشة الجماعية أو حتى إنشاء مركز رقمي خاص بالشركة؛ حيث يمكن للفِرق التعاون ومشاركة الملفات والدردشة والبقاء على اطلاع دائم بمشاريعهم.

3. الأمان:

يحتاج الموظفون إلى أن يعرفوا أنَّهم عائدون إلى بيئة عمل آمنة تضع صحتهم وسلامتهم في المقام الأول، فيمكن أن يشمل ذلك إجراء فحوصات سلامة دون استخدام اليدين عند دخولهم إلى مبنى العمل، وتسجيل الدخول وإنشاء أزرار غير قابلة للمس، ولوحات رقمية لإبقاء الجميع على اطلاع دائم بمبادرات السلامة، كما تشير شركة "سي بي إنسايتس" (CB Insights) إلى أنَّ تطبيق هذه التعديلات يمكن أن يكون بمنزلة بيانٍ يوضح بأنَّ رب العمل يأخذ السلامة على محمل الجد، ومن خلال تطبيق هذه الأنظمة، يمكن لرواد الأعمال خلق تجربة أكثر إيجابيةً وتقليل القلق.

بالإضافة إلى ذلك، حتى إن كان مكان عملك حريصاً على تطبيق الإجراءات الصحية في الماضي، فقد حان الوقت الآن لزيادة هذا التركيز، فلا يرغب الموظفون في معرفة أنَّ مؤسستهم تهتم بصحتهم فحسب؛ بل يحاول الكثيرون التعامل مع عام صعب مليء بالخسارات وعدم اليقين أيضاً.

إقرأ أيضاً: كيف ستبدو مكاتب العمل بعد انتهاء جائحة كوفيد-19؟

4. الاستعداد للمستقبل:

سيكون العامل الرئيس للاستعداد للمستقبل هو التأكد من أنَّ موظفيك متحمسون ويكسبون الدعم ويشعرون بالأمان للعودة إلى العمل، وحان الوقت الآن لإعادة النظر في أسلوب العمل في المكاتب عموماً، والبدء بالتركيز على كيفية إنشاء تجربة رائعة للموظفين فيها.

المصدر




مقالات مرتبطة