كيف تجعل القيودُ أداءكَ أفضل؟

أنشأ مدرس من الأورغواي يبلغ من العمر 23 عاماً، ويُدعَى "خوان كارلوس سيرياني" (Juan Carlos Ceriani) رياضةً جديدةً في عام 1930؛ حيث أراد تصميم لعبة تشبه كرة القدم كي يتمكَّن تلاميذه من لعبها في الداخل طوال العام، وعُرِفت لعبته الجديدة باسم "كرة الصالات".



تشبه كرةُ الصالاتِ (Futsal) كرةَ القدمِ إلى حدٍّ بعيد، ولكن يوجد بعض الاختلافات الهامة فيما بينهما؛ فهي:

  • أولاً: تُلعَب في مساحةٍ أصغر بكثير، حيث صمم سيرياني اللعبة بحيث يمكن لعبها على ملاعب كرة السلة المغلقة.
  • ثانياً: الكرة أصغر وأقل ارتداداً من كرة القدم العادية.
  • ثالثاً: هناك خمسة لاعبين فقط لكلِّ فريق بدلاً من أحد عشر لاعباً في مباراة كرة القدم العادية.

يتطلب هذا المزيج من العوامل بيئة لعبٍ أكثر تشدداً وكرةً أقلَّ ارتداداً، ويتطلب من اللاعبين تطوير مهارات كروية أكثر إبداعاً؛ ذلك لأنَّهم يلعبونها في مكانٍ مزدحم، إضافة إلى وجود عددٍ أقلَّ من اللاعبين، ممَّا يجعلهم منخرطين في اللعبة أكثر بكثير ممَّا يفعلون في مباراة كرة القدم الاعتيادية.

في الواقع، ووفقاً لبحثٍ نقله "دانيال كويل" (Daniel Coyle) في كتابه الصوتي "شيفرة الموهبة" (The Talent Code): "يلمس لاعبو كرة الصالات الكرة أكثر ممَّا يفعل لاعبو كرة القدم بنسبة 600% خلال أيّ مبارة اعتيادية".

انتقلت كرة الصالات في الفترة ما بين 1930 و1940 من الأوروغواي إلى البرازيل، فوقع البرازيليون في حبّ هذه اللعبة الجديدة، ولا تزال نسبة الأشخاص الذين يلعبون كرة الصالات أكثر من الذين يلعبون كرة القدم في البرازيل حتى اليوم، وليس من السهل معرفة السبب الذي جعل كرة الصالات ذات شعبية طاغية في البرازيل؛ ولكن هناك شيءٌ واحدٌ مؤكَّدٌ، وهو أنَّ الشُّبان البرازيليين الذين نشؤوا وهم يلعبون كرة الصالات طوال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي قد طوروا مهارات كروية وفنية مذهلة، وقد أصبح هؤلاء الأطفال بالغين، وانتقلوا من لعب كرة الصالات إلى لعب كرة القدم، وقد ساعدهم الإبداع الرياضي الذي طوروه في لعب كرة الصالات على التألق على الصعيد العالمي؛ وقد فازت البرازيل بثلاث من أصل أربع بطولات فيها خلال فترة 12 عاماً تمتد من 1958 إلى 1970.

تُسرِّع القيود عملية تنمية المهارات:

نحن نتذمر دائماً حيال القيود في حياتنا مثل محدودية الوقت، أو عدم امتلاك ما يكفي من المال، أو ضعف شبكة العلاقات، أو شحِّ الموارد؛ ولا شك بأنَّ بعض هذه القيود يعوقنا، إلَّا أنَّه يوجد جانبٌ إيجابيٌّ أيضاً؛ إذ غالباً ما ترغمنا القيود في حياتنا على القيام بالخيارات وتنمية المواهب التي لن ترتقي بغير ذلك، حيث تدفعنا القيود إلى الإبداع وتعزيز تطور المهارة.

لقد أجبرت القيود المفروضة على كرة قدم الصالات الأطفال البرازيليين على تطوير إبداعات ومهارات أفضل في التعامل مع الكرة؛ وكذلك يمكن للقيود أيضاً أن تطور مهاراتك؛ فالارتقاء إلى المستوى التالي من الأداء هو متعلّقٌ باختيار القيود الملائمة.

كيف تختار القيود الملائمة؟

هناك ثلاث خطوات أساسية يجب اتباعها عند استخدام القيود لتحسين مهاراتك:

1. حدد مهارة معينة ترغب في تطويرها:

كلَّما كانت المهارة أكثر تحديداً، سَهُل تصميم قيدٍ جيّدٍ لها؛ فعلى سبيل المثال: لم تساعد كرة قدم الصالات اللاعبين لتطوير مهارة أن يكونوا جيدين في كرة القدم، بل ساعدتهم في تطوير مهارات إبداعية في التعامل مع الكرة، وتبيَّن لاحقاً أنَّ هذه المهارات ذات قيمة في لعبة كرة القدم.

وبالمثل، يجب ألَّا تحاول تطوير مهارة "التسويق" مثلاً، فهذا اختيارٌ شامل للغاية؛ بل ركز بدلاً من ذلك على تعلم كيفية كتابة عناوين مقنعة، أو تحليل بيانات مواقع الويب؛ فهذا شيءٌ محدّدٌ وملموس.

إقرأ أيضاً: كيف تُنشِئ قائمة بالأمور التي تمتلك شغفاً نحوها لتطوير حياتك

2. صمم قيداً يتطلب استخدام هذه المهارة المحددة:

هناك ثلاثة خيارات رئيسة لتصميم القيد، وهي:

  • الوقت: أعطِ لنفسك وقتاً أقلَّ لإنجاز المَهمَّة، أو ضع جدولاً يجبرك على العمل على مهارة معينة باستمرار.
  • الموارد: أعطِ لنفسك موارد أقل -أو موارد مختلفة- للقيام بالمَهمَّة.
  • البيئة: وفقاً لإحدى الدراسات: ستستهلك سعرات حرارية أقل بنسبة 22% على مدار العام إذا تناولت طعامك في طبقٍ أصغر بقليل؛ بمعنى: يمكن أن يؤدي تغييرٌ واحدٌ بسيطٌ في البيئة إلى نتائج هامة، والقيود البيئية هي الأفضل؛ ذلك لأنَّها تؤثر في سلوكك دون أن تدرك ذلك.

3. العب اللعبة:

يمكن للقيود أن تُسرِّع تنمية المهارات، لكنَّها ليست علاجاً سحرياً؛ فأنت لا تزال بحاجةٍ إلى العمل مراراً وتكراراً.

لقد واظب أعظم لاعبي كرة القدم البرازيلية على لعب كرة الصالات طوال الوقت؛ ويعني هذا أنَّ أفضل خطة لن تكون مجدية دون ممارسة وتدريب مستمر، وأنَّ القيام بواجبك هو الإجراء الأكثر أهمية.

الفكرة في الممارسة العملية:

يمكن تجربة العديد من القيود لتطوير مهارة معينة، ونورد فيما يأتي بعض المهارات التي قد ترغب في تطويرها، والقيود التي تساعدك على تحقيق ذلك:

1. مهارات الكتابة:

إذا أردت أن تكون كاتباً أفضل، عليك وضع جدول زمني، كأن تنشر مقالاً جديداً كلَّ اثنين وخميس مثلاً، ولا يهم مدى جودة أو سوء المقالة، أو مدى طولها أو قصرها؛ ذلك لأنَّ ما يهم فعلاً هو أنَّه يجب كتابة شيء جديد كلَّ اثنين وخميس.

يعدُّ هذا الجدول بمثابة القيد، وسيرغمك على أن تكون مبدعاً، وعلى القيام بالشيء الوحيد الذي يفعله الكتَّاب الجيدون، ألا وهو: الكتابة.

لن تحقق دوماً النسبة المطلوبة، لكنَّك ستكتب الكثير في حال التزامك بالجدول لمدة طويلة.

شاهد بالفيديو: 5 طرق تجعل من تدوين اليوميات عادة مكتسبة

2. مهارات رواية القصص:

قد لا تكون مذهلاً في فعل ذلك، لكنَّك تَوَدُّ أن تتحسن.

القيد الذي عليك وضعه لنفسك هو جدولة محادثات مع أصدقاء يجيدون رواية القصص دون استخدام شرائح عرض، أو باستخدام القليل من الصور فقط؛ لذا صمم القيود التي تجبرك على رواية قصص أفضل دون الاعتماد على النصوص المكتوبة، حتى لا تُحرِج نفسك أمام الجمهور.

إقرأ أيضاً: مهارات التحدّث الارتجالي

3. مهارات القوة:

عندما تمارس تمرينات رفع الأثقال ثلاثة أيام فقط في الأسبوع، قد يبدو هذا كثيراً بالنسبة إلى شخصٍ ليس لديه أيُّ نشاط؛ لكن في الحقيقة، يتدرب العديد من لاعبي رياضات القوة أربعة إلى ستة أيام في الأسبوع، ومرتين في اليوم أحياناً.

يجب أن يكون القيام بتمريناتك مدروساً للغاية إذا كنت ترغب في إحراز تقدم؛ لذا أعطِ الأولوية للقوة التأسيسية فوق كلِّ شيءٍ آخر، وانتقل إلى تطوير تقنية أعلى بمجرد ارتفاع مستويات قوتك.

ما الذي تريد أن تصبح رائعاً فيه؟ وما المهارات التي تريد تطويرها؟ والأكثر أهمية: ما هي القيود التي يمكنك وضعها على نفسك لتحقيق ذلك؟

 

المصدر




مقالات مرتبطة