كيف تتوقف عن التهكُّم؟

سألتني إحداهن ذات يوم: "لقد أدركت منذ فترة طويلة - منذ سنوات بالأحرى - أنَّني أتصرَّف بقسوة مع الناس من حولي؛ إذ أميل دائماً إلى إلقاء نكاتٍ لاذعة، وأنا متطرفة إلى حد ما، وفي معظم الأوقات، أدرك بعد ذلك مباشرةً أنَّني كنت حادةً بعض الشيء، وأشعر بالأسف، لكنَّني لا أستطيع إيجاد طريقة للسيطرة على انتقاداتي وتهكُّمي، فماذا عليَّ أن أفعل؟".



تجربتي مع التهكم:

كنت أشعر بالضيق في بعض الأحيان بعد إبداء مثل تلك التعليقات اللاذعة، وفي أحيانٍ أخرى، لم أكن أدرك أنَّها كانت مسيئة إلا بعد ملاحظة ردود فعل الآخرين، وأتذكَّر ذات مرة عندما تدهورت علاقتي بصديقتي لفترةٍ مؤقتة، بعد أن صحَّحت لها ما كتبته قواعدياً في أثناء الدردشة، واستغرقنا عاماً بعد ذلك لدفن الأحقاد، وكان هذا قبل أكثر من عقدٍ من الزمن، عندما كنا مراهقتين غير ناضجتين.

صرتُ أقل فظاظة مع مرور السنوات؛ إذ أصبحت أفكر قبل أن أتكلم، وبتُّ أقدِّر إذا كان رأيي سديداً أم لا قبل مشاركته، أمَّا الآن، فأكتفي بقول الأشياء التي أشعر أنَّها ترفع من شأن الشخص فحسب، ولم تعد الكلمات مثل "حاد" و"انتقادي" و"فظ" في قاموس مفرداتي؛ بل حل محلها كلماتٌ مثل "دافئ" و"مُراعٍ للآخرين" و"داعم".

شاهد بالفيديو:8 علامات تدل أنَّ الشخص يدمر نفسه بنفسه


 

محاولتي لأصبح أقل تهكماً:

لم تكن محاولتي لأصبح أقل تهكماً هي ما تغيَّر بالنسبة إليَّ؛ وإنَّما بذلت جهداً لأكون أكثر لطفاً، وهذا يعني أنَّه بدلاً من محاولة كبح غرائزي الطبيعية من اندفاعٍ وحدَّةٍ وسخريةٍ لاذعة - التي كانت نوعاً ما نقاط قوَّتي - عملت على إظهار الجانب الحنون منِّي، وهو الجزء الذي يهتم بالآخرين؛ جزءٌ كان موجوداً طوال الوقت، لكنَّه لم يحظَ بفرصةٍ للتطور؛ ذلك لأنَّني لم أهتم به من قبل حتى أوائل العشرينيات من عمري، عندما بذلت جهداً عن وعيٍ تام لأصبح شخصاً أفضل.

فالتهكُّم الصادر عنك سببه ببساطة إهمال الجانب الذي يهتم بالآخرين في داخلك؛ فعندما تمتلك صفات قوية من النوع "أ" (ألفا) كالذكاء والاندفاع والفطنة، ومهارات الملاحظة والمهارات التحليلية، والشعور بالذات، والنظرة المستقبلية الشاملة، والرغبة القوية في التطور، لكنَّك تفتقر إلى صفات الرعاية كالتعاطف، فمن الطبيعي أن تعطي انطباعاً بأنَّك شخصٌ متهكمٌ وقاسٍ، وليس الأمر أنَّك عديم المشاعر أو تتلذذ بأذية الناس؛ بل إنَّك ببساطة تملك صفات تعاطفية غير نامية، وتحتاج إلى اهتمام لتتطور.

إقرأ أيضاً: هل تملك عقلية متنمرة!

حل لمشكلة التهكم:

يتمثل الحل لمشكلة التهكم أو الانتقاد لدى بعض الأشخاص بممارسة رقابة ذاتية أو التزام الصمت، فقد يجعلهم هذا يبدون أقل قسوة أو انتقاداً؛ لأنَّهم فعلياً لا ينطقون بأيِّ شيء مؤذٍ - فلا يمكنك إيذاء أيِّ شخص إذا التزمت الصمت من الأساس - لكنَّه ليس حلاً جذرياً للمشكلة؛ إذ ينتهي الأمر بهم إلى الشعور بالاختناق والتعاسة لأنَّهم يكتمون مكنوناتهم الحقيقية، ويظلون أيضاً أشخاصاً متهكِّمين؛ وذلك لأنَّ القضية الأساسية المتمثلة بوجود جانب تعاطفي غير متطور لديهم، ما تزال قائمة.

ما عليك القيام به هو العمل على رعاية صفاتك الداعمة، كالتعاطف والحب واللطف والحنان والتشجيع والامتنان والرعاية، وما إلى ذلك، فكل هذه الصفات موجودة في داخلك، أو في مكان ما، وإلا لما كنت تكلَّفت عناء طرح هذا السؤال من الأساس، ولو أنَّك شخصٌ لا يكترث بالآخرين، لما شعرت بالأسف على حد تعبيرك، بعد قول تلك الكلمات القاسية.

ستكون الفتاة التي ترتسم ملامح شخصيتها بعد تطوير الصفات الداعمة، قوةً خارقةً مقارنة بالفتاة ذاتية الرقابة والكبت؛ فالأولى ستكون شخصاً منسجماً مع نفسه ويعرف قيمته، ومؤثِّرٌ فيمن حوله تأثيراً طبيعياً من دون بذل جهدٍ كبير للقيام بذلك، أمَّا الأخيرة فهي مجرد شخص تعيس لا واقعيٍّ متردد وغير منسجم مع نفسه.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح لتحقيق الامتنان في حياتك

ختاما:

عندما نطوِّر تلك السمات الشخصية الموجودة فينا من النوع "أ" (ألفا) والسمات من النوع "ب" (بيتا) تطويراً كاملاً؛ فهذا يعني أنَّنا نقترب من الكمال، وستكمِّل تلك السمات بعضها بعضاً لخلق الأنا المثالية.

المصدر




مقالات مرتبطة