شراء وبيع السعادة

أيَّاً كان من قال إنَّك لا تستطيع وضع ثمن للسعادة من المرجح أنَّه لم يجرب الأمر قط، وأعتقد أنَّ الحقيقة هي عكس ذلك تماماً؛ وذلك لأنَّك لا يمكنك وضع ثمن للسعادة فحسب، بل يمكنك تقييمها بشكل محدد لكل شخص على حدة، وبإمكاني إخبارك ما هو ثمن السعادة بالنسبة إليك، بمجرد أن أطرح عليك بضعة أسئلة فقط.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون تايلر ترفورين (Tyler Tervooren)، ويُحدِّثنا فيه عن أنَّنا لا يمكننا شراء السعادة، إلا أنَّنا نبيعها يومياً دون أن ندرك الأمر.

على الرغم من صحة أنَّك غالباً لا يمكنك شراء السعادة، أو بالأحرى لا يمكنك شراءها بالمال، إلا أنَّك يمكنك بيعها بالتأكيد، إنَّ بيع السعادة هو شيء نقوم به يومياً، وإذا لم نأخذ الوقت لإدراك هذا الأمر فإنَّنا نجازف بفقدانها.

ضع في حسبانك الأشخاص الذين يشترون الأشياء باهظة الثمن من أجل ألا يظن الآخرون أنَّهم لن يتحملوا ثمن شرائها، أو الأشخاص الذين يشترون الأشياء الجديدة كل أسبوع، ولكنَّهم رغم ذلك يشتكون من أنَّهم لن يتحملوا تكاليف بعض الأشياء الأخرى.

كل قرار تتخذه في الحياة يأتي مع تكلفة الفرصة البديلة، فإذا اشتريت شيئاً معيناً الآن، فلا يمكنك استخدام المال الذي أنفقته على هذا الشيء على أي شيء آخر، وإذا ذهبت إلى حدث معين، فلا يمكنك الذهاب إلى أي مكان آخر طالما أنَّك موجود في ذلك المكان.

كل قرار له ثمن معين، سواء كان بالمال أم الوقت أم أي شيء آخر، إنَّ هذا الأمر ليس مفهوماً جديداً، فجميعنا على معرفة به، لكنَّ الأمر الذي نادراً ما نفكر فيه هو حقيقة أنَّ كلَّاً من هذه القرارات تضيف إلى قيمة سعادتنا النهائية.

إنَّ ثمن راحة البال هو مجموع كل القرارات التي تتخذها في يوم أو أسبوع أو شهر أو سنة، والتي لا تتواءم مع الأمور التي تعلم أنَّها ستجعلك سعيداً فعلاً؛ وذلك لأنَّ هذه الأمور هي التي ستساعدك على إيجاد ثمن سعادتك.

القيمة الفعلية للسعادة:

لكل شخص ظروفه الخاصة، لكنَّني أعتقد أنَّ لدينا بعض الأمور المشتركة التي يتم فيها استبدال السعادة مقابل المال:

1. العمل:

عندما تعمل في وظيفة تكرهها لأنَّك لا تستفيد منها إلا بدفع الفواتير أو لأنَّها وظيفة سهلة جداً، فأنت تبيع سعادتك بالوقت والمال.

2. السيارات:

إذا اشتريت سيارة توفر متعة مؤقتة تتلاشى في النهاية، فأنت تبيع سعادتك بالمال، وإذا كانت هذه السيارة كثيرة الأعطال، فمن المحتمل أنَّك تبيع وقتك أيضاً.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لإعادة إحياء السعادة في حياتك

3. المنازل:

نفس القاعدة التي تنطبق على السيارات تنطبق على المنازل.

4. التلفاز:

إذا كانت مشاهدة التلفاز كل ليلة تشتت انتباهك عن الأشياء التي تفضِّل القيام بها ولكنَّك لا تعرف كيف تقوم بها بعد، فأنت تبيع سعادتك بالوقت.

5. الأشياء التي لا معنى لها:

إذا كنت تشتري الكثير من الأشياء ولكنَّك لا تستطيع تحمُّل تكاليف الأشياء الكبيرة التي تريدها حقاً، هذا يعني أنَّك لديك عادة في شراء الخرداوات التي لا معنى لها وأنت تبيع سعادتك بالمال.

6. الأصدقاء الذين لا تهتم لأمرهم:

إذا كنت تقضي وقتاً مع أشخاص لا تحبهم لأنَّ تكوين الصداقات الجديدة يتطلب الكثير من العمل، فأنت تبيع سعادتك بالوقت.

7. الديون:

إذا قمت بأي من الأشياء التي تسببت لك بالديون، فأنت لم تبع سعادتك بالوقت والمال فحسب، بل بعت سعادتك المستقبلية أيضاً.

هذه فقط بعض الأمثلة الشائعة، إذ توجد بعض الأمور التي قد تكون مختلفة بالتأكيد، لكن سوف أعطيك مثالاً من حياتي الخاصة على مدى سهولة حساب القيمة الفعلية للسعادة:

قبل بضعة سنوات قبلت بوظيفة كنت أعرف أنَّها ليست الوظيفة التي أريدها حقاً، ولكنني قبلت بها لأنَّ أجرها كان ممتازاً، ولقد استهلكت مني هذه الوظيفة الوقت المستغرق في التنقل والوقت الذي عملت به من المنزل، ساعات طوال من كل أسبوع، لكن لأنَّني شعرت بأنَّني كنت أكسب ما يكفي من المال، اشتريت بعض الأثاث الجميل غالي الثمن، وعلى الرغم من أنَّني لم أكن بحاجة إليه، وبعضه لم يعد يعجبني، لكن كنت أملك المال ولم أدرِ على ماذا كان يجب أن أنفقه غير ذلك.

بالمختصر، لقد أنفقت الكثير من المال على أشياء مختلفة بعض منها كان من الممكن أن يكون له فائدة، لكن بعضها الآخر لم يكن له فائدة على الإطلاق، وأضف إلى ذلك حقيقة أنَّني أمضيت ما لا يقل عن ساعة من كل أسبوع، أعبث بكل هذه الأشياء التي لم أكن أهتم بها، مما استهلك 52 ساعة أخرى من وقتي في كل عام.

بالطبع، لم أملك الكثير من الوقت خلال تلك الفترة، لذلك أحببت الخروج لتناول وجبات طعام باهظة الثمن لكي أشعر بأنَّ الأمر يستحق كل هذا العناء، ومع ذلك، يمكنك القول إنَّني استبدلت سعادتي - أي الوقت والمال اللذين كان من الممكن أن أستثمرهما في أشياء قد تهمني حقاً - بأجري العالي والساعات الطوال من كل عام.

السبب في استبدال السعادة:

لماذا قد يقرر أي شخص أن يستبدل وقته أو ماله بالسعادة؟ أعتقد أنَّ السبب في ذلك هو أنَّ الواقع يجعل الموقف أكثر تعقيداً وصعوبة، وإذا نظرنا إلى الأمر بموضوعية، فإنَّ الأمر بسيطٌ حقاً، لكن عندما تضيف إلى ذلك الحياة الواقعية وتعقيداتها، يصبح الموقف أصعب بكثير.

إنَّ القرارات التي اتخذتها في الماضي لها تأثير في الالتزامات التي لديك اليوم، ومن الممكن أنَّك تتخذ الآن قرارات لتعويض قرارات أخرى اتخذتها في الماضي.

من العدل أن أقول ليست كل القرارات التي تتخذها سينتج عنها رضى أو استياء بنسبة 100%، فبالنسبة لي رغم أنَّ الوقت الذي استهلكته مني تلك الوظيفة التي كنت أعمل بها طويل جداً، لكن كنت أستمتع بها حقاً، وكان شراء تلك الأشياء يمنحني بعضاً من السعادة، حتى ولو كانت عابرة، ولدي أوقات الآن، أقوم بها بأشياء أهتم بها فعلاً، إلا أنَّني أشعر بالإحباط ولست سعيداً دائماً، ويبدو أنَّ الحياة لا توفر لنا حلاً واضحاً لمشكلاتنا.

كل ما يمكنني قوله هو أنَّني عندما كنت أسير في الاتجاه الخاطئ، شعرت أنَّ معظم قراراتي كانت عبارة عن تضحيات وحلول وسطية، ولا يمكنني تحقيق السعادة من خلال هذه الأنواع من القرارات.

الأهم من ذلك، أنَّ السبب في بقائي على هذا الطريق لفترة طويلة رغم معرفتي بأنَّني كنت أتجه اتجاهاً خاطئ، هو لأنَّني لم أعرف ماذا سأفعل غير ذلك وأعتقد أنَّ هذا الأمر يواجهه الكثير من الناس.

إقرأ أيضاً: 6 خطوات سهلة للحصول على السعادة الأبدية

قوانين الفيزياء لا تنطبق على السعادة:

كان عالم الفيزياء الإنجليزي جيمس جول (James Joule) هو أول من نشر قانون حفظ الطاقة، وكانت فكرة القانون هي أنَّ الطاقة الموجودة في الكون لا تستحدث من العدم ولا تنعدم، لكن يمكن تحويلها من شكل لآخر؛ إنَّ السعادة لا تتبع هذا القانون، وأكثر شيء مزعج في هذا الأمر هو أنَّنا عندما نبيع سعادتنا، فإنَّها لا تتحول إلى سعادة لأي شخص آخر، والسبب في ذلك هو أنَّ الشيء الذي تقوم ببيعه في الواقع هو ليس سعادتك على الإطلاق، بل هو الوقت الذي تقضيه في قيامك بالأمر الذي يسعدك، وسعادتك ليست إلا من الخسائر التي تفقدها عندما تتخذ قراراً بتجاهلها.

لكن بصرف النظر عن نظرتك إلى السعادة، فإنَّ الشيء الهام الذي يجب أن تتذكره هو أنَّ السعادة هي عبارة عن سلعة، وعلى الرغم من أنَّه لا يمكن لأحد أن يشتريها منك، فأنت قادر على بيعها، ويجب النظر بالثمن الذي تضعه لها بعناية.

إقرأ أيضاً: حدد ما يجعلك سعيداً

الخلاصة:

لا يمكن شراء السعادة، لكن يمكن بيعها، وبيع السعادة هو شيء نقوم به بشكل يومي، وغالباً دون أن ندرك ذلك.

المصدر




مقالات مرتبطة