سايكولوجيا الوقوع في الحب والفرق بينه وبين الحب الحقيقي

يرى بعض خبراء علم النفس أنَّ الوقوع في الحب ليس سوى حيلة تطورية، تقوم بها المورثات والجينات الجنسية وغريزة البقاء، للتحايل على العقل الواعي ودفعه نحو الزواج، وسنتعرف في هذا المقال إلى تعريف الحب وفق مفهوم علم النفس، وسنبحث عميقاً في سايكولوجيا الوقوع في الحب، ونتحدث عن أهم الفروقات بين الحب الحقيقي والوقوع في الحب.



ما هو تعريف الحب وفق علم النفس؟

يرى بعض خبراء علم النفس أنَّ الحب هو عبارة عن مجموعة من الحاجات العاطفية الضرورية، التي قد يلجأ الإنسان إلى إشباعها بطرائق مختلفة، وقد يكون التصرف البديهي أو الشائع عند أغلب الناس لإشباع هذه الحاجة هو البحث عنها في أشخاص آخرين، ومحاولة ربط الحب بإشباع هذه الحاجة لدى هذا الشخص بالذات، وهو الأمر الذي يفتح باب الابتزاز العاطفي أو الغرور سواء بشكل واعٍ أم غير واعٍ.

وفيما يعرِّفه بعض علماء النفس الحديث على أنَّه حالة انعتاق دائمة من الذات، وتماهٍ مع الشخص المحبوب وروحه وعقله إلى حدِّ التوحد في كيان واحد، فيصبح كل ما يؤذيه يؤذينا، وكل ما يعنيه يعنينا، وعلى مستوى الشعور الداخلي والإحساس الخارجي المادي.

الفرق بين الحب الحقيقي والوقوع في الحب من ناحية المفهوم:

إنَّ الحب الحقيقي هو حالة من الاتساع الدائم في الأنا عند كلا الشريكين، أما الوقوع في الحب، فهو حالة مؤقتة تخرج فيها الذات من حدود الأنا لبعض الوقت، وتفرح بذلك مثل الطفل الصغير الذي يخرج إلى الغابة ظناً منه بأنَّه يستطيع أن يتدبر أموره وحده، وتغمره مشاعر الفرح والسعادة والانتصار، غير أنَّه مع حلول الظلام يبدأ بالبكاء، ويهرع خائفاً إلى منزله.

الحب الحقيقي هو حالة من تعزيز النمو الفردي للإنسان أو دعنا نقول بعبارة أدق هو أن يضع الفرد أمام عينيه هدف التطور والنماء العاطفي والنفسي والاجتماعي والمهني، وهذا ما لا نجده في حالة الوقوع في الحب؛ لأنَّ الفرد لا يضع التطور والنماء هدفاً بالنسبة إليه؛ وإنَّما ينظر إلى العلاقة على أنَّها هدف بحد ذاتها، وعندما يصل إليها يظن أنَّه قد وصل إلى قمة الأمان والاستقرار والاطمئنان، ولا يحتاج إلى تطوير كيانه.

الفرق بين الحب والوقوع في الحب في طريقة البداية:

يفرق خبراء علم النفس بين الحب وبين الوقوع في الحب؛ إذ يُعَدُّ الوقوع في الحب حالة غير إرادية، وغير خاضعة للمواصفات أو المعطيات أو المواقف أو الأفكار؛ بل هي حالة فجائية على مستوى المشاعر والعواطف التي تتحكم بها الحالة اللحظية التي جمعت طرفي العلاقة، وفي حال قرر الشخص الانفصال، فإنَّه على الأغلب لن يحمل فيما بعد مشاعر الحب والامتنان تجاه الطرف الآخر، وقد يحدث الوقوع في الحب دون أي إنذار أو إشارة مسبقة على عكس الحب الذي يحصل استناداً إلى معطيات ومعلومات ومواصفات معينة.

الفرق بين الحب والوقوع في الحب من ناحية التضحية:

الحب هو أن تتمنى الأفضل للشخص الآخر، لكن دون تقديم التضحيات، على عكس الوقوع في الحب الذي يعني تقديم التضحيات والتنازلات دون أي تفكير؛ لأنَّ هذه الحالة تضمن عدم وجود أي شكوك حيال الشخص الآخر وتكون التضحية عبارة عن عفوية أو تلقائية غير خاضعة لعمليات التفكير أو المحاكمة العقلية.

لماذا تُعَدُّ حالة الوقوع في الحب حالة مؤقتة؟

بعض الاتجاهات في علم النفس تنظر إلى الوقوع في الحب على أنَّه تجربة مؤقتة؛ وذلك لأنَّه يرتبط بمفهوم الرغبة أو الشهوة الجنسية، وهذا ما نجده في الكثير من علاقات الزواج التي انتهت بعد انتهاء شهر العسل؛ إذ تم الوصول إلى ذروة العلاقة وهي الجنس، ومن ثمَّ أُفرغ هذا الشعور وأُشبِعَت هذه الحاجة؛ ولذلك أصبح الشخص الآخر عبارة عن جزيرة مكتشفة لم يعد فيها ما يثير الانتباه أو الدهشة.

وعندما نقول إنَّنا وقعنا في حب شخص معين، فهذا يعني أنَّنا في غالب الحالات لم نأخذ الوقت الكافي للتفكير في هذه العلاقة بكافة جوانبها، وبعد انقضاء هذه الفترة سنشعر أنَّ شيئاً ما قد تغير فينا من الداخل؛ لأنَّ الوقوع في الحب هو حالة مركَّزة من الحب؛ إذ تكون فيها المشاعر في حالة ذروة، وكما نعلم أنَّ حالة الذروة لا يمكن أن تستمر طويلاً؛ لأنَّ كل حالة ذروة، يتلوها حالة من الانخفاض، حين تكون الذروة عالية كما هو الحال في الوقوع في الحب، فإنَّ الانخفاض بعدها قد يكون حاداً أو سريعاً؛ وهذا يؤدي إلى حالة تشبه الصدمة في المشاعر.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح بسيطة لتجاوز علاقة الحب الفاشلة

الوقوع في الحب وهدم جدران عزلة الذات:

عندما يولَد الطفل، فإنَّه لا يمتلك أيَّة معرفة عن مفاهيم حياته الجديدة، فهو لا يميز ما بين ذاته وما بين العالم من حوله، ولا يفرق ما بين أمه وسريره، فكل هذه العناصر بالنسبة إليه واحد، وتكون حدود الأنا لديه لم تكتمل بعد، وعندما يسمع صوت أمه قد يظن بأنَّه صوته، وعندما يتحرك السرير فقد يظن نفسه هو الذي يتحرك، وخلال هذه الفترة لا يدرك الطفل أي حدود بينه وبين العالم الخارجي.

وعندما يبدأ الطفل بالشعور بالجوع ويرى أمه تسرع إلى إرضاعه، وعندما يشعر بالملل أو الضجر ويراها تسرع إلى تسليته، فإنَّه يبدأ بتكوين مفهوم الذات أو الأنا وتبدأ حدود الذات تتشكل بينه وبين العالم الخارجي.

ولما يخرج الطفل في عمر السنة والنصف إلى الحياة ويبدأ بالمشي، فإنَّه يبدأ بالتعرف إلى وجود أشياء جديدة تختلف عنه، وكلما تقدم في العمر ازدادت معرفته بأنَّه كائن صغير جداً وسط عالم كبير جداً، ولكنَّه يقنع نفسه بأنَّه مركز الكون، وقد نجد ذلك من خلال متابعته للشخصيات الكرتونية مثل شخصية سوبرمان.

قد يتجاوز الطفل بعدها هذه المرحلة ويفهم حقيقة أنَّه كائن ضعيف؛ لذلك فإنَّه قد يلجأ إلى الانكفاء على ذاته، وهذا ما يحصل في الحالة الفصامية؛ وذلك من أجل حماية نفسه من أي خطر أو تهديد خارجي، كما يرى بعض خبراء علم النفس أنَّ الوقوع في الحب يحقق هدم جدران هذه العزلة التي بناها الشخص حول نفسه، وتعيد إليه حاجته الأساسية في أن يندمج مع الآخر؛ إذ تنكسر حدود الذات، ويتوحد هذا الشخص مع ذات المحبوب ويذوب فيه إلى حد أن يصبحوا وكأنَّهم كيان واحد.

وفي حال كانت الأم مهملة لطفلها في سنته الأولى والثانية نتيجة مرضها العقلي أو نتيجة ظروف الحياة أو بسبب وفاتها، فقد لا تكتمل الحدود بين ذات الطفل والعالم الخارجي؛ لذلك فإنَّه قد يكبر على اعتقاد أنَّ كل هذا العالم يعمل لأجله، وهو يستطيع تغيير كل شيء لمصلحته، وهذا ما يظهر ولو ظهوراً جزئياً في حاله القادة المتكبرين أو الحكام المستبدين.

إقرأ أيضاً: هل أنت مستعد للحب الحقيقي؟

كيف يمكن أن يكون الوقوع في الحب نكوصاً نحو مرحلة الطفولة؟

تنظر بعض مدارس علم النفس إلى الوقوع في الحب في بعض الحالات على أنَّه حالة من النكوص أي الرجوع إلى الطفولة؛ إذ يصيبنا الحنين نحو الذات الطفولية حين كنا في حالة اندماج كامل مع الأم؛ لذا يشعرنا الوقوع في الحب أنَّ ذلك الحلم القديم قد يتحقق من جديد، على الرغم من أنَّ الانعتاق من الارتباط بالأم هو حاجة لنا في مرحله الرشد، غير أنَّه قد يصبح في بعض الحالات حاجة؛ وذلك بسبب ما تتيحه لنا هذه الحالة من راحة وأمان واستقرار على مستوى الحالة النفسية والعاطفية والوجدانية.

كيف يمكن أن يكون الوقوع خارج الحب هو الحالة الحقيقية من الحب؟

قد يكون الوقوع خارج الحب هو الحالة الحقيقية من الحب؛ لأنَّ الطرفين يكونان قد تخلصا من كل الاندفاعات والشهوات والمشاعر والعواطف الجامحة التي كانت في حقيقة الأمر تتحكم بهما، أما عندما يكونان خارج هذه الحالة فإنَّ الذات تتصرف من منطلق الحب؛ أي إنَّها تفعل ما تفعله وتقدم ما تقدمه بهدف الحب وليس بهدف إشباع رغبات ذاتية.

إقرأ أيضاً: التعلُّق: جحيم مستتر خلف قناع الحب

ما هي التغيرات التي تحصل بعد تخطِّي مرحلة الوقوع في الحب؟

بعد انجلاء غشاوة الوقوع في الحب عن أعين الزوجين، تبدأ الخلافات تطفو إلى السطح، وتتدرج من أشياء صغيرة تتراكم فوق بعضها، لتنفجر دفعة واحدة على شكل خلافات أو شجارات قد تنتهي بالطلاق في بعض الحالات؛ فبعد أن تستكين الهرمونات والنواقل العصبية المسؤولة عن مشاعر الفرح والثقة والأمان والسعادة، يبدأ الزوجان بالعودة إلى الحالة المرجعية أو الأساسية التي كانا عليها قبل الزواج، وهي حدود الأنا التي خرجا منها لبعض الوقت، ونرى ذلك في المظاهر الآتية:

  • هو يريد ممارسة الجنس، بينما هي لا تريد ذلك في ذلك الوقت، وإنَّما في وقت آخر.
  • هي تريد الذهاب إلى منزل قريبتها، وهو يريد الخروج مع أصدقائه.
  • هو يريد ادخار المال لترميم المنزل أو استصلاح قطعة أرض، أما هي تريد أن تشتري آلة غسل الصحون.

في الختام:

إنَّ الحياة لا يمكن أن تُقاس بالماضي أو المستقبل أو المال أو حتى الصحة؛ بل تقاس بالحب، الذي هو مقدار الوعي المتوفر لنا؛ الوعي الذاتي بأنفسنا وما يعتمل في داخلها من مشاعر وأحاسيس، والوعي بالناس من حولنا، وبالنباتات والحيوانات والأشجار والطيور، وبأنَّ كلاً منها له الحق الكامل في أن يحيا بحب ويعيش بسلام وأمان.

المصادر: 1،2،3




مقالات مرتبطة