كيف تجعل الوقت يمضي بسرعة عندما تمر بأوقات عصيبة؟

وإذ كنتَ تقف بباب الغرفة، تتصاعد نبضات قلبك برؤيتك لجمعٍ غفيرٍ من الناس يهرعون بالدخول، مع أنَّك كنت تتجهَّز لهذا الحدث منذ الخامسة صباحاً، وتحضِّر له منذ أسابيع خلت، وعرضك التقديمي جيد، وكذلك خطابك؛ لكن عندما دقَّت الساعة معلنةً التاسعة والنصف، بدأتَ نهارك بكلمة صباح الخير المعتادة؛ لتتبخَّر كلُّ الأفكار من رأسك، ويُمسي عقلك أشبه بصفحةٍ بيضاء. وعلى حين غرة، غطَّ الوقت في سكون، وثقُلَت حركة كلِّ شيءٍ من حولك، فاعتراك الخجل والغضب.



يعدُّ الجمود لبرهةٍ قصيرةٍ بالنسبة إلى أيِّ شخصٍ سبق وقدَّم عرضاً تقديمياً أمام حشدٍ من الناس، خطأً لابدَّ منه؛ وعندما يحدث ذلك، يشعر وكأنَّ الوقت لا يمر، ولا حيلة له من أمره شيئاً، لتتلخَّص كلُّ أمانيه في أن تتسارع عقارب الساعة، فيمضي هذا الكابوس المريع.

يبقى الوقت على حاله في الواقع، فلا يزداد ولا يتباطئ؛ ولكنَّ التغيير يطرأ على إحساسك به فحسب. ما يحدث معك أمرٌ جيد؛ فعندما تنشغل في مواجهة ما تتعرَّض إليه يكون إدراكك للموقف في أعلى حالاته، إذ يعي عقلك حينئذٍ أنَّك في وضعٍ قلقٍ وحرج، فيتصدَّى إليه بأفضل الطرائق.

إنَّ تخيُّلك تباطؤ الوقت ما هو إلَّا وهمٌ ونسجٌ من الخيال، والفكرة أنَّ عقلك يُنشِئ ويستحضر الذكريات المرتبطة بما تعيشه في هذه الأثناء، لكي يبحث عن مخرجٍ من المأزق، وعن ذلك المفترس -الافتراضي طبعاً- الذي وقعت في شباكه؛ وتحدث كلُّ تلك العمليات بلمح البصر، وأسرع بكثيرٍ من المعتاد. إنَّها ردَّة فعلٍ طبيعية للعقل، وذات نفعٍ في كثيرٍ من الأحيان، فهي تساعدك في حماية نفسك.

على أيِّ حال، إنَّه لمن الصعب أن تتعرَّض إلى تلك المواقف وتشعر أنَّك فقدت السيطرة والتحكُّم بما يجري حولك، ناهيك عن وعيك التام لهذا القلق كلِّه. إذاً، ما الذي يمكن فعله للدفع بعجلة الوقت في مخيِّلتك؟

1. جهِّز خطَّة احتياطية:

إن عدت بذهنك إلى أول المقال هذا، والأفكار التي وردت، والتي منها أنَّ عقلك يتوقَّف عن العمل لبرهةٍ من الزمن، وتتبخَّر كلماتك المنمقة والمختارة بعناية: فما أنت بفاعل؟

ينتابُ الذعر معظم الناس، بغضِّ النظر إن كانوا على أهبة الاستعداد والتمكُّن من الإلقاء؛ إذ لا يكونون في الغالب قد تجهَّزوا للمفاجآت والعثرات التي قد تعترضهم.

قد يحدث الارتباك والجمود على منصة العرض مع المقدِّمين المحنَّكين كذلك، لكن إن حرصت على أن تضع بين يديك مجموعة أوراق، فهذا من شأنه أن يحيي نشاط عقلك فيعيدك إلى المسار الصحيح، ويبقيك في مأمنٍ من مخاوفك المتوقَّعة حيال العثرات.

كان ستيف جوبز مقدِّماً متمرِّساً، بل ومن أفضل المقدِّمين على الإطلاق. ولكن، رغم أنَّ تحضيراته كانت على قدرٍ عالٍ من الدقة، حيث كان يستغرق الأمر معه ما يقارب 6 أشهر لإعداد عرضٍ رئيس؛ لم يحالفه الحظُّ في تفادي بعض الهفوات هنا وهناك؛ فقد كانت شبكة الإنترنت لديه في المقطع الشهير الذي ظهر فيه في 2010 غايةً في البطىء؛ وبينما تشاهد ذلك، يتبادر إلى ذهنك أنَّ الحال هذا دائم، لكنَّه في الواقع لم يستمرَّ لأكثر من دقيقتين ونصف. تشكِّل تلك الدقائق بالنسبة إلى عرضٍ مدَّته ساعتان 2%، أي أنَّه ليس بكثير؛ لكن بالنظر إلى جوبز والجمهور، فقد كان الأمر أكثر سوءاً.

لحسن الحظ، تغلَّب جوبز على التوتُّر كلِّه والشعور الذي انتابه بتباطؤ الوقت، معتمداً في ذلك على حسِّه الفكاهي والدعابات، وانتقل إلى القسم الثاني من العرض الرئيس بكلِّ هدوء؛ فلقد كان لديه خطَّةٌ احتياطيةٌ جاهزة.

احرص على وضع خطةٍ بديلةٍ للتغلُّب على المواقف دوماً، وكن مستعداً للأسوأ، ولاستخدامها على الفور في حال حدوث أيِّ إشكال.

إقرأ أيضاً: 18 نصيحة من ستيف جوبز لتحقيق النجاح

2. صُبَّ كلَّ تركيزك على ما هو تحت سيطرتك:

إنَّك تتحكَّم بثلاثة أشياء لا أكثر، ومنها: أفكارك ومشاعرك وأفعالك، ولا يمكنك السيطرة على الأحداث برمتها؛ كحُكمِ الآخرين عليك، أو شعور أحدهم بالغضب على إثر ما تقدِّمه وتقوله.

لعلَّ أسوأ الأيام هي تلك التي لا حيلة لنا بتغيير مجرى أحداثها مطلقاً؛ كأن يتركك أحد العملاء ويعمل مع خصومك، حيث لا يمكنك منع وقوع هذا التصرُّف، فهو قرارٌ اتخذه هذا العميل معتمداً بذلك كلَّ الاعتماد على الظروف والجوِّ المحيط وإحساسه به؛ لكن ما يمكنك فعله هو السيطرة على مشاعرك حيال الشخص وتصرفاته. إذاً، فالخيار لك بأن تغضب، أو أن تلقي اللوم على أحدٍ ما، أو أن تعذره. وفي النهاية، هذا كلُّه هباء لا جدوى منه، ولن يغيِّر من الأمر شيئاً، فأنتَ لم تعد تقدِّم خدماتٍ للعميل.

ذكِّر نفسك دوماً في مثل هذه الحالات بما يمكنك التحكُّم به: هل هناك أيُّ خطواتٍ إيجابيةٍ تساعدك في حلِّ المشكلة؟ وهل تفسح المجال لمشاعرك في التأثير في مزاجك؟ وكيف تجد طريقة تفكيرك وتعاملك مع الموقف، أهي إيجابيةٌ أم سلبية؟

القرار ملكك في كلِّ تلك السيناريوهات؛ فأنت تستطيع أن تغيِّر نمط تفكيرك ومشاعرك، وحتَّى ردَّة فعلك تجاه الحدث.

إن خسرت عميلاً ولم يكن لديك حيلةٌ من أمرك، فاستفد من تلك التجربة، واجعلها درساً لك وفرصةً لتحليل المجريات والتمعُّن بالتفاصيل والأخطاء، وإدخال بعض التغييرات على أسلوبك في العمل وتطويره؛ بغية تفادي الحالات عينها مع عملائك في المستقبل.

إن جلست ترثي خسارتك، فسيطول أمدُ معاناتك، ويُقتَل وقتك، كما وستكون قد زرعت الخوف في نفسك. وعلى غرار التعلُّم من الأخطاء، سيعيدك هذا إلى المسار القويم، ويعينك على إثراء وقتك بما يسرُّك ويرضيك.

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم تساعدك على تجاوز الأوقات الصعبة

3. كن أهلاً لتحمُّل المسؤولية:

يساعدك تحمُّلك كلَّ المسؤوليات التي تقع على عاتقك في حياتك في التصدي لجميع الشدائد والمصاعب التي قد تواجهك، فلا يد لك -مثلاً- في الوباء الهائل الذي انتشر في العالم كلِّه؛ لكن ما أنت مسؤولٌ عنه هو تعاملك مع هذا الظرف والوضع الجديد.

وفي حين أنَّ التزامك بالحجر الصحي ومكوثك في منزلك أمرٌ ليس لك الخيار فيه، فكيفية قضائك وقتك وتسيير وتنظيم عملك وحفاظك على صحتك خاضعةٌ كلُّها لإرادتك.

لربَّما قد ألزمتك دولتك بالبقاء في المنزل؛ لكن يعدُّ ما يمكنك فعله خلال هذا الوقت مسؤوليتك.

لديك الخيار في هذه الأثناء في أن تمضي وقتك على نحوٍ إيجابي، أو تتراجع عن تحمُّل مسؤولياتك وترهف السمع إلى كلِّ الأخبار اليومية المحبِطة والسلبية.

عندما تكون أهلاً لتحمُّل المسؤولية، تعود زمام الأمور إلى قبضة يدك.

لعلَّ أكثر ما يبثُّ في نفسك اليأس ويمنعك من التقدُّم: كثرة الشكوى والتذمر، وذلك في الوقت الذي يمدك فيه حسن التصرف والتعامل مع الحياة بوافر الخيارات والفرص.

الخيارات كثيرةٌ أمامك خلال هذا الوقت، حيث يمكنك أخذ الدروس والدورات التي كنت تريد الالتحاق بها على الإنترنت، أو رسم لوحةٍ ما كنت تحلم بإنجازها منذ سنين، أو ترتيب المرآب، أو القيام ببعض التنظيف المنزلي. فهناك عددٌ لا يُحصَى من النشاطات التي لطالما رغبت في ممارستها قبل هذا الوباء لو أنَّ كنت تملك متسعاً من الوقت، إذ لديك الآن الوقت كلُّه.

أن تشغل نفسك بتلك المهام كفيلٌ بأن يحوِّل وقتك السيء إلى فرصةٍ وحياة مثمرة، فلا تشعر بأنَّ الوقت عبءٌ عليك؛ بل على العكس، ستشعر وكأنَّه هبةٌ من السماء.

الخلاصة:

لا مفرَّ من الأمور الحتمية في الحياة والوقت السيء أحدها؛ وبالرغم من ذلك، قد تجعل معاينة الأوضاع العصيبة تلك والتذمر ومعاودة التجربة مراراً وتكراراً، الوقت يمرُّ ببطءٍ ملحوظٍ ليس إلَّا.

سيأخذ بيدك قبول الحال والحتميات، والتغلُّب عليها بعقلية أنَّ "هذه هي الحياة"، والتطلُّع إلى كلِّ ما هو إيجابي - بعيداً عن هذا الوقت العصيب، إلى البيئة الخصبة التي تجعلك تزهر وتكافح وتنضج؛ وبذلك تمرُّ الصعاب كلُّها بطرفة عين.

 

المصدر




مقالات مرتبطة