كل ما تريد معرفته عن الشخصية القانونية

الحق هو من الأمور المسلم بها التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان على سطح هذه الأرض ولا يحقُّ لأحد إلغاء هذا الحق أو الانتقاص منه أو منازعة أي شخص عليه، لكن في الوقت نفسه لا يمكن تصوُّر هذا الحق إلا منسوباً إلى شخص من الأشخاص، وكذلك فإنَّ الواجب الذي يقابل الحق لا بدَّ من وقوعه على شخص، والشخص في المعنى هو مَن يتمتع بالشخصية القانونية؛ أي يكون قادراً على اكتساب الحقوق وتحمُّل ما عليه من واجبات والتزامات.



ما هي الشخصية القانونية؟

إنَّ اصطلاح (الشخص) مرتبط بفكرة القانون عن الحق، فالشخصية القانونية ترتبط بالحقوق واجبة الحماية القانونية، فهي لا ترتبط بالإدراك ولا بالإرادة ولا بالصفة الإنسانية، فالشخص في نظر القانون هو من يتمتع بالشخصية القانونية التي تعني في مضمونها القدرة على اكتساب الحقوق والالتزام بالواجبات، فالشخص القانوني هو الكيان الذي يمكن أن ترتبط به آثار قانونية وكل كائن قادر على اكتساب الحقوق وتحمل المسؤوليات أو من هو أهل للتمتع بالحقوق والواجبات.

تبدأ شخصية الإنسان منذ لحظة ولادته حياً وتحقق بقاءه حياً، وبمعنى أوضح خروج المولود وانفصاله عن أمه واستمراره في الحياة، وهذا يعني بدوره إن وُلد الطفل ميتاً تسقط عنه الشخصية القانونية، فأغلب القوانين حول العالم تشترط شرطين اثنين لاكتساب الشخصية القانونية وهما:

  1. تمام عملية الولادة: لا يكفي انفصال المولود عن أمه وخروجه بشكل كامل حتى تثبت شخصيته القانونية؛ وإنَّما يلزم ثبات حياته ولو مات بعد لحظات.
  2. ثبوت حياة المولود حتى إن استمرت تلك الحياة بضع لحظات بعد الولادة: يتم التثبت من حياة المولود من خلال الأعراض الظاهرة لثبوت الحياة اليقينية مثل بكاء الطفل وصراخه، ويتم تثبيت واقعة الولادة في السجلات الرسمية، وإذا لم يتم إثبات واقعة الولادة عبر السجلات الرسمية يجوز اللجوء إلى أي نص قانوني في القانون المدني يدعم ذلك لإثبات واقعة الولادة.

تنتهي الشخصية القانونية للإنسان بموته وتثبت الوفاة بالسجلات الرسمية المعدة لذلك، لكن تمتد شخصية الإنسان القانونية بعد وفاته بصفة افتراضية حتى تصفى ديونه، كما تنتهي الشخصية القانونية بالموت الاعتباري أو الحكمي والمتمثل في حالة كانت الوفاة يقينية كما يحدث في حالة المفقودين.

خصائص الشخصية القانونية:

1. الاسم:

يقصد بالاسم الوسيلة التي يستخدمها الفرد وتميزه عن غيره من الأفراد، وللاسم معنيان:

  • المعنى الضيق: هو الاسم الشخصي الخاص بالفرد.
  • المعنى الواسع: اللقب الذي يلحق بالفرد أو اسم الأسرة، وهذا اللقب يلحق بأولاده.

يتم اكتساب الاسم العائلي بواحدة من الطرائق الآتية:

  • النسب: ينسب المولود لأبيه بشكل تلقائي عندما يكون الزواج شرعياً.
  • القانون: عندما يكون المولود لقيطاً أو يتيم الأبوين يقوم ضابط الحالة باختيار الاسم.
  • الزوجية: تتيح بعض القوانين في الدول لا سيما الغربية حمل الزوجة للقب زوجها وهي بذلك لها لقبان تختار أحدهما.

أما الاسم الشخصي فيتم اكتسابه عبر الأم أو الأب أو من قام بتبليغ حالة الولادة، وهناك أنواع أخرى من الأسماء يحميها القانون عند استخدامها بصفة مستمرة، مثل اسم الشهرة واسم العلامة التجارية والاسم المستعار، ويمتاز الاسم بأنَّه غير قابل للتصرف أو التنازل عنه ولا يخضع لنظام التقادم.

إقرأ أيضاً: الحرية الشخصية: مفهومها وفوائدها

2. الحالة:

هي من أبرز خصائص الشخصية القانونية التي تثبت انتماء الإنسان إلى دولة وتثبت اتباعه لعقيدة بعينها، وهي على أنواع:

  • الحالة السياسية: تشير إلى انتماء الفرد إلى دولة محددة وارتباطه بها من خلال حمله لجنسيتها.
  • الحالة الدينية: هي الحالة التي تشير إلى ارتباط الفرد بعقيدة معينة، وفي بعض القوانين تمنح حقوقاً خاصة لطوائف معينة.
  • الحالة العائلية: تشير إلى العلاقة التي تربط الفرد بأسرته (علاقة نسب أو علاقة مصاهرة أو غير ذلك).

3. الأهلية:

تشير إلى صلاحية الفرد لاكتساب الحقوق وتحمُّل الواجبات والقيام بكافة الأعمال والتصرفات القانونية، وتصرفات الفرد كامل الأهلية تعد صحيحة، وتصرفات ناقص الأهلية قابلة للإبطال، وتصرفات معدوم الأهلية باطلة بطلاناً مطلقاً.

من عوارض أهلية الأداء ما سوف نذكره مع الإشارة إلى أنَّها تختلف باختلاف القوانين المختلفة للدول، ومن العوارض التي تشترك فيها معظم القوانين حول العالم ما يأتي:

  • الجنون: هو نوع من الأمراض يسبب الاضطرابات في العقل وزواله.
  • العته: مرض طارئ يصيب الإدراك ويصيب العقل بخلل دون أن يصل إلى الجنون.
  • السفه: لا يصيب العقل؛ بل يصيب نفس الشخص، ويشير إلى الشخص الذي يقوم بإنفاق ماله على غير مقتضى العقل والشرع فيعمل على تبذير أمواله.
  • الغفلة: تشير إلى السذاجة التي تجعل الفرد غير مدرك لما قد ينفعه أو ما قد يضره.

يترتب على الآثار السابقة حجز الشخص بموجب حكم قضائي بناءً على طلب من الأقارب أو من النيابة العامة، وبالنسبة إلى موانع الأهلية فعلى الرغم من اكتمال أهلية الشخص، إلا أنَّه لا يستطيع مباشرة تصرفاته القانونية لظروف معينة تمنعه من ذلك وأهمها:

  • العقوبة الجنائية: لا يحق للمحكوم عليه بجناية (الإعدام، السجن المؤبد) مباشرة حقوقه المالية.
  • الحكم بشهر الإفلاس.

الشخصية القانونية

4. الموطن:

يشير إلى المكان الذي يعدُّه القانون مكان الشخص الذي يوجد فيه؛ أي مكان الإقامة وهو المكان الذي يخاطب فيه في الشؤون القانونية، ومثال عن ذلك تبليغ الشخص بإنذار ما أو تنبيهه لأمر ما من قِبل القانون.

5. الذمة المالية:

تمثل ما يكون للشخص من حقوق والتزامات مالية حاضرة ومستقبلية مثل حقوق عينية أو حقوق ذهنية أو شخصية لصيقة بالشخص ولا تزول إلا بزواله.

الشخصية القانونية وسيلة لحماية الطبيعة:

تمثل الطبيعة المكان الذي يعيش فيه الإنسان، ودونها لا توجد حياة له وكل ما سوف يؤثر في الطبيعة سيؤثر في الإنسان الذي يقطن فيها؛ إذ إنَّ الطبيعة بعناصرها المكونة لها من أنهار وبحار وغابات تجاهلها القانون ولم يوفر الحماية لها في السابق، وقد كان من الصعب جداً حماية البيئة من حالات المساس بها.

لقد طرح أحد الفقهاء الأمريكيين ويدعى "ستون" (stone) رأياً مفاده (لماذا لا يكون للأشجار حق التقاضي فتدافع عن نفسها؟) وبناءً على هذه المقترحات فقد عملت بعض الدول مثل (بوليفيا) و(الإكوادور) و(البرازيل) على الاعتراف بالشخصية القانونية للطبيعة أو بعض من عناصرها، ومن ثم جعل الطبيعة بمكانة الإنسان.

نصَّت المادة رقم 10 من دستور (الإكوادور) "الأفراد والمجتمعات المحلية والشعوب والأمم والمجتمعات أصحاب الحقوق ويتمتعون بالحقوق المكفولة في الدستور والمعاهدات الدولية، وتكون الطبيعة موضوعاً لتلك الحقوق التي يقررها لها الدستور".

انفرد الفصل السابع من دستورها لتوضيح حقوق البيئة، وأهم ما جاء فيه "الحق في الاحترام التام لوجودها وصونها وتجديد دورات حياتها ووظائفها وعملياتها التطورية"، كما سمح الدستور لأي شخص طبيعي أو كيان اعتباري أو مجتمع بشري بمتابعة اللجوء إلى الجهات القضائية والإدارية ومتابعة الإجراءات القانونية من أجل المطالبة بحماية البيئة واتخاذ التدابير الوقائية لإنهاء خطر ما.

إقرأ أيضاً: كيفية بناء ثقافة من الحرية والمسؤولية

كذلك دستور (بوليفيا) نصَّت المادة رقم 33 "لكل شخص حق في بيئة صحية ومتوازنة وينبغي منح هذا الحق للأفراد وللمجموعات في الأجيال الحاضرة والمستقبلية، إضافة إلى الكائنات الحية الأخرى بحيث يمكن أن تتطور بطريقة طبيعية ودائمة"، كما نصَّ الدستور البوليفي أيضاً على "لكل شخص أصالة عن نفسه أو نيابة عن مجموعة صلاحية اتخاذ إجراء قانوني دفاعاً عن حقوق بيئية دون الإخلال بالتزامات المؤسسات العامة بالعمل وحدها في وجه الاعتداء على البيئة".

الاعتراف للطبيعة بالشخصية القانونية هو أمر حساس كون القانون وُجد من أجل الإنسان الذي يمثل موضوعه الأساسي، لكن بالوقت نفسه من حق الطبيعة الدفاع عن نفسها في ظل التطور العلمي والتقني والصناعي وقيام الإنسان باستنزاف مواردها؛ لذا أخذت الدول تتشجع شيئاً فشيئاً للاعتراف بحق الطبيعة بالدفاع عن نفسها عن طريق الاعتراف بشخصيتها القانونية.

في النهاية يرجع الاعتراف بالطبيعة القانونية إلى الطبيعة من عدمها إلى قناعات المجتمع، فهناك من يرى عدم جواز مساواة الطبيعة بالإنسان، فالإنسان كائن مفضل على سائر المخلوقات الأخرى التي سُخرت من أجل خدمته؛ لذا لا يوجد سبيل للمقارنة بين الإنسان والطبيعة.

في الختام:

القانون من وضعِ الإنسان وغايته تحقيق سعادة الإنسان وتنظيم حياته وجعله يعيش في مجتمع آمن ومستقر ومرفه، والقانون يمنح لكل شخص طبيعي الشخصية القانونية كي يتمكن من مباشرة التصرفات القانونية بالشكل الذي يناسب عمره واكتمال عقله، فمثلاً الشخص البالغ الذي يصل إلى السن القانوني الذي يحدده القانون يكتسب أهلية كاملة من أجل مباشرة تصرفاته، بخلاف الشخص ناقص الأهلية فهو لا يملك أهلية كاملة، أما الشخص الفاقد للأهلية فلا يحق له ممارسة أي تصرُّف قانوني.

الشخصية القانونية كما قال الدكتور "محمد طلعت الغنيمي": "إنَّها أهلية اكتساب الحقوق والالتزام بالواجبات"، وتقر الشخصية القانونية للإنسان بمجرد ولادته وانفصاله عن أمه انفصالاً تاماً، ولا ننسى وجوب إثبات واقعة الولادة في السجلات المعدة لهذا الغرض لدى الدولة المانحة للشخصية القانونية.




مقالات مرتبطة