كيف أختار شريك حياتي

أرجوك: دلّني كيف أختار شريكة حياتي المناسبة؟ بهذا الطلب أنهى ذلك الشاب حديثه، وعيناه تخبران بما يُكِنّه في نفسه، فلقد قرأت فيهما حيرةً، وتردداً، وخوفاً من الإقدام على الزواج.



إنَّ الزواج وتكوين الأسرة حلم كل شاب وفتاه، وهو السعادة التي يسعى إليها كل إنسان، ذلك السكن الذي تغشاه المودة، وتحفه الرحمة قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ" [الروم:21].

إنَّ أكثر سؤال يتبادر إلى ذهن أي شاب أو فتاة: من هو الشخص المناسب الذي يجب أن أرتبط به؟

هذا السؤال على صغره، إلا أنَّه صعب للغاية، فإجابته يترتب عليها بناء أسرة، وإنجاب أطفال، وربما يترتب عليها نهايات مأساوية (إمَّا طلاقٌ أو تعنيفٌ أو ألمٌ نفسيٌّ أو تشتت أسرة) وهو ما جعل الكثير من الشباب والفتيات يحجمون عن الزواج، أو يؤخرونه إلى أجل غير مسمى.

وتكمن صعوبة هذا السؤال في أمورٍ عدَّة؛ ولعلَّ أكثرها أهميَّة هو: صعوبة وضع المعايير التي يفترضها كل واحد منهما؛ وبالتالي صعوبة العثور على تلك الشخصية المرسومة وفقاً لتلك المعايير.

غالباً ما يخضع اختيار شريك الحياة كمرحلة تسبق الزواج، لأعراف المجتمع وتقاليده، ويتأثر بالرؤية والمعايير الشخصية؛ وهو أمر تتساوى فيه الإناث والذكور.

تختلف أساليب اختيار شريك الحياة تبعاً لثقافة كل مجتمع؛ فبعض المجتمعات تقوم فيها الأسرة بدور الاختيار، حيث تقوم أمُّ الشاب وأخواته بهذه المهمة، وذلك بناءً على تصوراتهم ومعاييرهم المسبقة -الشكلية غالباً- التي يجب أن تتوافر في زوجة ابنهم. ولا يملك الشاب في كثير من الأحيان، إلا التسليم لذلك الاختيار.

يكثر هذا عادة في المجتمعات البدوية، بينما نجد في المجتمعات المدنية، كيف يقوم الشاب أو الفتاة بالبحث والاختيار عن شريك حياته وفق مقاييسه هوَ - دون الرجوع إلى أُسَرِهِم ربما - خصوصاً في مرحلة الاختيار الأولية.

إقرأ أيضاً: 6 أمور عليك التأكد منها قبل الزواج

ولعل النمط الثاني-المجتمعات المدنية- قد أصبح نمطاً سائداً في كثيرٍ من البلدان العربية؛ بسبب المتغيّرات الحضارية. كما تجدر الإشارة إلى وجود أساليب أخرى لاختيار الشريك: بعضها تقليدي، والآخر يتّسم بالحداثة؛ إذ تتحدث إحدى الدراسات ([1]) عن أساليب اختيار الشريك الأكثر شيوعاً في وطننا العربي؛ فحددتها في:

  • الاختيار عن طريق الأهل والأقارب، وهو ما يُعدُّ أمراً تقليدياً، وأكثر شيوعاً أيضاً.
  • الاختيار عن طريق المعرفة الشخصية.
  • الاختيار عن طريق الأصدقاء.
  • الاختيار عن طريق زملاء العمل.
  • الاختيار عن طريق الإنترنت.
  • الاختيار عن طريق الخاطبة.
  • الاختيار عن طريق مكاتب الزواج.
إقرأ أيضاً: 5 نصائح مهمة تساعدكِ على اختيار الزوج المناسب لكِ

معايير اختيار الشريك:

لا يوجد أحد على استعداد لخوض تجربة زواج فاشلة قد تُكلّفه الكثير من الجهد والمال، ناهيك عن الألم النفسي الذي قد يصاحب تلك النهايات المأساوية، لذا يبحث كثيرٌ من المقبلين على الزواج عن وصفة سحرية تمكنهم من العثور على الشريك المناسب، والذي تكتمل به سعادتهم الأبدية كما يتصورون.

في الحقيقة هناك جملة معايير لاختيار شريك الحياة، وهي تتنوع باختلاف المجتمعات والثقافات والبلدان والديانات. سنتحدّث هنا عن معايير اختيار الشريك من وجهة النظر الإسلامية، ثم نذكر جملة من المعايير النفسية والاجتماعية التي يكون لها تأثير في عملية الاختيار.

لقد حرص الإسلام على بناء الأسرة على أسس قوية متينة؛ ذلك كيلا يشوبها تصدّع أو تنهار مع أول ريح تعصف بها، لهذا أكّد الإسلام على حسن اختيار كل من الزوج والزوجة؛ حيث اهتمّ بالجانب الديني والخُلُقِي كمعيار أساسي لكل منهما في عملية الاختيار تلك.

يقول النبي ﷺ:( إذا أتاكُمْ مَنْ ترضونَ خُلُقَهُ ودينَهُ فزوِّجُوهُ، إنْ لا تفعلُوا تكُنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ) [الالباني في السلسة الصحيحة: 1022]

جعل النبي ﷺ الدين والخُلُقَ شَرْطَي كفاءة للزوج، أما بالنسبة للزوجة؛ فقد أوصى النبي ﷺ بجعل المعيار الديني والخلقي في مقدمة الاختيار.

قال ﷺ: (تُنكَحُ المرأةُ على إحدَى خِصالٍ ثلاثةٍ، تُنكَحُ المرأةُ على مالِها، وتُنكَحُ المرأةُ على جمالِها، وتُنكَحُ المرأةُ على دينِها، فخُذْ ذاتَ الدِّينِ والخُلقِ ترِبت يمينُك).[الالباني في السلسلة الصحيحة: 307].

من المعايير المهمة التي تأتي بعد المعايير الدينية: التجانس بين الطرفين، وهي كما تفسرها نظرية التجانس([2]) : التشابه والتماثل في الخصائص الاجتماعية العامة، والسمات الجسدية والنفسية.

يمكن تعريف الزواج المتجانس بأنَّه الانجذاب إلى الآخر لاشتراكه في مجموعة خصائص شخصية واجتماعية تحدد عملية اختيار الشريك، والتي يُطلق عليها "معايير الاختيار الزواجي الداخلي".

إقرأ أيضاً: 6 أشياء يجب أن تتوافر بين الخطيبين قبل الإقدام على الزواج

عادة ما يساعد التشابه في الخصائص على وجود علاقة تشاركية نتيجة تشابه الأفكار والقيم والرؤى والأنشطة والهوايات، وهو ما يزيد من التفاهم بين الزوجين، وينعكس إيجاباً على حالة الاستقرار الأسري.

ويضاف معيار آخر وهو "تكامل الحاجات"، فلكل شخص يريد الإقدام على الزواج احتياجات يتطلع لإشباعها بالزواج، وهذه الاحتياجات نسبية من شخص لآخر، فالبعض يحتاج لإشباع الجانب العاطفي أكثر من غيره، بينما يتطلع البعض لإشباع الجانب الجنسي أكثرَ من غيره. وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّه من الضروري إشباع جميع الاحتياجات، وإن كانت نسبية؛ فبعضها قد تكون الحاجة إليه أكثر من غيره، وهكذا.

يتطلَّبُ الحب تربةً خصبةً كي ينموَ ويثمر، ومزارعاً ماهراً يعتني به يومياً؛ فيسقيه ويرعاه. لذا يحتاج كل شاب وفتاة أن يبحث عن الأرض المباركة التي لا تنبت حنظلاً وشوكاً، وإنَّما تنبت الحب... نعم الحب دون غيره.

إنَّ جودة البذور ومهارة المزارع لا تجديان نفعاً إذا كانت الأرض قيعاناً لا تنبت عشباً ولا كلأاً، لذا اختر لنفسك أخي الشاب وأختي الشابة، شريك حياة يحفظ وِدَّكُما، وتأنسان بمعاشرته؛ بحيث يَنْبِت الحب بينكما، ويقوى عوده، لكي تتلذَّذوا بثماره اليانعة، وتستظلوا تحت ظلاله الوارفة.

 

المراجع:

[1] السيد، الحسين. (2016م). معايير اختيار شريك الحياة وأثرها في تحقيق التوافق الزواجي. جمعية المودة: مكة المكرمة، ص23.

[2] حواسة، جمال. (2016م). الاتجاهات النظرية في تفسير ظاهرة الاختيار للزواج عرض وتقييم. مجلة العلوم الإنسانية، الجزائر، ص(253).




مقالات مرتبطة