قصة نجاح مبتكر إندومي التايواني "أندو موموفوكو"

من منَّا لم يسمع عنها أو يتذوق طعمها الذي بات إدماناً بالنسبة إلى العديد منَّا، كباراً كنَّا أم صغاراً؟ إنَّها الإندومي أو الشعيرية سريعة التحضير أو النودلز (Noodles) التي بتنا نجدها في كلِّ مكان، والتي أصبحت المنتج المحبب والمشهور في كلِّ أنحاء العالم. رغم ذلك، قد لا يكون قد خطر في بالنا سابقاً القصة التي تكمن خلف ابتكار هذه المنتج الشهير ومعاناة مبتكرها "أندو موموفوكو"، الذي لم يفقد الأمل رغم تعرضه إلى الظلم والقسوة خلال رحلة حياته، بل ثابر وكافح حتى بات واحداً من أشهر رواد الأعمال؛ فما السر خلف نجاحه العملاق؟ وكيف رأى هذا المنتج النور ووصل إلى ما هو عليه الآن من شهرة؟ إليكم القصة كاملة:



من هو أندو موموفوكو؟

مخترع اندومي

أندو موموفوكو، الملقب بـ "مستر نودلز": رائد أعمال تايواني، وأول من ابتكر فكرة النودلز أو المعكرونة الشريطية الرفيعة سريعة التحضير في العالم عام 1958م، والتي كانت بمثابة اختراع ثوري، وباتت تمثل "غذاءً عالمياً".

تُنتَج الشعيرية سريعة التحضير بالطريقة نفسها إلى يومنا هذا، وذلك عن طريق أخذ الشعيرية المطهية بواسطة البخار، وتجفيفها في حرارة زيت عالية، ومن ثمَّ تبريدها وتغليفها؛ ممَّا يعطيها السرعة في التحضير لاحقاً لكونها شبه مطبوخة، وعمراً أطول ممَّا كان يُتوقَع. 

أيضاً، يعدُّ "أندو موموفوكو" المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "Nissin" للأغذية، وهي جزء من مجموعة نيشين الكبرى التي أصبحت في يومنا هذا من الشركات العملاقة.

إقرأ أيضاً: قصة نجاح مايكل ديل مؤسس شركة ديل

ولادة ونشأة أندو موموفوكو:

وُلِد أندو في 5 مارس/آذار عام 1910م في مقاطعة شياي إبان في تايوان، والتي كانت تحت الحكم الياباني في ذلك الوقت؛ وقد نشأ وترعرع في كنف عائلة تايوانية ثرية، وتربى بعد وفاة والديه على يد جديه مع أخويه الأكبر سناً وشقيقته الصغرى، حيث كان جداه يديران متجراً للنسيج في مدينة تاينان تشي؛ ولعلَّ ترعرعه على رؤية جديه يكدان في العمل في فترة نشأته المبكرة، جعل من شغفه بالعمل أمراً جديراً بالاهتمام.

الحياة العملية أندو موموفوكو:

أسس أندو في عمر الـ 22 سنة شركة منسوجات لبيع أقمشة التريكو اليابانية الصنع، وذلك في مدينة تايبيه في تايوان؛ وقد أخذت بذلك أعماله منحناً جديداً، حيث تمكَّن من افتتاح فرع جديد لشركته في أوساكا في اليابان في العام التالي، ولم يلبث أن اكتسب شهرة واسعة وصلت حتى منطقة كانساي اليابانية، باعتباره رجل أعمال شاب.

رغم خسارته الكثير من أعماله بسبب الحرب العالمية الثانية بعد أن شاركت اليابان فيها، إلَّا أنَّ ذلك لم يثنه عن المثابرة والتحلي بروح المبادرة؛ فوسع أعماله لتشمل: بناء وحدات سكنية بدائية في فترة ما بعد الحرب، وإنتاج الملح، وتأسيس مدرسة؛ كما وقد انتشرت تجارة المنتجات التي تحتاجها الحكومة اليابانية خلال الحرب، فتاجر أندو بالواقيات المدنية ضد الغارات الجوية أيضاً.

العراقيل التي اعترضت طريقه:

تعرض أندو إلى الحبس مرتين خلال حياته، حيث قُبِض عليه في المرة الأولى في بداية الحرب العالمية الثانية بسبب بيعه البضائع العسكرية في السوق السوداء، وزُجَّ به في السجن العسكري، وعُذِّب لمدة 45 يوماً عاش خلالها الذل والإهانة؛ إلَّا أنَّه خرج فيما بعد، وحاول استجماع شتاته والتركيز من جديد على أعماله.

أمَّا بالنسبة إلى المرة الثانية التي سُجِن فيها، فكانت عقب الحرب العالمية، وذلك بعد أن أسس مصرفاً وشغل فيه منصب الرئيس؛ ليُتهَم بالتهرب الضريبي بسبب إنفاقه على منح تعليمية للطلاب المتعسرين، حيث سُجِن لمدة عامين، وخرج بعدها ليثبت أنَّه بريء في كلا المرتين، ويُفرَج عنه.

لقد تعرض أندو إلى العديد من المشكلات في سنوات الفوضى التي تلت الحرب، والتقى خلال تلك الفترة بزوجته ماساكو التي وقفت إلى جانبه وقدمت له الدعم.

موموفوكو مع زوجته

عقب خروجه من السجن، وفي منتصف الأربعينات من العمر، وجد أندو نفسه وجهاً لوجه مع أكبر تحدٍ يتعرض إليه خلال حياته، حيث أُصِيب الاتحاد الائتماني الذي كان يرأسه بالإفلاس في عام 1957م؛ وهكذا وجد أندو نفسه قد خسر كلَّ ما يملك، وصار خالي الوفاض ومفلساً تماماً.

ليس ذلك فحسب، بل كادت مدينته أن تُستهدَف بقنبلة نووية بعد هيروشيما، وناجازاكي؛ إلَّا أنَّ حالتها التي يُرثَى لها ساهمت في إلغاء الفكرة برمتها.

إقرأ أيضاً: قصة شركة نايكي المثيرة مع اليابان

عانى الشعب الياباني من الجوع بعد خسارته في الحرب، وعاد أندو ليلملم شتاته، وسرعان ما أخذ يبحث عن الطريق ليقف مجدداً على قدميه ويعوض خساراته المتتالية، وما لبث أن بدأ البحث عن ابتكار جديد لتبدأ رحلته "كأول مبتكر للنودلز الفورية".

شاهد بالفديو: أقوال وحكم تساعدك على تجاوز الأوقات الصعبة

أندو موموفوكو يطلق النودلز:

عانت اليابان من نقص حاد في الغذاء بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقد كانت بداية الفكرة لإطلاق النودلز الفورية في ذهن أندو خلال تواجده في إحدى الأسواق السوداء بالقرب من محطة قطارات أوساكا الرئيسة، حيث كانت تصطف مجموعات عديدة من الناس من أجل الحصول على صحن من النودلز خلال أجواء الشتاء الباردة. 

أدرك أندو حقيقة أهمية الطعام، وقد لاحظ أنَّ اليابانيين يحبون المعكرونة من خلال اصطفافهم بهذا الشكل في صفوف طويلة للحصول عليها، وقد تذكر ذلك المشهد فيما بعد، وبدأ محاولاته تطوير النودلز بحيث تكون سهلة الإعداد وفي متناول الجميع وسهلة التخزين.

كان موموفوكو يعمل ضمن ورشة عمل صغيرة لا تتجاوز العشرة أمتار مربع، معتمداً على أدوات وخامات بسيطة واعتيادية لتطوير منتجه، وقد دأب على العمل لسنة كاملة، لم يكن ينام خلالها سوى أربع ساعات يومياً، ليستأنف بعدها العمل دون كلل أو ملل، وبكل عزيمة وإصرار.

كانت أكبر المشكلات التي تعرض إليها والتي حاول التغلب عليها "إيجاد طريقة يضمن من خلالها تجفيف المعكرونة بحيث يمكن تخزينها لفترات طويلة، وإعدادها لتصبح جاهزة بسهولة عن طريق إضافة الماء الساخن عليها فقط".

أخيراً، تمكَّن أندو من التوصل إلى طريقة مبتكرة يقلي فيها المعكرونة لفترة وجيزة في كمية كبيرة من الزيت ودرجة حرارة مرتفعة للتخلص من الرطوبة، حيث اكتشف في أثناء رؤيته لزوجته ماساكو وهي  تعدُّ طبق الـ "تيمبورا المقرمشة" -أحد المأكولات اليابانية الشهيرة المعدة من المأكولات البحرية أو الخضروات المغموسة في الزيت- أنَّه من خلال قليها بطريقة معينة يمكن التخلص من الرطوبة الزائدة، فاستلهم عندها فكرة القلي السريع للمعكرونة.

توصل أندو إلى منتجه الجديد في سن الـ 48، وكانت بذلك أول معكرونة مطبوخة سريعة التحضير في العالم، واتسم المنتج بكونه بسيطاً ورخيص الثمن في الوقت نفسه؛ حيث قدمه أندو للشعب الياباني تحت اسم "النودلز"، والتي يمكن إضافة الماء الساخن إليها وتناولها بعد مرور 3 دقائق فقط؛ وكانت غايته الرئيسة هي محاولة إنهاء الجوع الذي عانى منه الشعب الياباني بعد الحرب العالمية الثانية، وقد أنقذ بذلك شعبه من المجاعة والهلاك، وأصبحت هذه الوجبة اليوم واحدة من الأكلات الشعبية المبجلة في اليابان اعترافاً بجميله.

إقرأ أيضاً: قصة نجاح الكاتبة جوان رولينج مؤلفة قصة هاري بوتر

النجاح والانطلاق إلى العالمية أندو موموفوكو:

أطلق أندو منتجه لأول مرة في عام 1958م، وقدمه للعالم تحت اسم تشيكن رامن "Chikin Ramen"، وتعني الكلمة الأخيرة: (حساء المعكرونة باللغة اليابانية)؛ حيث يستخدم مع تلك المعكرونة مرق الدجاج وبعض المنكهات.

لقد برر أندو سبب اختياره لحساء الدجاج تحديداً، قائلاً: "إنَّ الدجاج هو المنتج الوحيد الذي لم تحرِّمه أيُّ ديانة أو اعتقاد ديني؛ إذ لا يأكل المسلمون لحم الخنزير، ولا يأكل السيخ لحم البقر؛ لذا فإنَّنا لا نجد سوى الدجاج خياراً لم يُحرَّم في جميع الأديان".

لقد حققت الندولز نجاحاً كبيراً، وشهدت إقبالاً هائلاً، وحقق أندو مبيعات سنوية من تجارته وصلت إلى 4.3 مليار ين بعد خمس سنوات فقط من بدايته، وحصل على لقب "Mr. Noodle".

السيد نودلز

بعد النجاح المنقطع النظير الذي حققه أندو، بدأ توجيه أنظاره إلى العالمية، وقد طرح في عام 1971م أول علبة معكرونة سريعة التحضير، وأطلق عليه اسم (كوب نودلز)، وذلك بعد خمس سنوات من التجربة، حيث كانت أول معكرونة معبأة مسبقاً في علبة صغيرة الحجم، والتي كانت بمثابة خطوته الأولى في ترويج المعكرونة اليابانية الصنع إلى العالم أجمع.

رغم وجود بعض العقبات التي واجهها هذا المنتج في البداية نظراً إلى أنَّ سعره كان أغلى قليلاً من مغلفات المعكرونة البلاستيكية، إلَّا أنَّه تمكن لاحقاً من الانتشار بشكل كبير، واجتاح الأسواق بقوة في آسيا بداية، ثمَّ في الأمريكيتين وأوروبا، ومن ثمَّ أصبح منتجاً عالمياً.

وقد كانت شركته Nissin -التي بدأها قبل 10 سنوات لتصنيع الملح، والتي قرر تغيير اسمها فيما بعد- تتولى تصنيع النودلز الجاهزة؛ ومن ثمَّ توسعت بشكل كبير.

تناول النودلز في الفضاء

أعلن أندو في عام 2001م عن بدء العمل لإنتاج نودلز فورية يمكن تناولها حتى في الفضاء الخارجي، وتمكَّن فيما بعد من تحقيق ذلك؛ حيث أطلق على منتجه اسم "النودلز الفورية للفضاء"، والتي تتميز بحساء سميك المسحوق لمنع التناثر في بيئة خالية من الجاذبية؛ وقد رافق منتجه رائد الفضاء الياباني "نوغوتشي سويتشي" والطاقم المرافق له في عام 2005م في مكوك الفضاء "ديسكفري".

تعدُّ النودلز -أو الإندومي كما نعرفها في بلادنا العربية- من أكثر المنتجات شعبية وطلباً حول العالم، وقد سجل عام 2015م وحده استهلاك ما يقارب 97.7 مليار وجبة نودلز في 52 دولة حول العالم، وذلك تبعاً للمنظمة العالمية للمعكرونة الفورية (The World Instant Noodles Association WINA).

إنجازات أندو موموفوكو:

حصل أندو على العديد من الأوسمة، وكرمته الحكومة اليابانية والإمبراطور مرات عديدة، نذكر منها:

  • وسام الشمس المشرقة والنجمة الذهبية والفضية من الدرجة الثانية في عام 2002م؛ وهو ثاني أكثر الأوسمة اليابانية المرموقة للمدنيين اليابانيين.
  • وسام الشرف مع الشريط الأزرق (1977م).
  • وسام الكنز المقدس من الدرجة الثانية النجمة الذهبية والفضية (1982م).
  • وسام الشرف مع الشريط الأرجواني (1983م).
  • المدير العام لوكالة العلوم والتكنولوجيا "جائزة الخدمة المتميزة" (1992م).
  • وسام ديريك غونابورن الدرجة الرابعة (2001م).
  • وسام الرتبة الرابعة بعد وفاته (2007).
إقرأ أيضاً: قصص نجاح لأشخاص وصلوا إلى النجاح والثراء بعد الخمسين عاماً

وفاته:

وفاة أندو موموفوكو

توفي أندو موموفوكو عن عمر يناهز الـ 96 عاماً بسبب قصور القلب، وذلك في تاريخ 5 يناير/كانون الثاني عام 2007م في مستشفى في إيكيدا، في مدينة أوساكا.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة