علاقة التعاطف مع الذات والإيثار في تحسين جودة الحياة

فكَّر الناس لقرون، واختلفوا في تحديد مزايا الإنسان وعيوبه؛ إذ حلَّل الفلاسفة وعلماء النفس بعض عناصر النفس البشرية نظرياً وعلمياً للحصول على فهم أفضل لما نحن عليه بصفتنا نوعاً حياً، ولماذا نفعل ما نفعله، في حين كان التركيز بصورة كبيرة على الجوانب السلبية للخيارات الشخصية، إلا أنَّنا سنركز في هذا المقال على التعاطف مع الذات والإيثار ودورهما في تحسين جودة الحياة.



قد تأتي القيمة الذاتية من الخارج:

أصبح من الصعب اكتساب الوعي الذاتي دون التفكير في أفكار تُحبِط النفس والاعتقاد بمفاهيم خاطئة؛ فنحن جميعاً نتاج الأماكن التي جئنا منها والتجارب التي عشناها، إضافة إلى ذلك، فإنَّ وسائل التواصل الاجتماعي والسعي إلى الظهور وأن يكون صوتك مسموعاً، تفرض علينا ضغطاً إضافياً لنكون الأفضل، سواء كان ذلك حقيقياً أم من خلال مواقع التواصل.

الاستجابة لمحنة الآخرين:

أظهرت الأبحاث أنَّ التعاطف مع الآخرين له أهمية كبيرة، فعندما يُظهِر شخص ما لطفاً تجاه شخص آخر، فهذه واحدة من أكثر الصفات المرغوبة والمطلوبة، لكن هل تُولَد هذه الصفة مع الإنسان أم يكتسبها؟

يتأثر اهتمامنا بالآخرين في البيئة التي نشأنا فيها:

أظهرت الدراسات أنَّ البشر والحيوانات قد يكونون مهيئين مسبقاً لفكرة التعاطف، فعندما تشعر بالإحباط أو الانزعاج من أمر ما، ولديك حيوان أليف، فكِّر في عدد المرات التي عَلِمَ فيها بطريقة ما أنَّك بحاجة إلى الراحة، وجاء إلى جانبك لعناقك، فمن الصعب كذلك التخلص من الألم العاطفي أو الجسدي حينما نراه يسيطر على شخص آخر.

لكن لماذا يصرف بعض الناس النظر عن شخص بلا مأوى يجلس على ناصية شارع يحتاج إلى طعام أو ماء، بينما يمتلك بعضهم الآخر الرغبة في المساعدة؟

يمكن تقسيم فن العطاء إلى قسمين:

  • الرغبة في جعل شخص آخر يشعر بالرضى دون توقع أي شيء في المقابل.
  • النية في مساعدة شخص آخر والحصول على مكافأة مقابل القيام بذلك.

قد تكون إحدى طرائق العطاء أكثر أو أقل فاعليةً من الأخرى، ويعود الأمر إلى الفوائد التي يوفرها الشخص الذي يقدم العطاء.

إقرأ أيضاً: الإفراط في التعاطف وضرره بصحتك العقلية

يختلف الإيثارعن التعاطف:

يمكن لمعظم الأشخاص إظهار التعاطف مع الآخرين دون اتخاذ أي إجراء فعلي، فاسأل نفسك هذا السؤال: في آخر مرة رأيت فيها شخصاً بلا مأوى، هل حزنت عليه، أو أعطيته ما يحتاج إليه من أشياء مادية، أو طلبت من شخص آخر أن يقدِّم له شيئاً ما نيابةً عنك؟ التعاطف هو ذلك الارتباط العاطفي الذي نمتلكه ونظهره والمرتبط بمشاعر الآخرين أو مواقفهم، والرغبة الحقيقية في تقديم المساعدة لتخفيف معاناة شخص آخر.

إذا دفعك شخص بلا مأوى إلى الشعور بالتعاطف معه، فأنت تُظهِر التعاطف أو القدرة على الشعور بما يشعر به، أما إذا كنت ترغب في تزويده بوجبة أو غرفة للنوم، فهذا يُعرف باسم الإيثار، وعلى الرَّغم من أنَّ ما يربط بين الإيثار والتعاطف هو الشعور بالآخرين، إلا أنَّه يتجاوز ذلك من خلال العمل الذي سيؤثر تأثيراً إيجابياً في الشخص أو الجهة التي تتلقى الخير.

لكن هل يمكن لأيِّ شخص أن يتحلى بالإيثار دون أن ينسب إليه فضل ما يقدمه من خير؟ بالطبع يمكن، فالإيثار يتعلق بفعل شيء من أجل المصلحة العامة، وعلى سبيل المثال، يعدُّ تقديم تبرعات مالية دون أن يكشف مُقدِّمها عن هويته أو أي نوع آخر من التبرعات لشخص شكلاً من أشكال الإيثار، تماماً مثل أيِّ فعل آخر، يمكن تعلُّم الإيثار والتعاطف.

تبدأ ثقافة التعاطف بممارسة حب الذات:

ربما قال لك أحدهم في مرحلة ما من حياتك: "إذا كنت لا تهتم بنفسك، فكيف يمكنك أن تعتني بشخص آخر؟"، هذا واضح في أحيان كثيرة في حالة الأسرة.

عندما يمر أحد أفراد العائلة بوقت عصيب، فغالباً ما يضحي الآخرون للاهتمام بهذا الشخص، في حين أنَّ هذا أمر نبيل وضروري، إلا أنَّه على الأمد الطويل قد يتسبب في ضرر كبير، لكن من خلال ممارسة التعاطف مع الذات يوماً بعد يوم، فإنَّك تعزز محبة نفسك، وتكرِّم كل جانب من جوانب وجودك: العقل والجسد والروح.

من خلال القيام بذلك، فإنَّنا نمارس مستوى عالٍ من الوعي ومعه نكون أكثر استعداداً لممارسة التعاطف مع الآخرين، ومع ذلك يوجد جانب غريزي للتعاطف أيضاً.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين

ما تقدِّمه يعود عليك بالخير:

قال عالم الطبيعة الشهير تشارلز داروين (Charles Darwin) عن الجنس البشري ومفهوم البقاء للأقوى: "قوة الغرائز الاجتماعية أو غرائز الأمومة أكبر من أيِّ غريزة أو دافع آخر"، كما أكد أنَّ المجتمعات المكونة من الأفراد الأكثر تعاطفاً ستنجح عموماً أكثر من غيرها وستتقدم نحو الأمام.

فكِّر في هذا الأمر في حياتك الخاصة، وفي التأثير الذي يمكن أن تحدثه من خلال القيام بعمل لطيف كل يوم، فماذا لو كان الشخص المتلقي للخير يفعل الأمر نفسه مع شخص آخر؟ وكم من الوقت ستستغرق هذه الأعمال الإنسانية لتساعد على تعافي العائلة ودائرة الأصدقاء والمجتمع والمدينة والعالم كله.

حب الذات ضروري للبقاء العاطفي:

لطالما عمل علماء الأعصاب في معاهد الصحة الوطنية (NIH) في دراسة على طريقة استجابة الدماغ للتعاطف، وتحديداً العطاء والتلقي، سواء كنت تساعد شخص آخر أم تتلقى المساعدة، فإنَّ مركز المكافأة في الدماغ يتحفز في أثناء العملية؛ إذ يُطلق كثير من هرمونات الشعور بالسعادة الرائعة في أنظمتنا الداخلية، ممَّا يعزز السلامة العاطفية والجسدية.

مع ذلك، ما يزال معظمنا يعتمد مصادر غير صحية لإثارة الاستجابات الطبيعية للمتعة مثل الأدوية والوجبات السريعة وغير ذلك، ممَّا لا يدعم بالتأكيد التوازن العاطفي والجسدي في النفس أو لدى الآخرين.

تجنَّب الحكم على نفسك:

من الصعب فهم العيوب والتجاوزات الشخصية وتقبُّلها، وكذلك العيوب الجسدية، حين يهاجمنا المجتمع دوماً برسائل تملي علينا كيف يجب أن نكون ومدى تقصيرنا.

جزء أساسي من حب الذات والتعاطف معها هو تجنب انتقاد الذات الذي يحجب الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا، فبمجرد أن تكون قادراً على منع الانتقاد من عرقلة ثقتك بنفسك، فإنَّ انتقاد الآخرين سيتلاشى أيضاً ممَّا يترك مزيداً من فرص التعاطف.

التحلي بالشجاعة لإظهار ضعفك:

أحد الآثار العديدة لانتقاد الذات هو أنَّه نضع حاجزاً بين عواطفنا وذكائنا، مما يؤدي إلى انفصال بين العقل والروح، وهذا لا يمنع فقط من معرفة الآخرين وتقبُّلهم، لكن يمنع من التعبير الحقيقي عن الذات والتعاطف المتبادل.

إقرأ أيضاً: كيف تصبح أكثر سعادة من خلال تفهُّم الآخرين؟

القضاء على المظاهر الزائفة:

قبل أن يُظهِر الشخص ضعفه، يجب تحديد الحواجز المفروضة ذاتياً وإزالتها، والتي غالباً ما تُستخدَم بوصفها آليات للتكيُّف، وهذه الأنواع من الحواجز الشخصية مبنية من الداخل، وتستخدم لحمايتنا من مُسبِّبات الخوف أو الغضب أو السخط من المشكلات التي لم تُحَل في الماضي.

إضافة إلى ذلك، عندما يختلق الأشخاص مظاهر زائفةً محددةً عن أنفسهم، مثل ثقافة "صور السيلفي" على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنَّ ذلك يلقي بحقيقة كاذبة، بينما نعبِّر عمَّا نريد أن يعتقده الآخرون على أنَّه حقيقي، وهذه الأمور تحبط الذات ويمكن أن تهدد التعاطف مع الذات.

تقبُّل ما هو حقيقي:

قد تكون إزالة حاجز التظاهر هي أكثر المهام إفادة التي يمكن للمرء أن يفعلها لنفسه، فهو يزيل ضغط تحقيق توقعات غير واقعية، بينما يفتح الباب أمام احترام الذات والحاجة إلى مساعدة الآخرين على تجربة الأمر نفسه، وإنَّ قوة العيش بصورة حقيقية وإحاطة نفسك بأشخاص على القدر نفسه من الواقعية ستغير الحياة كثيراً.

تحسين جودة الحياة من خلال فتح قلبك:

إنَّ تعزيز التعاطف يمكِّن المبادر والمتلقي كليهما، فمن خلال حب الذات، يمكنك إعادة تقييم طريقة تقدير نفسك بصورة أفضل وأن تكون لطيفاً مع نفسك، وفي النهاية تخدم المصلحة العامة، وعندما تتمكن البشرية من تجاوز الخوف، ممَّا كان والاستمتاع بما هو موجود، فإنَّ ما سيكون أكثر فائدةً لنا جميعاً.




مقالات مرتبطة