صفات القائد العسكري الناجح

توجد لدى بعض البشر نزعة فطرية للقيادة، فتراهم وفي مختلف المواقف وحتى من مراحل الطفولة يحبون أداء دور القائد، فيُبادرون لاتخاذ القرارات وحل الخلافات وحتى فرض الأوامر، وقد تكبر هذه الصفة والنزعة للقيادة مع الإنسان حتى تحدد مسار حياته مستقبلاً، فيختار المجالات التي تتيح له أداء دور القائد وتولي سلطة معينة قد تكون دينية أو سياسية أو اجتماعية أو حتى عسكرية، وعلى الرغم من تشابه الصفات بين القادة عموماً، تبقى شخصية القائد العسكري هي الشخصية الأكثر ثقلاً وأشد وطأة وأكثر تأثيراً؛ لذلك صفات القائد العسكري الناجح هي موضوع مقالنا لهذا اليوم، فتابعوا معنا.



كيف يكتشف القائد؟

ذكرنا في المقدمة أنَّ نزعة القيادة تظهر لدى الأشخاص منذ الصغر وتكبر معهم، وتظهر من موقف إلى آخر في أثناء ممارستهم لحياتهم الطبيعية، ومن خلال هذه المواقف التي يقوم بها هؤلاء قام العلماء بتحديد مجموعة من السمات والخصائص والصفات التي تميز الأشخاص القياديين عن غيرهم، فتصبح القيادة بعدها نمطاً في أسلوب حياة هؤلاء الأشخاص.

إذا ما وُجد الشخص في أيَّة جماعة، تجده مباشرة يؤدي دور القائد، فيتفاعل مع الآخرين ويتواصل معهم بصفته قائداً، علماً أنَّ هذا السلوك الذي يقوم فيه يحرض الآخرين ويثير سلوك التبعية لديهم، وهذا ما يزيد من إدراك الشخص لنفسه بصفته قائداً.

أكدت العديد من الدراسات على أنَّ الشخص الذي يتصرف بوصفه قائداً ينتقل معه هذا الإحساس تجاه نفسه من موقف إلى آخر، ومن ثم وكما أشارت الأبحاث فإنَّ عملية اكتشاف القائد في جماعة ما لا تتم إلا من خلال ملاحظة سلوك الفرد وأدائه، وطبعاً يبقى الهدف الأساسي من اكتشاف نزعة القيادة لدى فرد في جماعة ما هو العمل على تنمية هذه النزعة وتطويرها بما يخدم الجماعة ومصالحها.

عملية اختيار القائد المناسب من أصعب المهام التي تقع على عاتق جماعة ما؛ وذلك لأنَّه سيمثل هذه الجماعة ويتحدث باسمها، ويتخذ عنها القرارات لفترة طويلة من الزمن، وقد يصبح بعض القادة رموزاً وأشخاصاً مؤثرين في مجتمعاتهم، وهذا ما نراه كثيراً عند القادة السياسيين والعسكريين.

القائد إذاً هو عضو من أعضاء جماعة ما، يتبعه بقية أعضاء الجماعة لأنَّه تمكَّن من إثبات فهمه للعلاقات الاجتماعية السائدة بين أفراد هذه الجماعة، ويترتب على توليه القيادة تغييره لمواقفه الشخصية حتى تصبح مواقفه عامة ومشبعة لحاجات الجماعة.

القيادة تحتم إذاً وجود ثلاثة عناصر رئيسة هي "القائد، الأتباع، الموقف"، فالقيادة تشبه صفقة يعقدها القائد مع الأتباع؛ يعطيهم شيئاً مقابل الحصول على أشياء، كما يرى العلماء في القيادة أنَّها عملية تأثير؛ يأخذ القائد من خلالها العديد من الخصائص، ولكنَّه في المقابل ملتزم بالعديد من المواقف لمصلحة الأتباع.

صفات القائد العسكري الناجح:

يوجد أنواع للقادة ومنهم القائد العسكري، وتعدُّ مهام القائد العسكري من أصعب المهام؛ وذلك نظراً لصعوبة قيادة المناطق العسكرية عن المناطق المدنية، إضافةً إلى ضرورة تمتع القائد العسكري بالعديد من الصفات التي تناسب وضعه الحساس، ففي كثير من المرات يضطر القائد العسكري إلى اتخاذ قرارات قد تؤثر تبعاتها في بلد كامل، كما أنَّ صفات القائد العسكري تؤدي دوراً كبيراً في نجاحه في تحقيق مهامه وكسب احترام الجميع ومحبتهم.

إليك فيما يأتي بعضاً من هذه الصفات:

1. بُعد النظر:

على القائد العسكري الناجح أن يكون قادراً على توقع سير الأمور، ففي كثير من الأحيان قد يؤدي الجمود في اتخاذ القرارات إلى نتائج سيئة وعواقب وخيمة، لذلك لا بد من تمتُّع القائد العسكري بالحنكة والمرونة والقدرة على محاكمة الأمور وفهم كل أبعادها قبل اتخاذ أي قرار.

شاهد بالفديو: 8 مهارات تواصل تميِّز القائد الناجح

2. اتخاذ القرار:

إضافة إلى بعد النظر تعد القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب من أهم صفات القائد العسكري الناجح، ففي كثير من المرات يجد القائد العسكري نفسه مضطراً إلى اتخاذ قرار مصيري بسرعة فائقة، وبالمقابل معظم القرارات تحتاج إلى الصبر والحكمة والنقاش والاستماع لوجهات النظر قبل اتخاذها، وبذلك فإنَّ القائد العسكري الناجح هو من يستطيع تقدير ظرف أي قرار واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.

3. الإقدام والشجاعة:

تعد هاتان الصفتان مرتبطتين ارتباطاً خاصاً بالقائد العسكري، فمن غير المنطقي أن يكون القائد العسكري جباناً أو متردداً، وخاصة أنَّه من الممكن أن تضطره ظروف العمل إلى قضاء وقت طويل في الحروب أو في الأماكن النائية أو الخطيرة، فالشجاعة من الصفات الفطرية التي يجب وجودها لدى القائد العسكري؛ وذلك ببساطة لأنَّ القائد يخضع لأمره المئات.

كلما كان القائد العسكري شجاعاً ومقداماً، زادت قدرته على قيادة مرؤوسيه بكل شجاعة وبأس، وقد قيل إنَّ الشجاع محبوب ليس من قِبل أتباعه فقط؛ بل من قِبل أتباعه وأعدائه، ويرجع هذا إلى المكانة العالية التي يحتلها الشجاع بين قومه.

إقرأ أيضاً: ما هي القيادة؟ ما هي أركانها؟

4. تحمُّل المسؤولية:

حجم المسؤولية التي تقع على عاتق القائد العسكري كبيرة جداً، وعليه أن يكون قادراً على تحمل هذه المسؤولية وكل ما يتبعها؛ وذلك لأنَّ العمل الذي يقوم به ليس عملاً شخصياً والمصلحة التي يسعى إليها ليست فردية؛ بل هي مصلحة جماعية تصب في خدمة الوطن وحمايته.

5. التواضع:

التواضع من الصفات الهامة التي يجب على القائد العسكري الناجح أن يتحلى بها، فهو خلق حميد يزيد من محبة الناس واحترامهم للقائد، وهذا ما يقوي العلاقة بينه وبين مرؤوسيه ويبعد الحقد والكره، وهذا كله سينعكس انعكاساً إيجابياً على القائد والأفراد، ويجعل منهم يداً واحدة وخاصة في ظروف الحرب.

6. الأمانة:

تتيح السلطة للقائد العسكري كثيراً من الصلاحيات، وقد يرى بعض من ضعاف النفوس هذه الصلاحيات فرصة لتحقيق المكاسب والمنافع الشخصية، لكن بالطبع لن يقوم بهذه الأفعال القائد العسكري الناجح؛ وذلك لأنَّ أهم صفات القائد العسكري الناجح الأمانة، فللأمانة نوعان؛ الأمانة المادية والأمانة المعنوية.

الأمانة المادية هي التي تتعلق بصيانة الأموال والمقتنيات المادية كرواتب الجنود وما إلى ذلك، فبعض القادة تخولهم نفوسهم الدنيئة لسرقة مخصصات الجنود سواء من طعام أم شراب أم حتى التلاعب بالرواتب مستغلين السلطة التي يتمتعون بها، وهذه هي خيانة الأمانة المادية.

أما بالنسبة إلى الخيانة المعنوية فالقائد العسكري مؤتمن على أرواح جنوده؛ لذلك يجب أن يكون على قدر هذه الأمانة، فلا يستهتر بأرواحهم، ولا يتخذ القرارات المتسرعة التي تعرضهم لأخطار من الممكن تفاديها، وعلى القائد العسكري أن يتذكر شيئاً هاماً وهو أنَّ جنوده لن يثقوا به إن لم يكن أميناً، ولن يلتزموا بتعليماته وتوجيهاته في حال لم يظهر قدراً كبيراً من المسؤولية والاحترام لأملاكهم وأرواحهم، فالأمانة المادية والمعنوية صفتان متلاصقتان لا يمكن فصلهما عن بعضهما بعضاً، وهما من أهم صفات القائد العسكري الناجح.

شاهد بالفديو: 8 صفات تجعلك قائداً محبوباً جداً

7. الذكاء والحنكة:

تعني الفطنة والحكمة، فعلى القائد العسكري أن يقول ما يجب قوله، وأن يعمل ما يجب عمله، وأن يضع كل شيء في مكانه الصحيح، فكل خطوة يجب أن تكون محسوبة ومدروسة، ولا يمكن تعلُّم هذه الصفة؛ وذلك لأنَّ الذكاء صفة غريزية موجودة لدى الإنسان بفطرته، والقائد الذي لا يتمتع بهذه الصفة سيوقع نفسه وغيره بكثير من المشكلات.

على سبيل المثال تتطلب بعض المواقف من القائد المراوغة وعدم اتخاذ القرار مباشرة، في حين قرارات أخرى يجب أن تتم في اللحظة، وهنا يظهر دور القائد العسكري الذكي الذي يعرف كيف يتصرف بشكل صحيح.

8. السياسة:

يقصد بهذه الصفة قدرة القائد على التفاوض والتعاطي مع الآخرين، سواء من أفراده أم أعدائه، كما يجب على القائد العسكري أن يتمتع بالقدرة على الإقناع والحوار، ففي كثير من المواقف سيحتاج إلى الحوار والنقاش مع أطراف خارجية.

تمتُّع القائد بالدهاء السياسي والقدرة على إدارة النقاشات تبقيان على أقل تقدير جواً من الحب والألفة والاحترام بينه وبين الأطراف التي يتناقش معها، كما تساعده على إحداث التغيير الذي يبحث عنه ويريد تحقيقه؛ إذ يعد الإقناع مهارة من مهارات التواصل، ووجود هذه المهارة لدى القائد العسكري تزيد من قوَّته ونجاحه.

9. التخطيط:

من المرفوض رفضاً قاطعاً أن يكون القائد العسكري عاجزاً عن التخطيط، فعلى القائد الناجح أن يمتلك هذه المهارة الهامة سواء في أثناء المعارك أم في أوقات السلم، فالتخطيط المدروس والناجح هو ما يساعد القائد العسكري ويعينه على بلوغ أهدافه وتحقيقها.

إقرأ أيضاً: التخطيط: خطواته وفوائده

10. ضبط النفس:

كثيرة هي المواقف الصعبة التي قد يتعرض لها القائد العسكري، ولكنَّه على الرغم من ذلك عليه أن يمتلك القدرة على السيطرة على أعصابه وضبط نفسه؛ لأنَّه بذلك فقط سيتمكن من التحكم بنفسه وانفعالاته، وإلا سيطر الغضب عليه وتحكَّم الانفعال بقراراته.

القائد القادر على ضبط انفعاله وغضبه هو قائد ناجح ومتماسك، لنتخيل مثلاً أن يُستفز القائد العسكري ويُستثار من كل حركة أو تصرف يقوم به العدو، وقتها سينقاد وراء عواطفه ويتخذ قرارات غير مسؤولة قد تكون نتائجها كارثية.

في الختام:

لا يمكن لأحد إنكار المكانة الهامة التي يتمتع بها القادة العسكريون في كل بلاد العالم، إضافة إلى المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقهم، وهذا هو بالضبط ما فرض وجود العديد من الصفات التي يجب على القائد العسكري الناجح التمتع بها، وقد حاولنا في هذا المقال إلقاء الضوء على أهم هذه الصفات، وبالطبع لا يجب على القائد العسكري أن يهمل العمل على تطوير نفسه ومهاراته القيادية من خلال البحث والدراسة، وخاصة أنَّ الحياة العسكرية حياة مفتوحة على كثير من التجارب والمواقف الجديدة.




مقالات مرتبطة