عامل الشك: كيف نتغلب على حالة الشك التي تواجهنا في أثناء العمل

في الأسبوع الماضي وبينما كنت متوجهاً لاختيار بطاقة معايدة لأحد الأصدقاء بمناسبة عيد ميلاده قبل التوجه إلى الاجتماع، لفتت انتباهي إحدى البطاقات. لقد كانت تُظهر البطاقة صورةً بنيةً داكنة لرصيفٍ طويلٍ قديم يؤدي إلى بحيرةٍ هادئة. كان من الواضح أنَّ الرصيف قد شهد أياماً أجمل من التي يبدو أنَّه يشهدها في هذه الصورة. كانت بعض ألواح أرضيته الخشبية مكسَّرةً وبعضها الآخر كان غير موجود وكما كانت بعض أعمدة الدرابزين مختفيةً أيضاً. ولأنَّني أرى الجمال في الأشياء غير المنظمة فقد قررت شراء هذه البطاقة. ولكنَّني عندما جلست في مساء ذلك اليوم لأدوِّن العنوان على البطاقة تمهيداً لإرسالها لاحظت أنَّ ثمَّة عبارةً على الجهة الخلفية منها تقول: "اعتمد على أحلامك". لقد وجدت أنَّ التناقض بين الرصيف القديم المتداعِ وبين الإشارة إلى "الاعتماد" يشكِّل تبايناً مثيراً للاهتمام. إنَّها رسالة من الفنان حول قوة أحلامنا وتطلعاتنا في الأوقات التي ينعدم فيها الاستقرار ويسود فيها الشك.



وكما يخبرنا عالم التاريخ والرياضيات الإنكليزي الراحل "جون فاينلي" (John Finley): "إنَّ نضوج العقل هو قدرته على تحمل الشك". إنَّ القدرة على عدم السماح للشكوك والتغيُّرات السريعة والفوضوية غالباً والتي نواجها جميعاً في حياتنا الشخصية والمهنية بتشتيتنا أو جعلنا عديمي الحيلة هي إحدى الصفات الشخصية الرائعة والنادرة بين الأفراد. فقد أظهرت دراسةٌ أجراها مركز القيادة الإبداعية (The Centre for Creative Leadership) أنَّ عدم القدرة على التعامل مع التغيير هي أحد الأسباب الرئيسة "للانحراف التنفيذي" (executive derailment) (والذي يتبعه عدم القدرة على العمل بشكلٍ جيِّدٍ ضمن الفِرَق ويُسبِّب ضعفاً في مهارات التواصل الشخصي). لقد رأيت على مرِّ السنين قادةً ناجحين يتمتعون بكفاءةٍ عالية وأشخاصاً لديهم معدل ذكاءٍ مرتفع ومعلوماتٌ واسعة ضمن المجال الذي يعملون به ولكنَّهم سلكوا الطريق الخطأ لأنَّهم رفضوا بشدةٍ التكيف مع المتطلبات المُتغيرة لأيامنا هذه.

تعبِّر سلوكاتنا في الأوقات التي يسودها الشك والتغيير الفوضوي بشكلٍ أساسي عن شخصياتنا الفعلية. وكوني شاركت شخصيَّاً في عددٍ كبير من التغييرات الإدارية، وعمليات الاندماج والاستحواذ، وفترات النمو السريع، وعمليات التسريح المؤقت الواسعة، فقد رأيت نوعين من الأفراد الذين يظهرون في هذه الظروف التي يسودها القلق وعدم الاستقرار: أولهما هم الأشخاص الذي يُظهرون الجانب المظلم لديهم وثانيهما هم الأشخاص الذين يساعدون أنفسهم والأشخاص الذين حولهم على الخروج بسلام من العاصفة. النوع الثاني سيلمع نجمه حتماً أكثر من النوع الأول وسيبرزون بصفتهم قادة ويتميزون عن باقي الأشخاص.

يعلم جميع مديري المشاريع أنَّ الشك الذي يمكن أن يظهر نتيجةً للمشاريع الفاشلة كعمليات الاستحواذ غير المدروسة، وعدم الانتباه إلى الزيادة الكبيرة في مصاريف أحد المشاريع المفضلة بالنسبة لك، وعدم توقع التوجُّهات المُتغيِّرة على سبيل المثال لا الحصر يمكن أن يكون له تأثيرات خطيرة قد تتسرب إلى باقي المنظمة وتؤثر في الجميع من عامل البريد وحتى المدير التنفيذي. يُعدُّ تعزيز الكفاءة في إدارة الشكوك أمراً في غاية الأهمية، حيث تذكر إحدى المقالات التي على الرغم من أنَّها قصيرة إلَّا أنَّها غنية بالمعلومات والتي نشرها مركز أبحاث "ميت سلون مانجمنت ريفيو" (MIT Sloan Management Review) تحت عنوان "إدارة الشك في المشاريع: من الاختلاف إلى الفوضى" (Managing Project Uncertainty: From Variation to Chaos) 4 أنواع رئيسةً للشك:

1- الاختلاف:

على الرغم من أنَّ خطط المشروع قد تكون مُفصَّلةً ومدروسةً بشكلٍ جيد، إلَّا أنَّ جداول المشروع وميزانياته قد تختلف في نهاية الأمر مع ظهور المصاريف الفعلية للمشروع وجداوله الزمنية.

2- الشك الذي يمكن توقُّعه:

حيث يقوم الفريق بتمييز التأثيرات التي يمكن التعرُّف عليها والتنبؤ بها والتي من الممكن أن تحدث أو من الممن ألَّا تحدث.

3- الشك الذي لا يمكن توقعه:

ثمة بعض العوامل الرئيسة التي لا يمكن التنبؤ بها.

4- الفوضى:

وذلك عندما تكون حتى البُنية الأساسية للمشروع مشكوكاً بها.

حيث يذكُر الكاتب أنَّ الشركات التي تبدأ المشروع بوضع "ملفِّ للشك" أي التحقق من نوع الشك الذي من المُحتمل أن يظهر في مشروعهم سيكونون أقدر على التكيف بسرعةٍ معه واختيار الاستراتيجية الإدارية الأنسب. تقدِّم المقالة عدداً من الأدوات والتقنيات لإدارة كل نوعٍ من أنواع الشك كاستخدام تقنيات شجرة القرارات ومشاركة قوائم الخطر مع جميع أصحاب المصلحة. وفي السياق نفسه ثمة مقالة غنية تحمل عنوان "السعي إلى المرونة" (The Quest for Resilience) نُشرت في العام 2003 في مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو". تذكر المقالة أنَّه في الأوقات التي يسودها الاضطراب والشك فإنَّ الميزة الوحيدة التي لها تأثيرٌ مؤكد هي القدرة على إصلاح نموذج العمل الخاص بك قبل أن يفوت الأوان. ومن بين العديد من النصائح الثمينة المذكورة في هذه المقالة ما لفت انتباهي هو فكرة أنَّك تحتاج بصفتك قائداً إلى "فلترة المُفَلْتِرين" أي أنَّك تحتاج إلى إيجاد أولئك الأفراد المرتبطين بقوة بالمستقبل والذين يفهمون مضمون نموذج العمل الخاص بشركتك والسماح لهم بالتعبير عن آرائهم من دون الخضوع لمراقبة من يعزلونك عن الأخبار السيئة المُحتملة. يصف الكاتب ذلك بقوله: "يجب أن تكون حذراً من أيِّ شخصٍ له مصلحةٌ في استمرار جهلك...".

والشك في الشركات ليس مختلفاً كثيراً، فالأفراد الناجحون ضمن هذه الشركات هم الأفراد الذين يتمتعون بالذكاء والقادرون على التكيُّف. إذاً ما هي الاستراتيجيات التي يمكنك استخدامها لتبقى صامداً في وجه التغيير ولتواجه الشكوك التي تظهر في المنظمة والتغيرات الشخصية التي تسببها؟ هذه بعض الاقتراحات للقادة والموظفين:

  1. إذا كنت مسؤولاً عن قيادة الآخرين ابحث عن علامات التراخي الذي يُشيع الكسل والذي يمكن أن يحدث بسهولةٍ في أوقات الرخاء. ابذل ما في وسعك لتغيير الوضع في الحال بحيث يكون لديك بدلاً من هذه الثقافة ثقافة تعزز الأداء العالي وبذلك تكون قد أسديت خدمةً إلى فريقك. من بين بعض الاستراتيجيات التي يمكنك تطبيقها للوصول إلى ذلك التركيز على الضرورات الاستراتيجية والأولويات، وإشراك موظفيك، وبذل جهود حقيقية لمعرفة نقاط قوتهم وتفضيلاتهم في مجال العمل، وإدارة المواهب في منظمتك بشكلٍ جيد، والتواصل باستمرار وبشكلٍ صادق.
  2. كن متعاطفاً بصفتك قائداً من خلال السماح لهم بالتعبير عن شكوكهم ومخاوفهم من دون تحفظ. فالأشخاص يحتاجون إلى مُتنفَّس. اجعلهم يشعرون بالأمان عندما يتحدثون.
  3. صمم خطةً تجعلك ذو أهميةٍ بالغة بالنسبة إلى منظمتك. إذا لم تكن المنظمة قادرةً على تقديم المال لك لكي تتدرب ارفع أنت من قيمتك من خلال تدريب نفسك بنفسك. ابحث عن أحد المجالات التي فيها ضعف في المهارات، أو المواهب، أو المعرفة في المنظمة واعمل على اكتساب ما تحتاج إليه لتعويض هذا الضعف. تُعدُّ زيادة قيمتك لدى الشركة إحدى الاستراتيجيات المفيدة حتى وإن لم تكن ثمة مخاوفٌ من تغييرٍ وشيك. إنَّه أحد الأشياء التي يُعدُّ القيام بها أمراً ذكيَّاً.
  4. أبرز نفسك من خلال التطوع للعمل في اللجان، أو تقديم العروض، أو البدء بمشروعٍ يستحق الاهتمام يمكن أن يجذب انتباه الجميع بشكلٍ إيجابي. نسمع عن ذلك كثيراً ولكنَّنا لا نقوم به لأنَّنا مشغولون جداً بأعمالنا أو بسبب افتقارنا إلى الحافز (منذ عدة سنوات تطوع زبونٌ لدى إحدى شركات التكنولوجيا لتأسيس لجنة للأبحاث المستقبلية مُكوَّنةٍ من شخصٍ واحد. لقد كان يقضي بعضاً من وقت فراغه في قراءة كل ما يمكن قراءته حول التوجهات المستقبلية التي في منتجات شركته والتكنولوجيا الخاصة بها وشارك جميع الأفكار التي توصل إليها مع جميع الأشخاص في الشركة. أثارت هذه المبادرة حماسة من حوله وحمته من إعادة الهيكلة التي حدثت في شركته في وقتٍ لاحق).
  5. كن حذراً من تصرفاتك عندما تصدر الشركة إعلاناتٍ تسبب الشعور بالضغط. هل تخرج من الاجتماع وتبدأ بتأويل جميع الجوانب السلبية المحتملة للحالة؟ أم أنَّك تحسن الظن بقادة الشركة وتتبنى نهج "لننتظر ونرى"؟
  6. مهما كان حجم الشعور بالقلق الذي تسبِّبه لك حالة الشك لا تتخلَّ عن التزامك بعملك ولا تخرج قبل أن يحين موعد خروجك. فعندما نفقد البوصلة التي توجهنا نحو الهدف، ولا نشعر أنَّ ثمة معنى لما نقوم به، ونكتفي بالوقوف وانتظار المعجزة فإنَّ ذلك يسبب الأذى لنا على الصعيد النفسي، لذلك قم بكل ما يلزم لإعادة التزامك فهذا الالتزام هو مصدرٌ للقوة والشعور بالكرامة.
  7. فلتنتبه إلى أنَّ أحد أهم كفاءات الذكاء العاطفي في أيامنا هذه هو القدرة على إدارة التغيير. هذا يعني في المقام الأول القدرة على تحديد الحاجة إلى التغيير ضمن نطاق مسؤوليتك بشكلٍ عام، والقيام بما يدعم التغيير في المقام الثاني، وقيادة التغيير بشكلٍ شخصي في المقام الثالث، ومناصرة عملية التغيير والعمل كمحفِّزٍ لها في المقام الرابع. جرِّب أن تقوم باختبار الكفاءة العاطفية لتحديد مستواك في هذا المجال، فمن خلال بذل القليل من الجهد، والتدرُّب و/أو القيام بالكوتشينغ، ومع وجود العقلية المناسبة يمكننا جميعاً أن نكون خبراءً في التغيير.
  8. قبل كل شيء، لا تسمح للشك والإحباط في العمل بتجريد أهدافك وتطلعاتك الشخصية التي خطَّطت لها من الحيوية. وجِّه الطاقة الذهنية الثمينة التي تضيعها في الشعور بالإحباط وخيبة الأمل لتقديم أفضل ما لديك. هذا ليس مجرد كلامٍ إنشائي، ما تحتاج إليه فقط هو أن تنتبه إلى نفسك عندما تستسلم لمشاعر الكآبة والوهن وأن تذكِّر نفسك أنَّ ثمة أشياءً أفضل تشغل بها وقتك.

احتفظت في النهاية ببطاقة عيد الميلاد التي كان مُخططاً لها أن تكون من نصيب صديقي. لقد وضعتها على مكتبي لتذكرني بالقوة التي نحصل عليها نتيجةً للاعتماد على أحلامنا، وطموحاتنا، وعواطفنا بغض النظر عن حجم الشك الذي من الممكن أن يعتري وضعنا الحالي. فثمَّة أشياءٌ تجعلنا مفعمين بالطاقة، وتلهمنا، وتدفعنا للمضي قُدُماً، إنَّها الأشياء التي تثير حماستنا بمجرد التفكير فيها. يقول "جوزيف م. دودج" (Joseph M. Dodge): "ما يحتاج إليه كل شخص بغض النظر عن وظيفته أو نوع العمل الذي يقوم به هو معرفة مكانه وما قد يكون هذا المكان. إنَّنا نحتاج إلى هدفٍ وغاية. إنَّنا نحتاج إلى الشعور بأنَّ لدينا شيئاً جديراً بالاهتمام لنقوم به. وهذا الشيء الذي لا يمكن لأحدٍ إخبارنا به. هذا الشيء يجب أن يكون من إبداع يديك".

 

المصدر: هنا 




مقالات مرتبطة