كيف تتعامل مع النظريات والنصائح المتناقضة؟

هل تشعر بالحيرة عند قراءة المقالات أو الكتب أو عند سماع آراء ونصائح الناس المختلفة؟ فكثير من هذه النصائح تناقض بعضها، ولا عجب في أنَّ معظم قُرَّائي والأشخاص الذين أعمل معهم غالباً ما يرتبكون عندما يقرؤون كثيراً؛ فقد أرسل لي أحد القراء منذ فترة هذا البريد الإلكتروني:



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويخبرنا فيه عن تجربته في التعامل مع النصائح والآراء المتناقضة.

"لقد بحثت على شبكة الإنترنت ووجدت العديد من المقالات التي تناقض بعضها؛ حيث تُعِدُّ بعض المقالات أنَّ استخدام الهاتف المحمول أمراً صحيَّاً؛ لأنَّه مفيد للدماغ في حين يُعِدُّه آخرون غير صحيٍّ؛ بسبب الإشعاع المنبعث منه".

ستجد الآلاف من هذه الأنواع من التناقضات إذا كنت تبحث عنها، لكن في كثيرٍ من الأحيان بعض الأشياء ليس لها علاقة ببعضها والمثال أعلاه يشبه ذلك أيضاً.

فقد يقول شخص ما إنَّ استخدام الهواتف الذكية يجعلك أكثر ذكاءً، وهذا صحيح بالتأكيد؛ فهناك العديد من الطرائق التي يمكنك من خلالها استخدام الهاتف الذكي لتدريب عقلك وتعلُّم مهارات جديدة، لكن هل هذا يعني أنَّ الجهاز بحد ذاته جيد؟ ليس هذا ما قاله الشخص، وفي الواقع يمكن أن يكون الهاتف الذكي مُشتِّتَاً للغاية إن لم يكن غير صحي، وهذا كله يتوقف على كيفية استخدامك له.

الحياة معقدة وهناك قليل من الأشياء الواضحة والمباشرة، وفي الواقع هناك كثير من النصائح المتناقضة فعليك أن تكون قادراً على النظر إلى الأشياء بموضوعية، ولأزيدك من الشعر بيتاً أنا أؤمن أيضاً بالشك وعدم تصديق بعض الأمور التي نراها أو نقرأ عنها مباشرةً.

لا تصدق ما تقرؤه، أو ما تسمعه، أو ما تراه:

أنا شخصٌ متشككٌ للغاية؛ فالناس ببساطة ليسوا دائماً صادقين، ولا يملكون دائماً الحلول كلها، وتوجد عدة أمثلة على ذلك؛ فقد قرأت مؤخراً عن رجل ألماني ألهم العديد من الأشخاص للتغلب على الاكتئاب إلَّا أنَّه حاول ذات مرةٍ الانتحار وفقد ساقيه في أثناء محاولته تلك، ثمَّ أدرك بعد ذلك خطورة ما أقدم عليه، وكتب كتابين عن كيفية "تغلبه" على الاكتئاب، وبدأ بنشر أفكاره وإقناع الآخرين بكيفية تغلبهم على اكتئابهم؛ لكنَّه انتحر في النهاية.

إنَّه شيءٌ محزن وأنا لا أشكك في إحسانه فربَّما يكون قد ساعد كثيرين حقاً، لكن علينا أن نكون صادقين هنا؛ فالرجل الذي حاول ثني الآخرين عن الانتحار انتحر في نهاية الأمر.

لهذا السبب يجب ألَّا نتبع الناس أو نصدقهم تصديقاً أعمىً؛ فمعاملتهم بهذه الطريقة وعَدُّهم مثلاً أعلى يعني أنَّك لا تحترم نفسك، وبصرف النظر عن تاريخك أو عرقك أو جنسك لا أحد أفضل منك، كما أنَّك لست أفضل من الآخرين، هكذا أنظر أنا إلى الحياة؛ ولهذا أيضاً لا أصدق ما أراه؛ فالناس يكذبون طوال الوقت؛ لإظهار أنَّهم أفضل من الآخرين.

شاهد بالفديو: 6 طرق لمعرفة الأخبار الكاذبة

 

كيف تنظر إلى النصيحة عموماً؟

سواء أحب الناس الاعتراف بذلك أم لا، فإنَّ معظم النصائح والأبحاث والنظريات هي مجرد آراء؛ وقد قال الفيلسوف الشهير "فريدريك نيتشه" (Friedrich Nietzsche): "ليس هناك حقائق؛ بل تفسيرات فقط".

ثمة قليل من الحقائق الصحيحة في الحياة، وإحدى الحقائق التي لا يمكن دحضها هي أنَّنا جميعاً سوف نموت، وحقيقة أخرى هي أنَّنا يجب أن نتعامل مع قوانين الفيزياء، فإذا قفزت من سيارة تسير 90 كم في الساعة لن أنجو من ذلك بالتأكيد، وهذا أمرٌ لا جدال فيه.

لكن عندما يتعلق الأمر بالبدء بمهنة جديدة، أو الحفاظ على سعادتك، أو تحسين نفسك ومهاراتك، أو إدارة أعمالك، وكل شيء آخر يمكنك مناقشته؛ فكلها آراء فردية أو جماعية.

أنا أضع ذلك في الحسبان دائماً عندما أقرأ مقالات مثل هذه، أو أقرأ كتباً تعليمية، أو أستمع إلى الملفات الصوتية، أو عندما أُجري محادثاتٍ مع أشخاصٍ آخرين، فهم مثلنا تماماً ليس لديهم الإجابات كلها؛ بل هم يكتشفون الأشياء مثلنا أيضاً، حتَّى لو ظنوا أنَّهم يعرفون كل شيء فهم لا يعرفون ذلك.

إقرأ أيضاً: 7 أشياء تحرمك من العيش بهناء واستقرار

في الختام:

إذا كنت تريد أن تتجنب القلق وتفعل الشيء الصحيح، فلا تصدِّق ما تراه تصديقاً أعمىً؛ بل فكر من وجهة نظرك الخاصة وابحث عمَّا يناسبك، وبصرف النظر عن الحقائق الثابتة في الحياة، فإنَّ معظم الأشياء ذاتية.

ولا توجد إجابة مباشرة للتعامل مع هذا التحدي، كما أنَّ النصيحة المتناقضة ليست سيئة بالضرورة، فأنا أُعِدُّ أنَّ نقل بعض النصائح إلى العالم الحقيقي هو سبب كتابتي للمقالات؛ فأنا ببساطة أشارك فيها كيف أفعل الأشياء وأُنجز المهام، ويُخبرني القرَّاء أنَّ هذا يساعدهم على معرفة كيفية القيام بذلك بأنفسهم.

السر هو في التواصل بطريقةٍ واضحة ورؤية الموقف رؤية أوضح، وهذا في الواقع هو الشيء الأساسي الذي تعلمته من الحصول على شهادة أكاديمية، ولا أستطيع تذكر أي شيء من النصائح التي قدموها لي؛ لكنَّني أتذكر فقط أن أنظر إلى كل مشكلة من وجهات نظر مختلفة وأن أختبر كل شيء قبل تصديقه.

حتى لو فعلنا كل ذلك فلا يمكننا أن نعرف أبداً أنَّنا على صواب 100%، لكن ما دمنا منفتحين على تقبُّل النظريات ووجهات النظر الجديدة، فسوف نستمر في التعلم، وهذا لا يجعلنا أقل خطأً فحسب؛ بل سيجعل الحياة أكثر متعة أيضاً.

المصدر




مقالات مرتبطة