كيف تحول الاستدامة إلى علامة تجارية وقوة اقتصادية؟

في السباق من أجل الاستدامة، تعمد العديد من العلامات التجارية إلى إضعاف هويتها والاعتماد على استراتيجيات غير متمايزة لضمان الكفاءة البيئية والامتثال الاجتماعي لسلاسل التوريد الخاصة بها، ومن ثم فإنَّ التحدي يكمن في متابعة العلامة التجارية لجودة استثمارات الاستدامة، وفي قدرتها على إيصال الأسباب الكامنة وراء جهودها المبذولة لتحقيق ذلك.



في عالم ما بعد الجائحة، قررت معظم العلامات التجارية الفاخرة تضمين شيء من الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية في رسالتها، ولكن لا يزال يصعب على العديد منها توضيح ما وراء هذه الرسالة للمستهلكين؛ وذلك لأنَّ الرفاهية - مع ما توحي به من استهلاك غير ضروري - تخشى أن يؤدي الحديث عن القضايا الأوسع عبر سلسلة التوريد إلى جذب اتهامات بـ "ظاهرة الغسل الأخضر"، أو تقديم معلومات مضللة حول استدامتها.

ولا بُدَّ أن نأتي على ذكر موضوع العلامة التجارية في هذا السياق، فبحسب نتيجة إجمالي التصورات والعقليات، تَظهر قيمة العلامة التجارية عادةً على شكل معايير قابلة للقياس الكمي، مثل حجم المبيعات وحقوق الملكية وحجم الجمهور وإمكانات السوق، وتشير كل هذه العناصر إلى الاستهلاك، ومن ثم إلى أداء الاستدامة للعلامة التجارية.

لم تَعُد الدوافع الأخلاقية للاستثمار في الاستدامة محل نقاش؛ وذلك لأنَّ العلامات التجارية تطبقها، إما لأنَّها تهتم حقاً كوسيلة للتوافق مع توقعات أصحاب المصلحة، أو الامتثال للوائح أو مزيج من الجميع، ومع ذلك، فإنَّ هذه الاستثمارات غالباً ما تكون متدنِّية الجودة؛ وذلك لأنَّ جودة هذه الاستثمارات تعتمد على القيمة الاقتصادية لاستراتيجية الاستدامة جيدة التنفيذ.

وفي الوقت ذاته، فإنَّ الطلب من المستهلكين الأصغر سناً والأكثر ثراءً والواعين بيئياً واجتماعياً يُهيِّئ الظروف اللازمة للتطوُّر الضروري في إدارة الاستدامة؛ وذلك من عوامل التميز على المستوى السطحي إلى الميزة التنافسية الشاملة.

وفي هذا السياق، يصبح الاستثمار في الاستدامة عالية الجودة كأولوية رئيسة في إضفاء قيمةٍ اقتصاديةٍ للعلامات التجارية الحديثة.

في حين أنَّ ما سنأتي على ذكره لن يشكل مصدراً شاملاً لكيفية تحقيق العلامات التجارية للاستدامة، لكنَّه يدعم التفكير فيما يشكل استثمارات فعالة في استدامة العلامة التجارية، وإليك المبادئ التالية لذلك:

1. يمكن أن يساعد اتخاذ موقف على توسيع نطاق السوق المستهدف:

الحفاظ على موقف محايد في مواجهة الأحداث الإنسانية هو طريقةٌ مضمونةٌ للبقاء، وتغيُّر المناخ إلى العدالة الاجتماعية، ويمكن أن يؤدي اتخاذ موقف ما إلى دفع العلامة التجارية إلى مجال الثقافة وزيادة فُرصها في أن تكون جزءاً من مجموعة الإجراءات الأوَّلية للمستهلكين.

فمن خلال اتخاذ موقف يُظهر قيم علامتها التجارية، يمكن للشركات الوصول إلى المستهلكين الذين لا يفكرون عادةً في منتجاتها، وعلاوة على ذلك تُعَدُّ زيادة القيمة المتصورة للمنتجات شرطاً أساسياً لتوسيع حجم السوق المستهدف لأيَّة علامة تجارية.

ويمكن تحقيق هذه الزيادة من خلال إضافة بُعد عاطفي وبعد رمزي للعلامة التجارية، على سبيل المثال: لا يشتري المستهلكون الذين تهمهم البيئة والمجتمع المنتجات؛ بل يشترون القصص الاجتماعية والعاطفية والوظيفية وراء المنتجات.

على كل حال، بمجرد أن يتبنى المستهلكون مجموعة من القيم وأساليب الحياة، فمن غير المرجَّح أن يفكروا في المنتج على أنَّه سلعة قابلة للتبادل، وسيكونون أكثر عرضة للولاء لتلك العلامة التجارية.

إقرأ أيضاً: أهمية قيمة العلامة التجارية

2. التفكير المستقبلي هو بحد ذاته ميزة تنافسية:

إذا فشلَت فوائد مبادرة استدامة معينة في تبرير الاستثمار على أسس اقتصادية، فإنَّ العلامات التجارية تلجأ عادةً إلى المبادرات التي تأتي بنتائج قصيرة الأمد، على سبيل المثال: قد تختار العلامة التجارية إعطاء الأولوية للأعمال الخيرية لمشروع الحفاظ على الغابات، بدلاً من تحسين خطوط الإنتاج لتحقيق الكفاءة البيئية.

ولكن في إدارة الاستدامة، يُعَدُّ التفكير المستقبلي ميزة تنافسية بحد ذاتها، وفي كثير من الأحيان، يكون فعالاً من حيث التكلفة، على سبيل المثال: بالإضافة إلى تقليل المخلفات الكربونية لعمليات العلامة التجارية، سيؤدي تحسين خطوط الإنتاج في النهاية إلى توفير التكاليف من خلال تقليل استهلاك الطاقة.

3. تساعد الاستدامة على التقليل من حجم المخاطرة:

من وجهة نظر الاستدامة، تقلل العلامات التجارية المخاطر من خلال التركيز على تطوير ما يسمى ولاء العميل؛ وذلك من خلال الاستفادة من الاستماع الاجتماعي لفهم الأهمية الملموسة للاستدامة وتأثيرها في قيمة العلامة التجارية؛ حيث يمكن للشركة زيادة معدل نجاح إطلاق منتجاتها وخدماتها الجديدة، بما يتوافق مع الأولويات الاجتماعية والبيئية لعملائها، فالمزيج من التحليل الكمي والنوعي سيساعد العلامات التجارية على تقدير حجم التأثير الذي تخلِّفه مبادرات الاستدامة في معنويات المستهلكين.

إقرأ أيضاً: نموذج سمعة العلامة التجارية لـ "كيلر": بناء علامة تجارية قوية

4. في طريقك إلى الاستدامة يجب أن تكون سباقاً كي تفوز:

تضفي الاستدامة جوهر العلامة التجارية على كل مرحلة من مراحل سلسلة التوريد، ومن الضروري التأكُّد من أنَّ الاستثمارات في الاستدامة تقدِّم نتائج ذات صلة وقابلة للقياس لاستراتيجية العلامة التجارية والشركة، ومن خلال نهجٍ قائمٍ على البيانات، من الممكن تعيين ميزانية ونشاطات الاستدامة المرغوبة للعلامة التجارية عبر سلسلة التوريد بأكملها.

ركَّزت العلامات التجارية بشكل استباقي على مبادرات الاستدامة القادرة على إحداث أكبر التأثيرات الاجتماعية والبيئية، وعلى أعظم نمو للأعمال على الأمد الطويل وقيمة العلامة التجارية التي ستربح في السوق.

إنَّ النهج غير المدروس للاستدامة يُعرِّض هوية العلامة التجارية إلى الخطر، ونادراً ما يؤدي إلى تحسينات ذات مغزى في سلسلة التوريد، وفي محاولة لمتابعة معايير أعلى، تقترب العديد من العلامات التجارية من الاستدامة بطرائق غير متمايزة، وتقوم بتعيين أدوار نشيطة على الرغم من نماذج أعمالهم، وتضاعف الاستثمارات مع عائدات اجتماعية قليلة أو شبه معدومة.

لاغتنام الفرص التجارية للاستدامة، والمُتاحة بشكل فريد في سوق المنتجات الفاخرة، يجب أن تسعى العلامات التجارية إلى التوفيق بين هوية العلامة التجارية والتأثير المحتمل وأولويات النمو، ومن ثم المبادرة بشكل استباقي وتطبيق جهود الاستدامة بطريقةٍ مميزةٍ.

المصدر




مقالات مرتبطة