كيف تتغلب على أكثر العقبات الشائعة في طريق التغيير الإيجابي؟

نحن نقضي الكثير من أيامنا في إنجاز أعمال دون وعي؛ حيث تمر السنين، ثم العقود. وكلما مر الوقت، نسينا أحلامنا التي كنا ننوي تحقيقها، وتقبَّلنا ما أصبحت عليه حياتنا، مع الهوَّة بين آمالنا والواقع.



ملاحظة: المقال للكاتب والمدوِّن "جاي هارينغتون" (Jay Harrington)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته هو وزوجته والنصائح التي يقدمها في الجرأة على اتخاذ بعض التغييرات الإيجابية والهامة.

نحن ندرك التنافر الحاصل بين ما كنا نحلم به وما نعيشه؛ لكنَّنا نبرره بقولنا إنَّ الأحلام التي حلمناها في شبابنا غير عملية، والسعي وراء رغبات دفينة أكثر من السعي في الحياة نفسها ليس تصرُّفاً واقعياً أو مسؤولاً؛ بل قد يكون حتى أنانياً.

الوقت يمضي، دون أن يتغير شيء. ونجد لأنفسنا الأعذار لتبرير ذلك؛ فعندما نصبح في الثلاثين من عمرنا، نحاول الارتقاء بعملنا، ونخطط للزواج والاستقرار، ونحاول الوفاء بما علينا من أقساط، ويكون عذرنا أنَّنا لا نملك الوقت الكافي.

وعندما نصبح في الأربعين من عمرنا؛ ويكون لدينا أطفال، وأقساط منزلية، وعلينا أن ندَّخر لجامعة الأولاد؛ يكون عذرنا أنَّنا لدينا الكثير من المسؤوليات.

أما عندما نصبح في الخمسين من عمرنا؛ فنعاني من آلام الظهر، ونشعر بالتعب، ونسعى إلى ادخار المال من أجل التقاعد، يصبح عذرنا أنَّنا قد كبرنا.

يمرُّ قطار العمر مسرعاً، وتزداد سرعته ولا تنقص. وإن لم نتوخَّ الحذر، ستستبدل قائمة من الأعذار بدلاً من الإنجازات والتجارب بأهدافنا. من السهل السماح للروتين أن يحكم قبضته على حياتك، وعند حدوث ذلك، سوف يتوقف ارتقاؤك في الحياة.

نحن ننسى أنفسنا من أجل أن نرتقي لمستوى توقعات الآخرين التي تحدد الطريقة التي يفترض بنا أن نفكر فيها، وما الذي يجب أن نقوله، وما الذي يجب أن نفعله أو لا نفعله.

ولكن ليس الأمر دائماً هكذا؛ وذلك لأنَّ أي حلمٍ هو شمعة تستحق أن تشعلها، ومهما كان ضوءها خافتاً، ستعطي إشراقة للظروف الصعبة، خاصةً عندما يصبح الروتين لا يُطاق. وخلال الأوقات العصيبة، مثل المرض أو تفكُّك العلاقات، نستحضر الشجاعة لإعادة النظر إلى ما نرغب فيه حقاً من حياتنا. هذه الأحداث تجعل المرء يلجأ إلى أحلامه ويتمسك بها أكثر.

كيف تقبل التحدي؟   

في عالم الدراما والروايات يكون الحدث المُحرِّك عادةً هو ذلك الذي يغيِّر مجرى القصة، وهو الفعل أو القرار الذي يجلب مشكلة يجب على البطل أن يتغلَّب عليها.

في الكتب والأفلام، يمكن تمييز الحدث المحرِّك بكل سهولة؛ فهو اللحظة التي يقوم فيها البطل بفعلٍ أو تغيير لحياته على نحوٍ لا رجعة فيه. هكذا يكون الأمر في القصص الخيالية. وتتبع كل قصة تقريباً الخطى نفسها؛ إذ يكون هناك حدث محرِّك، وصراع، وانتصار في النهاية، وتقلُّبات ومنعطفات على طول الطريق؛ ولكنَّ المشكلة تُحَلُّ دائماً، وسينحني الممثلون باحترامٍ أمام الجمهور في الختام.

يمكن للفنِّ أن يحاكي الواقع؛ ولكنَّ الواقع مختلف تماماً. إنَّه فوضوي جداً في نهايته على الأقل؛ وجميعنا شخصيات في قصة ما. ولكن على عكس أغلب الكتب والأفلام، لا تنتهي قصتنا دائماً نهاية سعيدة. ونحن نكون محاطين بالأحداث المُحرِّكة؛ لكنَّها نادراً ما تؤدي إلى تغيير حقيقي.

في الآونة الأخيرة، كان يجب علينا جميعاً أن نتحرك. فحتى لو لم تُصب بالعدوى فإنَّ أضرار كوفيد-19 الجانبية قد أثرت فيك لا محالة. والسؤال الملح: هل ستستفيد من ذلك كله على أنَّه وسيلة للتغيير، أم ستتقبل الأمور مثلما هي؟

إن كان هذا السؤال يخطر لك بصيغة أو بأخرى، فأنت لست الوحيد. لقد عانيت من ذلك بشدة، فبالنسبة إليَّ، أدى ذلك إلى أسئلة أخرى: ما هو الإرث الذي سأخلِّفه؟ وكيف ستكون نظرتي في المستقبل للوقت الذي قضيته خلال الجائحة؟ وما هي أولوياتي؟ وما هو الدرس الذي سأعلمه لأولادي ويساعدهم على مواجهة التحديات الحتمية التي سيمرون بها؟ وهل كنت مفيداً لغيري؟ وهل توجد في العالم فرص تكفي الجميع، أم يجب أن أُسابق لاقتناص فُرصي ونجاحاتي؟ وهل أعيش من أجل نفسي بالفعل؟ وما هي التغييرات التي يجب عليَّ اتخاذها؟ إن لم يكن الآن، فمتى؟

المشكلة في الحدث المحرِّك الذي أتى على شكل جائحة عالمية هي أنَّ شدة هذه الأزمة تميل إلى تثبيط بدلاً من إلهام التغيير الإيجابي. ففي مثل هذه الأوقات نميل إلى الانكفاء وتجنُّب المخاطرة. نحن نحمي أنفسنا. نقبل الوضع الراهن حتى لو كان غير مُرضٍ، ونعلق في الظروف الحالية.

قبل خمس سنوات، وفي مواجهة تحديات أخرى، تسلَّحنا أنا وزوجتي بالشجاعة للعمل وتغيير ظروفنا للأفضل، وانتقلنا على بعد مئات الأميال إلى مكان أحببناه؛ ولكنَّنا افتقرنا سابقاً إلى الإرادة والجرأة لاتخاذه وطناً لنا. بدأنا عملاً جديداً، وعشنا حياةً جديدة، وسعينا.

لقد نجح الأمر، وكانت التجربة مُلهمة من نواحٍ عدة. وما زلنا غير متأكدين بالضبط إلى أين ستنتهي هذه الرحلة؛ لكنَّنا دفعنا أنفسنا للتحرك. وهذا هام؛ ذلك لأنَّ كل شيء إيجابي حدث في حياتنا حدث نتيجة للخروج من مناطق راحتنا.

من أهم الدروس التي تعلمناها أنَّه لكي تتقدَّم، عليك أولاً أن تدرك ما الذي يعوقك. فبعد تشخيص المشكلة فقط يمكنك تحديد المسار الصحيح للعلاج. وفيما يأتي ثلاثة تحديات شائعة تعرقل التقدم، وبعض الأفكار للتقدُّم:

1. مغالطة التكلفة الغارقة:

هل سبق لك أن بقيت في وظيفة أو موقف لفترة طويلة لأنَّك شعرت أنَّك بذلت وقتاً وجهداً كثيرَين فيه؟ وهل خشيت أن يكون الابتعاد غير مُجدٍ على الرغم مما تمر به من وضع سيئ؟ مَرَّ معظمنا بمثل هذه التجارب؛ وهذا يعني أنَّنا وقعنا ضحية "مغالطة التكلفة الغارقة".

التكلفة الغارقة هي التكلفة التي تكبَّدتها في مشروع ما ولا يمكن استردادها. وتكمن المغالطة هي أنَّنا نظن أنَّه يمكننا استرداد التكاليف الباهظة عن طريق بذل مزيد من الجهد؛ لذلك نتخذ قرارات خاطئة أو لا نتخذ أي قرار على الإطلاق؛ وذلك لأنَّنا لا نريد قبول حقيقة أنَّ الماضي قد انقضى؛ لذا بدلاً من إحراز تقدُّم على طريق جديد، فإنَّنا نفاقم أخطاءنا بناءً على الرغبة غير المنطقية في تبرير قراراتنا السابقة.

يبالغ الناس في تقدير التكاليف الغارقة، ويقللون من قيمة الاستثمارات المستقبلية أيضاً، ويبقون مترددين لفترة طويلة جداً مع أنَّهم غير سعداء لأنَّهم يشكُّون بقدرتهم على إحداث تغيير إيجابي.

التكاليف الغارقة قد ولَّت، ولا يمكنك استعادتها؛ لذا ليس هنالك مبرر للندم على أخطاء الماضي. وبالتأكيد لا يوجد مبرر لمفاقمتها من خلال عدم تغيير السلوك؛ لذا تعلَّم من ماضيك، وتذكَّر أنَّ كل عثرة هي خطوة نحو مستقبلك.

شاهد: 6 طرق لتجاوز عقبات الحياة والتغلب عليها

2. العيش من أجل الآخرين:

يعيش معظم الناس حياتهم بناءً على تصوراتهم لما قد يفكر فيه الآخرون حيال أفعالهم وقراراتهم بدلاً من التركيز على أحلامهم ورغباتهم. وبدلاً من السعي إلى جعل أنفسهم سعداء، يساورهم القلق دائماً بشأن إرضاء الآخرين.

أنت تقلق من رأي والديك إن تركت عملك، وتقلق من رأي أصدقائك إن تواصلت مع أناس معينين، وتُصاب بالحرج من زملائك في العمل لإبداء رأيك في الاجتماعات، وتفكر فيما إذا أُعجِب الناس بما تنشره على صفحات التواصل الاجتماعي.

هذه ليست طريقة صحيَّة للعيش؛ بل هي وصفة للبقاء متخبِّطاً في متاهة، وهذا لا يعني أنَّنا لا يجب أن نهتم بآراء الآخرين بنا؛ بل يعني ألَّا نجعلها المبدأ الذي يسيِّر شؤون حياتنا كافة.

إذاً، ماذا لو أصدر شخصٌ ما حكماً بحقك؟ إرضاء الناس غايةٌ لا تُدرك؛ فهذا لا يمكنك التحكم به. ما تستطيع التحكم به هو رد فعلك، حيث يمكنك أن تسمح لذلك بإحباطك، أو يمكنك تجاهله والمضي في حياتك. لا توجد طريقة يحبك بها الجميع، ولكن اعتماداً على طريقة استجابتك، يمكنك كسب احترامهم، ويجب أن يكون هذا هو الهدف.

هذه ليست دعوة ليكون المرء نرجسياً؛ بل هي دعوة لعيش الحياة وفقاً لشروطك الخاصة. يبدأ التقدم بامتلاك نظام قِيَم متطوِّر والشجاعة للتعبير عنه دون خجل. لن يعجب الجميع بالطبع، ولكن إذا كنت صادقاً مع نفسك ومبادئك، فسوف تستحق الاحترام بصرف النظر عن المكان الذي يأخذك إليه منهجك في الحياة.

3. التفكير في "لماذا أنا؟" بدلاً من "لماذا لست أنا؟":

نحن نسمع عن قصص "النجاح بين عشية وضحاها"؛ أي الأشخاص الذين حصلوا على الشهرة والثروة بعد أن كانوا نكرات، والشركات التي تبدأ بمرآبٍ صغير أو غرفة نومٍ وتحصل بسرعة على تقييمات بمليارات الدولارات. تروِّج لهذه القصص مقاطع صوتية رائعة في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتترك الناس يظنون أنَّ النجاح يأتي من ضربة حظٍّ لا من العمل الجاد والتصميم.

باستثناء حالاتٍ قليلة، فإنَّ ظاهرة النجاح بين ليلة وضحاها تكون مجرد وهم. إنَّنا نرى النتيجة النهائية - الشهرة والثروة - لكنَّنا لا نرى الجهد والعرق والدموع والكدح والفشل والتضحية والرفض وراء تحقيق الإنجاز.

غالباً لا أحد يحقق شيئاً ذا قيمة من المرة الأولى التي يحاول فيها، أو حتى في المرة الثانية أو الثالثة. وفي الواقع، الطريق إلى النجاح بالنسبة إلى معظم الناس مليءٌ بمحاولات فاشلة.

إذا كنت على استعدادٍ للعمل الجاد والمثابرة خلال المحن، فيمكنك أن تصبح "ناجحاً" بصرف النظر عن الطريقة التي تسلكها. لن يَحدث ذلك بين ليلة وضحاها. إن وضعت هذا نصبَ عينيك فلن تبحث عن الحظ، ولن تسأل بيأسٍ وانهزامٍ: "لماذا أنا؟" وبدلاً من ذلك ستكدح بثقة هادئة، وتشمِّر عن ساعديك، وتقول: "لماذا لست أنا؟" وتتجه إلى العمل. يبدأ النجاح وينتهي بإيمان دائم بالنفس.

تُعَدُّ أزمة كوفيد-19 بمنزلة لعنة، لكن كيف يمكنك أن تحوِّلها لفرصة؟ وماذا ستفعل في مواجهة هذا الحادث الدافع الواضح لإجراء تغييرات نحو الأفضل؟

المصدر: 1




مقالات مرتبطة