كيف تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي في العلاقات الزوجية؟

لنتخيَّل معاً كيف ستكون الحياة إن كانت البيوت التي نسكنها مصنوعة من جدران زجاجية، ولنتخيل أنَّ كل تصرفاتنا وتحركاتنا تحت المراقبة وعرضة للجميع لإبداء آرائهم وملاحظاتهم حولها؛ مدحنا ونقدنا وحتى شتمنا، فكم تبدو هذه الفكرة مثيرة للاستغراب والاستهجان! إلا أنَّها وللأسف موجودة بطريقة ما في حياتنا، ومعظمنا قد انساقوا وراءها بشكل أو بآخر.



أليست مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة "فيسبوك" مكاناً يعرض فيه الناس حياتهم الخاصة على الملأ ويجعلونها عرضةً لتعليقات الناس؟ وكم مرة سمعنا عن فتاة انهارت بسبب تعليق على شكلها؟ وكم مرة فقد أحد الأشخاص وظيفته ومنصبه لأنَّه قدَّم نفسه بطريقة خاطئة على هذه المواقع من خلال رسالة أو تعليق ليس بمكانه؟

العلاقات الزوجية كغيرها من العلاقات طالها الأذى من هذه المواقع، حتى إنَّ كثيراً من الأُسر قد وصلت بها الأمور إلى حد الطلاق بسببها، وفي المقال الآتي سنتعرف أكثر إلى هذه المواقع وكيفية تأثيرها في العلاقات الزوجية.

متى ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي؟

في عام 1844 تمكَّن "صموئيل مورس" من إرسال رسالة إلكترونية مشفرة إلى "واشنطن" من مدينة "بالتيمور" عبر جهاز التلغراف، وهذه الرسالة كانت الشرارة الأولى والشكل الأكثر بدائية لمواقع التواصل الاجتماعي، وفي عام 1969 أنشأت وزارة الدفاع الأمريكية شبكة تكنولوجية سمحت بتشارك البيانات بين أربع جامعات ترتبط جميعاً بذات الشبكة، وفي عام 1971 أُرسِلَت أول رسالة بريد إلكتروني من حاسوب إلى آخر، وفي عام 1978 ظهر أول نظام إلكتروني يسمح لمجموعة من المستخدمين تبادل الصور والملفات وممارسة الألعاب.

في عام 1979 ظهر نظام مراسلة عرف باسم "يوز نت" وكان مقتصراً على تبادل الرسائل بين الجامعات، وطُوِّر أكثر عام 1987، لكن لحينها لم تكن تلك الأنظمة وعلى الرغم من سماحها للتواصل بين العملاء قد أصبحت شبكات تواصل اجتماعي شاملة ولم تتمتع بالمزايا التي تمتلكها مواقع التواصل الاجتماعي اليوم.

استمر هذا الوضع حتى 1997 العام الذي ظهر فيه أول موقع تواصل اجتماعي تحت اسم (six Degrees)، ولكنَّ العقد الذهبي لظهور مواقع التواصل الاجتماعي هو العقد الأول من القرن الحالي، ففي عام 2003 ظهر موقع (friendster)، وأيضاً موقع (MySpace) الذي بدأت شعبيته بالتراجع مع ظهور موقع "فيسبوك" الذي أصبح متاحاً للجميع عام 2006، وقد حقق شهرة واسعة وانتشاراً كبيراً على مستوى العالم؛ إذ وصل عدد مستخدميه إلى 1.7 مليار مستخدماً.

إضافة إلى "فيسبوك" ظهر "تويتر" و"يوتيوب"، وفي أواخر 2010 ظهر "إنستغرام"، واستمرت مواقع أخرى بالظهور وآخر التطبيقات كانت "سناب شات" و"تيك توك" اللذين أخذا شهرة واسعة واستخداماً واسعاً أيضاً.

كيف تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي في العلاقات الزوجية؟

كما ذكرنا آنفاً، لاقت مواقع التواصل الاجتماعي رواجاً كبيراً في كل أنحاء العالم، وقد أقبل عليها المستخدمون لدرجة كبيرة، وانغمس معظم الناس في هذه الحياة الافتراضية لدرجة الانفصال الحقيقي عن الحياة الواقعية التي يعيشونها، فالكثيرون وجدوا فيها فسحة آمنة للتعبير بحرية عن أفكارهم مع إمكانية صنع حسابات وهمية يستطيعون من خلالها قول ما يريدون دون خوف.

لعلَّ هذه النقطة بالذات هي مربط الخيل، فلا ضير أن يمتلك إنسان واعٍ هامشَ الحرية الكبير هذا، لكن لنتخيل ماذا سيحدث عندما يكون هذا الهامش متاحاً للجميع على اختلاف أعمارهم وأفكارهم وآرائهم ورؤيتهم للحياة؟ وكم سيكون صعباً إيجاد آلية لضبط ما يجري هناك في ذلك العالم الافتراضي المفتوح على كل شيء دون أي ضوابط حقيقية إلا الشخص نفسه ونظرته إلى الأمور؟

لنكن محددين أكثر هل ستكون العلاقات الزوجية بمنأى عما يحدث؟

حقيقةً، لا يمكننا الاختباء خلف أصابعنا ولا يمكننا تجاهل المشكلات الاجتماعية الكبيرة التي تعيشها مجتمعاتنا العربية، فلو فكرنا قليلاً، لوجدنا أنَّ هذه المشكلات قديمة جداً وأنَّ مواقع التواصل الاجتماعي تطبيقات حديثة، وهي لم تنتشر هذا الانتشار الواسع إلا من عام 2006؛ لذلك ولنكن منصفين لا يمكننا إلقاء اللوم على هذه المواقع، ولكنَّنا نستطيع القول إنَّها كانت الأداة التي انتشلت هذه المشكلات من القاع وجعلتها تطفو بوضوح على السطح.

المنطق يقول إنَّ الواقع الاجتماعي والظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، ناهيك عن الكم الهائل من العادات والتقاليد التي يحملها الإنسان العربي فوق ظهره تجعل الآلية التي يعتمد عليها لتكوين أسرة واختيار الشريك آلية غير صحيحة منذ البدء، وهذا ما مهَّد الطريق وجعل دخول مواقع التواصل الاجتماعي وانتشارها بكثرة عامل خطر كبيراً يؤثر سلباً في استقرار هذه الأسر والعائلات.

فقد وجد الشريكان فيها في كثير من الأحيان فسحة للهروب من المشكلات اليومية والأعباء الأسرية، ومكاناً يلجؤون إليه عند رغبتهم في لوم الشريك والبحث عن يد أخرى خارجية تطبطب على أكتافهم.

الأمثلة عن تأثير هذه المواقع في العلاقات الزوجية كثيرة وهي مستوحاة من صلب حياتنا اليومية، وسنعدد فيما يأتي بعضها:

المقارنة:

في أثناء تصفُّح "فيسبوك" و"تيك توك" و"يوتيوب" وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي سيجد الزوج نفسه أمام مئات من الصور لفتيات بمظهر مثالي وبملابس أنيقة وجميلة طوال الوقت، وهذا ما يدفعه للمقارنة بينهن وبين زوجته التي ترتدي ملابس المنزل وتفوح منها رائحة الطبخ طوال الوقت.

وفي ظل غياب الوعي وتحكيم العقل سترجح كفة هؤلاء النسوة على كفة الزوجة، فالرجل سيتناسى تماماً المبالغ الطائلة التي تدفعها تلك النساء للظهور بهذا المظهر، وسيطالب زوجته بالمزيد من الاهتمام بنفسها؛ وهذا ما يجعل المرأة تشعر بكثير من الظلم.

فالمقارنة لا تتوقف على الرجل فقط، فالمرأة أيضاً ستقارن نفسها طوال الوقت بالنساء اللواتي تشاهدهن على مواقع التواصل الاجتماعي، وستفكر كثيراً في زيارة "باريس" مثل صديقتها، وبالفستان الذي أهداه ابن عم قريبتها لزوجته.

فالمشكلة التي تبدو بسيطة جداً تصبح معقدة في النهاية، فكما ذكرنا هذه المواقع مفتوحة بشكل كبير ودائماً هناك المزيد، وإذا تمكَّنت موجة المقارنة من سحبك إلى داخل هذا البحر الشاسع، فتأكد ألا نجاة من الغرق؛ لذلك يجب التسلح بالوعي والقناعة من قِبل الزوجين وعدم التأثر بما يُعرَض، والتذكر دائماً أنَّ ما يُعرَض هو الجزء الذي يُبذل الكثير من الجهد لكي نراه، وأنَّه جزء بسيط جداً من الواقع الذي يبذل الجهد ذاته كي لا نراه.

إقرأ أيضاً: المقارنة لص يسرق السعادة من حياتك

الانسحاب من جو العائلة:

بعد فترة من العلاقة الزوجية قد يصبح جو الأسرة متعباً لأحد الشريكين، فضجيج الأطفال، والطلبات التي لا تنتهي، وغيرها من الأمور التي ستتحول بنظره إلى أعباء بدلاً من النظر إليها بوصفها جزءاً طبيعياً من جو العائلة، وهنا سيحاول الابتعاد عنها، وبالطبع ستكون هذه المواقع الحضن الدافئ الذي سيجد فيه الشريك ما يحتاجه من راحة وما يبحث عنه من متعة وتسلية لم يعد جو الأسرة قادراً على تقديمه.

فلم يعد مشهداً غريباً أن ترى أحد الزوجين منكباً على جواله ولا يعير أي اهتمام لكل ما يجري من حوله داخل المنزل، وبعد فترة من الوقت يؤدي هذا إلى شرخ حقيقي داخل الأسرة، ويكون سبباً لكثير من المشكلات التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، فالجلسات العائلية الحميمية التي تقرِّب الأسرة من بعضها بعد يوم تعب طويل قد ولَّى زمنها ليحل محلها هذا الإدمان الصريح لغرف وصفحات هذا العالم الافتراضي.

الخيانة:

ربما تتشابك الأسباب جميعاً لتؤدي إلى نتيجة واحدة وهي الخيانة، ولسنا في صدد الحديث عن أسباب الخيانة، ولكنَّنا نريد تسليط الضوء على دور هذه المواقع في تسهيل هذا الموضوع من خلال الانفتاح الكبير على الآخر الذي توفره هذه المواقع، وأيضاً دورها في تبرير الخطأ، كالقول إنَّ هذا العالم افتراضي وما يجري ليس حقيقياً وإنَّ قليلاً من الكلام لا ضير فيه. والحقيقة أنَّ كثيراً من العلاقات الزوجية قد تهدَّمت وكثيراً من الأسر وصل بها الأمر إلى الطلاق بسبب هذا القليل من الكلام الذي لا ضير فيه.

الجفاف العاطفي:

قد يحدث بين الزوجين نتيجة التباعد بينهما وانغماس كل واحد منهما في عالم آخر تماماً جفافاً عاطفياً، فعندما يغيب التواصل المباشر وعندما تصل الأمور في بعض الأحيان إلى حد مخاطبة الزوجين لبعضهما عبر تطبيق "واتساب" أو "ماسنجر" ستخف المحبة وتنهار العلاقة التي لم تعد مبنية على أساس متين، وقد تصل الأمور إلى أسوأ من ذلك ويحدث ما يسمى الطلاق النفسي؛ إذ يستمر الزوجان في علاقتهما لكن دون أي مشاعر أو تواصل بينهما.

عدم الشعور بالرضى:

قد تؤدي المتابعة المستمرة لمواقع التواصل الاجتماعي إلى رفع سقف التوقعات من قِبل الشريكين، وعندما لا يحدث ما يتوقع أحدهما من الآخر تبدأ المشكلات الكثيرة، فقد تشعر الزوجة مثلاً أنَّها مظلومة عندما تشاهد الهدايا والمفاجآت التي يقدمها فلان من الناس لزوجته، وقد يشعر الزوج بالمثل أيضاً.

شاهد بالفديو: كيف نحمي الأطفال من مواقع التواصل الاجتماعي؟

كيف نخفف من آثار مواقع التواصل الاجتماعي في العلاقة الزوجية؟

التعميم في كل الأمور خاطئ؛ لذلك لا يمكننا القول إنَّ هذه المواقع سيئة بالمطلق؛ بل ما يحدث وتأثيراتها السلبية في العلاقات الزوجية إنَّما تتعلق بطريقة استخدام هذه المواقع.

سنقدم فيما يأتي مجموعة من الاستراتيجيات التي تساعدك على التخفيف من آثار مواقع التواصل الاجتماعي السلبية في العلاقة الزوجية:

  1. الابتعاد تماماً عن الكذب، وعدم تراشق الاتهامات بين الطرفين، وتحكيم العقل والمنطق في أيَّة مشكلة تحدث نتيجة الانكباب على هذه المواقع وما يتبعها من تأخُّر الرد مثلاً أو قيام أحد الزوجين بكتابة تعليق يثير غضب الشريك.
  2. عدم التنازل مهما كانت الأسباب عن جلسات العائلة الحميمية، وتخصيص الوقت دائماً لقيام الأسرة بنشاطات خارج المنزل، وعدم الولوج نهائياً إلى هذه المواقع مهما كانت الأسباب، فهذا النوع من النشاطات يقرب أفراد الأسرة من بعضهم، ويعطي الزوجين الوقت الكافي لتشارك الهموم وتبادل الأحاديث ويبقي جسر التواصل بينهما مفتوحاً.
  3. عدم المقارنة بين حياتنا الزوجية وحياة أي شخص نراه على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلينا أن نتذكر دائماً أنَّنا نحن أيضاً نبدو أسرة سعيدة على هذه المواقع لأنَّنا جميعاً نميل إلى مشاركة الجزء اللطيف من حياتنا.
  4. تحديد وقت تصفح هذه المواقع، وهذا الأمر ليس هاماً فقط للحفاظ على حياتك الزوجية؛ بل هو هام أيضاً لكل نواحي حياتك، فإضاعة الوقت في متابعة قصة شعر أحد الفنانين، وطريقة حياة إحدى الفنانات، وسفر أحد المشاهير لن تضيف شيئاً إلى حياتك إلا مشاعر الحسرة والإحساس بالنقص.
  5. إذا وصل أحد الشريكين إلى مرحلة الإدمان، وإذا بدأ بالانسحاب من حياته الواقعية ليعيش حياةً افتراضية، لا يجب التردد في استشارة معالج نفسي، وخصوصاً قبل الإقدام على خطوات مصيرية قد تهدم الأسرة كالطلاق.
إقرأ أيضاً: انفوغرافيك: 8 طرائق علمية لتحسين العلاقة الزوجية

في الختام:

نحن نريد التأكيد على أنَّ العلاقات الزوجية المبنية على أسس متينة وقوية كالحب والصدق والاحترام والتفاهم، لن تكون مواقع التواصل الاجتماعي قادرةً على اختراقها أو إحداث شروخ في بنيانها؛ لذلك إذا ظهرت المشكلات في حياتك بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، فلا تبحث عن الحل بإلغائها أو حذفها فالمشكلة ليست هنا بالتأكيد.

المصدر




مقالات مرتبطة