كل ما يتعين على الآباء معرفته حول تلقيح الأطفال (التطعيم)

إذا كان لديك طفل، فأنت مُعتادٌ غالباً على جدول التلقيح الذي أوصت به "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (CDC) وجميع الهيئات الصحية في بلدان العالم؛ حيث سيكون طفلك على موعدٍ كلَّ بضعة أشهر مع جولةٍ أخرى من التلقيح في المراكز الصحية أو عند طبيب الأطفال.



قد يجعلك هذا تتساءل عن كيفية عمل جدول تلقيح الأطفال والمراهقين، وماذا تقول الأبحاث حول أمانه وفعاليته، وهذا ردُّ فعلٍ طبيعيٍّ تماماً؛ إذ كنت تريد -بصفتك والداً- التأكد من أنَّك تعتني بطفلك قدر الإمكان.

يجب أن تعلم قبلَ كُلِّ شيءٍ أنَّ إحدى أفضل الطرائق للحفاظ على سلامة أطفالك: اتباع جدول التلقيح المُوصَى به؛ إذ يُعرِّضُ تأخير اللقاحات لأيِّ سببٍ من الأسباب الناسَ -خاصة الأطفالَ غير المُلقَّحين سابقاً- إلى خطر الإصابة بأمراض وخيمةٍ أو مميتة؛ كما يجب أن تشعر بالاطمئنان لكون هذا الأمر مدعومٌ بعددٍ لا يُحصَى من الأبحاث والجهود العلمية المستمرّة للتأكد من أنَّ جدول التطعيم آمنٌ وفعَّال، وسنوضِّح هذه العملية فيما يلي من سطور هذه المقالة.

كما وسنقدم أيضاً إجاباتٍ عن الكثير من الأسئلة الشائعة حول جدول التلقيح، مثل ما قد يحدث عندما يحصل طفلك على عدة لقاحات في وقتٍ واحد، ولماذا تعدُّ هذه ممارسةً آمنة تماماً، ولماذا لا ينصح الأطباءُ بتأخيرها؛ وإذا كانت لديك أسئلة إضافية، فلا تتردَّد في طرحها على طبيب الأطفال الذي سيكون سعيداً بالتحدث معك بشأنها بالتأكيد.

كيف تعمل اللقاحات؟

قد يُساعدنا تشبيه جهاز المناعة في الجسم بالجيش، ومُسبِّبات الأمراض من الفيروسات والبكتيريا بالغزاةِ الأعداء؛ على فهم كيفية عمل اللقاحات، ويسهِّل علينا التعرف -بإيجاز- على كيفية عمل اللقاحات لوقاية الناس من المرض، خاصةً الصغار منهم.

يتحدَّثُ أستاذ الطب وعلم الأوبئة والصحة العالمية وطب الأطفال في جامعة إيموري، والمدير المساعد لمركز لقاحات إيموري (Emory Vaccine Center)، ومدير السياسة والتطوير فيها "والتر أورنستين" (Walter A. Orenstein) حول ذلك بقوله: "يساعد اللقاح في تدريب جهاز المناعة على اكتشاف العدو والدخول في المعركة؛ فإذا تعرَّض الجسمُ إلى هجوم من قِبَل ذلك العدو في المستقبل، فإنَّه يتعرَّف عليه ويكون مُجهَّزاً لمحاربته".

عندما تُلقَّح ضدَّ مرضٍ معين، يُحفِّز اللقاح جهازك المناعي للاستجابة كما لو أنَّك أُصِبت بهذا المرض بالفعل؛ لكنَّك لن تعاني مع اللقاحات من الأعراض الشديدة للمرض الفعلي التي كانت لتحصلَ لو أُصبت بالمرض بشكلٍ طبيعي؛ بمعنى أنَّك لا تُصاب بالمرض فعلاً، بل تخدع جهاز المناعة لديك ليتعامل معه على هذا الأساس.

تؤدي هذه العملية إلى إنتاج جسمك لكريات دمٍ بيضاء تُسمَّى "الخلايا الليمفاوية التائية"، والتي ستبقى في جسمك وتتذكر العامل المُمرِض وكيفية الاستجابة له أيضاً؛ فإذا تعرضت إلى هذا العامل الممرض مرةً أخرى في المستقبل، فإنَّ كريات الدم البيضاء ستكون موجودةً بالفعل كجزءٍ من نظامك المناعي، وستعرف على الفور كيفية محاربته.

تشرح "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (CDC)، أنَّ هناك خمسة أنواع رئيسة من اللقاحات المُوصَى بها للأطفال والرضَّع، وهي:

1. اللقاحات الحية المُضعَّفة:

تحتوي على فيروسات أو بكتيريا حية، لكنَّها ضعيفة جداً؛ وتشمل:

لا يمكن للأشخاص الذين يعانون من ضعفٍ في جهاز المناعة، مثل: الأشخاص الذين يعانون من عدوى فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب (HIV)، أو من يتلقَّون دواءً مثبِّطاً للمناعة لعلاج مرضٍ ما؛ تلقِّي هذا النوع من اللقاحات عموماً.

2. اللقاحات المُشتَقَّة:

تضم مزيجاً من عديدات السكاريد (السكريات المتعددة) والبروتينات، وتستهدف البكتيريا التي تملك طبقة خارجية خادعة من عديدات السكاريد.

عادةً ما يواجه جهاز المناعة لدى الطفل صعوبةً في التعرُّف على البكتيريا ذات طبقة السكريات الخارجية، والتي قد تكون خطيرة جداً؛ ولكنَّ اللقاح يجعل ذلك أسهل.

من الأمثلة على ذلك: لقاح المكورات الرئوية المُشتَق، والذي يحمي من 13 نوعاً من البكتيريا التي يمكن أن تسبب أمراضاً مثل "الالتهاب الرئوي".

3. اللقاحات المُعطَّلة:

تستخدم نسخاً ميتة (مقتولة) من البكتيريا والفيروسات، مثل: لقاح شلل الأطفال العضلي.

4. لقاحات الوحدات الفرعية:

تتضمن أجزاءً محددة من الفيروس أو البكتيريا التي ينبغي التلقيح ضدها، وأحد الأمثلة على ذلك: لقاح السعال الديكي الذي يُعدُّ جزءاً من اللقاح الثلاثي للدفيتريا والكزاز (التيتانوس) والسعال الديكي (DTaP).

5. لقاحات الذوفان (الذيفان المُعطَّل):

تتضمَّن هذه اللقاحات سموماً (ذيفانات) ضعيفة لا تسبب مرضاً حقيقياً، للمساعدة في تدريب جسمك على الحماية من البكتيريا المولِّدة للسموم، والتي قد تسبب العديد من الأمراض؛ فمثلاً: تُكتَسبُ الوقاية من الدفيتريا والكزاز بعد إعطاء لقاح (DTaP) من خلال الذيفانات المُعطَّلة لكلٍّ منهما.

رغم اختلاف هذه الأنواع من اللقاحات، إلَّا أنَّ جميعها يمتلك التأثير نفسه في تقوية جهاز المناعة لدى البشر.

إقرأ أيضاً: 8 أطعمة لتقوية جهاز المناعة عند الأطفال

لماذا توصي "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (CDC) أحياناً بلقاحاتٍ متعددة في وقتٍ واحد؟

دعونا نوضِّح أمراً قبل التعمُّق في الموضوع: توجد لقاحات مُركَّبة تحتوي على عدة لقاحات في جرعةٍ واحدة، مثل: لقاح DTaP (الدفتيريا والكزاز والسعال الديكي)، ولقاح MMR (الحصبة والحصبة الألمانية والنكاف).

كما أنَّ هناك تطبيقاً عملياً لإعطاء شخصٍ ما عدة لقاحات في الوقت نفسه، حيث قد يحصل الطفل على أكثر من حقنةٍ واحدة في الزيارة نفسها؛ وقد تكون واحدةً أو أكثر من تلك الحقن عبارةً عن لقاحٍ مركب.

على سبيل المثال: قد يتلقى الطفل في عمر السنة لقاح (MMR) في يوم لقاح الحماق (جدري الماء) نفسه؛ وبذلك، يمكن أن يحصل طفلك على عدة حقن خلال زيارةٍ واحدة، ويمكن أيضاً أن تحتوي بعض هذه الحقن على عدة لقاحات معاً.

تشرح "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (CDC) أنَّ هناك سببين رئيسين وراء هذا الأمر:

  1. يعني إعطاء الأطفال الرضع والأطفال الصغار لقاحات متعددة في الزيارة نفسها عند التوصية بذلك، أنَّهم يحصلون على الحماية من الأمراض الشديدة في أقرب وقت ممكن؛ حيث توضح "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (CDC) أنَّ الأطفال خاصةً معرَّضون إلى الإصابة بأمراض خطيرة، لكون أجهزتهم المناعية أضعف؛ لذا فإنَّ تلقيحهم قبل تعرُّضهم إلى أمراض معينة أمرٌ غاية في الأهمية. يقول الدكتور أورنستين: "صُمِّم جدول اللقاحات من أجل تحسين الاستجابة المناعية، وضمان الحماية في أصغر عمرٍ ممكن للأطفال المُعرَّضين إلى هذه الأمراض".
  2. يعدُّ تجميع اللقاحات معاً أكثر ملاءمة؛ إذ نقلل بذلك عدد الزيارات إلى مراكز الرعاية أو عيادات الأطباء، ممَّا يُقلل من هدر الوقت والمال؛ كما قد يكون ذلك مفيداً أيضاً، لكون الأطفال لا يُحبون زيارة الطبيب أو تلقي الحقن عموماً.

نظراً إلى وجود مثل هذا الاندفاع لتعزيز جهاز المناعة لدى الأطفال، فقد تتساءل لماذا لا يوصي جدول التطعيم بإعطاء الأطفال حديثي الولادة جميع اللقاحات على الفور؛ هناك سببان رئيسان لعدم القيام بذلك:

  1. السبب الأول: "المناعة السلبية" التي يكتسبها الجنين من أمِّه التي تلقَّت لقاحاتها بانتظام؛ حيث تحمي هذه المناعة السلبية الطفل من بعض الأمراض التي لُقِّحت الأمُّ ضدها، ويمكن أن تستمر من بضعة أسابيع إلى سنة كاملة حسب اللقاح. تحدث المناعة السلبية بسبب انتقال الأجسام المضادة التي تقاوم المرض من الأم إلى جنينها عبر المشيمة في الشهر أو الشهرين الأخيرين من الحمل؛ وهذا ما يدفعُ إلى حثِّ الأمهات الحوامل والراغبات في الإنجاب على أخذ جميع لقاحاتهن؛ ممَّا يضمن سلامتهن خلال الحمل قدر الإمكان، ويسمح بمنح الجنين مناعة سلبية، والتي يساعد طول مدتها على تحديد توقيت جدول التلقيح.
  2. السبب الثاني: أنَّ الأطفال يتمتعون بالفعل بقدرٍ من الحماية من بعض الأمراض عند ولادتهم، طالما حصلت الأم على جميع اللقاحات الموصى بها؛ حيث تشير بعض الأبحاث إلى أنَّ أجهزة مناعة الأطفال الرضع تستجيب بشكلٍ أفضل تجاه لقاحات معينة في أعمار معينة، كما يقول الدكتور أورينستين.

على سبيل المثال: يبدو أنَّ الأطفال الذين يحصلون على أول جرعةٍ من لقاح (MMR) في عمر ستة أشهر بدلاً من عمر السنة الموصى به، قد عانوا من تأخير أو تقليل المناعة للأمراض التي لُقِّحوا ضدها.

قد يكون هذا بسبب أنَّ المناعة السلبية تمنع بشكلٍ أساسيٍّ اللقاح من "الترسخ" في نظام مناعة الطفل، وأنَّ جهاز المناعة لديهم ضعيفٌ جداً وغير متطور إلى حدٍّ ما، بحيث لا يُكوِّن الاستجابة المرجوة بعد أخذ اللقاح؛ لكن رغم ذلك، لا يزال الأطباء يوصون بالتلقيح المبكر في حالات معينة، مثل: سفر طفلٍ عمره ستة أشهر مع والديه إلى منطقةٍ ينتشر فيها مرض الحصبة.

ما مصدر جدول التلقيح؟

لقد ثبتَ أنَّ أخذ عدة لقاحات في وقتٍ واحدٍ آمنٌ تماماً، بما في ذلك للأطفال والرضع؛ وإليك كيف تدعم هذه المعرفة وتوجِّه جدول التلقيح:

يُوضَع جدول التلقيح في الولايات المتحدة الأميركية -مثلاً- من قِبَل "اللجنة الاستشارية لممارسات التلقيح" (ACIP)، وهي هيئةٌ تابعةٌ لـ "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (CDC).

تتضمن هذه اللجنة خبراء الصحة العامة الذين يراجعون البيانات المتعلقة بسلامة وفعالية اللقاحات، ويتعاونون كذلك مع 30 منظمة طبية، بما في ذلك: "الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال" (AAP)، و"الأكاديمية الأمريكية لأطباء الأسرة" (AAFP)؛ وذلك لدراسة وتعميم جدول التلقيح الموصى به للأطفال والبالغين في الولايات المتحدة.

يقول الدكتور أورنستين: "جرى التوصل إلى جدول التلقيح من خلال مداولات دقيقة للغاية، وبالاستناد إلى بيانات علمية".

لا ينظرُ الخبراء إلى الأبحاث التي تختبر كلَّ لقاح على حِدَة فحسب، بل يراعون أيضاً الأبحاث التي تحلل سلامة وفعالية إعطاء لقاحات متعددة معاً؛ وعندما يجري ترخيص لقاح جديد، يكون قد اختُبِر بالفعل جنباً إلى جنب مع اللقاحات الحالية في الجدول لتلك الفئة العمرية.

يقول المدير الأول لـ "معهد يال للصحة العالمية" (Yale Institute for Global Health)، وأستاذ الأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة يال، والأستاذ في علم أوبئة الأمراض الميكروبية في كلية ييل للصحة العامة "سعد عمر" (Saad B. Omer): "عندما نُجري دراسة عشوائيةً على لقاح جديد، نقسِّم الناس إلى مجموعتين، حيثُ نعطي المجموعة الأولى اللقاح الجديد ولا نعطيه للأخرى، وندرس نتائج ذلك. نحن نفعل ذلك في سياق جدول التلقيح الحالي؛ لذلك عندما يُكشَف عن سلامة اللقاح وفعاليته، فلا يقتصر هذا على النظر في الأدلة على أنَّ هذا اللقاح آمن بمعزل عن غيره فحسب، بل يشمل آمانه وفعاليته ضمن جدول التلقيح الحالي".

كيف تستجيب أجهزة المناعة لدى الأطفال والرضع للقاحات؟

يمكن لأجهزة المناعة لدى الأطفال والرضع التعامل مع الكمية القليلة من المستضدات الموجودة في اللقاحات، بما فيها تلك الكميات الموجودة في اللقاحات المتعددة التي تُعطَى في وقتٍ واحد.

يجبُ أن نعلمَ قبل كُلِّ شيء أنَّ جميع اللقاحات تحتوي على كميات قليلة جداً من المستضدات التي هي عبارةٌ عن أجسام غريبة -مثل الفيروسات والبكتيريا- يمكن أن تُسبِّب الأمراض عند التعرُّض الطبيعي إليها؛ ولكنَّها لا تحتوي على كميةٍ كافية منها لإحداث المرض، بل على ما يكفي لتوليد الاستجابة المناعية المرجوَّة للوقاية من هذه الأمراض في المستقبل.

تحتوي اللقاحات التي تُعطَى للأطفال والرضع على ما يتراوح بين 1 و69 مستضداً؛ ولكي تكون مطمئناً، عليكَ أن تعرف أنَّ الأطفال يتعرَّضون منذ لحظة ولادتهم إلى آلاف المستضدات كلَّ يوم.

يشرح الدكتور أورنستين ذلك قائلاً: "إنَّ عدد الجراثيم التي يتعرَّض إليها الإنسان بشكلٍ طبيعي كُلَّ يوم أكبرُ بكثير من كمية الجراثيم الموجودة في اللقاحات؛ ولا تشكل اللقاحات سوى جزءٍ ضئيلٍ جداً منها".

توضح "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (CDC) أنَّ ذلكَ يشمل جحافل البكتيريا والفيروسات ومسببات الأمراض الأخرى التي يُدخِلها الرضع والأطفال الصغار إلى أجسامهم عن طريق القيام بأمور اعتيادية، مثل: مصِّ أصابعهم، ومحاولة أكل كلِّ شيء حولهم؛ إذ يضع الأطفال أيديهم وأشياء أخرى في أفواههم مئات المرات في الساعة، ويفعلون الكثير من الأمور التي تعرِّضهم إلى البكتيريا والفيروسات.

يقول الدكتور سعد عمر: "حتى في تلك السن المبكرة، يتعامل الطفل بشكلٍ طبيعيٍّ ولصيقٍ -إلى حدٍّ ما- مع العديد من المستضدات في الوقت نفسه"؛ ولكنَّ بعض الجراثيم قوية جداً وخطيرة، بحيث لا تتمكَّن أجهزة المناعة غير المكتملة لديهم من التعامل معها؛ ولهذا السبب نلقِّحهم، لنوفر الحماية ضد تلك الأمراض بطريقةٍ تُمكِّن أجسامهم من التعامل معها بأمان".

لذلك، يكون جسم الطفل أو الرضيع في الغالبية العظمى من الحالات مؤهلاً للتعامل بأمانٍ مع اللقاحات المركبة التي جرى اختبارها جيداً، وفي توقيتها المدرَج في جدول التلقيح لتحقيق أقصى فائدةٍ ممكنة.

تشمل الاستثناءات النادرة لهذه القاعدة حالات مثل: ضعف المناعة لدى الطفل، أو أيَّ سببٍ طبيٍّ آخر لعدم تمكُّنه من الحصول على لقاحٍ في ذلك الوقت، مثل: الإصابة بمرضٍ حاد مترافقٍ مع الحمى أو دونها.

إقرأ أيضاً: كيف أهتمّ بطفلي الرضيع؟

الآثار الجانبية المُحتملة للحصول على لقاحات متعددة في وقتٍ واحد:

يمكن أن يكون للقاحات آثارٌ جانبية كما هو الحال مع أيِّ دواء؛ لكنَّها عادة ما تكون طفيفة، وتتمثل بـ: التورم والإحساس بالألم في مكان الحقن لبضع أيام.

نادراً ما تسبب اللقاحات ارتكاسات تحسسية خطيرة، حيث يُقدَّر هذا الخطر بحوالي واحد في المليون فقط؛ كما أنَّه من النادر جداً حدوث آثار جانبية طويلة الأمد، مثل آلام الكتف المستمرة بعد التلقيح؛ ولكن عموماً، عند حدوث آثار جانبية للقاح، فإنَّها غالباً ما تكون خفيفة ومؤقتة.

قد تسبب اللقاحات الحمى في بعض الأحيان، على الرغم من كونها خفيفة أيضاً، وتعدُّ علامة تُشيرُ إلى أنَّ اللقاح يعملُ حقاً؛ فهي جزءٌ من الاستجابة المناعية للقاح، كما يقول الدكتور "دانيال سالمون" (Daniel Salmon)، أستاذ ومدير معهد سلامة اللقاحات في جامعة جونز هوبكنز بلومبرج.

تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الحمى التالية للقاح قد تسبب نادراً نوبات اختلاجية مؤقتة وغير مؤذية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وخمس سنوات، ويمكن أن تحدث نوبات الحمى هذه -كما هو معروف- بسبب أيِّ حالة مرضية تُسبِّب الحمى، بما في ذلك بعض الأمراض التي تُعطَى اللقاحات للوقاية منها، مثل: جدري الماء والإنفلونزا.

تُقدِّر "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (CDC) معدلات حدوث نوبات الحمى المرتبطة باللقاح بما لا يزيد عن 30 نوبة حمى من بين كل 100.000 طفلٍ يتلقَّون اللقاح.

تعدُّ نوبات الحمى أكثر شيوعاً عندما تصل درجة حرارة الطفل إلى 38.8 درجة مئوية أو أعلى، على الرغم من أنَّها يمكن أن تحدث مع درجات حرارة أخفض، أو حتى عند تراجع الحمى؛ كما من المرجح أن تحدث نوبات الحمى بعد حصول الطفل على عدة لقاحات في وقتٍ واحد، لكنَّ هذا لا يعني أنَّ الحصول على لقاحات متعددة في وقتٍ واحدٍ أمرٌ خطير أو يُثقِل كاهل جهاز المناعة لدى الطفل بطريقةٍ ما؛ إذ لا يزال بإمكان الجهاز المناعي للطفل السليم التعامل مع اللقاحات المتعددة التي تحتوي على مستضدات أقل بكثير ممَّا يواجهه الأطفال كلَّ يوم.

لا يرغب أيُّ أبوين بمشاهدة طفلهم يعاني من نوبةٍ اختلاجية بالتأكيد، لكن من الهام معرفة أنَّ نوبات الحمى عادةً ما تنتهي في غضون دقيقة أو دقيقتين، وهي لا تسبب أيَّ ضررٍ دائم.

تعدُّ نوبات الحمى أمراً مخيفاً بطبيعةٍ الحال، ونحن نتفهم ذلك؛ لكن يجدر بنا التأكيد هنا على أنَّ خطر حدوثها بعد اللقاح منخفض جداً، وتوضح "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (CDC) أنَّ الالتزام بجدول التلقيح يمكن أن يساعد في الواقع في الوقاية من حدوث نوبات الحمى عند الرضع والأطفال من خلال حمايتهم من الأمراض التي يمكن أن تؤدي إلى الحمى.

إذا كان طفلك يبلغ من العمر ستة أشهر أو أكثر، ويعاني من ارتفاع في درجة الحرارة لـ 38.8 درجة مئوية أو أكثر؛ فإنَّه من الآمن عموماً إعطاؤه الجرعة الموصى بها من عقار الأسيتامينوفين (acetaminophen) أو الإيبوبروفين (ibuprofen) للسيطرة على الحمى؛ ولكن نظراً إلى أنَّ نوبات الحمى قد تحدث في أيِّ درجة حرارة مرتفعة، وحتى عندما تكون الحرارة في طريقها إلى الانخفاض؛ لم يُثبَت أنَّ هذه الأنواع من الأدوية تمنع حدوث نوبات الحمى، ولكنَّها قد تساعد طفلك على الشعور بالتحسن إذا كان يعاني من الحمى بعد اللقاح.

مخاطر عدم الالتزام بجدول التلقيح:

يُعدُّ عدم الالتزام بالجدول الزمني للقاحات لتجنُّب أخذ عدة لقاحات في وقتٍ واحد أو تأخير بعض اللقاحات عن بعضها بعضاً بخلاف الموصى به أمراً خطيراً للغاية؛ إذ لا توجد حتى الآن أيُّ بياناتٍ تشير إلى أنَّ التعديل على جدول التلقيح الموصى به من قبل اللجنة الاستشارية لممارسات التلقيح (ACIP) يحمل أيَّ فوائد للأطفال الأصحاء؛ وكما يقول الدكتور سالمون: "لا يوجد دليلٌ على أنَّك تمنعُ حدوث أمرٍ سيءٍ أبداً".

لكنَّ هناك استثناء -كما ذكرنا أعلاه- وهو ضرورة عدم إعطاء لقاحات حية مُضعَفةٍ في بعض الحالات التي تسبب ضعف مناعة الطفل، مثل: أمراض ضعف المناعة، أو تناول الأدوية المُثبِّطة للمناعة.

كما يمكن أن يكون تأخير اللقاحات خطوةً خطيرة للغاية، حيث يقولُ الدكتور سالمون أنَّ الناس يشيرون أحياناً إلى هذه الممارسة على أنَّها "مباعدةٌ بين اللقاحات" أو "جدول تلقيح بديل" ليس إلَّا، وهو لا يتجاوز كونه تعبيراً لطيفاً للأمر؛ ويشرح قائلاً: "هذا يجعل الأمر يبدو وكأنَّه أمرٌ جيد؛ لكنَّ ما يعنيه حقاً هو تأخيرُ اللقاحات وعدم الالتزام بها؛ أي أنَّك بذلك تترك طفلك عرضةً للخطر، فإذا تعرَّض طفلك خلال فترة التأخير إلى العامل المُمرِض، فقد يصاب بالمرض الخطير؛ ناهيك عن أنَّه قد ينقل الأمراض إلى أطفال آخرين قد يكونون صغاراً على تلقي الجرعة الموصى بها من لقاحات هذه الأمراض".

ما لم يقرر طبيب الأطفال أنَّ هناك سبباً طبياً لعدم تلقِّي الأطفال للقاحات معينة، فإنَّ تأخير اللقاحات ليس آمناً بالمطلق، ويعرض الأشخاص -بما في ذلك طفلك- إلى مخاطرَ غير ضرورية، وبالإمكان تجنُّبها.

يقول الدكتور سعد عمر: "يُريد جميع الآباء تقديمَ الأفضل لأطفالهم، وهذا بالضبط ما يمثله جدول التلقيح؛ فهو أفضل هديةٍ تُقدِّمها لطفلك".

 

المصدر




مقالات مرتبطة