كيف تتخلى عن جراح الماضي؟

منذ ولادتنا وحتى نبلغ سن الرشد، يواجه معظمنا آلاماً عميقةً وهائلة، لقد تعرَّض بعضنا للإيذاء الجسدي أو النفسي، ثم تُركنا لكي نُشفى وحدنا، وفي أكثر مراحل حياتنا ضعفاً وحساسية، تأثَّرنا بعيوب الآخرين، واضطررنا إلى دفن براءتنا وحبنا للحياة في أعماق أنفسنا، ولكن مهما تلاشت براءتنا وتقديسنا للحياة، فنحن نستطيع استعادة رغبتنا الفطرية في الحياة، ولا يجب أن يؤثر ماضينا في مستقبلنا، وما زالت حياتنا تستحق أن نحبها ونعيشها.



التجارب المؤلمة في الطفولة:

في الوقت الحالي، يوجد العديد من الأطفال الذين لا يحصلون على أي محبةٍ من آبائهم، ويتعرض عدد كبيرٌ من الأطفال للضرب بعنف من قبل أحد الوالدين لارتكاب خطأ بسيط وبريء، كما يتعرض الأطفال المصابون بالتوحد بكثرةٍ للتنمر في المدرسة.

اليوم، يُطلب من المراهقين الذين تعرضوا للتنمر عاماً بعد عام، الخروج إلى العالم وتحقيق النجاح، حاملين معهم ماضيهم العقيم الذي يجعلهم يشعرون بلا وعيٍ بأنَّهم أقلُّ كفاءةً من غيرهم، ويجب ألا ننسى أنَّ الكثيرين تعرضوا للإيذاء والمعاملة السيئة في المنزل.

وفقاً لموقع "تشيلدرين رايتس دوت أورج" (Childrensrights.org)، يوجد 4.1 مليون تقرير عن إساءة معاملة الأطفال في الولايات المتحدة، والتي شملت أكثر من 7.4 مليون طفل؛ لذا سيكون من الصعب على العديد من هؤلاء الأفراد المضي قدماً في حياتهم بالشكل الذي يريدونه، لأنَّ الماضي يؤثر عليهم سلباً، ولن يتلقى الجميع المساعدة التي يحتاجونها، فلن يقوم كل فردٍ بما يحتاج للقيام به كي يتعافى من جراح ماضيه، وبالنسبة إلى الكثيرين، فإنَّهم يكملون حياتهم دون أي محاولةٍ للتغيير.

لكن في الحياة، لا يكفي أن نُدبِّر أمرنا فقط، بل علينا أن نسعى إلى الازدهار وبلوغ أقصى الإمكانات، فإذا كنت تعاني من آلام الماضي، فإنَّك لست وحدك، وفي هذا الشعور بعض العزاء، ولكنَّه لا يكفي.

مساوئ النهج الحديث لتحسين الذات:

مع انتشار مقاطع الفيديو التحفيزية لأمثال إريك توماس (Eric Thomas) وغاري فاينيرتشوك (Gary Vaynerchuk) وتوني روبينز (Tony Robbins)، قيل لنا إنَّ الطريق إلى حياة أفضل هو من خلال العمل الجاد والحماسة وبعض الاستراتيجيات الذكية، ورغم وجود بعض الحكمة والقيمة في هذه الأفكار المنتشرة اليوم، لكنَّ هذا النهج الشائع يتجاهل أي فهمٍ حقيقي للعناصر التي تُكوِّن هوية الإنسان.

بالنسبة إلى الكثيرين منا، لن يساعدنا شيءٌ على المضي قدماً ما لم نشفِ جراح ماضينا، فلا يمكن للحديقة أن تنمو ما لم نعتني بجذورها، ولا يمكن لتربةٍ أن تُنبِت أزهاراً جميلةً إذا كانت خاليةً من الغذاء؛ لذا علينا أن نتراجع خطوةً إلى الوراء ونسترجع قصة حياتنا، وكيف كوَّنت هذه القصة هويتنا اليوم، إنَّه كالاعتناء بجذور الحديقة، وهو أكثر الأشياء إنتاجيةً التي يمكن أن نفعلها على الإطلاق.

إقرأ أيضاً: ما بين التَقبُّل وتحييد المشاعر: كيف نتحكم بمشاعرنا؟

الأعراض الناتجة عن صدمات الطفولة:

  1. الإدمان.
  2. الاكتئاب.
  3. اللامبالاة.
  4. علاقات قلقةٌ ومضطربة.
  5. مشاعر سلبية.
  6. عقلية الضحية.
  7. انعدام الطموح.
  8. مشاعر الهجر والإهمال.
  9. كراهية الذات.

قد تظهر هذه الأعراض بدرجات متفاوتة، ومن المحتمل أنَّنا جميعاً عانينا من واحد أو أكثر من هذه الأعراض في حياتنا بصفتنا بالغين، فعندما ندرك أنَّ التحديات والصعوبات التي نعيشها اليوم غالباً ما تكون جزئياً أو كلياً نتيجةً لما عشناه في الماضي، يمكننا أن نعامل أنفسنا بمزيدٍ من التعاطف؛ لذا ليس علينا أن نلوم أنفسنا باستمرار؛ بل علينا أن ندرك أنَّ تجربتنا الحالية هي لدرجةٍ كبيرة انعكاسٌ لتجاربنا السابقة، ومن خلال تصحيح الأخطاء في ماضينا، يمكننا تصحيح حياتنا الحالية.

شاهد بالفيديو: 7 خطوات تساعدك على التعلم من أخطاء الماضي

لماذا نفكر في الماضي كثيراً؟

الأساس العصبي وراء تركيزنا بشكل كبير على صدماتنا السابقة هو أنَّ دماغنا يحاول تحذيرنا من تكرار الشيء نفسه مرةً أخرى في المستقبل، فإذا تكرر شيءٌ ما في أذهاننا كثيراً، يعني ذلك أنَّنا لم نتوصل بعد إلى طريقةٍ لمنع حدوث نفس الحدث مرةً أخرى، وذلك وفقاً لعالم النفس السريري والمؤلف جوردان بيترسون (Jordan Peterson).

من خلال إعادة سرد ماضينا، والتحدث عنه، وتحديد ما شعرنا به خلال تلك الفترة، والدروس التي يمكننا استخلاصها من تجربتنا، قد يصبح الماضي أداةً قيمةً تخدم الحاضر، فإذا لم نتبع هذا النهج في تحليل ماضينا، فسوف يتملَّكُنا ويتحكم بنا بدلاً من أن نتحكم به.

سؤالٌ بسيط يشفي ماضيك:

يمكن لماضينا أن يقوِّينا أو يضعفنا، وإنَّ تقسيم ماضيك إلى ثلاث فترات يُمكَِّنك من تحديد التجارب السلبية الأساسية في حياتك بسهولة أكبر، فما هي أهم ثلاث لحظات في حياتك وأشدُّها إحباطاً في كل فترةٍ بين الأعمار الآتية:

  • 0-7
  • 7-14
  • 14-21

من خلال قضاء بعض الوقت في التفكير في الأمر، وحتى تدوين هذه التجارب، سيكون لديك 9 قصص صغيرة هامة، والتي كوَّنت جزئياً ماضيك وهويتك الحالية، وبعدها يمكنك التركيز على ما تعلمته من تلك التجارب، واحتمالية حدوثها مرةً أخرى، فإنَّ القيام بذلك سوف يمنع عقلك من تذكُّر هذه التجارب السلبية، ولن يسمح لها بالسيطرة عليك مجدداً.

يذكُر الفيلسوف دانيال كانيمان (Daniel Kahneman) في محاضرةٍ ألقاها تحت عنوان "لغز التجربة مقابل الذكرى" (The Riddle of Experience vs Memory)، أنَّنا ننقسم في الأساس إلى نفسَين: النفس الحية (تلك التي تعيش وتركز على اللحظة الحالية)، والنفس الماضية (تلك التي تذكر ماضينا).

إقرأ أيضاً: هل يساعد التنفيس عن المشاعر فعلاً؟

في الختام:

من خلال صقل ماضيك، سوف تغيِّر نفسك في الماضي وفي الحاضر، وسوف تخرج من الغموض الذي تعيش فيه؛ لذا عليك أن تحلل ماضيك حتى تستفيد منه، وتذكَّر أنَّ شفاء جرح قديم ضروريٌّ حتى تواجه المستقبل.




مقالات مرتبطة