قصة نجاح المهاتما غاندي (الروح العظيمة)

السياسي والزعيم الروحي للهند، اشتهر باسم المهاتما غاندي أي "الروح العظيمة"، وَهَبَ حياته لنشر سياسة اللاعنف والمقاومة السلميّة على مدى خمسين عاماً ومكافحة الاحتلال البريطاني بسلميّة، والتي نتج عنها استقلال الهند. فأصبح مصدراً لإلهام الكثير من حركات الحقوق المدنيّة والحريّة في مُختلف أنحاء العالم. في مقالتنا اليوم سنتناول قصّة نجاح أيقونة تاريخيّة ورمز من رموز الكفاح السلمي.



من هو غاندي؟

موهانداس كرمشاند غاندي وُلِدَ في 2 أكتوبر/ تشرين الأول في عام 1869م  في بور بندر بمقاطعة غوجارات الهنديّة. درس القانون وكان سياسي بارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلال الهند، حيث قام بتنظيم حملات لمقاطعة المؤسَّسات البريطانيّة بشكل سلمي من خلال العصيان المدني.

نشأة المهاتما غاندي:

وُلِدَ غاندي في "بورباندر" بولاية "غوجارات" الهنديّة لعائلة مُحافِظَة تعمل بالتجارة وسياسيّة بامتياز أيضاً، حيث شَغَلَ جدّه منصب رئيس وزراء إمارة "بورباندر" ومن ثمَّ والده "كابا غاندي" الذي كان رئيس وزراء " راجكوت" لعهدٍ ما، ثمَّ رئيساً لوزارة "فانكانار". يقول غاندي عن والده: "كان والدي محبّاً لطائفته صادقَ القول شجاعاً كريماً، ولكنّه كان ضيّق الخُلق. كان مستقيماً جدّاً طاهرَ اليَد، وكان معروفاً باستقلال رأيه". 

أمَّا تأثّره الشديد بأمّه "بوتلي باي" فقد بدى واضحاً. يقول غاندي عن أمّه: "أمَّا الأثر الذي تركته أمّي مطبوعاً في مخيّلتي فَأَثَر الزهد والقداسة. كانت متديّنة شديدة التديُّن". فكانت دائمة الصيام والصلاة والذهاب إلى المعابد، كما أنَّها كانت ذكيّة وذات قدرة في الحكم على حقائق الأشياء.

قضى غاندي طفولة عاديّة وكان خجولاً لا يرافق أحد. تزوّج هو وأخاه وابن عمه في يوم واحد بقرار من كبراء الأسرة الذين لم يفكروا بمصلحتهم ولم يعيروا رغباتهم اهتماماً، وكان آنذاك في الثالثة عشرة من عمره، ورُزِقَ من زواجه هذا بأربعة أولاد.

وفي أيام الدراسة عَقَدَ غاندي صداقة مع أحد أقرانه في المدرسة، وقد كان معروفاً عنه أنّه غير مستقيم الأخلاق. وقد أقنعه أنّهم أمّة ضعيفة لأنَّهم لا يأكلون اللحم على عكس الإنكليز الذين يحكمونهم، فنجح في إقناعه وكان ذلك ضدَّ مبادئ عقيدته. حيث كان من أتباع الديانة "الجانية"، وهي ديانة هنديّة قديمة ومن مبادئها الأساسيّة عدم الاعتداء على الأرواح وسلب أشخاص نعمة الحياة. وقد زاد تمرُّد غاندي فبدأ بالتدخين وذهب مع صديقه إلى ماخور وسرق النقود من الخدم، إلّا أنَّه ترك كل ذلك فيما بعد.

كان غاندي يقضي كل وقته بعد المدرسة بتمريض والده والعناية به، ثمَّ توفي والده بعد ذلك. وقد درس غاندي في جامعة في الهند إلّا أنَّه لم يلتزم بها، ثمَّ اقترح عليه فيما بعد شخص مُقرَّب من الأسرة ومرشد لها بالسفر إلى إنجلترا لدراسة القانون، لكنَّ غاندي كان يرغب بأن یكون طبیباً، إلّا أنَّ أخاه اعترض بحجّة أنَّ والده كان يأمل بأن يُصبح وَلَده محامياً ليتهيَّأ ليكون وزیراً في الحكومة مثله. وفعلاً تمَّ ذلك فيما بعد حيث أبحر غاندي إلى لندن في إنجلترا أواخر شهر سبتمبر من عام 1888م لدراسة القانون وكان حينذاك في الثامنة عشرة من عمره، عاد منها فيما بعد إلى الهند بعد أن حَصَلَ على إجازة جامعيّة تخوّله ممارسة مهنة المحاماة.

وقد التقى غاندي في السنة الثانية من إقامته في إنكلترا، أعضاء الجمعية الثيوصوفيّة، الذين شجَّعوه على التعمُّق في قراءة النصوص الهندوسيّة، لاسيما "البهاغافاد غيتا"، الذي تأثَّر به ووصفه بأنَّه كتاب لا يُقدَّر بثمن. فنما تقديره للهندوسيّة، ثمَّ بدأ يتعمَّق أيضاً في الديانات الأخرى، وتأثَّر بشكلٍ خاص بموعظة يسوع المسيح على الجبل. فيقول: تَخَلَّقتُ بقول عيسى (لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدّك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً. ومن أراد أن يُخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء). كما تأثَّر كثيراً بالكاتب ليو تولستوي. وأسهمت هذه التجارب في عودته إلى المبادئ الهندوسيّة التقليدية التي نشأ عليه في طفولته، مثل تناول الطعام النباتي، والامتناع عن تناول الكحول، وعدم ممارسة الجنس.

الحياة العملية لغاندي:

كافَحَ غاندي للعمل في مهنة المحاماة، وفي أوَّل قضیةٍ له في قاعة المحكمة أَخفَقَ غاندي وخسر دعوته وطُرِدَ من مكتب مسؤول بريطاني. وأراد غاندي بعد أن تعرَّض للإذلال أن يبتعد عن هذه الأجواء وقد كان له ذلك. حيث قدَّمت إحدى المؤسَّسات التجاريّة في "بورباندر" عرض للعمل في جنوب أفريقيا لأداء خدمات قانونيّة لهذه المؤسَّسة. فقبل العرض من غير مساومة وأبحر إلى "دوربان في جنوب افریقیا في أبريل/نيسان 1893م، وقضى فيها 21 عاماً. وأثناء سفره إلى البلاد، طُرد من عربة قطار الدرجة الأولى بسبب لون بشرته. يقول غاندي: "وبدأت أفكر في واجبي في مثل هذه الظرف وتلقاء هذه المعاملة. أيجب أن أُصارع وأُجالد في سبيل التمتُّع بحقوقي، أم أرجع إلى الهند؟ أم أُتابع السفر إلى "بريتوريا". وقد اعتقد أنَّه من الجبن أن يرجع إلى الهند قبل أن يقوم بواجباته والتزاماته وصمَّم على متابعة طريقه.

كان لذلك الحادث والعديد من الحوادث المشابهة أثره في نفس غاندي حيث رثى لحال الجالية الهنديّة ودفعه إلى النضال من أجل حقوق الهنود الذين كانوا بأعداد كبيرة في جنوب أفريقيا في ذلك الوقت.

إنجازات غاندي في جنوب إفريقيا:

دافعَ غاندي خلال فترة بقاءه في جنوب إفريقيا عن حقوق الهنود المضطهدين، فكان يُنظّم الاجتماعات مع الساسة والمحامين للمطالبة بحقوق العمال الهنود، وبعد أن أنهى مدّة إعارته إلى جنوب أفريقيا فكَّر في العودة للهند، إلّا أنَّ صدور قانون يمنع الهنود من حق الاقتراع من قِبَل حكومة جنوب أفريقيا جعله يتراجع عن فكرة العودة إلى الهند.

بدأ غاندي كفاحه السلمي وقدَّم الشكاوى وحرَّر آلاف العرائض التي وجَّهها للسلطة البيضاء في جنوب إفريقيا، وقام بتنظيم "المؤتمر الهندي" في الناتال للدفاع عن حقوق العمال الهنود، وأسَّس صحيفة (الرأي الهندي) Indian Opinion التي صدرت باللغة الإنجليزيّة و بثلاث لغات هنديّة أخرى. ممَّا عرَّضه للاعتقال أكثر من مرَّة.

غاندي

كما قاوم غاندي ما كان يُعرَف بـ"المرسوم الآسيوي" الذي يَفرِض على الهنود تسجيل أنفسهم في سجلّات خاصة، ووصلت العنصريّة إلى حد اقتحام قوات البوليس منازل الهنود للتفتيش. وعلى أثر ذلك اندلعت مُظاهرات في جوهانسبورغ، وتعاطف الصينيون مع الهنود وانضموا إلى حركتهم. ولقد امتلأت السجون بالمُعتَقَلين، واعتقلت قوّات الشرطة غاندي عدَّة مرّات بعد تطبيق القانون، ثمَّ أُطلِقَ سراحه.

وقد واجه غاندي وجماعته اعتداءات الشرطة بالمقاومة السلميّة، ومن هنا أسَّس غاندي ما عُرِفَ في عالم السياسة بـ"المقاومة السلميّة" أو فلسفة اللاعنف (الساتياراها)، وهي عبارة عن مجموعة من المبادئ والتي تقوم على أُسُس دينيّة وسياسيّة واقتصاديّة في الوقت ذاته، ملخّصها "الشجاعة والحقيقة واللاعنف"، وتهدف هذه السياسة إلى هزيمة المُحتَل من خلال الوعي العميق بالخطر المُحدِق و إنشاء قوَّة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاعنف أوّلاً، ثمَّ بالعنف في حال عدم وجود خيار آخر.

وتتحقَّق هذه السياسة من خلال أساليب عدّة، كالصيام والمقاطعة والاعتصام والعصيان المدني والقبول بالسجن وعدم الخوف حتَّى ولو أدَّت هذه الأساليب إلى الموت. ولنجاح هذه السياسة يَشتَرِط غاندي أن يكون الخصم متمتّعاً ببقية من الضمير والحريّة التي ستدفعه في نهاية الأمر لإقامة حوار موضوعي مع الطرف الآخر.

استمرَّ نضال غاندي على هذا النحو طوال تلك السنوات، إلى أن قرَّرت السلطات أن تُقلّل من تعسُّفها، فعَرَضَت على غاندي تَسْوِيَة بين الجانبين وافق عليها، وغادرَ بعدها جنوب إفريقيا متوجّهاً إلى الهند. حيث أدت حركة "اللاعنف" التي قادها لضمان حقوق وكرامة الهنود في جنوب إفريقيا وتحقيق النصر بعد كِفَاح دامَ عشرين عاماً.

التجربة السياسية لغاندي (العودة إلى الهند):

غاندي

عادَ غاندي إلى الهند عام 1915م، وخلال عدَّة سنوات من الكفاح ضدَّ الاستعمار والعمل الوطني المُخْلِص أصبح غاندي الزعيم الأكثر شعبيّة. فقد بدأ غاندي كفاحه لاستقلال بلاده في أعقاب مذبحة مدينة أمريستار السيخيّة المقدَّسة، التي أسفرت عن مقتل نحو 400 شخص وإصابة 1300 آخرين في مُظاهرة خَرَجَت ضدَّ صدور قانون "مُكافحة التحريض" والذي يَسمَح بسجن المشتبه فيهم بالتحريض من دون مُحاكمة. وقد اعتُقِلَ غاندي من قِبَل البريطانيين بتهمة التحريض وإثارة الفتنة وتمَّ سجنه لمدّة عامين.

في عام 1930م قاد غاندي مسيرة شعبيّة أو "احتجاجات الملح" والتي توجَّهت إلى البحر لاستخراج الملح متحدّياً بذلك القوانين البريطانيّة التي كانت تحصر استخراج الملح بالسلطات البريطانيّة، وقد عمَّ العصيان الجماعي أرجاء الهند ممَّا أوقع السلطات البريطانيّة في مأزق، ما أدّى لاتفاق غاندي مع اللورد إیروین بعد إطلاق سراحه في عام 1931م على إنهاء العصیان مُقابل تنازُلات شملت الإفراج عن آلاف السجناء السیاسیین.

في عام 1931م سافر غاندي كممثّل وحيد للمؤتمر الوطني الهندي لحضور مؤتمر الطاولة المستديرة في لندن، إلّا أنَّ المؤتمر لم يؤتي ثماره. حيث لم تكن بريطانيا مستعدة بعد لمنح الهند استقلالها.

وقد دَافعَ غاندي عن حقوق العمال والفلاحين وفئة المنبوذين (والمنبوذين هم أدنى طبقة في المجتمع الهندي). ففي عام 1932م صَدَرَ مشروع قانون يُكرّس التمييز الطبقي في الانتخابات ويُهمّش المنبوذين الهنود، فقرَّر الاحتجاج على ذلك من خلال البدء بصيام حتّى الموت، الأمر الذي أرغم البريطانيين على التراجُع وإلغاء نظام التمييز الانتخابي.

في عام 1934م قرَّر غاندي اعتزال الحياة السياسيّة والاستقالة من حزب المؤتمر، وركَّز على مشاكل التعليم و الفقر التي كان يعاني منها الريف الهندي.

وفي عام 1940م اندلعت الاحتجاجات مرّةً أُخرى وأطلق غاندي حملة جديدة احتجاجاً على إعلان بريطانيا الهند دولة مُحاربة لجيوش المحور دون أن تنال استقلالها، وهنا قال غاندي جملته الشهيرة "اتركوا الهند وأنتم أسياد"، إلّا أنَّ ذلك لم يعجب السلطات البريطانيّة فقامت بحملة اعتقالات طالت غاندي ولم يتم الإفراج عنه إلّا عام 1944م.

بدأت أهداف غاندي بالتحقُّق في ظل الضُعف الذي أحاط بريطانيا خلال الحرب العالميّة الثانية. وفعلاً نالت الهند استقلالها في عام 1947م، إلّا أنَّ حلم غاندي بهند موحّدة لم تتحقَّق. حيث تزايدت الدعوات الانفصاليّة لتقسيم الهند إلى دولتين بين المسلمين والهندوس، وقد حاوَلَ غاندي إقناع "محمد علي جناح" الذي كان على رأس الداعين إلى هذا الانفصال بالعدول عن ذلك ولكنَّ محاولاته باءت بالفشل.

وفي عام 1947م انقسمت الهند بالفعل إلى دولتين وهما الهند وباكستان، وخَلَقَ هذا الانقسام مزيداً من العُنف بين الهندوس والمسلمين، فذهب غاندي إلى المناطق التي وقعت فيها هذه الأحداث العنيفة ودعى إلى الوحدة الوطنيّة واحترام حقوق المسلمين.

وفاة المهاتما غاندي:

كان تعاطُف غاندي مع المسلمين بمثابة الخيانة العظمى من قِبَل بعض الهندوس المتعصّبين، الأمر الذي أدّى لاغتياله في 30 يناير/كانون الثاني من عام 1948م. حيث أَطْلَقَ عليه أحد الهندوس المتعصّبين وهو "ناتهورام غودسي" ثلاث رصاصات من مسافة قريبة جدّاً، ليلقى مصرعه عن عمر يناهز 78 عاماً بعد ستّة مُحاولات لاغتياله، ليُصبِح بعدها رمزاً للكفاح السلمي العالمي.

تكريمات وإنجازات غاندي:

  • تمَّ ترشيحه 5 مرات لجائزة نوبل للسلام.
  • تمَّ إطلاق طابع رمزي تكريماً له من قِبَل بريطانيا وذلك بعد مرور 21 سنة على وفاته.

أقوال واقتباسات لغاندي:

  1. يصبح الإنسان عظيماً تماماً بالقدر الذي يعمل فيه من أجل رعاية أخيه الإنسان.
  2. إنّنا سوف نكسب معركتنا لا بمقدار ما نقتل من خصومنا ولكن بمقدار ما نقتل في نفوسنا الرغبة في القتل.
  3. إنَّ النصر الناتج عن العنف مساوٍ للهزيمة، إذ أنّه سريع الانقضاء.
  4. تعلّمت درس اللاعنف من زوجتي، وذلك حين حاولت إخضاعها لإرادتي. إلّا أنَّ مقاومتها الحازمة لرغبتي من جهة، وخضوعها الهادىء للألم الذي تسبّب به غبائي من جهة أخرى، جعلني أخجل جدّاً من نفسي، وشفاني من غباء الاعتقاد بأني خلقت لأحكمها. وفي نهاية الأمر أصبحت هي معلمتي في اللاعنف.
  5. اللاعنف هو شريعة الجنس البشري. وهو أكبر وأسمى بما لا يقاس من شريعة القوة الغاشمة. وفي نهاية المطاف، هو لا يليق بأولئك الذين لا يملكون إيماناً حيّاً بألوهيّة المحبّة.
  6. لا يصبح الخطأ على وجه حق بسبب تضاعف الانتشار، ولا تصبح الحقيقة خطأ لأنَّ لا أحد يراها.
  7. يكمن المجد في محاولة الشخص الوصول إلى هدف وليس عند الوصول إليه.
  8. في غمرة الموت تستمر الحياة... في غمرة الكذب تستمر الحقيقة... في غمرة الظلام يستمر الضوء.
  9. قد لا تعرف أبداً نتيجة أفعالك، لكن إذا لم تفعل شئ فلن يكون هناك أي نتائج.
  10. العين بالعين تجعل كل العالم أعمى.
  11. ليس من الحكمة أن يكون الإنسان متأكداً من حكمته، إنّه أمر صحّي أن يتم تذكيره بأنّ الأقوى يمكن أن يضعف، والأكثر حكمة يمكن أن يخطئ
  12. ساعة الغضب ليس لها عقارب.
  13. الـ "لا" التي تُلفَظ عن قناعة عميقة أفضل من الـ "نعم" التي تُلفَظ لمجرد الإرضاء، أو أسوأ من ذلك، لتجنُّب المتاعب.
  14. الأخلاق هي أساس الأشياء، والحق هو جوهر كل الأخلاق.
  15. عليك أن تكون أنت التغيير الذي تريده للعالم.

 

المصادر: 1 2 3 4




مقالات مرتبطة