كيف تتعامل مع الرفض والفشل في الحياة؟

أنت كشخص، ستواجه الفشل وتتلقى إجابات الرفض حتماً سواء كنت تقضي أيامك في إجراء مكالمات المبيعات أم الترويج للعملاء أو المستثمرين أم إدارة شركة أم في حياتك اليومية؛ ولكنَّ الأشخاص الناجحين هم من يفهمون ما يعنيه الرفض في لحظته، وكيفية تحويله إلى قبول في المحاولة التالية، والتاريخ غني بهذه الدروس.



قال رئيس الوزراء البريطاني "ونستون تشرشل" (Winston Churchill) في حقبة الحرب العالمية الثانية، الذي أبحر وقاد بلاده عبر سلسلة من خيبات الأمل والأوقات الصعبة قبل انتصارهم: "النجاح هو الانتقال من فشل إلى فشل دون أن تفقد حماستك".

ألقى المؤلف "ستيفن كينغ" (Stephen King) مقدمة أول رواية نشرها في سلة المهملات بعد أن رفضته دور النشر؛ ولكنَّ زوجته استعادتها وحثته على إكمال الرواية، وفي النهاية أصبحت تلك الرواية من الكتب الأكثر مبيعاً وفيلماً ناجحاً، وبيع من كتب كينغ التي تلتها أكثر من 350 مليون نسخة، وصُنع عديداً من كتبه الأخرى مشاريع تلفزيونية وأفلاماً مربحة.

قصة أخرى غالباً ما تُذكر في التدريب التحفيزي هي قصة استبعاد الرياضي "مايكل جوردان" (Michael Jordan) من فريق كرة السلة في مدرسته الثانوية بعد تلك النكسة، ذكر جوردان ذات مرة، أنَّه استمر في التعرض للفشل طوال حياته بوصفه لاعب كرة سلة، وفي وقت ما في مسيرته المذهلة؛ إذ خمَّن أنَّه ضيَّع أكثر من 9000 تسديدة، وخسر ما يقرب من 300 مباراة، وضيَّع 26 تسديدة كان يمكن أن تغير نتيجة المباراة إلى الفوز.

قال جوردان في إعلان لا ينسى لشركة "نايكي" (Nike): "فشلت مراراً وتكراراً في حياتي، وهذا هو سبب نجاحي"، وقد فاز جوردن بلقب بطل الدوري الأميركي للمحترفين لست دورات، ولُقب أفضل لاعب خمس مرات، واستثمر نجاحه في الملعب لبناء علامته التجارية العالمية.

المجال مختلف؛ ولكنَّ العملية هي نفسها للنجاح في مواجهة الرفض في الأعمال؛ إذ يقول هوبكنز الذي بدأ مهنته في المبيعات في مجال العقارات: "أول ما ستدركه هو أنَّه ما من حل سحري لإتمام كل صفقة ففي بعض الأحيان تعلم أنَّك لن تحصل على شيء، والمفتاح هو إدراك أنَّ هذا لا يعني الفشل".

بالمثل تتعرض للرفض والمشاعر السلبية التي يخلفها في مواقف مختلفة في العمل يومياً، لكن عند التفكير فيها من وجهة نظر صحيحة ستلاحظ أنَّها في الواقع تؤدي إلى المنافسة الصحية وتضمن مستوى عالٍ من أداء العمل، وغالباً ما تكون هذه المواقف صعبة؛ ولكنَّ لحظات الرفض المتعددة هي فرص للتعلم كما تشير "سوزان هيثفيلد" (Susan Heathfield): مستشارة التطوير التنظيمي منذ عام 1987.

تقول هيثفيلد التي عملت مديرة للموارد البشرية، وشاركت في تأسيس شركة برمجيات مع زوجها: "يرسل الرفض رسالة قوية؛ لذا يجب عليك التأكد من أنَّك تقرأ الإشارات الصحيحة في أيِّ رفض تتعرض له، ويمكنك التعلم والرد على الرسالة فقط إذا كنت على استعداد للتحلي بالشجاعة وطلب التغذية الراجعة بعد التعرض للرفض".

معاني الرفض:

يقول هوبكنز الذي أدار مكتب "كولدويل بانكر" (Coldwell Banker) العقاري الرائد لعدة سنوات: "لن يوافق المواطن الأمريكي العادي على إنفاق المال حتى يعترض أو يرفض شيئاً ما أولاً، ويجب أن تتعلم كيفية التعامل مع هذا المفهوم، وكيف تتابع الحوار وتستمر بالتقدم معهم حتى تحصل على الموافقة، لقد وجدت على مر السنين أنَّ الرجال الذين كسبوا أكبر قدر من المال تعرضوا للرفض، ولم يأخذوا الأمر على محمل شخصي".

ألَّف هوبكنز 18 كتاباً، منها: "كيف تتقن فن البيع؟" (How to Master the Art of Selling)، بيعت منه أكثر من 1.4 مليون نسخة في عام 1976، وأسس شركة "توم هوبكنز إنترناشيونال آي إن سي" (Tom Hopkins International Inc)، والتي أنتج بواسطتها ندوات، وكتباً، وبرامج تدريب صوتية ومرئية، وحضر أكثر من 4 ملايين شخص ندواته في أنحاء العالم جميعه.

أخبر الجمهور في إحدى جلساته: إنَّه إذا كان أطفالهم مطيعين فقد أجروا نوعاً من عمليات البيع في تربيتهم، وإذا حصلوا على ترقية بدل المرشحين الآخرين، فقد أجروا بعض عمليات البيع التي أدت إليها، وإذا ظلوا متزوجين فإنَّ الزوجين كليهما يتقنان فن البيع إتقاناً رائعاً.

يقول: "هدفي إقناعهم بأنَّ البيع ليس أمراً سيئاً، ولا يعتمد على الحظ والذكاء والكاريزما كما يعتقد معظم الناس؛ بل هو علم، أساسه التغلب على الخوف من الرفض، ثم تعلُّم ما تقوله للتغلب على الرفض".

يوضح أنَّ للرفض أشكال مختلفة: "يكون السبب أنَّ الناس بحاجة إلى مزيد من المعلومات، أو أنَّهم يحتاجون حقاً إلى التفكير ملياً في الأمر، وسيعاودون الاتصال بك.

كلُّ رفض هو مجرد مفترق طرق، وعليك أن ترى إلى أين يقودك هذا المسار الجديد، هل هو طريق مسدود أم أنَّه طريق يؤدي إلى مكان آخر؟".

شاهد بالفيديو: 7 طرق مضمونة للفشل في الحياة!

فيما يأتي بعض التعريفات لمرادفات الرفض وما يمكن أن يعنيه الرفض الأولي في مكالمة المبيعات:

1. أنا محتار:

ربما لم يحصل العميل على الرد على جميع أسئلته واستفساراته بعد؛ لذا تابع معه، فعملية تثقيف العميل جزء من عملية البيع، ويقول هوبكنز: "إذا طلب المشتري باستمرار مزيداً من المعلومات بعد محاولتك الأولية لعقد الصفقة، فقد حان الوقت لإجراء تعديل على أسلوبك في العرض، تحقق لتحديد الأجزاء غير الواضحة وسد هذه الثغرات".

2. الآن ليس الوقت المناسب:

قد يكون رفض المشتري مجرد وسيلة لإبطاء عملية البيع؛ إذ يرفض بعض الأشخاص في البداية جميع العروض بوصفها آلية دفاع، ربما يحتاجون وقتاً للتفكير؛ لذا اترك المجال لهم لفعل ذلك.

3. يفوتك شيء ما:

ربما لم يخبرك المشتري بكلِّ شيء عن ظروفه واحتياجاته ونطاق السعر.

4. ليس مناسباً تماماً:

قد يعني رفض المشتري أنَّه يبحث عن مقاس أو لون مختلف، أو سعر مختلف، اطرح الأسئلة لاستيضاح ما يقصده العملاء المحتملين برفضهم.

5. لست البائع المناسب:

في بعض الأحيان لا تتمكن من تكوين علاقة شخصية مع العميل لإجراء عملية البيع؛ لذا من الهام ترك انطباع أولي قوي لدى المشترين؛ فكن صادقاً ومهذباً.

يقول هوبكنز إنَّ التعامل مع الرفض ليس امتحاناً لقوة الإرادة؛ بل هو مسألة استعداد ومنظور وموقف.

تعدد الأساليب:

إحدى الإحصاءات التي لا يدركها معظم الناس هي أنَّ كبار المنتجين لا يعقدون الصفقة حتى يحاولوا خمس مرات؛ ممَّا يعني أنَّهم يجربون خمسة أساليب مختلفة تقريباً، ولهذا يجب أن تتعلم تحويل الرفض إلى احتمال قبول، ثم تحويل احتمال القبول إلى قبول. بالطبع يحصل معظم هذا بالكلمات التي نقولها.

إنَّ النشاطات الأساسية الثلاثة في أيِّ عملية مبيعات هي الإدلاء بالتصريحات وطرح الأسئلة والتزام الصمت؛ لذا تطرَّق إلى كلِّ تفاصيل العرض، واطرح أسئلة عن احتياجات المشتري، واطلب من المشتري اتخاذ إجراء، ثم التزم الصمت حتى يتحدث هو.

سيوافق الناس تبعاً لمهارتك في الإقناع أكثر من معرفتك بالمنتج أو مهاراتك التقنية، إنَّ عدم الإصغاء إلى ردود العميل هو أحد أسوأ الأشياء التي يمكن لمندوب المبيعات القيام بها في أثناء تقديم عرض.

توجد ثلاثة أنواع من المستمعين: المستمع السيئ الذي لا يسمع معظم الكلمات؛ لأنَّ تركيزه كاملاً ينصب على ما سيقوله بعد ذلك، والمستمع العادي الذي يسمع ربما نصف الكلمات، والمستمع المتعاطف الذي يركز تركيزاً كبيراً لدرجة أنَّه يسمع حتى الرسائل التي تخفيها الكلمات، والتي يكون كثيراً منها حواجز دفاعية يبنيها الناس لأنَّهم متوترون وخائفون من عملية البيع".

تلاحظ هيثفيلد أنَّ الإصغاء بعناية يمكن أن يثير التفكير الإبداعي، وتقول: "إذا اكتشفت أنَّ سبب الرفض هو ارتفاع أسعارك، فحاول معرفة ما إذا كان ثمة شيء يمكنك القيام به، وبدلاً من ذلك يستسلم معظم الناس في هذه المرحلة".

يروي هوبكنز قصة رجل جاء إليه بعد ندوة وقال إنَّ حضور إحدى جلساته قبل عامين قد غيَّر طريقة عمله وحسَّن حظه جداً، ويقول هوبكنز: "أخبرني أنَّه كان ضابطاً متقاعداً في القوات المسلحة، وقد فشل فشلاً ذريعاً في المبيعات في البداية؛ لأنَّه كان يحاول أن يأمر زبائنه بشراء ما يحتاجونه، ولكنَّه أصغى إلى ما قلته في الندوة السابقة عن الإصغاء، وأصبح أحد أكثر الموظفين إنتاجيَّةً في شركته".

إقرأ أيضاً: 10 فوائد للرفض ستثير إعجابك بالتأكيد

حين يستمر الرفض:

فهم متى يكون الرفض قطعياً أمر بالغ الأهمية، وعدم فهم ذلك يمكن أن يضر بأيِّ تعامل تجاري مستقبلي مع عميل محتمل، يقول هوبكنز: "أحب أن أخبر الناس أنَّ الرفض هو مجرد الجزء الأول، على سبيل المثال، قل: إن رفضت عرضي الليلة، سيد جونسون، فلن تكسب شيئاً من الفوائد التي أقدمها، ثم اترك السيد جونسون يفكر في ذلك دون أيِّ ضغط إضافي".

ينصح هوبكنز على أي حال، ابقَ إيجابياً، فإذا أجريت ثلاث مكالمات مبيعات فاشلة متتالية وشعرت بالإحباط، لا تدعها تؤثر في المكالمة الرابعة، إحدى الصيغ التي يوصي بها هوبكنز هي ربط مكالمات المبيعات غير المثمرة بالصفقات التي تبرمها.

يقول هوبكنز: "وفق نسبتك للصفقات المبرمة، احسب عدد جهات الاتصال التي تحتاج إلى التواصل معها تواصلاً متوسط​اً​ لإجراء عملية بيع واحدة، على سبيل المثال، إذا أبرمت صفقة مع جهة اتصال واحدة من بين كل خمسة جهات اتصال، وربحت 1000 دولار لكل عملية بيع؛ فهذا يعني أنَّ كلَّ مكالمات الرفض الأربعة تقربك خطوة واحدة من 1000 دولار.

لذا قل لنفسك إنَّ كل واحدة منها تكسبك 250 دولاراً في هذه العملية، وعندما تسمع رفضاً قاطعاً، اشكر الزبون على مبلغ 250 دولاراً"، فكل مكالمة مبيعات هي فصل جديد في التفاوض.

أنتج "مشروع مفاوضات هارفارد" (The Harvard Negotiation Project)، والذي أُنشئ في "كلية الحقوق بجامعة هارفارد" (Harvard Law School) في عام 1979 للنظر في القضايا العالمية التي تنطوي على صراعات بين الدول، كتباً مثل "الوصول إلى القبول: المفاوضات على الاتفاقية دون استسلام" (Getting to Yes: Negotiating Agreement without Giving in)، من تأليف "بروس باتون" (Bruce Patton) و"ويليام يوري" (William Ury) و"روجر فيشر" (Roger Fisher)، والذي طوَّر نظرية "التفاوض المبدئي" التي تناقش كيفية فصل مشكلات العلاقة الموجودة مسبقاً عن المناقشات المطروحة الآن والتركيز على مصالح كلِّ جانب، وكيفية تطوير خيارات لتحقيق مكاسب متبادلة، وكيفية استخدام معايير مستقلة للعدالة لتجنب صراع مطول.

إقرأ أيضاً: الرفض هو إعادة التركيز على شيء أفضل

دور المدير:

تستند عملية التسويق في "مشروع مفاوضات هارفارد" (The Harvard Negotiation Project) إلى ثلاثة معايير؛ يجب أن ينتج عنها اتفاق معقول، وإذا كان الاتفاق ممكناً فيجب أن يكون فعالاً، ويجب أن يحسن أو على الأقل لا يلحق الضرر بالعلاقة بين الأطراف.

تقول هيثفيلد: "أعتقد أنَّ الجزء المتعلق بحماية العلاقات هام خاصة في قضايا مكان العمل"، والعامل الرئيس الذي يجب أن يتذكره رواد الأعمال وغيرهم من المديرين هو أنَّه عندما يقدِّم الموظف فكرة ما يجب أن ترد عليها، فإذا كانت إجابتك الرفض أخبرهم، بالجوانب التي أحببتها في تلك الفكرة، وأسباب كونها غير مناسبة في تلك اللحظة؛ إذ يعرفون أنَّك سمعتهم، وامنح الموظف إجابة فعلية عن سبب عدم تنفيذ فكرته".

تؤكد هيثفيلد أنَّه في كثير من الأحيان عندما يقدم الموظفون أفكارهم، يحدث انقطاع في التواصل؛ لأنَّ هناك خوفاً من جرح المشاعر: "لا أحد يستجيب، يُترك الموظف معلقاً ولا يعرف ما الذي يحدث في حالات تكون فيها الردود البسيطة كفيلة بحلِّ هذه المشكلة برمتها ومعالجتها".

عندما لا يتلقى الموظفون أية تغذية راجعة لن يعرفوا ما يجب أن يغيروا؛ لذا يكررون ما فعلوه، ويستمرون في طرح الفكرة نفسها على أمل أن يتمكنوا من إقناعك، وغالباً ما ستجدهم مزعجين لأنَّهم يطرحونها مراراً وتكراراً حتى يصيبوك بالجنون، لكن إذا كنت مديراً أو رب عمل وكان لديك أحد موظفيك يفعل ذلك، يجب أن تعرف أنَّ ذلك خطؤك، لأنَّك لم توضح لهذا الشخص بأنَّك سمعته وفهمته حقاً، وفكرت بموضوعية في فكرته، ورفضتها لأسباب محددة شرحتها له".

تقول هيثفيلد: إنَّ الانفتاح على هذه التغذية الراجعة وتقديمها، وامتلاك القدرة على التعامل معها ومناقشتها أمر بالغ الأهمية لموظف لديه فكرة، أو أي شخص يحاول البيع.

تقول هيثفيلد: "يعمل لدينا أنا وزوجي 300 موظفاً، وحين يحتاج أحدهم إلى التغذية الراجعة الجادة مني أقدمها له، فهذا جزء من التقييم الصادق ومن واجبي أن أخبرهم الحقيقة".

شاهد بالفيديو: كيف تتعامل مع الرفض والفشل في الحياة؟

في الختام:

التقييم الذاتي الدقيق والقدرة على الاستجابة للتغذية الراجعة والنظر إلى الرفض من وجهة نظر صحيحة كلُّها أدوات قوية عند إجراء مكالمات المبيعات سواء كنت خارج نطاق ريادة الأعمال أم في بيئة قيادية.

لقد أثبت التاريخ ذلك في مرات عديدة؛ فقد قضى "روبرت إم بيرسيج" (Robert M. Pirsig) أكثر من أربع سنوات في كتابة "زِن وفن صيانة الدراجات النارية" (Zen and the Art of Motorcycle Maintenance) في الساعات الأولى من الصباح قبل الذهاب إلى العمل في وظيفته اليومية بوصفه كاتب عقود، وبعد كل هذا رفض الناشرون الكتاب 121 مرة، الأمر الذي أدخله في موسوعة غينيس للأرقام القياسية لأكثر كتاب رُفِض وأصبح من الكتب الأكثر مبيعاً.

رفضت "جامعة جنوب كاليفورنيا" (The University of Southern California) المخرج الشهير "ستيفن سبيلبرغ" (Steven Spielberg) مرتين على الأقل، ولاحقاً حصل المخرج على درجة فخرية في عام 1994، وأصبح بعد ذلك بعامين عضواً دائماً في مجلسها.

رفض أكثر من 1000 مطعماً وصفة "هارلاند ديفيد ساندرز" (Harland David Sanders) لتتبيل الدجاج قبل أن يقبلها شخص ما أخيراً وتتحول إلى سلسلة المطاعم "كنتاكي فرايد تشيكن" (KFC).




مقالات مرتبطة