كيف تترك إرثاً كبيراً في الحياة والعمل؟

عندما كنت طفلاً، عشت في المقاطعة الكندية "كولومبيا البريطانية" (British Columbia)؛ حيث كان والدي يطوِّر تجارته في العسل، ثم تاجَر في الجرانولا مع عمي، وقد حقَّقا أرباحاً كبيرة، لا سيما في أواخر السبعينيات، بعد ذلك، أطلعني والدي على التطوُّر الشخصي من خلال إهدائي نسخة من كتاب "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس" (How to Win Friends and Influence People)، كما علَّمني أنَّ العمل الجيد لا يتعلق بالأرقام بل بالأشخاص.



عندما صار مستثمراً في النفط والغاز، انتقلنا إلى العيش في المدينة الأمريكية "أوكلاهوما سيتي" (Oklahoma City)، وهناك، ساعد 12 شركة على طرح أسهمها للاكتتاب العام من خلال الاندماج العكسي؛ أي استحواذ شركة خاصة على أسهم شركة عامَّة؛ ممَّا يؤدي إلى تحوُّل الشركة الخاصة إلى عامَّة دون زيادة رأس المال ودون اكتتاب أولي.

يُعدُّ الاندماج العكسي طريقة أقل تكلفة واستغراقاً للوقت للاكتتاب العام؛ وهي طريقة لا تتطلب زيادة رأس المال للطرح العام الأوَّلي التقليدي، لقد تعلَّمت الكثير في تلك السنوات بعد أن ساعدت المستثمرين في العلاقات العامة والمهام الأخرى، بالإضافة إلى ذلك، فقدَ أبي كل أمواله أيضاً في تلك السنوات؛ فالاستثمار عمل صعب وغير مضمون.

لكنَّه نهض مرَّة أخرى واستمر، وفي عمر الـ 84، استمر في المجازفة، والمحاولة والفشل في أشياء جديدة؛ وهذا هو معنى أن تكون رائد أعمال، لقد أخبرني ذات مرة أنَّ تولِّي وظيفة، أكثر خطورة من بدء عمل تجاري؛ إذ يمتلك الكثير من الأشخاص الإمكانات، ولكن تمنعهم منطقة الراحة من تحقيق إمكاناتهم الكاملة، وهذا ما ورثته عن أبي، حياة الحرية والمخاطرة.

بالنسبةِ إلي، لا يدور الإرث حول العامل المادي فحسب، على الرغم من أهمية ذلك لأطفالك وأحفادك؛ بل يتعلق أكثر بالسمعة، والذكريات التي تتركها للآخرين، وما إذا كنت مصدر إلهام لهم، والمواقف التي اتِّخذتها في حياتك، وقيَمك التي صمدت أمام اختبار الزمن.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لرواد الأعمال للبدء بعمل تجاري

يشبه التفكير في الإرث الذي ستتركه أن تسأل نفسك "لماذا؟":

  • لماذا أنشأت هذا العمل؟
  • لماذا أُقدِّم التضحيات لتعزيز هذا العمل؟
  • لماذا اخترت السير في هذا الطريق وماذا آمل أن يؤدي بي في النهاية؟

ولكنَّ الأمر الأصح بالنسبةِ إلي، هو أن تسأل نفسك "لمَ لا؟":

عليك أن تفعل شيئاً في الحياة، وسوف يُمكِّنك السؤال الذي يبدأ بـ "لمَ لا" من تحقيق ذلك، حتى عندما تصل إلى نقطة يمكنك فيها التقاعد، سوف تستمر حتى لا تفقد هويتك، وعندما تستمر في بناء أهدافك والسعي إلى تحقيقها، يزداد تأثيرك في الحياة، وهذا ما يفعله روَّاد الأعمال.

بالنسبةِ لي، أرى أنَّ الأهداف مستمرة؛ لذا بغضِّ النظر عن مكانك أو ما تفعله، يمكنك دائماً إحداث المزيد من التأثير، وتُعدُّ إحدى الطرائق التي أحاول بها قياس ذلك في الشركات التي أقودها هي صافي نقاط الترويج (NPS)؛ وذلك من خلال طرح سؤال واحد بمقياس من واحد إلى 10: ما مدى احتمالية أن توصي بهذه - الخدمة أو المنتج أو الشركة - لزميلٍ أو صديق؟ وبناءً على الإجابة، نحدد المحفِّزات والمشكلات الرئيسة داخل الشركة؛ ممَّا يسمح لنا بالتركيز على أبسط الأمور التي تساهم في سعادة الموظف والعملاء وتطوُّر الشركة.

إقرأ أيضاً: الاستراتيجية التسويقية التي ستغير قواعد اللعبة للشركات الناشئة

بالنسبةِ لي، يُعدُّ صافي نقاط الترويج مؤشراً على مدى جودة بناء الإرث الذي أُخطط لتركه، ومؤشراً على مدى جودة إصغائي لمن حولي؛ فهدفي هو أن أضيف قيمة للآخرين دائماً، ولكن إذا كانت درجتي في صافي نقاط الترويج تدور حول ثلاثة أو أربعة من أصل 10؛ فيعني هذا أنَّني لا أضيف قيمة كافية أو أضيفها في المكان الخاطئ.

عندما تفكر في إرثك، لا تُقْصِر تفكيرك على أرقام الربح وحجم عملك؛ بل ابحث عن مشكلة طويلة الأمد لم تتمكن من إيجاد حل لها وحلها بنفسك، ومن خلال القيام بذلك، ستخلق إرثاً من الابتكار، وسوف تضيف قيمة للآخرين، قد تعرف بالفعل بعض الأشياء التي يمكنك القيام بها، وسيكون هناك الكثير من العمل الذي يتعيَّن عليك القيام به، ولكن عندما تنتهي منه وتلقي نظرة عليه، سترى مدى التقدم الذي أحرزته؛ وهذا إرث يستحق البناء.

المصدر




مقالات مرتبطة