كيف تتعامل مع القلق من تقدم العمر وإحساسك بنفاذ الوقت؟

مع اقتراب عيد ميلادي الثلاثين بسرعة - وقد اقتربت من سن التاسعة والعشرين للتو - من الصعب عدم التفكير في الوقت؛ ذاك الذي مررت به، والذي بين يديك الآن، ومقدار الوقت المتبقي لك في المستقبل.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن "إيفان تارفر" (Evan Tarver) كاتب وصاحب عمل حر، يخبرنا فيه عن تجربته في كيفية التعامل مع القلق من فقدان الوقت وتقدم العمر.

في سن التاسعة والعشرين أيضاً، لا يمكنني إلا أن أتخيل مقدار ما يفكر فيه المرء بشأن الوقت عندما يكون في سن الأربعين، أو الخمسين، وحتى الستين؛ لأنَّني أتذكر عندما كان عمري 18 و22 عاماً، وكل الأعمار الأخرى التي كنت فيها قبل أن أصبح "ناضجاً" - والتي تمثل بالنسبة إليَّ اللحظة التي أدركت فيها أنَّني لست خالداً وأنَّ مسار حياتي كان خياري وخياري وحدي - أنَّ النجاح لم يكن مضموناً بالنسبة إليَّ، وكان عمري آنذاك 25 عاماً.

في كل عام قبل ذلك التغيير الجذري، كنت أعيش حياتي في حالة اندفاع وعاطفة؛ فلم أكن على دراية بمرور الوقت؛ لأنَّني لم أدرك حينها كم أنَّ الوقت غير قابل للتجديد؛ إذ كنت أعتقد أنَّني سأعيش إلى الأبد؛ لذا لم أكن لأكترث لعامٍ أو خمسة أعوام تضيع من حياتي.

لكن بعد ذلك، اتضح لي أنَّ وقتي كان محدوداً، وأنَّني لا أملك الكثير من الوقت لأنفقه على تحقيق أهدافي وإيجاد الحياة التي لطالما أردتها؛ تلك الحياة التي تحقق لي الرضى والقيمة، لكن الآن، وعلى بعد عام واحد من العقد الجديد، أصبحت مسيرة الزمن أكثر وضوحاً بالنسبة إليَّ؛ فهل استثمرت سنين عمري العشرين أفضل استثمار؟ وهل أسير في الاتجاه الذي أريده بعد أن بلغت الثلاثين؟ وهل سأفعل كل ما أريده في الحياة قبل أن ينتهي كل شيء؟

الجواب بالطبع: من يدري؟ فالزمن لا يتوقف لأجل أي شخص، ولا يوجد شيء يمكنني القيام به حيال ذلك حتى الآن؛ لذا بدلاً من محاولة التغلب على القلق الذي لا ينتهي والذي يؤثر فيك عندما تفكر في فنائك، فقد حان الوقت للتركيز على تقدير قيمة الوقت الذي بين يديك.

التعايش مع الحالة الإنسانية:

الخطوة الأولى هي أن تدرك أنَّ مشاعر الخوف والقلق لديك لن تختفي أبداً، فربما تزداد أو تخف، لكنَّها ستكون دائماً موجودة بشكلٍ أو بآخر؛ فتلك الرغبة في البقاء على قيد الحياة على الرغم من كل شيء تقريباً يُطلَق عليها اسم السمة التطورية.

عندما بدأتُ بالتعامل مع القلق من حياتي العابرة، كان ذلك الشعور يؤرقني ويتحكم بأفكاري وسلوكي يومياً، وقد أدى ذلك حرفياً إلى أن أصبح أقل إنتاجية لأنَّني دخلت في حلقة تفكير سلبية ونسيت أبسط مهامي اليومية، فأنا سأبلغ الثلاثين من عمري حتماً، ولن أستطيع منع ذلك، لكنَّني كنت أتساءل دائماً كيف يمكنني إيقاف الزمن والبقاء في عمر العشرين إلى الأبد؟

ما يزال لدي الكثير مما أريد القيام به؛ كنت أحلم مثلاً بأن أصبح شخصاً مشهوراً عالمياً في سن 25، وأن أجوب العالم كرحالةٍ صغير، وها أنا على حافة عقدٍ جديد ولم أحقق ذلك الحلم، وسرعان ما أدركت أنَّ تطلعات شاب في العشرينيات من العمر لن تتحقق، وكان عليَّ التعامل مع ذلك، ثم اتضح لي أنَّ الزمن لن يتوقف أبداً، فهو يتحرك منذ 14 مليار سنة ويجب أن يستمر لـ 14 مليار أخرى، وكل الأمور متساوية، فلماذا قد تكون أعوامي الـ 100 هامة؟

نحن البشر مذهلون في قدرتنا على التفكير والتساؤل والتخطيط والحلم؛ نتأمل في عجائب الكون اللانهائية، ونحاول معرفة مكاننا داخل هذه الهالة الضخمة، ومع ذلك، قد يكون "مكاننا" هو مجرد أنَّنا هنا وما نحن عليه الآن وما نختبره ونعيشه، وبعد ذلك لن نكون هنا، ويبدو أنَّ تلك دورةً لا نهاية لها.

هذا يعني أنَّه لا يمكننا القلق بشأن الوقت وما يسببه من توتر، فذلك القلق لن يتوقف أبداً ونحن مجبرون على الرغبة دائماً في العيش؛ لذلك، من الطبيعي أن نقلق بشأن مواردنا غير المتجددة، فهو قلقٌ لن يتوقف أبداً؛ لذا تعلَّم كيف تتعايش مع مشاعرك، وتقبَّلها بدلاً من محاربتها، وتذكَّر أنَّ "الحياة ليست مشكلة عليك حلها؛ بل هي حقيقة يجب تجربتها"، وأنَّه لا يمكنك إيقاف الزمن لكن يمكنك محاولة التمتع بالوقت بأفضل ما لديك وبالقدر المتاح لك.

شاهد بالفيديو: 9 خطوات تساعدك على السيطرة على القلق

افعل كل ما تريد بما تملكه من وقت:

هنا عندما يصبح الأمر صعباً؛ وبعد أن قبلت حقيقة أنَّ الزمن لن يتوقف أبداً وقبلت حتى حقيقة أنَّه سيسبب لك دائماً مستوىً معيناً من القلق والخوف، حان الوقت الآن لاستخدام فكرة الموت بوصفه عائقاً إيجابياً؛ وذلك من خلال السماح لنفسك بالعيش والسعي إلى زيادة ودعم خبراتك اليومية، ومع ذلك، نحن البشر عالقون بين الرغبة في المغامرة أو العيش في الوقت الحالي، وفي نفس الوقت، التخطيط لمستقبل آمن ومستقر.

نحن لدينا أهداف قصيرة الأمد وأهداف طويلة الأمد، وفي كثير من الأحيان، تتعارض إحداها مع الأخرى؛ فقد أرغب في السفر إلى "أستراليا" غداً على سبيل المثال، لكن إذا فعلت ذلك، فسوف أضطر إلى ترك وظيفتي وخسارة الضمان المالي وبرنامج المساعدة المالية؛ إذ تُعَدُّ هذه الأمور مصدر قلقٍ مشروع.

ربما يمكن أن يؤدي المستقبل غير المستقر إلى الندم وإلى حياة سلبية في النهاية، كما أنَّ التركيز الشديد على المستقبل يؤدي أيضاً إلى الندم عندما تصل إلى النهاية وأنت تفكر وتندم على كل ما كان عليك فعله في شبابك؛ لذلك، علينا الموازنة بين الأمرين، فلا يوجد سبب يمنعنا من تحقيق ذلك، وفي الواقع، إذا أردنا تحقيق أفضل استفادة من حياتنا، فنحن بحاجة إلى كليهما.

بالنسبة لي، كلما استمتعت بوقتي وقمت بأشياء ممتعة يوماً بيوم وسعيت أيضاً نحو أهدافٍ طويلة الأمد، شعرت بالرضى أكثر عن حياتي وبأنَّني على قيد الحياة؛ لذلك، ومن أجل تحقيق أفضل استفادة من الوقت المتاح وجعله ذا قيمة، عليك أن تكون حاضر الذهن وأن تركز أيضاً على الأمد الطويل.

يمكنك مثلاً التخطيط لقضاء إجازة طويلة في عطلة نهاية الأسبوع أو الذهاب في رحلات إلى المنتزهات الوطنية وأنت ما تزال تعمل في وظيفة مُرضية وتدخر منها من أجل تقاعدك، ويمكنك أيضاً التخطيط لترك وظيفتك والسفر حول العالم، ثم قضاء الأشهر الثمانية عشر القادمة في توفير المال والاستعداد لذلك.

إذا كنت قلقاً بشأن راتب التقاعد على سبيل المثال، فادخر ستة أشهر من نفقات السفر ما عدا السنة الأولى، ثم اقضِ الأشهر الستة التالية في مضاعفة مساهمتك التقاعدية بحيث تكون - عندما تستقيل في شهر حزيران /يونيو - قد وفرتَ نفقات هذا العام.

النقطة الأهم: أن تحيا حياة مُرضية:

النقطة الهامة مما سبق هي أنَّه عليك أن تحيا حياةً مُرضية، لكن من أجل أن تحيا حياةً مُرضية، عليك إنشاء حياة تستفيد فيها من اللحظة العابرة، وأيضاً أن تكون حذراً بشأن اتخاذ القرارات من خلال الاستعداد لمستقبل غير مؤكد، ولا تنسَ أن تستمتع بعطلة نهاية الأسبوع المجنونة تلك، أو تلك الدعوة العفوية لزيارة أحد أقربائك في ولاية أخرى، فهذا هو فعل اختبار الحياة، لكن لا تنسَ أيضاً تحديد أهداف بعيدة الأمد والعمل على لتحقيقها، فهذا هو فعل إعطاء هدف حياتك.

إقرأ أيضاً: ما هي الحياة المُرضية؟ إليك 5 قواعد لتعيش وفقاً لها

هدف الحياة:

أنا أتذكر قول الفيلسوف "آلان واتس" (Alan Watts)؛ إذ يقول: إنَّ الهدف من الحياة هو في تجربتها واختبارها، وهذا الأمر لا يقبل النقاش، والكون - كما يقول - هو كل ما كان من أي وقت مضى وكل ما سيكون، فنحن مكونون من مادة تم إنشاؤها، وتدميرها، وإعادتها مرة أخرى، وبالمعنى العلمي والديني على حدٍّ سواء؛ إنَّه على حق.

فلن يوجد أي شخص مثلك مرة أخرى؛ فالطريقة التي تنظر بها إلى العالم، والطريقة التي تواجهه بها لن تتكرر مرة أخرى، ووجهة نظرك فريدة من نوعها، ومن ثمَّ، فمن واجبك أن تُقدِّر ذلك بقدر ما تستطيع طالما ما يزال بإمكانك ذلك، لكن، ما زلت بحاجة إلى تلك الأهداف المزعجة طويلة الأمد، فلا بأس في السعي من أجل حياة أفضل، لكن فقط تذكر أن تعيش اللحظة وأنت تسعى نحو المستقبل، وهذا ما يذكرني بأحد اقتباساتي المفضلة: "الطريقة الوحيدة التي يمكن بها للشرغوف أن يتحول إلى ضفدع هي أن يعيش كل يوم سعيداً في كونه شرغوفاً".

المصدر




مقالات مرتبطة