لقد شغلت عاطفة الحب بال شعراء وأدباء كثيرين على مر الزمان؛ فالحب هو تلك العاطفة التي لا يستطيع أي أحد التحكم بها أو اختيار من يحب وكيف يحب؛ فالحب ليس فقط شعور عاطفي؛ بل شعور عميق ينبع من عمق قلب كل إنسان على سطح الأرض.
هذا الشعور الغريب يقوده إلى التعلق بشخص آخر بعلاقة تتجاوز حدود الخيال أحياناً، فهو القبول التام للآخر بجميع ما يملك من صفات جيدة وسيئة؛ بل يكاد المحب لا يرى أي سوء في محبوبه، ولا يخفى على أحد ما يقوم به المحب لكسب رضى حبيبه، وكل إنسان له طريقته في التعبير عن هذا الحب وعن قصة عشقه، لكن يبقى للشعراء كلمتهم المميزة؛ إذ صاغوا أجمل قصائد الحب وعبَّروا فيها عن لوعتهم وعذابهم.
في هذا المقال سوف نسرد أجمل ما قاله شعراء الحب من أبيات تطرب السمع وتدخل القلب:
1. المتنبي:
لِعَينَيكِ ما يَلقى الفُؤادُ وما لَقي
ولِلحُبِّ ما لم يَبقَ مِنِّي وما بَقي
وما كُنتُ مِمَّن يَدخُلُ العِشقُ قَلبَه
ولَكِنَّ مَن يُبصِر جُفونَكِ يَعشَقِ
2. ابن الفارض: الملقب بسلطان العاشقين
يقول ابن الفارض في قصيدته (أخفي الهوى ومدامعي تبديه):
أُخفِي الهَوَى وَمَدَامِعِي تُبْدِيه
وأُمِيتُهُ وصَبَابَتِي تُحْييهِ
ومُعَذِّبِي حُلْوُ الشَّمَائِلِ أَهْيَفٌ
قدْ جُمعتْ كل المَحَاسِنِ فيهِ
فكأنَّهُ في الحُسْنِ صُورَة يوسف
وكأنَّني في الحُزنِ مثلُ أبيه
إن أنكرَ العشاقُ فيك صبابتي
فأنا الهوى وابن الهوى وأبيه
وقال أيضاً:
أودعتُ قلبي إلى من ليس يحفظه
أبصْرتُ خلفي وما طالعتُ قدامي
لَقدَرٌ رماني بسهم من لواحِظِهِ
أصمى فؤادي فوا شوقي إلى الرامي
وقال في قصيدة (إن متُّ وزار تربتي من أهوى):
إن مُتُّ وزار تُربتي من أهْوَى
لبَّيْتُ مناجياً بغيرِ النَجْوَى
في السر أقول يا تُرى ما صنعتْ
ألحاظُكَ بي وليس هذا شكوى
وقال في قصيدة (أرى البعد لم يُخطِر سواكم على بالي):
المعروف بـ (جميل بثينة) من شدة حبه وولعه فيها، فقد نظم قصائد عدة في محبوبته "بثينة" ومن أشهر ما قال:
يطولُ اليومُ لا ألقاكِ فيهِ
وحولٌ نلتقي فيه قصيرُ
وقالوا لا يضرك نأي شهرٍ
فقلتُ لصاحبي فلمن يضيرُ
وقال أيضاً:
إنَّي لأنظر في الوجودِ بأسره
لأرى الوجوه، فلا أرى إلاَّك
قالوا ويخلق أربعين مشابهاً
من أربعينك لا أريدُ سواك
4. امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي:
من شعراء الجاهلية الذي اشتهر بروعة شعره وعمق معانيه وشدة بلاغته، وعُرِف "امرؤ القيس" بحبه للنساء، ونظم فيهن قصائد عدة، ومن أجمل ما قال في مواضع مختلفة في قصائده:
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ
بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ
أفاطمُ مَهْلاً بَعْضَ هذا التدَلُّل
وإِنْ كُنْتِ قدْ أَزْمَعْتِ صرْمي فَأَجْمِلِي
وإنْ كنتِ قدْ سَاءَتْكِ منِّي خليقةُ
فَسُلِّيْ ثيابيْ من ثيابك تنْسلِ
أَغَرَّكِ منِّي أنَّ حُبَّك قاتلي
وأنَّك مهما تأمري القلبَ يفعلِ
وما ذَرَفَتْ عَيْناكِ إِلا لِتقْدحي
بِسَهْمَيْكِ في أعشارِ قلبٍ مقتلي
5. عنترة بن شداد:
من لم يسمع بقصة حب "عنترة بن شداد" و"عبلة"، "عنترة" العبد الأسود ضخم الجثة الذي وقع في شباك حب "عبلة" بنت عمه الرائعة الجمال كما يقال عنها، وقد طلبها للزواج من أبيها وأخيها "عمرو" والسبب في رفض عنترة هو لون بشرته السوداء، وقد نظم "عنترة" في "عبلة" أجمل ما قيل في الشعر:
زار الخيالُ خيالُ في الكَرى
لمتِّيم نشوانَ محلول العرى
فنهضتُ أشكُو ما لقيتُ لبعدها
فتنفَّسَتْ مِسكاً يخالطُ عَنْبَرا
فضَممتُها كيما أقبِّلَ ثغرَها
والدَّمعُ منْ جَفنيَّ قد بلَّ الثرى
يا عَبلَ إنَّ هَواكِ قد جازَ المَدى
وأنا المعنَّى فيكِ من دون الورى
يا عَبلَ حبُّكِ في عِظامي معَ دَمي
لمَّا جرت روحي بجسمي
6. قيس بن ذريح:
من شعراء العصر الأموي، ومن العشاق المتيمين، عُرِف بحبه الشديد لـِ "لبنى بنت الحباب الكعبية"، ونظم فيها قصائد عدة:
قال في قصيدة (خليلي مالي قد بليت ولا أرى):
خَليلَيَّ مالي قَد بَليتُ ولا أَرى
لُبَينى عَلى الهجرانِ إلا كما هيا
ألا يا غُرابَ البين مالك كلما
ذكرت لُبَينى طِرتَ لي عن شِمالِيا
أُحِبُّ من الأسماءِ ما وافَقَ اسمُها
وأَشبَهَهُ أو كانَ مِنهُ مُدانِيا
تَمُرُّ اللَيالي والشهورُ ولا أرى
ولَوعي بِها يَزدادُ إِلا تَمادِيا
فقد يَجمَعُ اللهُ بَعدَما
يَظُنَّانِ كُلَّ أَن لا تَلاقِيا
قال في قصيدة (بانت لبنى فهاج القلب):
بانَت لُبَينى فَهاجَ القَلبُ مَن بانا
وكأنَّ ما وعَدَت مَطلاً وليَّانا
اللهُ يَدري وما يَدري بِهِ أَحَدٌ
ماذا أَجَمجَمُ مِن ذكراكِ أَحيانا
قَد زارَني طَيفَكُم لَيلاً فَأَرَّقَني
فَبُتُّ لِلشوقِ أُذري الدمعَ تَهتانا
قال في قصيدة (وأنَّي لأهوى النوم في غير حينه):
إنَّي لَأَهوى النومَ في غَيرِ حينِهِ
لَعَلَّ لِقاءً في المَنامِ يَكونُ
تُحَدِّثُني الأَحلامُ إِنَّي أَراكُمُ
فَيا لَيتَ أَحلامَ المَنامِ يَقينُ
شَهِدتُ بِأَنَّي لَم أُحِل عَن مَوَدَّةٍ
وإنِّي بِكُم لَو تَعلَمينَ ضَنينُ
وإِنَّ فُؤادي لا يَلينُ إلى هَوى
سِواكِ وإن قالوا بَلى سَيَلينُ
7. عمر بن أبي ربيعة:
سُمي "عمر" لأنَّه ولد في اليوم الذي توفي فيه "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه، وهو من أرق شعراء عصره وقال في الحب:
الحب من أكثر الموضوعات الشائعة على مر الزمان، فهو المشاعر الرقيقة المملوءة بالإعجاب والشوق واللهفة في بعض الأحيان، والعتب واللوم والحزن في بعضها الآخر، وكل فرد يعبر عنه بطريقته الخاصة وكذلك الشعراء، فلو أردنا حصر ما قاله هؤلاء عن الحب لما انتهينا أبداً، فكل واحد منهم تحدَّث عن حبه بطريقته الخاصة وبفضل الشعر توارث الأجيال قصصهم وخلَّدوها