قصة نجاح هيربرت داو مؤسس شركة داو للكيماويات

في عالم الأعمال والنجاح والمنافسة لا مكان للمستحيل، ولا مكان للاستسلام والتراجع، طالما أنّ الطموح هو الذي يُحرّك الإنسان ويدفعه للعمل باجتهاد ومثابرة للوصول إلى مايحلم بهِ ويتمنّاه، فيما يلي سنُسلّط الضوء على قصة حياة ونجاح هيربرت داو Herbert Dow هذا الشخص الناجح الذي أسّس شركة داو للكيماويات، والذي نجح في تكسير ومحاربة فكرة الإحتكار والمحتكرين في السوق.



أولًا: نشأة هيربرت داو وتعليمه

لا يوجد تاريخ محدد لولادة هيربرت داو، ولكن كل ما يُقال عنه بأنّه ولد في أسرةٍ بسيطة جدًا، وعاش مع والدهِ الذي كان يعمل في مهنة إصلاح السيارات، وكان والده يتميّز بعقليةٍ منفتحة، وهو من قام بتعليم هيربرت بعض قواعد الميكانيك كتجميع التوربين، وفك الآلات ، وطريقة تحسين كل ما يُمكن أن يتعطل في السيارات.

وبعد أن أنهى هيربرت تعليمهُ المدرسي في المرجلة الإبتدائيّة والإعداديّة، والثانويّة، التحق في الجامعة وبالتحديد قسم الكيمياء، وتخرج منها بدرجةٍ جيدة، وبعد التخرج أخذ يبحث عن فرصة عمل مناسبة لهُ، إلى أن تم تعينهُ كأستاذ محاضر في نفس الجامعة قسم الكيمياء، وبالرغم من ممارستهِ لهذهِ المهنة، إلّا أنّ تفكيرهِ بعنصر أو مركب البرومين لم يكن يُفارقه على الإطلاق، حيث كان يبحث بشكلٍ دائم عن كيفيّة استخراج البرومين بكلفةٍ أقل بكثير من الطرق المستخدمة وقتها، واستمرت أبحاثهُ حوالي 15 سنة تقريبًا.

ثانيًا: قصة اكتشاف البرومين

قام هيربرت بإنشاء شركة خاصة له تعمل في مجال الكيماويات، وأطلق عليها اسم داو، وفي أحد المرات كان يعمل في بئر للبترول، فلاحظ خروج مادة زيتيّة من الأرض، وهنا سأل العمال عنها، وطلب من العامل أن يتذوقها، فوجد بأنّ طعمها مر للغاية، فسأله واستفسر عن سرّ هذا الطعم المر، ولكن هيربرت لم يملك الإجابة الصحيحة، لهذا قام بأخذ عينة من هذا الزيت وذهب به إلى معملهِ الخاص ليقوم بتحليلهِ، وبعد التحليل وجد بأنّ الزيت مكوّن من بعض المواد وهي ليثيوم المسؤول عن الطعم المر، ومادة البرومين التي كانت تستخدم في صنع وتحميض الأفلام الفوتوغرافية.

ثالثًا: الإصرار على العمل والنجاح

طوال السنوات لم يتوقّف هيربرت عن التفكير في حلمه الأساسي وهو إخراج مادة البرومين بأرخص الأسعار، ولم يغيب عن باله الموقف الذي تعرّض لهُ أثناء العمل في بئر البترول، وبقي يعمل حوالي 15 عامًا بشكلٍ متواصل وأنشأ خلال هذهِ الأعوام ثلاث شركات، الأولى أفلست ولم تستمر، والثانيّة قام الشركاء بالاستغناء عنه فيها، أمّا الثالثة فكانت مصنع وشركة داو للكيماويات التي حرص على بنائها بتكاليف قليلة وبسيطة عن طريق استخدام الأشجار فقط، دون أي مواد بناء أخرى، وبأقل عدد من المسامير، وكان يعمل حوالي 18 ساعة يوميًا في هذا المصنع وهو يُفكر ويُحلل، حتى أنّ الناس أطلقوا عليهِ لقب هيربرت المجنون.

رابعًا: الاحتكار على الطريقة الألمانيّة

بعد أن تمكّن هيربرت من التوصّل إلى مادة البرومين بسعر أقل بكثير من السوق، واجه مشكلة كبيرة وهي الاحتكار، حيث كانت ألمانيا تعاني في ذلك الوقت من انتشار كبير لمفهوم الاحتكار في الأسواق، إذ اتّحدت 30 شركة ألمانيّة في اتحاد تكتلي احتكاري، لبيع مادة البرومين ب 49 سنت، بعد أن كان يبيعها هو ب 36 سنت للباوند، إلّا أنّهُ قرر عدم الاستسلام وعدم الإنصياع لكل التهديادت التي كانت توجه إليهِ، وقام بطرح هذهِ المادة في أمريكا مقابل 15 سنت للباوند، ولكن وللأسف الشديد فإنّ الجميع عزف عن شراء المادة منه وهذا ما كاد يصل بالشركة إلى الإفلاس، ولكن عبقرية هذا الشاب دفعتهُ للتفكير بطريقةٍ جديدة، حيثُ قام بشراء كل الكميات التي يقوم التكتل ببيعها مقابل 15 سنت سرًا ودون أن يعلم أحد بهذا الموضوع، وانتقل إلى السوق الأوروبيّة لبيعها بعيدًا عن التكتل الألماني الإحتكاري وذلك بعد أن قام بإعادة هيكلتها وتغيير الاسم الذي يوضع عليها، ليضع أسم شركتهِ، وقرّر بيعها بسعر 27 سنت.

خامسًا: استمرار الحرب الألمانيّة على هيربرت

استمرت حرب الإحكتار الألمانيّة على هيربرت ولكنّه لم يستسلم لها على الإطلاق، ولكي لا يتم كشف خطتهِ قام بتعيين موظفين لهُ في كل من ألمانيا وبريطانيا لبيع مادة البرومين، واستطاع تحقيق المزيد من النجاح ولفترة طويلة، إلى أن اكتشف الألمان بأنّ نسبة مبيعاتهم بدأت تتراجع في السوق الأوروبيّة، ويكثر الطلب في السوق الأمريكيّة، ولهذا قرروا تخفيض سعر البرومين في أوروبا عن السعر الذي يُباع فيهِ في أمريكا فوصل سعرهُ إلى 12 سنت، ثُم انخفض إلى 10 سنت، ولكنّ كل هذه المحاولات لم تنجح واكتشفوا في النهايّة أنّ هناك بعض الأعضاء الألمان قد خدعوهم وخانوهم وباعوا المادة بسسعرٍ رخيص.

سادسًا: استسلام التكتّل الألماني

بعد مرور حوالي الأربع سنوات على حرب الأسعار التي تحدّثنا عنها، بدأ التكتل الألماني يضعف ويتراجع إلى الوراء، وهنا أعلن استسلامه بشكلٍ مطلق، وطلب الجلوس على طاولة الحوار لإجراء بعض المفاوضات مع شركة داو لمالكها هيربرت، واتفقوا في النهاية على أن يترك كل منهما بلد الآخر، فلا يبيع هيربرت في ألمانيا، ولا يبيع التكتل الألماني في أمريكا.

وهنا كان هيربرت قد وصل إلى مستوى اقتصادي مهم جدًا وجمع الكثير من الأموال التي أنعشت شركته وجعلتها من أوائل الشركات العالميّة، لذلك عمل على إدخال بعض الصناعات الجديدة إضافة إلى إنتاج البرومين، حيث عمل على إنتاج الصبغة، وخلال الحرب العالميّة الأولى قرر الألمان حرمان الأمريكيين من كل المنتجات الألمانيّة، وهنا تدخل هيربرت وعمل على سد الفراع عن طريق منتجاته.

سابعًا: أهم الدروس التي نتعلمها من قصة نجاح هيربرت داو

  1. الإصرار على العمل والمثابرة والنجاح والتقاط الفرص.
  2. عدم الإستسلام لأي ظرف صعب أو مطب قد يقف في طريق النجاح والعمل على معالجته والتفكير بالطرق السليمة للخروج من المأزق بأقل التكاليف.
  3. التفكير بإنسانيّة يُساعد على نجاح الإنسان وتوفيقه من الله سبحانه وتعالى.
  4. المنافسة البناءة تقود الإنسان إلى طريق النجاح والتفوق المهني، على عكس المنافسة التي تهدف إلى هدم الآخر.
  5. العمل من أجل مصلحة الآخرين، وليس فقط من أجل المصلحة الشخصيّة.

 

كانت هذهِ مقتطفات مهمة من قصة حياة ونجاح هيربرت داو، هذا الرجل الناجح الذي استطاع أن يتحدى أكبر الدول والشركات العالميّة، ليصل إلى هدفهِ المنشود وحلمهِ الأكبر.

 

المصادر:

  1. هربرت داو "المجنون
  2. قاهر الاحتكار – هيربرت داو
  3. هربرت داو ” ومحاربة الاحتكار



مقالات مرتبطة