كلُّ ما نحتاج إليه في حياتنا هو الحب

وُلِدَت ماريا (Maria) زوجة خوسيه (Jose) في منزل مستقل مؤلف من غرفة نوم واحدة في ضواحي بلايا ديل كارمن (Playa del Carmen) في المكسيك (Mexico)، كان منزلاً صغيراً ورائعاً؛ لكنَّ والدها أوسكار (Oscar)، أراد أن يمتلك منزلاً كبيراً؛ لذلك عمل في وظيفتين معاً 60 ساعة في الأسبوع في مصنع، ثم 20 ساعة أخرى أو نحو ذلك في الأسبوع في ورشة نجارة.



وفَّر أوسكار 50% من دخله لأكثر من عقد من الزمن ليبني لعائلته منزلاً يشبه تلك المنازل الكبيرة الموجودة في الأجزاء الراقية من المدينة، فوضع نصف مدخرات عائلته في بنك مجتمعي محلي، ووضع النصف الآخر في خزنةٍ كان يخفيها في منزله.

في صباح أحد الأيام، خطط أوسكار أن يباشر في بناء منزل عائلته الجديد، لكن بنك المجتمع المحلي أغلق أبوابه بعد ساعات فقط من إعلان تطبيق القانون أنَّ البنك يدير مخطط احتيال يسمى مخطط بونزي (Ponzi scheme) غير قانوني (وغير مؤمن)، فضاعت بذلك 90% من الودائع التي أودعها أوسكار في هذا البنك؛ وفي اليوم التالي، تعرض منزلهم الصغير للسرقة تحت تهديد السلاح، ومقابل سلامة عائلته، عرض أوسكار بقية الأموال التي أخفاها في الخزنة.

في مدة قصيرة لا تتجاوز مدتها 36 ساعة، فقدت الأسرة معظم من مدخراتها بعد سنوات من العمل الشاق؛ وفي تلك الليلة، ولأول مرة، شاهدت والدة ماريا، أولغا (Olga)، زوجها أوسكار وهو يبكي، فاقتربت منه مع ابنتهما الرضيعة وهي تحملها برفق وتهزها بين ذراعيها، وقالت: "إنَّها مجرد نقود، وهو مجرد منزل، لكن لدينا أكثر من ذلك بكثير، لدينا عائلة تزخر بالحب".

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم أشهر الأدباء العرب عن الحب

نظر أوسكار إلى أولغا وجفف دموعه وأومأ برأسه موافقاً، وأمضى بقية الليل مع ابنته الرضيعة، ممسكاً بها بقوة على صدره، مذكِّراً نفسه بأنَّه قد لا يكون قادراً على منح أسرته المنزل الذي حلم به، لكن يمكنه الاستمرار في منحهم الحب والحنان.

طوال السنوات التسعة التي تلت ذلك، نشأت ماريا في ذلك المنزل الصغير المحب، وبعد السنة الأولى، انضمت إليها أختها أندريا (Andrea)، ومن ثَمَّ انضم أخوهم روبرتو (Roberto) أيضاً، كانت الذكريات التي يتشاركونها في ذلك الوقت تبعث الدفء حقاً.

على سبيل المثال، كانت ماريا في كلِّ يوم من سنوات دراستها الأولى، تتذكر والدها وهو عائدٌ من العمل وقبل العشاء مباشرة، كيف كان يمنحها هي وإخوتها الحب والحنان بالعناق والقُبل كلٍّ على حِدة، ثم يسألهم سؤالين: "هل تشعرون بحبِّي لكم؟ هل يملأ الحب قلوبكم؟" وكان الأطفال الثلاثة يهزون رؤوسهم مبتسمين، ثم يضمهم جميعاً في عناق جماعي كبير، ويقول: "أنا أيضاً، نحن في نعمة كبيرة، ولدينا كلُّ ما نحتاج إليه".

شاهد بالفديو: أجمل العبارات والاقتباسات عن الحياة

بناء المنزل مرة أخرى:

على الرَّغم من أنَّ أوسكار آمَنَ بصدق بما قاله لأطفاله، لكنَّه كان ما يزال يسعى إلى تحقيق حلمه في بناء منزل أكبر وأكثر راحة لعائلته، وبعد تسع سنوات من خسارة كلِّ مدخراتهم، وفَّر أوسكار مرة أخرى ما يكفي من المال لبدء بناء ذلك المنزل الجديد على بعد كيلو متر خلف منزلهم الصغير، وبدأ بوضع أساسات المطبخ الذي طالما حلمت به زوجته بصمت.

بدأ بصب كتلة إسمنتية واحدة تلو الأخرى، وادخر راتباً تلو الآخر، اقترب أوسكار ببطء وثبات من بناء المنزل الذي كان على وشك بنائه قبل ما يقرب من عقد من الزمن.

في عام 2002، عندما قابل خوسيه ماريا، ووقع في حبِّها، كان أوسكار ما يزال يبني منزله الجديد، وبعد ذلك بوقت قصير، وضع اللمسات الأخيرة عليه، فاحتفلت العائلة بأكملها لأسابيع متتالية؛ وفي الوقت الحاضر، ما يزال أوسكار وأولغا يحتفلان بالعطلات والمناسبات الخاصة في المنزل مع أولادهم الثلاثة، وأسر أولادهم مرات في السنة؛ لكنَّ الدرس الذي لا يقدَّر بثمن لهذه القصة لا علاقة له بهذا المنزل.

إقرأ أيضاً: ملخص كتاب لغات الحب الخمس للمؤلف جاري تشابمان

في الختام: المنزل مجرد مكافأة:

في اليوم الأول الذي التقى فيه خوسيه بعائلة ماريا، لاحظ مدى حب العائلة بأكملها وسعادتها، وأشاد بأوسكار وعائلته الجميلة، وسأله عن السر، وقد أمضى أوسكار ساعات في تبادل القصص الممتعة والصادقة عن سبب كون عائلته هي الأكثر حظاً في العالم؛ لكنَّه لم يشارك أبداً كل التفاصيل عن كيفية بناء منزله.

في الواقع، بعد سنوات من التعرف إلى ماريا وعائلتها، والسفر معهم، وحتى العيش معهم لفترة قصيرة، لم يفكر أحد في إخبار خوسيه عن القصة، سأل خوسيه أسئلة عن البناء في مناسبات قليلة، وتلقى الأجوبة عن البناء.

لم يكن إلا بعد زواج خوسيه وماريا وانتهائهم من إجراءات منزلهم الخاص، في ميامي (Miami) في ولاية فلوريدا (Florida)، عندما أخذ أوسكار خوسيه في نزهة طويلة، وسأله الأخير حينها عن التفاصيل، وشاركه بحماسة المعلومات عن الحي الجديد والمنزل، استمع أوسكار باهتمام وابتسم، ثم أخيراً شارك قصته التي قرأتها للتو.

اختتم أوسكار حديثه قائلاً: "ابنتي لا تحتاج إلى منزل، إنَّها بحاجة إلى الحب والحنان، وعندما تملأ هذا المنزل بالأطفال، سيحتاج أطفالك إلى الشيء نفسه تماماً؛ إذا منحت ذلك الحب لعائلتك، بصرف النظر عن حجم منزلك أو صغره، سيرغب أطفالك دائماً في العودة إلى العائلة، وما تبقى هو مجرد مكافأة إضافية".




مقالات مرتبطة