صراع الجبابرة: الشخصية الحدية والنرجسي

يقول المتخصصون في العلوم النفسية إنَّ التقاء الشخصية الحدية والنرجسية يؤدي إلى صراعات ومعارك، ورغم أنَّ كلا الشخصيتين لا تتناسبان لكنَّهما ينجذبان إلى بعضهما بعضاً، ويملآن الفراغ العاطفي لبعضهما؛ لأنَّ النرجسي يحتاج إلى من يقدِّسه والحدي يتشبث بالشخصيات التي تتحلَّى بثقة عالية ويشحنها بما تحتاجه من تقدير الذات ومن الاهتمام.



إنَّ الاختلاف بين الشخصيتين واضحٌ وبيِّن، فهما مختلفتان مثل النار والماء، مثل ريح العاصفة ونسيم الصباح.

اضطراب الشخصية الحديّة:

يُعرِّف الدكتور آدولف شتيرن هذا النوع من الاضطراب بوصفه نوعاً مخففاً من الانفصام، ويتسم حامل هذا النوع من الاضطراب في العادة برؤيته للأمور من جانب ثنائي ومن منظور متطرف، فهذا الاضطراب يؤثر بشدة في قدرة الشخص على إدارة عواطفه، وبهذا يسبب كثيراً من التعب والإرهاق للطرف المقابل.

صفات الشخص الحديّ:

  • الخوف من الهجر أو القلق المزمن من فقدان الصديق أو الشريك.
  • الشعور بأنَّه لا يستحق المحبة والعطف.
  • التقلبات المزاجية الحادة، فمرة يحب الشريك بقوة ومرة يكرهه بعنف، مرة سعيد جداً ومرة مكتئب من دون حدود.
  • يكتم مشاعره بداخله إلى أن ينفجر غضباً على الذين حوله.
  • الشك والخوف من الجميع؛ أي إنَّه يخاف من الهجر والإيذاء من الجميع.
  • الخوف من المجهول وعدم الأمان والأفكار السلبية.
  • الاندفاع والتهور، فهو يتخذ القرارات والأفعال من دون أدنى تفكير.
  • الغضب المفاجئ بسبب الخوف من الهجران والهدوء السريع.
  • عدم القدرة على تحمل الضغط.
  • إضفاء الطابع المثالي أو الشيطاني للآخر.
  • في بعض الأحيان يقوم الحدي بالإسراف في المال.
  • التفرع الثنائي للحياة؛ أي إنَّ الحياة قائمة على الحب الشديد أو الكره الشديد، النصر أو الهزيمة، القصر أو القبر، القوة أو الضعف، أبيض أو أسود وبهذا لا يرى بقية الألوان، فثقته بنفسه تكون مرة عالية ومرة منعدمة.
  • الفراغ العاطفي والشعور الدائم بالإحباط والعجز.
  • الإقدام على إيذاء النفس عن طريق استهلاك المواد المخدرة والانتحار.
  • جلد الذات ولوم النفس المبالغ فيه.
  • الشعور القوي بالداخل بعدم الكفاءة والنظرة السلبية للذات.
  • الشعور بالوحدة الدائمة.
  • الانتقام القاسي وحتى الدموي.
  • اضطراب في الهوية والصعوبة في التعرف إلى الذات.
  • الحساسية المفرطة من النقد.
  • يتمتع بكاريزما عالية.
  • سليط اللسان وشديد الإيذاء، لكنَّه يندم بسرعة ويسأل العفو.
  • الانفصال التام عن الواقع والتوهم.
  • التناقض في الشخصية، فمرة يتصرف بطريقة صبيانية ومرة بطريقة جدية.
  • تصرفاته غير متوقعة.

شاهد بالفيديو: 10 طرق للتعامل مع الشخصية العصبية

اضطراب الشخصية النرجسية:

تُعرِّف الدكتورة رماني الشخصية النرجسية بأنَّها تتميز بإحساس متضخم بأهمية الذات، وأصل تسمية الاضطراب النرجسي تعود إلى أحد الشخصيات في الميثولوجيا الإغريقية الذي كان معجباً بانعكاس صورته في البحر لدرجة أنَّه رمى نفسه عليها فغرق.

إقرأ أيضاً: ما هي النرجسية وكيف يتم التعامل مع الشخص النرجسي؟

صفات الاضطراب النرجسي:

  • التفخيم للذات والكبر المفرط والغطرسة والغرور والأنانية.
  • التعاطف الكلي أو غياب التعاطف بالمرة.
  • السيطرة في كل العلاقات.
  • الحاجة إلى التقديس والإعجاب.
  • يستغل الآخر إلا أنَّه يشعر بالذنب والعار.
  • الحط من الآخرين والاستخفاف بهم.
  • الغضب من كل من لا ينفذ رغبات.
  • معاقبة الشريك عن طريق الصمت العقابي والتهديد بالرحيل.
  • بالرغم من تهديد الشريك بالرحيل إلا أنَّه لا يقدر على تركه.
  • رمي المسؤولية واللوم على الآخر.
  • من المستحيل أن يعترف بخطئه، ولا يعتذر أبداً، فهو يرى نفسه خالياً من العيوب.
  • تقدير وتعظيم الذات.
  • جنون العظمة.
  • يتمتع بكاريزما عالية.
  • يتوهم بأنَّه شخص مثالي.
  • يُخيَّل له أنَّه أفضل وأعلى من غيره.
  • عنيد بشكل غير طبيعي، حتى لو أكدوا له بأنَّه مخطئ.
  • التلاعب بالعقول وتشويش المواقف.
  • الحساسية المفرطة من النقد.
  • الشعور بالاستحقاق.
  • تعدد العلاقات الاجتماعية.
إقرأ أيضاً: ما هو السبب الحقيقي وراء السلوك النرجسي؟

كيف تكون العلاقة بين الشخصية الحدية والنرجسية؟

تؤكد الخبيرة النفسية رماني أنَّ الشخصيتين الحدية والنرجسية هما في نفس خانة الاضطرابات النفسية، لكنَّهما مختلفتان، فكل شخصية لديها صفاتها ومنهجيتها الخاصة في التعامل مع الأمور، وتشدد الدكتورة أنَّ كلا الشخصيتين لا يصلح أن يلتقيا مع بعضهما؛ لأنَّ الأجواء ستُصبح خانقة ومتقلبة وانتقامية وتنتهي بتحطيم القلوب وإيذاء المشاعر، فإن وجدتَ هذين الشخصين مع بعض في منزل واحد، فعليك بالهروب.

الشخصية الحدية لا تقبل النقد لأنَّها رهيفة الحس، فيأتيها النرجسي ويُصليها من نار النقد الجارح، وهنا، يكتم الحدي مشاعره ولا يقدر على الرد حتى لا يخسر الطرف الآخر، والشخصية الحدية ترتعد من إحساس الفقد، فيُهددها النرجسي بالرحيل ويصب عليها جحيمه من المشاعر الباردة والإهمال والصمت العقابي وهذا ما يجعل الحدي يقدم على أذية نفسه، ولكي يقوم بإرضائه، يتنازل الحدي ويعتذر حتى لا يُترك للوحدة، فالنرجسي يلوم ويقرع الحدي حتى يعيده إلى شباكه، وهذه الأساليب النرجسية تخنق الحدي وتجعله يُصاب بالقهر والضغط النفسي والكآبة وحتى الأمراض الجسدية.

الشخص الحدي يدرك كل الإدراك بأنَّ النرجسي يتلاعب به ويستغله، لكنَّه يواصل العلاقة معه حتى لا يُترك ولا يُلقى، هذا ما يجعله يرضخ إلى المطالب النرجسية ويستسلم له حتى لا يصيبه الانهيار، ووجود الحدي يكون مرتبطاً بنظرة النرجسي له، فهو يحاول أن ينال المحبة والعناية بصفته خدوماً ومتنازلاً، أما النرجسي فيحاول أن يحس بوجوده عن طريق السيطرة والإبهار، فكلا الطرفين يستخدمان أدوات مختلفة لتعويض المشاعر الناقصة لديهما.

عند حدوث أزمة بين الطرفين، ويقوم الحدي بالدفاع عن نفسه عن طريق الشتم والتقريع اللاذع، فلن يقدر النرجسي صبراً على توبيخ شخصيته المتعالية، وهنا لا يعترف النرجسي بخطئه ولا يعتذر بالكلية ويقوم بتشويش المشهد ويرمي باللوم على الحدي، وهذا ما يؤثر سلباً في هذا الأخير ويجعله يشكك في قدراته الذهنية ويجلد ذاته ويتنازل مجدداً ويعود منهزماً معتذراً إلى النرجسي وكأنَّه يقول له: أنا أكرهك لا تتركني، فهو مرة يحبه بشدة ومرة يكرهه بعنف، فالنرجسي يكون بالنسبة إليه العدو الحميم.

النرجسي يتضرر من الحدي بسبب سلاطة لسانه وانفصاله عن الواقع ومحبته غير المتوازنة وسلوكاته الصبيانية وتصرفاته غير المتوقعة؛ لذا يحاول الحدي تحسين معاملته معه فيزيد في العطاء وفي الكرم المفرط لكي يحصل على فتات المشاعر من النرجسي، لكنَّ النرجسي لا يرضى لأنَّه يشعر بالاستحقاق، فلا يشكر ولا يعبر عن امتنانه، وهذا يزيد في الضغط النفسي على الحدي ويشعر بأنَّه يُستغَل.

إنَّ الحدي بمنزلة الكنز لدى النرجسي الذي يسعى إلى السيطرة، والحدي لا يتحمل من يسيطر، وإن خرج عن السيطرة يتم تهديده بالرحيل، والحدي يكون شديد الرعب من فكرة الهجر، ويحس بالهلاك عندما يحس بالترك والإهمال، وبهذا يعود الحديث إلى التقريع والإهانة، وهذا بدوره يسبب جرحاً كبيراً للنرجسي ثم يعاوده الحدي بالاعتذار.

وكلما تواصلت دائرة الاستغلال النرجسي على هذه الشاكلة، ينفجر الحدي غضبًا على النرجسي ويحط منه إلى أن يعود إلى هدوئه بسرعة ويتصالح مع النرجسي، ثم يُعاد هذا السيناريو مرارًا وتكرارًا حتى يدرك الحدي أنه لا يستطيع المواصلة في إعطائه وكرمه، وبالتالي يقوم بالمغادرة. وتسبب مغادرة الحدي جرحًا وغضبًا نرجسيًا كبيرًا للطرف المقابل الذي لن يستطيع نسيانه كل حياته، وتجعله يقول لنفسه بأن الحدي لن يستطيع النجاح بدونه. ولكن، إذا لم يقم النرجسي بتغيير سلوكه، فإن الحدي سيخضع للاكتئاب، مما يجره إلى استعمال المواد المخدرة وإيذاء نفسه والانتحار أو المغادرة. وبعد أن ينتهي النرجسي من امتصاص عضم الحدي، يشرع مباشرة في البحث عن مصدر آخر للإمداد، وبهذا تتواصل دائرة الاستغلال النرجسي.

خلاصة القول هي أن الشخصية الحدية والنرجسية كلاهما مضران، إلا أن الحدي يضر نفسه فقط وليس لديه أي نية بإلحاق الأذى بغيره، ولكنه يسبب التعب والإرهاق النفسي لمن يكونون حوله، على عكس النرجسي الذي يريد أخذ كل شيء لنفسه بدون حدود ويبخل بالعطاء، والطامة الكبرى هي أنه يستغل غيره من الجانب المادي والمعنوي، ثم يرمي عليه اللوم والمسؤولية ولا يعترف بخطئه ولا يعتذر أبدًا، وهذا ما يجعل من هذه العلاقة استغلالية وسامة قصيرة الأمد

بقلم: أحمد قسامة




مقالات مرتبطة