كيف تتعامل مع الأزمات؟

ذكر القرآن الكريم أزمة النبي "يونس" عندما ابتلعه الحوت، وكذلك النبي "يوسف" عندما قص عليه ملك مصر رؤياه، واستنتج قدوم السنوات العجاف وبدأ بالتخطيط لتلافي الأزمة القادمة بضرورة تخزين الحبوب لمواجهة تلك الأزمة القادمة على مصر.



الأزمات ليست وليدة العصر الحالي شأنها شأن التكنولوجيا؛ بل هي مرتبطة بوجود الإنسان منذ الخليقة، وبدأت مع بدء الحياة على هذه الأرض، وقد يكون المقصود بالأزمة حدوث فيضان أو انقطاع الكهرباء بشكل مستمر أو تدمير محطة كهرباء أو حدوث مجاعة أو حرب وما إلى ذلك، كما يمكن أن تكون الأزمة مدبَّرة من قِبل شخص محدد أو مجموعة معينة مثل سرقة حاسوب شخصي أو عمليات الإرهاب، كما يمكن أن تحدث الأزمة نتيجة لتغير القيم السائدة أو حتى لتغير في السلوك أو أنماط العيش وغير ذلك.

لذا يمكن القول إنَّنا نعيش ضمن مجتمع تعصف فيه الأزمات من كل حدب وصوب، فهذا المجتمع يمثل جزءاً من عالم مليء بالأزمات؛ عالم التحالفات والانقسامات وعالم الصراعات الكبرى والمصالح المتضاربة والمتعارضة وعالم يفتقر إلى أبسط أنواع احترام الآخر.

لقد تسببت الأزمات عبر العصور بكوارث وخسائر لحقت بالإنسان وأضرار جسيمة أصابته، كما أثرت في وجود منظمات واندثار حضارات، فهي بلا شك تمثل عقبة في وجه التنمية الاجتماعية والاقتصادية وخطراً على المستوى الفردي وعلى مستوى المنظمات والبلدان وعلى الوجود الإنساني ككل، فما هي الأزمة؟ وما هي أنواعها؟ وما هي أسباب حدوثها وآثارها؟ وكيف يمكن لنا إدارتها بحيث يقل تأثيرها والأضرار الناجمة عنها؟

ما الذي نقصده بالأزمة؟

الأزمة مأخوذة من الكلمة اليونانية (Krinein) التي تعني اتخاذ القرار. وفي القديم استُخدمت للإشارة إلى مرحلة حاسمة سواء للأفضل أم للأسوأ، وعموماً يمكننا القول إنَّ الأزمة هي فترة حرجة أو حالة من عدم الاستقرار تربك الفرد والمجتمع وتهدد موارده وأنظمة الحكم الموجودة فيه، ومن ثمَّ أفراد المجتمع عامة.

تحدث الأزمة نتيجة للتغيرات في البيئة الداخلية أو الخارجية المحيطة بالفرد، وهي أمر مزعج وغير محبب للنفس تدفع الفرد للشعور بعدم الاستقرار والتغير المربك والقلق من اتخاذ أي قرار، فهي بمنزلة لحظة حاسمة وحرجة ومشكلة صعبة لدى متخذ القرار؛ إذ يصبح كل قرار يقوم باتخاذه ضمن دائرة عدم التأكد واختلاط الأسباب بالنتائج الأمر الذي يزيد من حالة الإرباك ودرجة المجهول في التطورات اللاحقة اللازمة.

كما يقال عن الأزمة إنَّها مرحلة تُحدَّد بحدوث تغيير جذري في العلاقة كالتحول من السلم إلى الحرب، إذاً الأزمة هي ظرف انتقالي يتسم بعدم التوازن ونقطة تحول تتحدد في إثره أحداث المستقبل.

أنواع الأزمات:

  • أزمة من صناعة الإنسان: هي التي تنشأ بفعل الإنسان كالتلوث الذي يصنعه في البيئة التي يعيش فيها وتأثيره في الحياة في الطبيعة، والمجموعات الإرهابية التي يشكلها ويحيا ضمنها ويسبب وجودها أزمة حقيقية للآخرين، والمواد الكيميائية التي يصنعها وتصل إلى المياه، وأزمات الحكم والسلطة في مختلف البلدان.
  • أزمات طبيعية لا يد للإنسان بها: مثل الزلازل والفيضانات وعدم تساقط الأمطار وحدوث الجفاف.
  • أزمة من حيث الهدف: ابتزاز إنسان لإنسان لإنهاء قضية محددة، واعتداء على ممتلكات الآخرين الخاصة والعامة.
  • أزمة من حيث المستهدف: مثل الاعتداء على شخص بعينه.
إقرأ أيضاً: "التدفق": تحقيق التوازن بين التحدّيات والمهارات المطلوبة لإنجازها

أسباب حدوث الأزمات عموماً:

صراع المصالح:

إنَّ السبب الأول لحدوث الأزمات أو قيامها هو التضارب في المصالح والخلافات التي تنشأ نتيجة لذلك، سواء على المستوى الدولي أم المحلي أم داخل المنظمات، فلكل دولة أو منظمة أو فرد أهداف ومصالح خاصة، وغالباً ما تكون متعارضة مع مصالح وأهداف الآخرين، وهنا يبرز الدافع لإحداث أزمة للآخر والتخلص منه أو التقليل من خطره وتأثيره.

الإرهاب والعنف المتعب في مكان ما.

سوء الفهم:

ينشأ سوء الفهم عن وجود جانبين أحدهما عجز عن إيصال المعنى الذي يقصده إلى الآخر.

سوء الإدراك:

يُعَدُّ الإدراك من مراحل تكوين السلوك، فاستقبال المعلومات بشكلها الصحيح يؤدي دوراً محورياً في تشكيل السلوك الصحيح، فإذا كان الإدراك غير واضح أو تم إدراك الأمور بشكل مشوه ومغاير للواقع كان بداية لتشكل سلوك قد يقود لحدوث أزمة.

عدم التقييم بالشكل الصحيح:

يُعَدُّ سوء التقييم من أكثر الأسباب شيوعاً لحدوث الأزمات لا سيما الأزمات العسكرية.

سوء التخطيط:

ينجم سوء التخطيط عن الإدارة السيئة سواء إدارة دولة أم إدارة منظمة، فالتخطيط العشوائي هو باعث المشكلات والأزمات.

شاهد بالفديو: 6 طرق تساعدك على التخطيط لحياتك

الابتزاز:

هو رغبة فرد أو منظمة أو دولة في جني أرباح غير عادلة على حساب الآخرين.

استعراض القوة والتباهي:

غالباً يتم من قِبل الكيانات الكبيرة لتصغير وتحجيم الكيانات الصغيرة، كما يتم من خلال المنظمات الطموحة عندما تمتلك بعض عناصر القوة وترغب في معرفة مدى تأثيرها في المنظمات الأصغر ورد فعل المنظمات الأكبر منها؛ إذ تبدأ هذه العمليات الاستعراضية دون احتساب للنتائج أو الأخطار التي يمكن أن تنجم عنها.

الأخطاء البشرية:

كانت الأخطاء البشرية سبباً في حدوث الأزمات وليس فقط في العصر الحديث؛ بل على مر العصور المختلفة.

الأزمات المعدَّة بشكل مسبق والمخطَّط لحدوثها:

ربما تقوم دولة من الدول بتتبع مسار دولة أخرى لمعرفة احتياجاتها ووقتها والتخطيط لإحداث أزمات لها، كما يمكن لمنظمة ما تتبع مسار منظمة أخرى فتكون على علم بخططها للتقدم والنمو وعمليات التشغيل ومراحل الإنتاج والتسويق واحتياجات كل مرحلة، ومن ثم يمكن إنشاء أزمة لها في أيَّة مرحلة.

تجاهل إشارات الإنذار المبكر:

يؤدي تجاهل الإشارات المبكرة إلى تفاقمها والتحول إلى أزمة، مثل تجاهل الظواهر التي تشير إلى حدوث الجفاف والاستمرار بإهدار المياه أو تجاهل شكاوى العملاء بالنسبة إلى منظمة ما.

آثار الأزمات:

ينتج عن حدوث الأزمات في الغالب نتائج كارثية تؤثر تأثيراً سلبياً في الجميع، فمثلاً من الآثار الناتجة عن الأعمال الإرهابية كالهجمات على أبراج التجارة العالمية في "نيويورك" في 11 أيلول/ سبتمبر في عام 2001 توقُّف السياحة والاستثمارات وتغيرات كبيرة في الأسواق المالية وغير ذلك.

مثال آخر عن الآثار الناجمة عن تفشي الأوبئة والأمراض مثل جائحة كورونا التي أوقفت عجلة الحياة في العالم لفترة لا بأس بها من الزمن، وأثرت في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والسياسية وغيرها، ففي الغالب تؤثر الأزمة في كافة الجوانب.

توجد مجموعة من الأمثلة الأخرى التي توضح الأثر الخطير للأزمات منها:

  • انتشار أنفلونزا الخنازير في المملكة المتحدة في عام 2009: إذ بينت الدراسات أنَّ المملكة المتحدة فقدت نحو7 مليون سائح.
  • انتشار وباء (الحمى القلاعية) في المملكة المتحدة في عام 2001: وقد تسبب في الخسارة في قطاع السياحة وإغلاق الفنادق والمطاعم، كما نتج عنه الخسارة في قطاع الزراعة مثل إنتاج الحليب والتوقف عن إنتاج اللحوم.
  • انتشار وباء "السارس" الذي بدأ في عام 2003: أدى هذا الوباء إلى وفاة 744 إنساناً، كما أدى إلى خسارات اقتصادية بمقدار 4 مليار في "الصين" و6 مليار في "كندا" و5 مليار في "سنغافورة".
  • انتشار الأنفلونزا الإسبانية في عام 1918: فقد أدت إلى وفاة ما يقارب 100 مليون إنسان وانخفاض كبير في الناتج الإجمالي، وقد وصل الانخفاض في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 11%.

إدارة الأزمة:

ترتبط إدارة الأزمة بالإدارة العامة ومفاهيمها، فإدارة الأزمة عبارة عن نشاط هادف يقوم على البحث عن المعلومات اللازمة والموثوقة التي تمكِّن الإدارة من التنبؤ باتجاهات الأزمة ومسارها المتوقع وبدء التحضير للتعامل معها، عن طريق اتخاذ الإجراءات التي تسمح بالتحكم فيها والتقليل من أخطارها قدر الإمكان.

تعني إدارة الأزمة كيفية التغلب على الأزمة وتجاوزها بالأدوات الإدارية والعلمية والتخفيف من سلبياتها والاستفادة من إيجابياتها إن وجدت، فعلم إدارة الأزمات هو علم تحقيق التوازن من خلال الاستعدادات الإدارية التي تُبذل للحد من الدمار المترتب على الأزمة.

إقرأ أيضاً: 3 أساليب تساعدك على الحفاظ على التركيز والإنتاجية في ظل الأزمات

تمر إدارة الأزمة عادةً بخمس مراحل هي:

  • اكتشاف الإنذارات: عادة ترسل الأزمة قبل حدوثها مجموعة من الإشارات التي تنذر بقرب حلول الأزمة، ويُقصد باكتشاف الإنذارات تشخيص الأعراض والمؤشرات التي يسبب تجاهلها أو عدم الانتباه إليها الوقوع في الأزمة.
  • الاستعداد والوقاية: يُقصد بها التحضير المسبق للتعامل مع الأزمة لمنع حدوثها أو التقليل من آثارها المحتملة.
  • احتواء الأضرار: يُقصد بها تنفيذ الخطوات التي تم اتخاذها في المرحلة السابقة للحد من أضرارها.
  • استعادة النشاط: هنا يجب أن تتوفر خطط متنوعة قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد لإعادة الوضع لما كان عليه قبل الأزمة وإعادة التوازن.
  • التعلم: هو الدروس المتعلَّمة والمستخلصة من الأزمة التي وقعت ومراجعتها باستمرار وعدم الإلقاء بها في طي النسيان.

في الختام:

توصَف الأزمة بأنَّها حالة خطيرة وغير متوقعة وواسعة النطاق تؤدي إلى حالة من الخوف والفوضى، وتحدث في كل زمان ومكان؛ إذ أصبحت في العصر الحالي الذي نعيش فيه والمليء بالتغيرات والمستجدات أمراً متوقع الحدوث لجميع مكونات المجتمع من أفراد ومنظمات وكذلك على المستوى الدولي، فكلما وُجدت المرونة أكثر تم تحقيق التأقلم مع المتغيرات، ومن ثمَّ نجحنا في التعامل مع الأزمة والحد من آثارها وأخطارها.




مقالات مرتبطة