علم المحيطات وعلم الأحياء البحرية: هل هما متشابهان أم مختلفان؟

أعماق المحيطات هي موطن لأكثر أشكال الحياة تعقيداً، فعلى مر القرون ولَّدت المياه العميقة أيضاً أساطير وألغازاً لا يمكن للبشرية تفسيرها، وعلى الرغم من أنَّ المحيطات هي قلب الأرض ودونها لا يمكننا البقاء على قيد الحياة، إلا أنَّنا لا نعرف سوى القليل جداً عنها، وهنا يأتي دور استكشافها.



لا يتعلق استكشاف المحيطات بالتجول على أمل العثور على إجابات، ولكنَّه نهج منهجي للكشف عن كل شيء مصنَّف على أنَّه غريب أو غير عادي، وإنَّه يتعلق أيضاً باكتشافات جديدة ومذهلة، على سبيل المثال، يوجد ما يُقدَّر بمليون نوع من الكائنات البحرية، وما يقرب من 228، 450 نوعاً تم تحديده وتسميته وتصنيفه، وفي مقالنا الآتي سنتعرف إلى الفرق بين علم المحيطات وعلم الكائنات البحرية وهل هما متشابهان أم مختلفان؟ فتابعوا معنا.

ما هو علم المحيطات؟

علم المحيطات هو علم متعدد التخصصات يدرس المحيطات والبحار في العالم، ويغطي مجموعةً واسعةً من الموضوعات، ومن ذلك التفاعلات الديناميكية باستمرار في النظام البيئي البحري والصفائح التكتونية وجيولوجيا قاع البحر وتيارات المحيط، وفي الأساس يسير علم المحيطات جنباً إلى جنب مع الفيزياء والكيمياء والرياضيات والبيولوجيا والجيولوجيا.

إلى جانب كشف أسرار المحيطات والمجهول، يدرس علماء المحيطات أيضاً ويفهمون كيفية عمل المحيطات ويساعدوننا على الحفاظ على الموارد البحرية؛ إذ تلقي الدراسات الأوقيانوغرافية الضوء أيضاً على:

  1. لماذا يجب أن نهتم بالحياة البحرية؟
  2. هل يهم إذا انقرضت الأنواع أو تعرضت للخطر؟
  3. كيف ترتبط الحياة في المحيطات بالأرض؟

ما هو علم الأحياء البحرية؟

من ناحية أخرى، علم الأحياء البحرية هو دراسة الحياة البحرية مباشرةً من العوالق الصغيرة إلى النباتات والحيوانات في المحيطات وبيئات المياه المالحة، وفي الواقع ترتبط البيولوجيا البحرية ارتباطاً وثيقاً بعلم المحيطات، ولكي يكون لديك فهم كامل لعلم الأحياء البحرية، من الهام أن يكون لديك بعض المعرفة بعلم المحيطات.

نطاق علم الأحياء البحرية واسع جداً؛ إذ يمكن أن تستند التخصصات إلى نوع واحد أو عائلة أو سلوك أو نظام بيئي واحد، على سبيل المثال، قد يختار علماء الأحياء البحرية دراسة نوع واحد من الأسماك أو جميع أنواع الأسماك التي تنتمي إلى مناخ أو منطقة.

مثل علم المحيطات، تُعَدُّ البيولوجيا البحرية أيضاً متعددة التخصصات؛ إذ تتقاطع البيولوجيا الخلوية والكيمياء والبيئة والجيولوجيا والأرصاد الجوية وعلم النبات وعلم الوراثة والبيولوجيا الجزيئية وعلم المحيطات الفيزيائية والبيولوجية وعلم الحيوان.

علم المحيطات ليس نفسه علم الأحياء البحرية:

يوجد الكثير من التداخل في علم المحيطات وعلم الأحياء البحرية بالطبع، ولكنَّ الفرق واضح جداً، ولفهم ما يؤكده كل منهما بشكل أفضل نحتاج إلى فهم عمل علماء المحيطات وعلماء الأحياء البحرية؛ إذ يدرس علماء المحيطات عادةً أحد المجالات الأساسية الأربعة لعلوم المحيطات:

1. علم المحيطات البيولوجي:

إنَّها دراسة المحيط من خلال عدسة الحياة البحرية وتوزيعها ووفرتها والتفاعل البيئي والافتراس؛ إذ يبحث علم المحيطات البيولوجي في العمليات التي تؤدي إلى الأنماط السلوكية والإنجابية الفريدة للكائنات البحرية، وسيقوم أيضاً بدراسة التركيب الكيميائي للمحيطات وعلم البيئة لفهم العلاقات في المحيطات بشكل أفضل، فأي تحول مفاجئ في المظهر الكيميائي للمحيط له تأثير عميق في سكانه، وعلم المحيطات البيولوجي مشابه لعلم الأحياء البحرية، ولكنَّهما متميزان ولا ينبغي الخلط بينهما.

2. علم المحيطات الكيميائي:

يدرس علم المحيطات الكيميائي كيمياء المحيطات؛ إذ إنَّه مجال يقع إلى حد كبير في المرحلة الاستكشافية، ويمكن تقسيم علم المحيطات الكيميائي أيضاً إلى الكيمياء البحرية "الدراسات المعنية بالمكونات الكيميائية لمياه البحر"، والكيمياء الجيولوجية البحرية "دراسات العمليات الجيولوجية وكيمياء قاع المحيط ودور الميكروبات في تكوين أو تغيير جيولوجيا المحيط".

توفر كيمياء المحيطات نافذةً على أصل وتطور الحياة البحرية، وتوازن الكتلة الكيميائية ورواسب المحيطات والمناخ؛ إذ يبحث علماء المحيطات الكيميائيون بحثاً رئيساً في تحمُّض المحيطات وتأثيرها في البيئة وتأثير الجيولوجيا المتغيرة والنشاط البيولوجي في المحيط، كما أنَّهم يتعاونون مع علماء المحيطات البيولوجية والفيزيائية لدراسة التلوث البحري الذي يسببه الإنسان ولحماية النظام البيئي البحري والحفاظ عليه.

3. علم المحيطات الفيزيائية:

دراسات "لماذا" و"أين" و"كيف" تعمل الموجات والمد والجزر والتيارات؛ إذ يبحث علماء المحيطات الفيزيائية في تفاعل المحيط مع العوامل الجوية، ومن ذلك درجة الحرارة والملوحة والكثافة وسرعة الرياح والمد والجزر والتيارات والدوامات، ويبحثون أيضاً عن إجابات لتآكل السواحل ودوران المحيطات وحركة السوائل، فالآليات الفيزيائية المسؤولة عن الجليد البحري وتوزيع الصفائح الجليدية القطبية هي أيضاً منطقة تركيز لعلماء المحيطات الفيزيائيين.

ينقسم علم المحيطات الفيزيائي أيضاً إلى علم المحيطات الفيزيائي الوصفي والديناميكي؛ إذ يدرس علم المحيطات الوصفي المحيط من خلال النماذج العددية وحركات السوائل، بينما يتعامل علم المحيطات الفيزيائي الديناميكي مع حركة السوائل وتيارات المحيط.

4. علم المحيطات الجيولوجي:

يشار إليه أيضاً باسم علم المحيطات الجيوفيزيائية، فعلم المحيطات الجيولوجي هو دراسة قاع المحيط والعديد من التكوينات المثيرة للاهتمام تحت الماء - الجبال والأودية والبراكين والوديان - على سبيل المثال، تُعَدُّ (Mid-Ocean Ridge) أطول سلسلة جبال مستمرة على هذا الكوكب موضوع بحث ساخناً بين علماء المحيطات الجيولوجيين.

تمتد سلسلة (Mid-Ocean Ridge) لأكثر من 40000 ميل معظمها تحت الماء، وهي عبارة عن حدود صفيحة متباينة، وتمثل واحدةً من أهم الظواهر الجيولوجية التي شكلت الأرض، وتساعدنا نتائج الدراسات الجيولوجية الأوقيانوغرافية أيضاً على فهم وتقييم القضايا المجتمعية المستقبلية، ومن ذلك ظاهرة الاحتباس الحراري.

ماذا يدرس علماء الأحياء البحرية؟

يركز علماء الأحياء البحرية على دعم الحياة في المحيطات؛ إذ إنَّ العثور على أنواع جديدة وفهرستها ودراستها من الألف إلى الياء هو مجال التركيز الرئيس لعلماء الأحياء البحرية، كما أنَّهم يدرسون التفاعلات بين الأنواع وداخلها، على سبيل المثال، التبادلية بين أسماك المهرج وشقائق النعمان أو التعايش بين الروبيان الإمبراطوري وخيار البحر.

يقوم بعض علماء الأحياء البحرية بدراسة وتوثيق تاريخ الكائنات الدقيقة والكبيرة؛ إذ إنَّهم ينظرون إلى الملف التطوري وسجلات الحفريات ويقارنونها بالأنواع الجديدة أو الحالية، وإضافة إلى دراسة الحيوانات والنباتات المائية، قد يدرس علماء الأحياء البحرية أيضاً كيفية تأثير التفاعلات والسلوكات البشرية في بيئات المحيطات، كما أنَّهم يدرسون إلى حد كبير أشكال الحياة المائية لإنتاج الأدوية النشطة بيولوجياً أو الواسمات البيولوجية.

مع تقدم تغير المناخ سيقوم علماء الأحياء البحرية بتقييم تحمُّض المحيطات واحترارها، فقد يدرسون أي شكل من أشكال الحياة المائية يتأثر بأسرع ما يمكن ويصيغون تدابير وقائيةً، وقد يكون لعلماء الأحياء البحرية البيئية دور بارز في اكتشاف تأثير التلوث وتسرب النفط واستخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الاصطناعية في النظم البيئية البحرية.

تاريخ موجز لعلم المحيطات وعلم الأحياء البحرية:

قد يكون علم المحيطات وعلم الأحياء البحرية مجالين حديثين نسبياً للدراسة، ولكنَّ جذورهما تمتد إلى عصور ما قبل التاريخ؛ إذ يمكن رؤية الإشارات إلى المحيط بوصفها وسيلة للنقل في "الإلياذة" و"الأوديسة" لـ "هوميروس"، وتعود الإشارات المحددة للحياة البحرية إلى 384 - 322 قبل الميلاد، فقد حدد "أرسطو" الكائنات البحرية، ومن ذلك القشريات وشوكيات الجلد والرخويات والأسماك، ونظراً لأنَّ الملاحظات الأولى على الحياة البحرية كانت من قِبل "أرسطو" فقد تمت الإشارة إليه باسم "أبو علم الأحياء البحرية".

أبحر البحارة البولينيزيون الأوائل في العالم باستخدام معرفتهم بالنجوم والعواصف والمد والجزر والتيارات، وفي أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، استخدم المستكشفون الأوروبيون المحيط لإنشاء طرق تجارية جديدة، كما أنشأ أمير البرتغال "هنري" أول معهد لعلوم المحيطات على الإطلاق؛ إذ يمكن للتجار والعلماء معرفة المزيد عن المحيطات.

مع ذلك فإنَّ علم المحيطات الحديث لم يظهر حتى أواخر القرن التاسع عشر عندما أطلقت أمريكا وبريطانيا وأوروبا حملاتٍ بحريةً مشتركةً، وكانت بعثة "تشالنجر" (1872 حتى 1876) أول بعثة علمية منظمة، كما كانت ثمرة رحلة (HMS Challenger) هي تقرير النتائج العلمية للرحلة الاستكشافية لسفينة (HMS Challenger) خلال الأعوام 1873-1876م.

إذ تحتوي الصفحات الثلاثين ألفاً على تسجيلات لدرجة حرارة المحيط والتيارات والترسبات والأحواض ومعلومات مفصلة عن 4717 نوعاً جديداً، كما أدت إلى اكتشاف أعراف منتصف الأطلسي.

أدت الرحلات الاستكشافية اللاحقة إلى إنشاء العديد من المختبرات البحرية، فمحطة (Biologique de Roscoff) في "فرنسا" هي الأقدم، وعلى الرغم من أنَّ علم المحيطات الحديث انطلق خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أنَّ التطورات الحقيقية حدثت خلال السبعينيات مع إطلاق (SEASAT) أول قمر أوقيانوغرافي مدني من قِبل وكالة "ناسا"، واليوم علم المحيطات وعلم الأحياء البحرية هما أكثر مجالات العلوم إثارةً.

إقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن يوم البيئة العالمي

نطاق وأهمية علم المحيطات والبيولوجيا البحرية:

يغطي المحيط أكثر من 70% من سطح الأرض ويحتوي على 99% من مساحة المعيشة على كوكبنا؛ لذلك من الهام فهم المحيطات بشكل أفضل للحفاظ على هذا النظام البيئي المعقد وحمايته، كما يُعَدُّ نطاق علم المحيطات وعلم الأحياء البحرية بشكل رئيس في:

  1. المعلومات من دراسات الاستكشاف هامة للعثور على موارد المحيطات الجديدة وإدارتها وحفظها.
  2. تنتج المحيطات كميةً من الأوكسجين - نحو 70% - أكثر من غابات الأمازون، ومن خلال الدراسات الأوقيانوغرافية يمكننا إنشاء المعلومات الأساسية اللازمة لفهم التغيير البيئي بشكل أفضل، وسد الفجوات حول الأمطار والجفاف ودورة الكربون.
  3. تدعم أشجار المانغروف ومستنقعات الملح والأعشاب البحرية والقيعان والشعاب المرجانية عدداً كبيراً من الأنواع المختلفة؛ أي إنَّ التنوع البيولوجي للمحيط مرتفع للغاية، كما تؤدي الدراسات البيولوجية البحرية دوراً هاماً في تحديد وتصنيف وحفظ نفس التنوع البيولوجي.
  4. القشور القارية وقاع المحيط هي مستودعات الموارد الطبيعية، ومن ذلك الغاز والنفط.
  5. المحيطات لها أهمية في الاقتصاد؛ إذ تأتي الإيرادات المتعلقة بالمحيطات بشكل أساسي من الطعام والسياحة والشحن والمنتجات الطبية الحيوية، ومن ثم فإنَّ المعرفة المكتسبة من خلال الدراسات العلمية أمر رئيس للاستجابة بشكل مناسب في مواجهة كوارث المحيطات وإنقاذ الاقتصاد.
إقرأ أيضاً: التلوّث البيئي خطر يهدد الكائنات الحية

في الختام:

كنا معكم في هذا المقال وتعرفنا معاً إلى علم المحيطات وعلم الأحياء البحرية، والفرق والتشابه بينهما، وقمنا بوضع تاريخ موجز لهذين العلمين، إضافة إلى ذكرنا نطاقهما وأهمية دراستهما، على أمل تحقيقه للفائدة المرجوة منه.




مقالات مرتبطة