ظاهرة التسونامي: أسبابها وطرق تشكلها
ربما شاهدت وسمعت في برامج وثائقيةٍ عن كارثة التسونامي، أو قرأت عنها في مقالاتٍ مختلفةٍ، لكن هل تساءلت يوماً ما هي وكيف تنشأ؟
إن كنت تبحث عن إجاباتٍ لتساؤلاتك فتابع معنا قراءة هذا المقال للحصول على بعض الحقائق المثيرة للاهتمام المتعلقة بهذه الظاهرة الطبيعية.
في السنوات الـ 100 الماضية، حدث ما يقارب 58 موجة تسونامي كارثية تسببت في وفاة ما يقارب 260000 إنساناً، بمعدل 4600 إنساناً لكل موجة تسونامي، وهذا ما جعلها في قمة أخطر وأشد الكوارث الطبيعية فتكاً على الإطلاق، وقد أدت كارثة التسونامي التي حدثت في المحيط الهندي في شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2004 إلى حصول أكبر عددٍ من الوفيات في تلك السنة بما يقارب 227.898 حالة وفاةٍ في 14 بلداً، من بينها الهند وإندونيسيا وتايلاند وسريلانكا كُنَّ الأكثر تضرراً.
في عام 2018 وقبل الذكرى السنوية الـ 14 لتسونامي المحيط الهندي العنيفة التي حدثت عام 2004، ضربت موجة تسونامي بارتفاع أكثر من 3 أمتارٍ مقاطعتي لامبونغ وبانتين الإندونيسيتين، أدت إلى مصرع العديد من السياح حينها، كما دمرت موجة تسونامي الاسكندرية ومدناً أخرى ساحليةً في مصر سنة 365 ميلاديةً حسب المؤرخين بعد تعرُّض منطقة البحر الأبيض المتوسط لزلزالٍ عنيف بلغت شدته أكثر من 8 درجات على مقياس ريختر، أدى لحدوث موجات تسونامي تسببت في مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص في تلك المنطقة.
1. ما هي ظاهرة التسونامي؟
ببساطةٍ، يمكن تعريف التسونامي على أنَّها موجاتٌ بحريةٌ ضخمةٌ ناتجةٌ عن زلازل أو نشاطٍ بركانيٍ يحدث تحت مستوى سطح البحر، فعندما تبدأ الأمواج بالتحرك، تستمر في الوصول إلى ارتفاعاتٍ أعلى وأعلى، وكلما كان المحيط عميقاً أكثر، اتخذت هذه الظاهرة شكلاً أكبر وأضخم، وتتميز التسونامي بالحدوث في متوسط مستوى سطح البحر مع ارتفاعٍ مفاجئٍ وسريعٍ بشكلٍ لا يصدق.
على عكس الفكرة الشائعة، فإنَّ سرعة التسونامي القادمة لا تعتمد على بعد مكان حدوث الموجة الأولي؛ بل تعتمد اعتماداً شبه كاملٍ على مدى عمق المحيط، وهذه الموجات سريعةٌ بشكلٍ لا يوصف ولا تتباطأ إلا حين تصل إلى مستوى مياهٍ ضحل، كما تجدر الإشارة إلى أنَّ التسونامي عموماً هي حدثٌ نادرٌ يحدث مرةً واحدةً أو مرتين في السنة وفي أي مكانٍ من العالم، وعلى الرغم من قوَّتها وخطورتها إلا أنَّه من المعروف أنَّ أكثر موجات التسونامي تدميراً تحدث مرةً واحدةً كل عشرةٍ إلى خمسة عشر عاماً.
2. أسباب حدوث التسونامي:
تتولَّد أمواج تسونامي بسبب مجموعةٍ من النشاطات الجيولوجية، وإليك فيما يأتي الأسباب المؤدية لتشكلها:
الزلزال:
قد تحدث التسونامي في حالة وقوع زلزال؛ وذلك عندما تتحرك مناطق الصدع المتفسخ من القشرة على طول حدود الصفائح التكتونية؛ إذ يمكن ملاحظة ارتفاعٍ مفاجئٍ في مستوى سطح البحر، وهذا ما يأخذ لاحقاً شكل التسونامي، كما ترتبط الزلازل بأمواج تسونامي؛ لأنَّ أقوى الزلازل تُلاحظ في مناطق الانغماس - وهي ظاهرةٌ تحدث في الصفائح التكتونية حين تنزلق حافة صفيحةٍ قشريةٍ تحت حافةٍ أخرى - وتقع ألواح المحيط المختلفة تحت نظيراتها الأصغر سناً أو تحت الصفائح القارية الأخرى.
مع ذلك، ليس كل زلزالٍ يسبب تسونامي؛ إذ لتحدث التسونامي يجب أن يلبي الزلزال الشروط الآتية:
- أن يحدث الزلزال تحت المحيط نتيجة تحرُّك صفيحةٍ واحدةٍ أسفل أخرى.
- يجب أن يكون قوياً للغاية بحدٍّ أدنى 6.5 درجاتٍ على مقياس ريختر.
- يجب أن يكون عمق الزلزال ضحلاً لدرجة أن ينتهي بتمزيق سطح الأرض.
- يحتاج الزلزال أيضاً إلى إطلاق حركةٍ عمودية قويةٍ في قاع البحر.
الانهيار الأرضي تحت الماء:
يمكن أن تؤدي الانهيارات الأرضية التي تحدث في منطقةٍ ساحليةٍ ما إلى اندفاعٍ لمياهٍ إضافيةٍ داخل البحر، وتؤثر هذه الظاهرة في مياه البحر الموجودة؛ وهذا يؤدي في النهاية إلى حدوث تسونامي.
قد يؤدي الانهيار الأرضي تحت مستوى الماء إلى نفس التأثير، وهذا هو الأكثر شيوعاً؛ لأنَّ الجسيمات المنبعثة بسبب الانهيارات الأرضية تظهر حركاتٍ قويةً وتقوم بدفع أقرب مصدرٍ للمياه إلى ارتفاعٍ كبيرٍ عالياً.
الانهيارات البركانية القوية تحت البحر وفشل المنحدرات وثوران البراكين:
على الرغم من أنَّ هذا السبب ليس شائعاً مثل الظواهر الطبيعية الأخرى، إلا أنَّ الانفجارات العنيفة أو القوية للبراكين المائية قد تسبب اضطراباتٍ مفاجئةً تؤدي في النهاية إلى إزاحة كميةٍ هائلةٍ من الماء؛ وهذا قد ينتج تسونامي مدمرةً ذات موجاتٍ قويةٍ وعاليةٍ للغاية.
بالإضافة إلى الانفجارات البركانية، قد تحدث تسونامي كبيرةٌ أيضاً بسبب فشل أو انفجارٍ مفاجئٍ في المنحدر، وربما كان أبرز مثالٍ عن هذا الحدث قد لوحظ في عام 1883 عندما أدى الانهيار البركاني لمنحدر "كراكاتوا" إلى ارتفاع موجات تسونامي لأكثر من 135 قدماً، وقد أدى هذا الحدث إلى تدمير القرى والمدن الأصغر في جزر "جاوة" و"سومطرة"، وتراوح عدد القتلى حينها أكثر من 36000 قتيلاً.
اصطدام النيازك:
في حين أنَّ هذا أيضاً مثالٌ نادرٌ للغاية، إلا أنَّه قد تنشأ التسونامي عندما يصطدم جسيمٌ فضائيٌ أو أكثر من خارج الأرض في قاع البحر، وتشمل هذه الجسيمات أجساماً سماويةً مختلفةً كالنيازك والكويكبات.
لقد وجد العديد من العلماء أنَّه إذا اصطدمت هذه الجسيمات في قاع المحيط، فمن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع الجسم المائي؛ وهذا يؤدي إلى حدوث تسونامي، لكن لكي يحدث هذا، يجب أن يصطدم كويكبٌ كبيرٌ يبلغ قطره من ستةٍ إلى ثمانية كيلومتراتٍ في وسط حوضٍ محيطيٍ ضخمٍ مثل حوض المحيط الأطلسي.
3. كيف تتشكل ظاهرة التسونامي؟
أصبحنا نعلم الآن أنَّ ظاهرة التسونامي تنشأ من حركةٍ هائلةٍ في قاع البحر ناتجةٌ عادةً عن الزلازل أو النشاطات البركانية أو الانهيارات الأرضية تحت الماء، وفي حين أنَّ كل سببٍ من تلك الأسباب هو سببٌ محتملٌ لحدوثها إلا أنَّ ما يقارب 72% من جميع موجات التسونامي المسجلة قد نشأت نتيجةً للزلازل.
فالاضطراب الأرضي الناجم عن الزلازل، ينتهي بإزاحة كمياتٍ هائلةٍ من الماء من مواقع توازنها المعتاد؛ وهذا يسبب التسونامي، وفي القسم التالي سنتعمق أكثر في هذه العملية.
فهم النظرية التكتونية:
قبل أن نناقش تأثير اضطرابات قاع البحر، من الهام استيعاب مفهوم النظرية التكتونية، فالفكرة بسيطةٌ؛ تتكون أرضنا من العديد من الصفائح التي تشمل قاع البحر وكذلك القارات، ويتحرك كلٌ من قاع البحر والقارة بشكلٍ دائمٍ بين بعضهما بضع بوصاتٍ وتحدث هذه العملية كل عامٍ.
حدود الصفيحة هي المكان الذي تكون فيه كلتا الصفيحتين على اتصالٍ مناسبٍ أو حين تلامس كلٌّ منهما الأخرى، وكيفية تحرك إحدى الصفائح بينها وبين صفيحةٍ أخرى يشير إلى نوع الحد الذي يحدث، فإذا تنافرت الصفائح وتحرَّكت إحداها بعيداً عن الأخرى، تحدث عمليةٌ تسمى بالانتشار.
مرةً أخرى، عندما تحاول الصفيحتان الاقتراب من بعضهما بعضاً؛ إذ تنزلق إحداهما أسفل الأخرى، يُعرف ذلك باسم الانغماس. وإذا شوهدت الصفيحتان تتحركان أفقياً خلف بعضهما، يُطلَق على هذا التحرك اسم التحويل، ومن بين هذه الظواهر المختلفة، يُعَدُّ الانغماس هو السبب الرئيس للزلازل.
المزيد عن ظاهرة الانغماس:
نظراً لأنَّ معظم أمواج تسونامي تتشكل بسبب الانغماس، فإنَّ الأمر يستحق معرفة المزيد عنها، ففي هذه المرحلة كنا قد تعلمنا أنَّ الانغماس يحدث عندما تقترب صفيحتان تكتونيتان من بعضهما بعضاً، وكجزءٍ من هذه العملية، تُرى الصفيحة الأثقل تنزلق أسفل نظيرتها الأخف وزناً، وعندما يحدث هذا، يتحرك جزءٌ معينٌ من قاع البحر إلى الأعلى بسبب الارتفاع المفاجئ في التوتر، وبعد وصوله إلى نقطةٍ معينةٍ، يتحرك حجمٌ أكبر من مياه البحر نحو أقرب سطح أرضٍ مؤدياً لحدوث انتفاخٍ هائلٍ، وعندما يبدأ الماء بالتسطح، تتحرك التموجات الكبيرة في اتجاهٍ خارجيٍ للقضاء على كل ما يأتي في الطريق.
4. أسباب أخرى لظاهرة التسونامي:
مثل الانغماس، قد تؤدي الانهيارات الأرضية تحت الماء والانفجارات البركانية إلى حدوث موجات التسونامي، وغالباً ما تكون هذه جزءاً من الزلازل أيضاً.
خلال حالة الانهيار الأرضي المائي الناجم عن الزلازل، سيتأثر مستوى التوازن الطبيعي للبحر بالرواسب التي تتحرك عبر قاع البحر، وعند هذه النقطة، ستؤدي قوى الجاذبية إلى حدوث التسونامي.
بالمثل، قد تؤدي الانفجارات البركانية الناجمة عن الزلازل إلى ضغط مفاجئ قد يزيح مستويات المياه؛ وهذا يؤدي في النهاية إلى حدوث التسونامي أيضاً.
في حالة الانهيارات الأرضية غير المائية المنتظمة، ستؤثر الجزيئات الناتجة عن الانهيارات الأرضية في مستوى المياه، وسيؤدي الحطام إلى إزاحة عمود البحر - كميةٌ من المياه التي توجد أسفل منطقةٍ معينةٍ من المحيط - وهذا ينتج عنه التسونامي.
5. أين تحدث ظاهرة تسونامي؟
لوحظت التسونامي بشكلٍ شائعٍ على طول المحيط الهادئ؛ وذلك لأنَّ جميع الزلازل الكبرى تقريباً مرتبطةٌ بمنطقةٌ الانغماس التي توجد عبر حدود حوض المحيط هذا، والمعروف باسم حلقة النار، وأكثر من 90% من جميع الزلازل وأمواج تسونامي المسجلة وقعت بالقرب من حلقة النار، كما تشيع التسونامي أيضاً في الخنادق البحرية في اليابان وإندونيسيا وتشيلي ودولٍ أخرى.
في الختام:
ربما تكون الزلازل أكبر مؤشرات حدوث التسونامي؛ لذلك إذا كنت تعيش في منطقةٍ ساحليةٍ وتعرضت لزلزالٍ قويٍ، فعليك إخلاء المنطقة على الفور، وإذا سمعت عن زلزالٍ وشيكٍ، فاستعد لاحتمالات حدوث تسونامي واحصل دائماً على معلوماتٍ إضافيةٍ من القنوات الإخبارية المحلية والإنترنت ومراكز رصد الزلازل.